الموت حق… قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) … (إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)
يتألم الإنسان لأقل ألم يشعر به أحد الأحبة والأعزاء فكيف بفراقهم؟ لاشك بأن فراقهم مؤلم ومحزن ويكسر القلب فقد ورد في دعاء الصباح عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أن في الموت قهر للعباد: (فيا من توحد بالعز والبقاء، وقَهَر عباده بالموت والفناء)
العين حق كما ورد في الأخبار ولا يأمنها الشخص منه على أعز الناس إليه ولا حتى على نفسه فعليه بقراءة الأذكار والسور الواردة للحماية منها بإذن الله تعالى. ومنها التكبير وقول ماشاء الله لاقوة إلا بالله العلي العظيم وقراءة الفاتحة والتوحيد والمعوذتين وآية الكرسي وغيره من الأدعية الواردة في الروايات.
📌 عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال: *العين حق ولا تأمنها منك على نفسك ولا منك على غيرك، فإذا خفت شيئا من ذلك فقل:”ماشاء الله لاقوة إلا بالله العلي العظيم” ثلاثا
عندما تطلب من طفلك عمل شيء ما، ترى أحيانا منه ممانعة ولكن عندما تربطه بشيء من اهتماماته تجد منه استجابة سريعة. وعندما تكون في منظومة عمل أو أي جهة وتطلب تغيير شيء ما، تجد مقاومة من الجهة المنفذة ولاتستبعد أن تسمع السؤال (ماذا يوجد في هذا التغيير لصالحي؟). وقد تطلب معلومات من شخص ولكنك لاتحصل على ماتريد بسهولة وإذا ما أعدت المحاولة مرة أخرى بعد معرفة اهتمامات الشخص ودخلت من خلالها وأوضحت له مدى اهتمامك به حصلت على ماتشاء وأكثر بيسر وسهولة.
يتعرض الإنسان للكثير من المواقف التي تتطلب الصبر في جميع شؤون حياته وذلك في علاقته مع الله عز وجل من حيث البلاء والطاعة والمعصية، وعلاقته وتعامله مع المجتمع التي لاتخلو من النصَب والمشقة والمكابدة والعناء، وتحتاج إلى الصبر والتحكم في الانفعالات. قال تعالى: “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ”. [1]
قال الإمام علي (عليه السلام) في الصبر: “الصبر أن يحتمل الرجل ما ينوبه، ويكظم ما يغضبه”. [2] وقسّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الصبر إلى ثلاثة أنواع : ١) صبر عند المصيبة، ٢) وصبر على الطاعة، ٣) وصبر عن المعصية. [3]
ولله الحمد على توفيقه لأداء الصلاة في المسجد بعد انقطاع دام خمسة أشهر ونصف تقريبا بسبب الوعكة الصحية والعملية الجراحية، والتي تبعها تعليق الصلاة في المساجد بسبب جائحة كورونا. لقد تم بحمد الله افتتاح المسجد في الحي قبل أربعة أيام وشاهدت مقاطع الافتتاح، فشدني الشوق والحنين إلى بيت الله وصلاة الجماعة؛ فقررت الذهاب لتقييم الوضع الذي كان مطمئنا والبهجة تغمر المصلين المتشوقين لروحانية الصلاة في المسجد.
مسجدنا حاله كحال المساجد الأخرى التي كان لديها تحفظ على الافتتاح بعد السماح من الدولة قبل أكثر من شهر وذلك لعدم استقرار الوضع بل تزايد حالات الإصابات التي تجاوزت 4000 حالة يوميا، و أحسائنا الحبيبة كانت من المدن المنافسة في الصدارة.
مع جائحة كورونا والتباعد الاجتماعي يفتقد أهل العزاء مجالس العزاء التي يحضر فيها الأهل والأحبة لمواساتهم وتخفيف ألم المصاب عليهم. وقد تم استبدالها بالمجالس الافتراضية في وسائل التواصل الاجتماعي وبشكل واسع عبر الواتساب لوضع التعزية والمغادرة لفسح المجال للآخرين.
