لا نريد سمكاً.. علمونا الاصطياد!

قياسي
«لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد».. هذا مثل صيني رائع يتردد كثيرا على الألسن وفيه الكثير من الدروس والعبر في مجال التربية والتعليم. كم من طالب تحصل على إجابة لمسألة من معلمه كلقمة سائغة بدون أن يجهد ذهنه بالتفكير بكيفية الحل؟ وكم من متدرب قام مدربه بانجاز عمل ما له وسطر عليه اسمه ففرح وشعر بالفخر؟ وكم من ابن قام والداه باتخاذ قرار خاص له فارتسمت البسمة على ثغره وحصل على ما يريد بكل يسر وسهولة؟.. إنها بسمة وفرحة لحظية تكفي ليوم واحد كما هو الحال مع السمكة، ولكن كيف سيكون المصير إذا تم التوقف عن هذه العادة السلبية ليتخذ من يطلب العلم والتدريب قرارا صارما ويطلب تعلم الطريقة السليمة لاصطياد السمك ليستمر معهم التلذذ بطعمه مادامت حياتهم على وجه البسيطة؟

 
كيف سيتصرف الطالب عندما يكون في قاعة الامتحان بعيدا عن معلمه؟ وكيف سيدبر المتدرب والابن أمورهما عند غياب أو رحيل من يدربهما ويعالج المشكلات ويتخذ القرارات لهما؟
عندما يوكل مدرب عملا للمتدرب الذي معه يتوقع منه أن يوجهه ويرشده لكيفية إنجاز تلك المهمة ويعطيه الوقت الكافي للتفكير والاعتماد على نفسه في دراسة وتقييم عدة خيارات واختيار الأنسب منها حسب المعايير التي تتوافق مع استراتيجية وسياسة جهة العمل، وبذلك تتحقق عدة فوائد وأهداف، من ضمنها تدريب الأفراد بشكل صحيح بحيث يجعلهم ممن يعتمد عليهم بانجاز أي مهمة مشابهة مستقبلا وأيضا سيشعر المدرب بالراحة حيث سيفوض المتدرب بانجاز المهمة بأقل جهد و توجيه منه. قد يتخاذل المدرب أحيانا في التدريب لعدة أسباب منها انشغاله وعدم تخصيص الوقت الكافي للمتدرب، أو رغبته في انجاز المهمة بأسرع وقت ممكن، ويرى أن المتدرب سوف يعيقه عن تحقيق ذلك بكثرة أسئلته واستفساراته، أو شعوره بخطورة المهمة ويتحاشى تعريض المتدرب للخطر، أو عدم إخلاصه وخوفه على وظيفته ومنصبه من أن يتولاه من يقوم بتدريبه، أو انه لا يملك الأسلوب في فن التعامل والتدريب أو انعدام الحوافز والدوافع أو غيرها من الأسباب.
في المقابل فالطرف الآخر أيضا يمكن أن يكون هو السبب في البقاء في دوامة مغلقة بدون تدريب وتطوير، وذلك عندما يفضل حياة الركود والخمول والاكتفاء بالقليل ويعتمد على شخص موجود يقوم بانجاز كل مهمة وتواجده دائما أمامه ليلجأ إليه كلما استعصى عليه أمر عسير واطمئنانه بأنه سيبقى معه ولن يغادره. عندما تتفشى هذه الظاهرة غير الصحية حتما سينتج عنها عواقب وخيمة تعود على جهة العمل بالآثار السلبية فمن ناحية المدرب سيستمر بالمعاناة ولن يشعر بالراحة لأنه فضل أن يقوم بكل مهمة بمفرده وسيستمر على هذا المنوال هذا إذا لم «يسلمه صاحب العمل الباب» إذا ما تبين بأنه هو السبب الرئيسي في عدم تدريب كفاءات يعتمد عليهم.
أما بالنسبة للمتدرب الذي يكتفي بأكل السمكة ولا يكترث بالمطالبة بتعلم الاصطياد، فعلى مستقبله السلام ليستمر عالة على غيره بدون شخصية فاقدا للثقة والمقدرة على الإبداع والانجاز واتخاذ القرارات الصائبة ومعالجة أسهل المشكلات، وسوف تؤول حياته إلى الضياع والفشل نظرا لاعتماده على غيره والسكون لحياة الأخذ بيسر وسهولة. وما ينطبق على المتدرب ينطبق على الابن وغيره، فالابن الذي يعتمد اعتمادا كليا على والديه لاتخاذ قراراته ومعالجة مشاكله والتدخل في كل صغيرة وكبيرة في اختيار طريقة حياته وتعطيل عقله حتما سوف يؤول مصيره إلى مالا تحمد عقباه..

