الولع بالأرقام المميزة

قياسي
رقم لوحة مميز بـ 6.5 مليون ريال … رقم جوال مميز بنصف مليون ريال!!! جميل أن يحصل المرء على رقم مميز يسهل حفظه وعلى حروف تشكل كلمات ذات معنى ولكن يقف الفكر متحيرا أمام هذه المبالغ الخيالية التي تدفع من أجل اقتناء رقم مميز وثمة علامات استفهام تطرح نفسها تبحث عن إجابات شافية مقنعة تبرر هذا البذخ والتبذير. هل بلغ من يدفع هذا المبلغ السقف الأعلى للتميز في المجالات العلمية والعملية الأخرى ولم يبق سوى طرق باب الأرقام بحثا عن التميز؟ ما الدوافع التي تجعله يسعى متلهفا ويدفع هذه المبالغ؟ من المستفيد من هذه الملايين؟ ما نصيب الجمعيات الخيرية وما ترعاه من مئات الأيتام والفقراء والمحتاجين؟ وأسئلة أخرى وأخرى تتردد على الأذهان…
ظاهرة البحث عن الأرقام المميزة ليست مقتصرة على شعب دون آخر فهي منتشرة في دول الخليج وكثير من الدول الأوربية وإن اختلفت قيمة الرقم المميز من دولة إلى أخرى. فقد بلغت قيمة أحد أرقام اللوحات في الإمارات 25 مليون درهم ولكن لماذا كل هذا الولع؟ البعض يبحث عن التميز بين رفاقه برقم لوحة سيارته أو جواله ولكي يعرف به، والبعض يسعى ليصبح من قائمة الأشخاص المهمين (VIP) ليتباهى ويري الناس انه من الأثرياء الذين لا يبالون ببذل الملايين من أجل الحصول على رقم مميز. وآخرون لهم أسبابهم الخاصة قد تكون بسبب تميزهم وبلوغهم أعلى درجات التميز في مختلف الميادين العلمية والعملية وبلغوا أعلى مراتب الإبداع والاكتشافات العلمية وأخذوا يبحثون عن أبواب أخرى لم تطرق بعد للتميز فيها.

أين هذه الملايين عن أطفال العالم الذين يموتون من شدة الجوع وقساوة البرد؟ أين هي عن أطفال ونساء وكهول التصقت جلودهم بعظامهم فأصبحوا هياكل عظمية تمشي على البسيطة؟ أين هي عن تلك الجمعيات الخيرية التي تؤوي الكثير من الأيتام والفقراء والمحتاجين وتعاني من قلة الإيرادات التي تعيقها عن تقديم ما تصبو إليه من مشاريع و خدمات جليلة للنهوض بهذه الفئة؟ معاناة شبه يومية تنشر في الصحف عن أحوال الفقراء ومعاناتهم والتماسهم العون من إخوتهم فضلا عن الحالات الأخرى المتعففة. إنني لست بصدد سرد قصص المعاناة التي لا تخفى على الكثير منا فذاك لا يجد دارا تؤويه وآخر إن وجد لايجد من يتكفل بايجارها وآخر يعيش مع أفراد عائلته الخمسة أو الأكثر في غرفة واحدة صغيرة المساحة وآخر لايملك بابا ليستر من يدخل دورة المياه لقضاء حاجته ويكتفي بستار من القماش وآخر وآخر … تشتد معاناتهم في الأوقات الراهنة والظروف الحانكة من الغلاء وارتفاع الأسعار التي يعانيها الأغنياء قبل الفقراء.

لقد شدني وأنا أكتب هذا المقال خبر قرأته عن شاب إماراتي ألغى حفل زفافه وتبرع بقيمته التي تقدر بـ 150 ألف درهم لدعم الحملة الخيرية التي تهدف لتوفير التعليم لمليون طفل فقير في العالم. إنها تضحية كبيرة بليلة العمر التي يحلم بها الزوج وزوجته وأهلهما وتستحق الإشادة بها. فأين من يدفع الملايين عن هذه البادرة النبيلة الفريدة من نوعها في سبيل النزول عن الرغبة في الحصول على رقم مميز.