هذا من أضعف الإيمان للمواساة وما الضير في الدخول والتعزية في أي مجلس عزاء يصلك سواء كنت على علاقة ومعرفة بأهل المصاب أم لا – إن سمح الوقت- وتجعل ذلك قربة إلى الله تعالى فالأمر لايستغرق أكثر من دقيقة خصوصا إذا أعددت رسالة وحفظتها في جوالك.
قد لايعني هذا الكثير بالنسبة لك ولكنه يدخل السرور على أهل المصاب بالتفات والتفاف ووقفة المجتمع معهم في ظل هذه الظروف العصيبة. ربما لاتعرف المتوفى وعائلته ولكن لايخلو الأمر من معرفة أحد أقاربهم من عوائل أخرى لاتعلم بها إلا بعد الدخول للتعزية.
نعم التعزية لا تستغرق أكثر من دقيقة، وليكن تواصلك مع إخوانك المؤمنين قربة إلى الله تعالى خصوصا وأنك لاتحتاج إلى معاناة التنقل من مجلس إلى آخر مع ازدحام الشوارع.
وقد أوردت الروايات الأجر والثواب الكثير للمعزي. روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): “من عزى مصابا فله مثل أجره، من غير أن ينتقص من أجر المصاب شئ”. وروي عنه (صلى الله عليه وآله): “ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبته إلا كساه الله من حلل الكرامة”.
فلاتجعل الأجر يفوتك وأنت جالس في منزلك، وجميل أن تستمر هذه المنهجية حتى بعد هذه الجائحة لتمكين من لايستطيع الحضور لبعد المسافة أو أي ظرف كان من تقديم العزاء والمواساة لإخوانه المؤمنين. تغمد الله موتى الجميع بواسع رحمته وأسكنهم فسيح جناته.
الأمر الطبيعي أن لا ينكر الإنسان المعروف و يحسن إلى من أحسن إليه وليس في ذلك فضل فكل من أسدى معروفا يستحق أن يقابل بالمثل. قال تعالى: “هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ” [1]. فإن أحسن الإنسان فهو لنفسه وإن أساء فهو أيضا لنفسه كما قال الله تعالى: “إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا” [2].
أوقفتني كلمات طفلة في الخامسة من عمرها تقول لجدتها متذمرة: “متى يروح كورونا ؟ تعبنا… اشتقت لماما”. ودائما ما تتردد هذه الكلمات على لسانها كلما ازداد حنينها وشوقها لترتمي في حضن أمها لتتزود من عطفها وحنانها. أمها تعمل في المجال الصحي تخرج صباحا وتعود ليلا منهكة وقد عزلت نفسها في شقتها وتركت أطفالها عند جدتهم بعد تزايد حالات الإصابة بكورونا خوفا عليهم من العدوى وانتقال الفايروس إليهم – لا قدر الله.
آخر في نفس المجال قد عزل نفسه في مجلس أو ملحق في نفس المنزل يعمل ليلا ونهارا يراه أطفاله من بعد تحدوه الرغبة والشوق وهم أيضا للسلام والأحضان والقبلات ولكن هيهات فقد فرض عليهم فايروس كورونا التباعد وحرمانهم من القبلات والأحضان…
آخر قد ابتلي بالمرض وهو يزاول مهنته الإنسانية ويداوي المرضى فأقعده على السرير الأبيض تحيط به الأجهزة لإنقاذ حياته ولكنها تقف عاجزة أمام القدرة الإلهية ودنو الأجل ليرحل ضحية وشهيدا للوطن ومن يرتع على أرضه الطيبة.