لا نريد سمكاً.. علمونا الاصطياد! – صحيفة اليوم

وئدت ياجبل القارة ولم يعرف لك قدر

قياسي

قبل أيام قرأت مقالا لأحد الإخوة في الصحف اليومية مفتخرا بجبل القارة بسبب الوفود الغفيرة التي ترتاده من كل حدب وصوب للإستمتاع بنسيمه البارد العليل بعيدا عن شدة الحرارة في فترة الصيف، ومشيدا برأي أحد المسئولين بالإهتمام الذي توليه بلدية الأحساء لهذا الصرح حيث تمت صيانة جميع دورات المياه والاهتمام بنظافته.

سررت كثيرا بما قرأت حيث انني لم أذهب إليه منذ فترة طويلة فأخذت عائلتي وتوجهت إلى ذلك الجبل الشامخ ذلك الطود العظيم ذلك المعلم الأثري المشهور في مدينة الأحساء فنظرت يمينا وشمالا متفحصا لما ناله من نصيب من التطويرات والتحسينات المزعومة فرأيته أسوأ حالا مما كان عليه قبل فترة من الزمن. بالأمس كان يوجد بوفيه لتناول المرطبات والمأكولات الخفيفة واليوم اكتفينا بوجود عربة عند المدخل مليئة بالماء والثلج لتبريد وبيع الماء والعصيرات… بالأمس كانت دورات المياه في وضع جيد واليوم أصبحت خارج الإستعمال وإن وجدت واحدة فليست بأحسن حالا من بعض دورات المياه الموجودة على الخطوط العامة…
بالأمس كان الأطفال يستمتعون ببعض الألعاب واليوم أصبح ليس لها ذكر.. بالأمس كان السائح يدخل تلك المغارة ويستمتع بذلك النسيم العليل واليوم أصبح بحاجة لكمامة لأنفه بسبب تلك القاذورات والروائح الكريهة التي يتسبب فيها ذلك السائح غير الواعي وغير المسئول… بالأمس وبالأمس وبالأمس ولا أريد أن أكون سلبيا ومتشائما كثيرا لكنها الحسرة التي يشعر بها أهالي المنطقة بسبب تلك الغفلة لهذه النعمة الالهية وهذا الكنز العظيم في منطقة الخيرات.
حبا الله المنطقة الشرقية بخيرات النفط والصناعة والزراعة وهي غير بعيدة لتنافس الكثير من المناطق الأخرى في السياحة وتسهم في تنوع الإيرادات والدخل لبلدنا الحبيب بدلا من التركيز المكثف فقط على النفط. بزيارة الأماكن السياحية في بعض الدول الآسيوية والأوربية إنني أضع علامة استفهام كبيرة لما سيؤول اليه الوضع لو كان هذا المعلم في إحدى تلك الدول. بجولة في النمسا التي يرتادها الكثير من السياح في كهف الجليد الذي يقع على ارتفاع الآلاف من الأمتار ولكن ذلك لم يكن عائقا لتعني الكثير إليه لإكتشاف أعماقه والاستمتاع بالتجول بين صخوره في درجة حرارة لا تتعدى الصفر المئوي. لقد شقت تلك الطرق وعبدت بين حنايا تلك الجبال الشاهقة ومددت تلك الكيابل لتسحب تلك