مع احترامي وتقديري لإخواني وليس القصد التهكم والتعدي بل التواصي بالخير لنشكر هذه النعمة التي سوف نسأل عنها كما ورد في الحديث الشريف لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع … ومنها عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه. وأيضا لترشيد هذه المبالغ وتوجيهها لمن هم بأشد الحاجة إليها للنهوض بهم وإدخال السرور عليهم ورفع مستواهم المعيشي، وإن كان كلا ولابد ولايمكن التنازل عن هذه الرغبة في الحصول على الرقم المميز مهما بلغت القيمة فإنها دعوة لإعادة النظر لتوجيه هذه المبالغ الباهظة لتدفع بعنوان آخر للأعمال الخيرية تلبية للدعوة الإلهية في قوله تعالى: «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله اجر كريم»، وقوله: «مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم».

وكما قال القائل:

وحسبك داءً أن تبيت ببطنة … وحولك أكباد تحن إلى القد.



إنجاز الكثير بالقليل (مبدأ باريتو)

قياسي
يبـذل البعـض مجهـودا كبيـرا ويسـتهلك كل مـا يملـك مـن طاقـات في سـبيل تحقيـق وإنجـاز مـا ينـاط إليـه مـن مسـؤوليات أو مايرسـمه هـو لنفسـه مـن أهـداف ولكـن يتفاجـأ بالمحصلـة النهائيـة المخيبـة للآمـال والتـي لا ترقـى إلـى مسـتوى طموحاتـه ولا تتناسـب مـع الجهـد الـذي يبذلــه ولا الوقــت الــذي يســتغرقه. فأيــن تكمــن العلــة وكيــف يكــون الانسـان أكثـر فاعليـة وينجـز الكثيـر بالقليـل؟ مــن ينهــج هــذا الطريــق يعتقــد بأنــه عندمــا يبــذل ٥٠٪ مــن الجهــد يحصــل علــى ٥٠٪ مــن النتائــج وعندمــا يبــذل ٥٠٪ مــن الوقــت يحصــل علــى ٥٠٪ مــن النتائــج أو الفائــدة.
 غيــر أن هــذا الإعتقــاد بمبـدأ ٥٠/٥٠ غيـر صحيـح ولا يجـر لصاحبـه غيـر التعـب والانهـاك والإنتاجيـة القليلـة. لقـد لاحـظ باريتـو في عـام ١٩٠٦ م أن ٨٠٪ مـن الأرض في ايطاليــا يملكهــا ٢٠٪ مــن الســكان وكثــف بحثــه واكتشــف بـأن ذلـك ينطبـق علـى بلـدان أخـرى ووضـع مايعـرف إلـى يومنـا هـذا بمبـدأ أو قاعـدة باريتـو ٨٠/٢٠ والـذي أثبـت جـدواه في الكثيـر مـن مياديـن الحيـاة الشـخصية والمهنيـة. 
 