معاناة وتضحية إخواننا وأخواتنا في المجال الصحي كبيرة لايستشعر حقيقتها الكثير منا لبعدنا عنهم واستمتاعنا بحياتنا مع أسرنا وأطفالنا وهذا مايجعل البعض يتهاون بخطورة هذا المرض وسرعة انتشاره وفتكه، فيرمي بالاحترازات خلف ظهره ويأنس ويستمتع بالتجمعات غير مكترث، متوهما بأن الخطر قد زال مع رفع الحظر والسماح بمزاولة بعض الأنشطة تحت بروتوكولات محددة تحت شعار لنعود بحذر لتعود الحياة تدريجيا لطبيعتها. وما أن تنتهي هذه التجمعات تبدأ الأعراض بالظهور بعد أيام على بعض الحضور ومنهم تنتقل إلى آخرين ولنا أن نتصور العشرات من الإصابات من حالة واحدة لم تستشعر المسؤولية وكان الأولى والواجب الشرعي منها العزل المنزلي وعدم الاختلاط بالآخرين في حال تأكد الإصابة أو الاشتباه حتى يتم التأكد… حينها ندرك الخطر ونعض أصابع الندم ولكن ماذا ينفع الندم عند فقد عزيز على قلوبنا ونحن السبب؟
ونظرا للتقييم المبدئي وعدد الحالات المتزايدة بعد رفع الحظر ربما تحتاج الجهات المعنية التخفيف من وتيرة الفسح السريع في البروتوكولات حتى يستوعب المجتمع الوضع ويتماشى معه بمسؤولية و وعي أكبر.
هذه العودة لاتعني زوال الخطر وإنما تعول على وعي وثقافة المجتمع لتحمل المسؤولية والتي مع الأسف لاتطمئن ولاتبشر بخير بالنظر إلى المؤشرات وتزايد حالات الإصابة وتجاوزها 4000 حالة يوميا، ولأحسائنا الحبيبة نصيب ونسبة كبيرة منها فهي في الطليعة تدعو للقلق من تفاقم الأوضاع لو استمر الأمر على ماهو عليه نظرا للمعاناة في توفر سرير بسهولة في أحد المستشفيات.
إننا بحاجة لاستشعار المسؤولية لنُبحر جميعا إلى بر الأمان في وقت قياسي وبأقل الخسائر في الأرواح. وأن نكون عونا ونقدم شكرنا وتقديرنا قولا وعملا لإخواننا وأخواتنا في النطاق الصحي المضَحّين بكل شيء من أجل راحتنا وسلامتنا لكي يعودوا هم أيضا وأسرهم لحياتهم الطبيعية. شكر الله سعيهم وأثابهم على جهودهم المتضافرة، ودعواتنا لهم جميعا بالحفظ والتوفيق.
مع نهاية اليوم خرج من مكتب رئيسه متأثرا غاضبا بسبب عدم حصوله على التقييم السنوي الذي كان يتوقعه واضمحلال فرصة حصوله على ترقية. وصل إلى منزله فاستقبلته زوجته تسأله عن الاحتياجات التي طلبتها فرد عليها بنبرة غضب لم تحتملها ولم تتمكن من امتصاص غضبه.. علت أصواتهما فصب عليها جام غضبه وامتدت يده عليها.. تأزمت العلاقة بينهما وانتهت بالانفصال الذي كان ضحيته الأطفال الأبرياء.
حادثة واحدة من الكثير من الحوادث والمواقف التي تحدث يوميا داخل الأسرة بين الأزواج وبين الآباء والأبناء وفي المجتمع والعمل ومختلف مجالات الحياة فتنتهي بعواقب وخيمة من التأثير على العلاقات وهدمها والتباعد والعداوة، بل قد يصل الأمر إلى فقد الأرواح في لحظات غضب عابرة يفقد فيها الإنسان أعصابه وعقله وتوازنه فيصبح كالمجنون ثم ينتهي بالندم والاعتذار الذي قد لا يفيده. قال الإمام علي (عليه السلام): إياك والغضب فأوله جنون وآخره ندم. [1] وقال: الغضب نار موقدة، من كظمه أطفأها، ومن أطلقه كان أول محترق بها. [2] كما أن للغضب آثار سلبية على الصحة الجسدية والنفسية، ويجعل الإنسان غير محبوبا عند الآخرين إذا ماكان الغضب سمة بارزة عنده يغضب على كل صغيرة وكبيرة.