العربات المليئة بالسياح إلى أعلى القمم. وما ان تصل إلى ذلك الباب حتى تجد المرشد السياحي مستعدا بمصابيحه ليفتح ذلك الباب وتهب تلك الرياح الباردة فتدخل وتستمتع بتلك الأجواء الباردة متسلقا سبعمائة (700) درجة خشبية قد تم انشاؤها محاطة بالقضبان الحديدية… لك أيها السائح لتستمتع بجولتك خلال الساعة التي تقضيها في هذه الأجواء وتشاهد مانسجته الطبيعة من أشكال جليدية جميلة من قمم الجبال. من لم يذهب لهذا الكهف يستكثر تسلق 700 درجة صعودا وأيضا نزول 700 درجة أخرى للخروج ولكن ما أن يبدأ تلك الجولة حتى يشعر بالراحة ولا يكترث بتلك الأعداد.
وذهابا إلى منجم الملح الذي يقع في أعماق الجبال ولايحتاج التسلق والصعود بل النزول. فقد هيأت القطارات لتأخذ السياح وتشق تلك الأنفاق الطويلة على تلك القضبان ومن ثم إكمال النزول تزحلقا على تلك الأخشاب الملساء والسير على الأقدام والاستمتاع بالشرح عن كيفية استخراج الملح بمختلف اللغات، ثم عبورا بعابرة في بحيرة تحت الأرض وصعودا بالمصعد في نهاية الجولة. فحتى لايقال ان ذلك في أوربا فلنذهب إلى مغارة جعيتا في لبنان ونستمتع بما هو أكثر جمالا من كهف الثلج في النمسا ونشاهد تلك المياه النازلة من قمم الجبال وما نسج من أشكال جليدية رائعة.
وحتى لا أسهب وأترك المجال للخيال ليذهب بعيدا في أقطاب الأرض أعود لجبلنا المؤود، لجبلنا الحبيب، لجبلنا المنسي بين أحضان القرى وماذا سيكون مصيره؟ إن مغاراتنا على سطح الأرض ولاتحتاج إلى تلك الطرق الوعرة للوصول إليها! في خطوة ايجابية والتفاتة مشكورة للجهات المعنية تم تزويد جزء من المغارة بالإضاءة وسفلتة الطريق المؤدي إليها ولكن هل هذا هو كل ماتحتاج إليه وما نستطيع عمله. إنها قفزة خجولة وكلنا ثقة بأننا نستطيع أن نفعل الكثير الكثير للنهوض بهذا المعلم ليتحدث عنه السياح في مختلف الدول ويصبح أحد المعالم السياحية في بلدنا الغالي ويسهم هو وغيره من المعالم السياحية بجذب أكبر عدد من السياح. لقد سمعنا مؤخرا بتوجهات وخطط مستقبلية لهذا المعلم وكلنا شوق وأمل وانتظار لرؤية تلك التطورات الجبارة التي تقتحم آفاق تلك المغارات ليلج فيها السائح ماكثا الساعات بدلا من الدقائق المعدودة.

اليتــيم و العيد

قياسي
مع إشراقة شمس العيد وتغريد الطيور، يخرج لؤي لصلاة العيد بصحبة والده لابساً ثيابه الناصعة، يتهلل وجهه فرحا، يشبك بأنامله الرقيقة كف والده، يتزود حنانا و يشعر بالأمان بجانبه..