لقـد تطـور اسـتخدام هـذا المبـدأ وتم اســتخدامه في العديــد مــن مجــالات الحيــاة وترجمــت نتائجــه الفاعلـة في التسـويق والجـودة والاقتصـاد والنظـم المعلوماتيـة وإدارة المشـاريع واتخـاذ القـرارات والمفاوضـات وغيرهـا. فقـد تبـن لاحقـا أن ٨٠٪ مـن ثـروة العالـم يملكهـا ٢٥٪ مـن النـاس ٨٠٪ مـن الطاقـة يسـتهلكها ١٥٪ مـن سـكان العالـم. مبــدأ باريتــو يؤكــد أن ٨٠٪ مــن النتائــج يمكــن تحقيقهــا بواســطة ٪٢٠ مــن الجهــد أو الوقــت أو المــوارد. فعلــى ســبيل المثــال عندمــا نبحــث عــن الأسـباب المؤديـة للوفيـات جـراء الحـوادث المروريـة في السـعودية نجدهـا كثيـرة مثـل السـرعة وقطـع إشـارة المـرور واسـتخدام الجـوال أثنـاء القيـادة وعـدم الالتـزام بربـط حـزام الأمـان وغيـره مـن الأسـباب الكثيـرة. فعـلا مثـل هـذه المشـكلة بشـكل فاعـل لا يترتـب علـى معالجـة كل الأسـباب في وقـت واحـد بـل يتطلـب دراسـة أكثـر الأسـباب المؤديـة للحـوادث والتركيـز علــى ٢٠٪ منهــا وقــد يكــون ذلــك مقتصــرا علــى ثلاثــة أو أربعــة فقــط ووضــع الخطــط والإجــراءات للحــد منهــا فذلــك بــدوره ســيحد مــن ٪٨٠ مـن الحـوادث. ومثـال آخـر يتمثـل في النظـرة إلـى زيـادة المـوارد البشـرية لزيـادة الانتاجيـة او تسـريع انجـاز مهمـة مـا، فزيـادة العـدد ربمـا يكـون لـه مـردود سـلبي ولايسـهم في زيـادة الانتـاج. بتطبيـق نفـس المبـدأ فـإن ٪٢٠ مـن المـوارد البشـرية تسـهم في انتـاج ٨٠٪ ولربمـا تختلـف هـذه النسـبة الى ٧٥/٢٥ او ٧٠/٣٠ فعليـه ينبغـي التركيـز علـى المـوارد البشـرية والبحـث في كيفيـة زيـادة فاعليتهـا مـن حيـث الاسـتثمار في تدريبهـا وتطويرهـا لتكـون أكثـر فاعليـة وإنتاجيـة ولربمـا بعـض المؤسسـات والشـركات تنحـى منحـى الاسـتبدال بطاقـات أكثـر إنتاجيـة فتبحـث عـن الخبـرة والكفـاءة، والبعـض منها تقـوم بتوظيـف الوسـائل التكنولوجيـة والإبداعية. وفي مجال المشـاريع الكبيــرة التــي تحتــاج إلــى أيــادي عاملــة كبيــرة تقــدر بــالآلاف قــد يتجــه بعـض المقاولـن لزيـادة العـدد بـأي طريقـة مـن أجـل تلبيـة العـدد المطلـوب في الجــدول بــأي طريقــة ممكنــة ممــا يشــكل عبئــا كبيــرا في تدريبهــم وتوفيـر طاقـم إداري كبيـر لمتابعتهـم وإدارتهـم ميدانيـا باسـتمرار مـن أجـل ضمــان الإنتاجيــة المخطــط لهــا بجــودة عاليــة في زمــن قياســي. 
 
وعلــى المجـال الشـخصي تتفـاوت الأولويـات لـكل فـرد وقـد يلقـي البعـض باللـوم علــى عــدم وجــود الوقــت الــكافي لتحقيــق أهدافــه وإنجــاز مهامــه وذلــك ممــا لاشــك فيــه بســبب ســوء التحكــم في إدارة الوقــت وأيضــاً لفقــدان عامــل التخطيــط و التركيــز علــى الأولويــات المهمــة وبــذل الوقــت بشــكل عشــوائي. وهنــا تكمــن الاســتفادة مــن قاعــدة باريتــو بتركيــز ٢٠٪ مــن الجهــود والمســببات لإنجــاز ٨٠٪ ممــا يصبــوا إليــه بالتركيــز والتخطيــط بشــكل جيــد والبعــد عــن التشــتت والاهتمــام بصغائــر الأمــور في بدايــة الأمــر وهــدر الطاقــات والعيــش في بيئــة غيــر صحيــة تحــت ضغــوط نفســية ســلبية تــؤدي إلــى حصيلــة إنتاجيــة ضعيفــة تشــعره بالإحبــاط وخيبــة الأمــل وعــدم الرضــا النفســي عــن أدائــه وفاعليتــه وتقصيــره في الاهتمــام بالتــوازن في مجــالات حياتــه المختلفــة.

فن الإدارة والقيادة

قياسي
ينهــج مجموعــة مــن القــادة والمســئولين أســلوباً معينــاً يــكاد يطغــى علــى تعاملاتهــم مــع جميــع طبقــات موظفيهــم وربمــا يشــعر ذلــك القائــد بأنــه مثــالا للقيــادة بأســلوبه المتبــع خصوصــا عندمــا لا يستشــعر ردة فعــل موظفيـه مـن ذلـك الأسـلوب.