الغضب إن لم يكن لله فهو من الأخلاق الذميمة وهو شر يدمر حياة البشر إذا ماتم الاستجابة له. قال الإمام علي (عليه السلام): الغضب شر إن أطعته دمر. [3] وقال الإمام الصادق (عليه السلام): الغضب مفتاح كل شر [4] ؛ وذلك يؤكد أهمية وصية النبي (صلى الله عليه وآله) ومدى أبعادها لذلك الإعرابي الذي سأله فقال له لاتغضب ثم سأله فكررها ثلاثا (لاتغضب) نظرا لما ينتج عن الغضب من شرور وعواقب وخيمة لايُحمد عقباها.
من منا لايغضب؟ التحكم في الغضب خصوصا في الثواني الأولى مطلب مهم يحتاجه الكثير منا وإن لزم الأمر وقتا طويلا لترويض النفس وتهذيبها والحد من انفعالاتها. ولكي يتحكم الإنسان في غضبه ويعالجه ولا يفسد إيمانه عليه أن يتذكر دوما نصيحة نبينا المصطفى (صلى الله عليه وآله) لذلك الإعرابي الذي قال له (لا تغضب) وكأنه هو المعني بها. وكذلك العمل بالوصايا التي وردت في الروايات ومنها الصمت، و الاستعاذة من الشيطان الرجيم، وتغيير الحالة والهيئة فإن كان قائما يجلس، وإن كان جالسا يقوم أو يضطجع، وإن كان الغضب مع ذي رحم يُنصح بلمس الرحم لأن الرحم إذا مست سكنت. قال الإمام أبي جعفر (عليه السلام): وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه، فإن الرحم إذا مست سكنت. [5]
كما أنه من الضروري التعرف على الأسباب المثيرة للغضب والتخلص منها، والصبر وحسن الظن، ومراعاة مشاعر وظروف الآخرين، والتأكد والتحقق وعدم التسرع في الحكم، والتكيف مع المواقف المثيرة للغضب، والتفكير في العواقب الوخيمة.
ومن أنجع السبل للتحكم في الغضب الحلم وكظم الغيظ ابتغاء وجه الله تعالى فقد ورد أن جمال الرجل في حلمه وأن الإنسان إن لم يكن حليما يمكنه التحلم والتدرب على ذلك. قال الإمام علي عليه السلام: إن لم تكن حليما فتحلم، فإنه قل من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم [6]؛ وقال (عليه السلام) : إنما الحلم كظم الغيظ وملك النفس [7] ؛ وقال : احترسوا من سورة الغضب، وأعدوا له ما تجاهدونه به من الكظم والحلم. [8]
التحلي بالحلم وكظم الغيظ والتحكم في الغضب ليس ضعفا وليس فيه ذلة وإهانة كما يتصور البعض بل هو شجاعة وقوة امتدحه سيد الخلق. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب. [9]
أسعدني خبر زفه إلي أخي السيد عدنان بحصوله على ترقية في شركة أرامكو السعودية وأعاد شريط الذكريات عندما كان يعمل معي قبل أكثر من عشر سنوات في معمل الغاز بالعثمانية . لقد كانت وظيفته فني مختبر ولكنني لمست في الطموح والشغف والرغبة في الإبداع والتجديد فأوكلت إليه بعض المهام الإضافية المتعلقة بحماية البيئة ففاجأني بحماسه ومتابعته للتغيير فتم تعيينه مساعدا للمهندس المنسق لحماية البيئة وتكليفه ببعض المهام. في تلك السنة كان أحد أهدافنا حصول المعمل على جائزة التميز في مجال البيئة وبالفعل تم وضع الاستراتيجيات اللازمة وبالفعل تم الحصول على الجائزة لأول مرة وكان للسيد عدنان دور كبير لتحقيق هذا الهدف.
الغالبية العظمى – إن لم يكن جميع منظمات العمل – تعمل بروح الفريق الواحد ؛ لما في عمل الفريق من اتحاد وقوة وتعاون وتكاتف وتنسيق أفضل بين مختلف الأعضاء المشاركين ؛ و ذلك للخروج بمحصلة عالية من الإنتاجية والتميز والإبداع والإنجاز في وقت قياسي. وكذلك الحال مع الكثير من المجتمعات التي تعمل بروح الفريق (أو مع جماعة) لنفس الأهداف. رُويَ عن رسول الله – صلى الله عليه وآله – : ”المؤمنون متحدون متآزرون متضافرون كأنهم نفس واحدة“. في هذه المقالة سنحاول تسليط الضوء على بعض الخلافات التي تحصل في صفوف الجماعة فتفقدها أو بعض أعضائها القوة والفاعلية بسبب عدم الانسجام والتفرقة، وما الذي تحتاجه كل جماعة لتجاوز هذه الخلافات.