عند باب المسجد يتبادل والده تهاني العيد مع أهل الحارة، كلما انتهى من شخص أقحم لؤي نفسه ومد يمينه للسلام وتطاول ومد عنقه رافعا يده اليسرى مشيرا لطوال القامة بالانحناء ليبصم قبلة العيد على خدهم، ويهمس في آذانهم «كل عام وأنتم بخير» يتبع لؤي والده إلى داخل المسجد، يستمر في التهاني بالعيد محاكيا والده في حركاته وسكناته. المسجد مزدحم بالمصلين، كل طفل تحرسه العناية الإلهية في كنف والده، يحاكيه، تغمره السعادة . يلمح لؤي زميله أحمد في إحدى زوايا المسجد، يسحب يد والده، يطلب منه الذهاب لزميله، يزف إليه تهنئة العيد، يسأل والد لؤي أحمد عن والده! أحمد يجيب بحرقة قلب وحسرة، بدمعة اتخذت مجراها من العين ..
قبل عام كان والدي يصطحبني معه إلى المسجد في يوم العيد، يصنع معي كما تصنع اليوم مع لؤي، يتهلل وجهه فرحا وسرورا وهو يقدمني لأصحابه 
اليوم أصبح مغيبا في التراب، رحل وأخذ ثوب العيد وفرحته، وسلب الابتسامة من ثغري، فغدوت تائها طريقي، منسيا لا يعبأ أحد بالانتباه إلى صغر جرمي وتهنئتي بالعيد. بعد رحيل والدي لم أشعر بالانكسار والذل والحرمان كثيرا. كان أخي بقربي، يضمني إلى صدره ويرعاني بعينه يعوضني حنان وعطف من غيبه الزمن. كان عمي بجانبي يكنفني بحبه، لم يجعلني أشعر بفقد أبي، يزورني دوما ويصطحبني بسيارته مع أبنائه أينما ذهب ويغدق علي بالهدايا.. لا يفرق بيني وبين أبنائه. ما هي إلا أشهر حتى انقطع أخي وأصبحت لا أراه إلا مرة في الشهر خصوصا بعدما رزق بطفله الأول بعد طول انتظار، وأصبح مشغوفا بحبه.. مستبعدا أخاه من ذاكرته. قلت السلوة بعمي.. لكن لم تدم عنايته طويلا بعد غياب أخي، قلت زيارته تدريجيا إلى أن اضمحل نور حنانه وانقطع دلاله. صحتُ أماه أين أخي.. أين عمي؟ لم تهتد لإجابة تشفي غليلي.. فناديت لا أريد مالا، لا أريد هدايا.. يكفيني كلمة حب ونظرة عطف وهمسة شوق لتطفئ حرارة الفراق. انقطع الأمل وأصبحت أمي هي كل شيء في حياتي، هي أبي وأمي وأخي وعمي، تسهر ليلها حزينة تستعيد الذكريات الجميلة، تفكر في أمري وتربيتي، تقاسي الويلات لتوفير لقمة عيشي، وتبذل كل نفيس لتنير دربي بالتعليم. حملت هم كسوة العيد وما هان عليها أن ترى قلبي منكسرا، فهب أهل الخير والإحسان بصنوف الطعام وكسوة العيد وهداياه. يتألم والد لؤي من كلام أحمد، يضمه إلى صدره.. يقبله.. يمسح على رأسه رأفة بحاله، ويقدم له هدية العيد.
يتأثر لؤي، يقبل زميله أحمد، تخنقه العبرة بكلمات متكسرة في حنجرته لا يعرف كيف يسليه.
يقف مندهشا أمام والده، تبلل الدموع ثوبه، يتساءل بصوت خافت «هل سيؤول مصيري إلى ما آل إليه مصير أحمد بعد فقدك يا أبتاه؟» 

٢٠٠٨/١٢/١٩

البنك العاطفي بين الرمل والصخر

قياسي
عندما صفعه صديقه على وجهه خط بإصبعه على الرمل صفعني صديقي وعندما أنقذ حياته من الغرق بحث عن صخرة ونحت عليها هذه الذكرى الجميلة . حينها وقف صديقه أمامه مستفسرا عن السر في ذلك فأجابه عندما أسأت إلي كتبت هذه الذكرى على الرمل لكي تذهب في مهب الريح ولا يبقى لها أثر في مخيلتي، وعندما أسديت إلي معروفا وأنقذت حياتي حري بي أن أنحت هذا المعروف على الصخر لكي يبقى ذكرى خالدة لا أنساها مدى الدهر .