من الأمـور المحمـودة تشـجيع الموظفيـن والثنـاء عليهـم ولكـن إذا لـم يشـخص القائـد ويتعـرف علـى طبيعـة الموظـف الـذي يتعامـل معـه فالتقديـر المفـرط قـد يحبـط معنويـات ذلـك الموظف خصوصا عندمـا يكـون علـى كفـاءة عاليـة ويتمتـع بزخـم هائـل مـن الـروح المعنويـة. ومــن جهــة أخــرى قــد لا يتوفــر ذلــك التقديــر والتشــجيع لموظــف هــو في أمــس الحاجــة إليــه فيكــون لــه العواقــب الســلبية في تحطيــم نفســيته ومعنوياتــه. وكذلــك الحــال بالنســبة للتوجيــه والتعليــم فينبغــي تشــخيص كفـاءة الموظـف العلميـة والتعامـل معهـا بالأسـلوب الأمثـل، فالموظـف المتميـز ذو الكفــاءة العاليــة يزعجــه ويحطــم معنوياتــه تدخــلات رئيســه في جميــع التفاصيــل ويشــعر بعــدم ثقــة رئيســه فيــه. الإدارة فــن ومهــارة يحتــاج فيهــا القائــد إلــى تشــخيص حالــة كل موظــف بمفــرده والتعامــل معــه بالأســلوب الأمثــل الــذي يســهم في خلــق جــو مــن العلاقـة القويـة بـن القائـد والموظـف، جـو مفعـم بالـروح المعنويـة العاليـة والكفــاءة والإنتاجيــة المرتفعــة. القائـد المتميـز يحتـاج إلـى المرونـة والسـعي الحثيـث لتجانـس أسـلوبه مـع كفــاءة ومعنويــات الموظــف الــذي يتعامــل معــه، وقــد تم تصنيــف الموظفـيـن إلـى أربعـة أقسـام: 
 
أولا: موظـف يتمتـع بـروح معنويـة عاليـة وعلـى قـدر مـن الحمـاس والرغبـة
لأداء العمـل ولكـن تنقصـه المهـارة والمعرفـة.. هــذا النــوع مــن الموظفيــن بالطبــع لايحتــاج إلــى إضاعــة الكثيــر مــن الوقــت معــه بعبــارات الثنــاء والتقديــر والتشــجيع المنمقــة، بــل هــو بحاجـة إلـى توجيهـه وإرشـاده إلـى كيفيـة القيـام بهـذه المهمـة وتوفيـر جميــع الوســائل التــي يحتاجهــا.
 
ثانيــا: موظــف لا يتمتــع بــروح معنويــة عاليــة كمــا في المثــال الســابق ولا يملــك المهــارة والمعرفــة أيضــا.. هــذا النــوع مــن الموظفـيـن يشــكل العــبء الأكبــر علــى القــادة حيــث يحتــاج إلــى رفــع الــروح المعنويــة باختيــار الطريقــة المناســبة لتحفيــزه أولا وأيضــا اتبــاع الطريقــة الســابقة في توجيهــه وإرشــاده إلــى كيفيــة القيــام بهــذه المهمــة وتوفيــر جميــع الوســائل التــي يحتاجهــا.
 
ثالثــا: موظــف ذو معنويــات متقلبــة وهــو علــى قــدر متوســط مــن المهــارة والكفــاءة..

هــذا النــوع مــن الموظفـيـن يحتــاج إلــى الدعــم مــن قبــل قائــده لرفــع معنوياتــه وزيــادة الثقــة بنفســه فهــو يحتــاج إلــى مــن يجلــس معــه ويسـتمع لآرائـه ومخططاتـه واسـتراتيجياته و يدعمـه بالتأييـد والثقـة، ويحتــاج إلــى جرعــة قليلــة مــن التوجيــه والإرشــاد ليــس كمــا يحتــاج
الصنــف الأول والثانــي. 
 
رابعــا: موظــف يتمتــع بــروح معنويــة عاليــة وثقــة بالنفــس وأيضــا يملــك
المهــارة والكفــاءة التــي تمكنــه مــن أداء المهمــة.. إنـه دور القائـد المثالـي الفاعـل في تحويـل موظفيـه إلـى هـذا الصنـف مـن الموظفيـن الذيـن يمكـن الإعتمـاد عليهـم وتوكيلهـم بالقيـام بالمهـام بأقــل جهــد ممكــن وبــدون الحاجــة إلــى المتابعــة المســتمرة معهــم لتوجيههــم وتحفيزهــم.
 