ينقل أحد الأصدقاء قائلا كنت جالسا في مجلس أحد الوجهاء ممن لهم مكانة واحترام في المجتمع فإذا برجل تبدو عليه علامات الصلاح والإيمان عند مدخل المجلس. فاستقبله صاحب المجلس بكلمات ساخرة بصوت منخفض خلقت جوا من الفرفشة والمرح، وابتسم من ابتسم وضحك من ضحك من ضيوفه بهدوء مجاملة وتزلفا له. وما أن اقترب الرجل منه استقبله بالحفاوة والترحيب.
يقول لقد اهتزت صورة الوجيه في نظري وسقط من عيني وجعلني هذا المشهد أغير نظرتي نحوه، وأتساءل هل تسمح له وجاهته بالسخرية من الآخرين وغيبتهم؟ ويظهر أمام المجتمع ويحظى بالاحترام والتقدير؟
مشهد قد يتكرر في الكثير من المجالس سواء من الوجهاء أو غيرهم ويعتبره البعض من باب المزاح والتسلية وهو واقعا يحرق الحسنات من حيث لا يشعر المرء مقابل دقائق من المرح والتسلية.
مهما تكن مكانة الشخص ووجاهته ومنصبه وثروته فلا يخوله ذلك من السخرية من الآخرين والاستهزاء بهم وغيبتهم والانتقاص من شأنهم. فقد يكون ذلك الشخص أعز وأكرم منه عند الله فالمعيار الإلهي واضح بأن المائز الحقيقي بينهم هي التقوى. قال تعالى: ” إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ”. [1]
عندما يُنعم الله عليك بوجاهة أو ثروة أو منصب أو علم أو مكانة اجتماعية مرموقة فعليك أن تشكر المنعم على هذه النعم وأن يكون شكرك بالقول والعمل، وأن لا يصيبك الغرور والعجب والتكبر والتعالي على غيرك وتسمح لنفسك بالانتقاص من شأن الآخرين وعدم احترامهم. فمن جعلك في هذا النعيم هو قادر على أن يسلبه منك في طرفة عين وتصبح من الخاسرين.
بعيدا عن التعميم، ولله الحمد يوجد عدد كبير من النماذج المشرفة من الوجهاء والأثرياء وذوي المناصب العليا الذين لم يؤثر عليهم ما وصلوا إليه ولم يتغير معدنهم الأصيل، ويتمتعون بالأخلاق الحسنة ويحترمون الصغير قبل الكبير، وعلى مستوى عال من التواضع والتواصل الفاعل مع مختلف طبقات المجتمع، ولا يسمحوا لأنفسهم بالسخرية والاستهزاء من الآخرين وغيبتهم، وليس من صفاتهم العجب والتكبر والتعالي وبذلك احتلوا مكانة في قلوب الناس. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ”إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بطلاقة الوجه وحسن اللقاء، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بأخلاقكم.“ [2]
وما أكثر التوجيهات الربانية لتهذيب النفس وتربيتها على المنهج السليم والخلق الحسن والتي لاتغيب عن الكثير ولكن من باب الذكرى لنفسي أولا نكتفي بأربع منها. فإن دعتك نفسك للسخرية تذكر قول الله تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ” [3]. وإن دعتك للغيبة تذكر قوله تعالى: “وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ” [4].