قصة يتناقلها الأحبة والأصدقاء فيما بينهم سواء كانت حقيقية أو خيالية فلا تخلو من العبرة والأخذ منها ما يمكن اتخاذه منهجا وسلوكا أخلاقيا وتربويا لكيفية التعامل مع ما يشوب العلاقات من كدر واختلاف في وجهات النظر . في كتابه العادات السبع للناس الأكثر فاعلية تناول ستيفن كوفي موضوع البنك العاطفي الذي شبهه بالبنك المادي، فالإنسان يحرص على تحصيل المال وإيداعه في البنك لزيادة رصيده . وكذلك الحال للبنك العاطفي فالانسان يزيد من رصيده بمعاملته وسلوكه وتصرفاته مع الآخرين . زيادة الرصيد لا تتأتى بسهولة وإنما تتطلب بذل الجهد والوقت لزيادة محسوسة في الرصيد بينما تصرف وسلوك واحد غير محسوب قد يصيب هذا البنك بالإفلاس لدى البعض من البشر خلال ثوان معدودة .
هل خلق الإنسان معصوما من الزلل والخطأ، ومن منا يستطيع أن يحكم نفسه ليبلغ الكمال في تصرفاته ومعاملاته مع الآخرين ؟ فالحياة لا تخلو من الاختلاف في وجهات النظر وسوء التفاهم وقد تحتد بعض المواقف وتتأزم الأمور وتصل إلى طريق مسدود والحكيم من لا يغفل عن بنوكه العاطفية لدى الآخرين ولا يتخذ من الصخر مذكرات له .
إن ما يكبد الخسائر في البنك العاطفي هو الإخفاق في مراعاة العلاقات والمعاملات من جانب، ومن جانب آخر ما ينهجه الكثير في كيفية التعامل مع الذكريات المؤلمة . فكم هي نسبة من يكتب ذكرياته المؤلمة على حبيبات الرمل لتذهب سدى في مهب الريح في أسرع وقت ممكن ويمسحها من ذاكرته قبل أن تتعشش بين ثنايا ضلوعه وتتراكم لتولد أحقادا يصعب التخلص منها . لقد اختلط الأمر بالنسبة للإساءة والإحسان حتى طغى تدوين مواقف الإساءة على المواقف الجميلة . صحيح أن الذكريات لا تنحت على الصخر بل أن البعض ينحتها على قلبه ويتخذ كراسا ليدون فيه مواقفه وذكرياته المؤلمة ويتصيد زلات وعثرات الآخرين ليؤكد إصراره على عدم الرغبة في التغاضي والنسيان، حتى لو شاءت الأقدار نسيان ما مضى لاستعاد ذكرياته بقراءة مذكراته ، بحيث لو التقى بمن أساء إليه منذ سنوات لاستحضرها وكأنها وليدة الساعة .
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل منهم من يفيض صدره غيظا ويسعى للفضفضة عن نفسه عبر االوسائل الإعلامية ببث سموم الحقد والبغض للتشهير والتجريح والإساءة لمن يضمر له الحقد بشكل صريح ليس بقصد النصح والإصلاح والنقد البناء والتوجيه والإرشاد والتطوير وإحداث التغيير الإيجابي. إن من يسلك هذا المنحى لا يهمه سوى تشويه صورة خصمه والنيل منه والحط من قدره في المجتمع لإرضاء أغراضه وأهوائه الشيطانية العدوانية، وتحقيق مآرب دنيوية بعيدة عن المعاني السامية والأخلاق المحمدية . وما أعظم ما قال الإمام السجاد (ع): «إن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره» فهذا هو الخلق النبوي الداعي للتسامح والعفو والصفح وتحصين النفس من الغيبة والبهتان وغضب الرحمن.