وإن كانت معتادة على التكبر فتذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحديث القدسي: “يقول الله عز وجل: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في ناري” [5]. وإن كان لها نصيب من العجب فتذكر قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه للأشتر لما ولاه مصر: ”إياك والإعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحب الإطراء، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه، ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين.“ [6]
عبدالله الحجي
٢٠٢٠/٦/٧
الهوامش
[1] سورة الحجرات – آية 13
[2] الأمالي – الشيخ الصدوق – الصفحة 531
[3] سورة الحجرات، آية 11
[4] سورة الحجرات، آية 12
[5] جامع أحاديث الشيعة – السيد البروجردي – 445 /13
الحسد هو أحد الأمراض النفسية التي تُبتلى بها المجتمعات بوجود أفراد مرضى يغيظهم ويزعجهم رؤية غيرهم يرفلون في نعم الله سبحانه وتعالى بمختلف أنواعها فيتمنون زوال تلك النعم عنهم ولا يهنأ لهم بال إلا بعد زوالها. وقد حذر منه النبي الأكرم ﷺ ووصفه بداء الأمم في قوله: ألا إنه قد دب إليكم داء الأمم من قبلكم وهو الحسد، ليس بحالق الشعر، لكنه حالق الدين“ [1]
لاتخلو حياة كل إنسان من المشاكل والابتلاءات والتحديات التي لاينبغي أن تسيطر على حياته وتجعله يعيش حالة من الاضطراب والانتكاسة والعزلة والتعاسة والكآبة ويتصور بأنها نهاية الطريق فتُعطل كل طاقاته وامكاناته ويقف مستسلما فاقدا الأمل فيما يحقق له الخير والسعادة والنجاح والصحة وكل مايصبو إليه من أمنيات.
من مواقف مولانا أبي تراب أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه اشترى ثوبين بخمسة دراهم؟ أحدهما أفضل من الآخر واحد بثلاثة والآخر بدرهمين. فقال لغلامه قنبر خذ الذي بثلاثة. قال: أنت أولى به يا أمير المؤمنين تصعد المنبر وتخطب الناس، قال: يا قنبر أنت شاب، ولك شره الشباب، وأنا أستحي من ربي أن أتفضل عليك لأني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ألبسوهم مما تلبسون وأطعموهم مما تأكلون.
هذا من أحد المواقف التي تظهر تواضع مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) والذي نحن بأمس الحاجة للاقتداء به في حياتنا اليومية للتواضع مع الأبناء والأزواج والوالدين والأصدقاء وجميع طبقات المجتمع.
من الناس من يشعر بحالة نفسية من العجب بنفسه و التكبر بسبب المنصب أو المال أو الثروة أو المكانة العلمية والاجتماعية أو غيرها فيرى من المعيب أن يتواضع للآخرين وقد يبرر بأن ذلك بأنه من سمات وصفات الأنبياء و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) ولكن واقعا لو فتشنا من حولنا لرأينا نماذج مشرفة يُفتخر بها من طلبة العلم أو أصحاب المناصب والثروات أو عامة الناس لما يتحلون به من تواضع مع مختلف طبقات المجتمع ولايفرقون بين الغني والفقير أو الصغير والكبير.
ومن جهة أخرى تجد مواقف يؤسف لها ممن يرى نفسه من الطبقة المخملية المميزة كما ذكر أعلاه فيشمخ بأنفه ويتعالى ولايسلم على من هم أقل شأنا منه وإن سلم عليهم لايصافحهم وإن صافحهم كان بأطراف أصابعه ووجهه متجها لشخص آخر خلاف مايصنعه مع الشخص الذي هو في مرتبته.
ورد في نهج البلاغة: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند الله، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله. ويقول البعض لعل المراد من التيه الاعتزال عنهم وترك التواضع لهم. ويقول (عليه السلام): من أتى غنيا فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دينه.
يتوهم البعض بأن في التواضع مذلة وإهانة وانكسار ولكن واقعا تلك نظرة بعيدة عن الواقع.
– فلو كانت كذلك لم يأمرنا الله بها وهو الذي كرم الإنسان ولايرضى له بالإهانة. بل أمرنا الله جل وعلا بخفض الجناح للمؤمنين (أي التواضع) قال تعالى: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ” سورة الحجر ٨٨.
– ومن تواضع لله رفعه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله. الكافي ١٢١/٢
– وقال الإمام علي (عليه السلام): ثمرة التواضع المحبة، والتواضع يكسوك المهابة، والتواضع سلم الشرف”
مجلس عائلة الحجي بالهفوف يكرم المتفوقين من أبناء العائلة لعام 1431 هـ .
نظم مجلس عائلة الحجي بالهفوف حفل تكريم المتفوقين لعام 1431هـ،للسنة الثامنة في إحدى استراحات واحة الأحساء،وكان برنامج الحفل يتضمن إفطار جماعي،دعاء الافتتاح،مسابقات ترفيهية للكبار والصغار نظمه حيدر علي ومن ضمن المسابقات التي نظمها مسابقة الروب/ الكراسي / كاسات الماء/ لعبة التعرف على الأشخاص عن طريق اللمس بعد تغطية العيون/ الحجل/ الجري / النفخات وغيرها ثم بدأ حفل التكريم من تقديم محمد علي وكانت قراءة القران لكريم للشبل / علي حسين وتخلل فقرات الحفل أسئلة تخص مجلس العائلة،
كل إنسان له قيمته في هذه الحياة وعليه أن لايستهين بنفسه ويستحقرها ويقلل من شأنه باختلاف الأدوار. ورد عن الإمام علي (عليه السلام) “قيمة المرء مايحسنه” كما ورد في البيت: (وقدر كل امرئ ماكان يحسنه *** والجاهلون لأهل العلم أعداء). قيمة المرء تتجلى في خوضه للمجالات التي يحسنها والعلم الذي يحمله فإن عمل بجد وإخلاص وأتقن مايقوم به قولاً أو فعلاً ازدادت قيمته؛ والعكس صحيح فإن خاض فيما لايحسنه ولايتقنه وبقي في غيه وجهله سقط من أعين الناس وفقد ثقتهم وخسر قيمته.
ثقة كل إنسان بنفسه ستجعله يحافظ على قيمته ومن الضروري أن يجعل نفسه في المكان المناسب ومع الأشخاص الأمناء المناسبين لمعرفة قيمته الحقيقية التي يصنعها هو لنفسه بما يحسنه وبما يقدمه لمن حوله من عائلته ومجتمعه ووطنه. فمن يحرص على ترك الأنا وحب الذات ويعمل على تقديم المعروف والإحسان بأخلاق راقية وتعامل حسن وقلب مفعم بالإنسانية ويتفانى بالبذل والعطاء وتقديم أنبل الخدمات في مختلف المجالات للارتقاء بمن حوله يترك له بصمة خالدة حتى بعد رحيله. والعكس صحيح فالبعض قد يرحل ولايشعر بفقده إلا القليل لانطوائه على نفسه وبخسه لقيمته.
ومع الأسف البعض قد يعمل خلال سنوات ويكسب سمعة طيبة ليرفع رصيده ويكون له قيمة عالية في مجتمعه ويكون محبوبا يأنس به الناس وبمجالسته، ويؤلمهم ويحزنهم فراقه، ولكنه قد ينسف ذلك بين عشية وضحاها ويعض أنامل الحسرة والندامة إذا ما قصر في المحافظة على القيمة التي اكتسبها ممن حوله. وأحيانا يبالغ البعض بإعطاء أشخاص أكبر من قيمتهم ومكانتهم مجاملة أو لمصلحة شخصية ولكن سرعان ماتنكشف الحقائق و تسقط قيمتهم عندما تتغير الوجوه وتسقط الأقنعة. وعلى النقيض قد يعيش شخص ذو قيمة عالية بين جهال أو أعداء وحساد فيهمشونه ويحاولون النيل من قيمته وتسقيطه لعلو فضله وشأنه.
ومهما حَلّق الإنسان بقيمته الدنيوية وعلا وسما وافتخر وكسب من سمعة وشهرة اجتماعية ومهنية وغيرها فلا يغنيه ذلك عن القيمة الأخروية التي تتحقق بعبادة الله جل وعلا وطاعته وتقواه ليفوز ويحظى بالقيمة العالية والرتبة الرفيعة في جنان الخلد. ٢٠٢٠/٥/١١