جوجل والخدمات الفارهة

قياسي
تربعت جوجل بكل شموخ على قائمة الأحسن 100 شركة أمريكية للعمل فيها في عامي 2007 و 2008 حسب مجلة فورشن الأمريكية (Fortune ). إلا أنها تراجعت للمرتبة الرابعة في عام 2009 و قفزت شركة نت أب (NetApp) من المرتبة الرابعة عشر لتحتل المرتبة الأولى مكان جوجل.


لقد اكتسبت شركة جوجل شهرة كبيرة نظير المميزات والخدمات التي تقدمها لموظفيها حتى نالت إعجاب الناس واستحقت ما وصلت إليه بكل جدارة. فسياسة الشركة منصبة على راحة الموظفين في الدرجة الأولى ولا تستكثر المصروفات التي تبذلها في هذا المجال لأنها على قناعة بأن كل دولار يصرف سيكون له مردودا ايجابيا في زيادة إيرادات الشركة.
لقد وفرت الشركة البيئة الصحية الملائمة بحيث كان لها الفضل في استحثاث عقول الموظفين لتقديم الأفكار الإبداعية و الابتكارية والوقوع في حالة عشق مع أعمالهم إلى درجة أن البعض منهم يفضل النوم في الغرفة المخصصة في مكتبه بدلا من الذهاب لمنزله، حتى وصل الأمر بالإدارة لحثهم وإقناعهم على مراعاة الموازنة بين حياتهم الشخصية والعملية.
ماذا فعلت شركة جوجل؟ من أهم الأمور التي اهتمت بها الشركة الثقة بالموظفين بحيث تخلت عن النظام التقليدي بالحضور والانصراف في وقت محدد بل كانت تؤمن بأن الإنتاجية تقاس بالنتائج وليس بالحضور والانصراف على الوقت – فكم هم الذين يحضرون أياما ولا ينجزون ما ينجزه غيرهم في ساعات. وبما أنها تعتمد على التكنولوجيا والإبداع فقد خصصت وهيأت أماكن للإسترخاء والراحة وللمساعدة على توليد الأفكار الإبداعية وتبنت برنامجا يعنى بمكافأة المبدعين والمتميزين وحرصت على تقدير الأفكار الإبداعية وسرعة تطبيقها وتنفيذها.
ولإهتمامها بالعنصر البشري فلم تغفل الدعم المادي والمعنوي لتطوير مواردها البشرية وحثهم على مواصلة الدراسات العليا. إلى غيره من الخدمات الأخرى التي تجعل الموظف يشعر وكأنه يمكث ساعات في منزله منها المأكل المجاني الصحي الملائم لكل شخص طوال ساعات العمل وقاعات الترفيه واللعب وغسيل الملابس والكوي والحلاقة والتجميل والمساج والعلاج الطبيعي والخدمات الطبية والمكتبات وغسيل السيارات وتوفير حافلات مريحة مزودة بشبكة انترنت لاسلكية لنقل الموظفين من وإلى موقع عملهم.
هذا بعض مافعلته جوجل وبالطبع لم تصل إلى ما وصلت إليه لو كان تركيزها منصبا على التكنولوجيا والعمل وإهمال الثروة الكبرى ألا وهي العنصر البشري.
وما من شك في أن شركة نت أب قد أنفقت الكثير لتحقق هذه القفزة الكبيرة وتنافس شركة جوجل بعد أن كانت في المرتبة 14 في العام الماضي.
فهل حقا يحتاج الموظف إلى كل هذه المحفزات والمميزات والخدمات الفارهة ليقع في شباك العشق والولاء مع عمله، ويعمل بروح معنوية عالية بكل إخلاص وتفاني وحماس وإتقان، ويضحي بكل ماهو نفيس في سبيل تقدم وازدهار جهة عمله؟