ومــن النقــاط المهمــة التــي ينبغــي التنبــه لهــا بــأن الموظــف قــد يكــون مـن الصنـف الرابـع اليـوم ولكـن قـد تتحطـم معنوياتـه لسـبب أو لآخـر ويتراجـع إلـى الصنـف الثالـث وهنـا يحتـاج إلـى التعامـل معـه بأسـلوب آخــر بالاســتماع إليــه وفهــم الأســباب المؤديــة إلــى ذلــك وإعــادة زرع الثقـة بنفسـه ورفـع معنوياتـه. وأيضـا لا ينبغـي التسـليم بـأن الشـخص ممـن يعتمـد عليهـم في المربـع الرابـع في جميـع المهـام الموكلـة إليـه. فقـد يطلـب منـه إنجـاز مهمـة جديـدة غيـر مألوفـة لديـه ويحتـاج إلـى بعـض التوجيـه فهنـا يظهـر دور القائـد الناجـح في إنقـاذه مـن الوصـول إلـى حالــة مــن الإحبــاط بمســاعدته بشــئ مــن التوجيــه والتعليــم كمــا ورد في الصنــف الأول. وهــذا الأســلوب في التعامــل لايقتصــر علــى الموظفــن فقــط بــل يمكــن تطبيقــه في المجــالات الأخــرى مــع الطــلاب والأبنــاء وغيرهــم. 
 
 
٢٠٠٧/٧/٣٠

للظلم أوجه كثيرة ليس أولها المحسوبية

قياسي
نقدر لـ(اليوم )دورها الكبير عبر مقالات الكتاب والتحقيقات في اضاءة سلبيات المجتمع الى جانب الايجابيات ..وانطلاقا من هذا الدور اسمحوا لي ان احييكم وان اطرح رؤيتي حول قضية المحسوبية قائلا:

 
مسكين ابن آدم مكتوم الأجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تؤلمه البقّة، وتقتله الشّرقة، و تنتنه العرقة. عبارات رائعة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) تصف مسكنة ابن آدم وتبين مدى ضعفه وقلة حيلته وكيف يتألم من أضعف الحيوانات ويموت بأتفه الأسباب بشرقة ماء بغتة لايعلم أجله، وكيف تكون رائحته نتنة بسبب قطرات من العرق. ويا عجبا ممن يتقلد منصبا قياديا أو إداريا وينسى نفسه ويتصرف بغطرسة وتكبر ويتباهى ويتمادى في الظلم والعدوان في غفلة لما قد يؤول إليه مصيره في الدنيا قبل الآخرة. ففي شرق الأرض وغربها يتغنى بعض القادة بالنزاهة والعدل والإنصاف ولكن العدل لايحتاج إلى من يثبته لنفسه بالكلام بل يتجسد جليا في سلوكه وتصرفاته العملية على أرض الواقع. فمنهم من يحمل شعار العدل والإنصاف ويحذر من مغبة الظلم بينما يخلع ثوب العدل في تعاملاته مع من يخضع تحت إدارته وسلطته، فعندما يقيّم أداءهم يحمل في باطنه معايير واعتبارات خاصة لا تعتمد أحيانا على أداء الشخص ومهارته وكفاءته وإنجازاته بل على المحسوبية ومن يكون الشخص وقد يصبح الأمر من المسلمات بعدم المساس بتقييم بعض الأفراد على مدى سنوات حتى مع وجود من هم أكفأ وأحق منهم. وفي مجال الترقيات ليس الوضع بأحسن حالا فمنهم من يحصل على الترقية تلو الترقية خلال فترة زمنية وجيزة ومنهم من يمكث أضعاف المدة أو أكثر للحصول على ترقية. وفي المناصب لا تنفع الخبرة والكفاءة والمهارة فقد يُحال شخص لمهمة خاصة أو يُرسل في انتداب تحت شعار التطوير والتدريب والواقع شيء آخر هو من أجل التخلص منه أو إحالته للتقاعد المبكر وهو على رأس العمل وتنصيب غيره مكانه. وليس الظلم مقتصرا بمجال معين دون غيره بل وردت قصص كثيرة مؤثرة في شتى أمور الحياة لا يسع المقام لسردها تبين الآثار السلبية والعواقب الوخيمة للظلم الذي يقع على الأبناء والوالدين والأزواج والموظفين والإخوان والخدم وبين أفراد المجتمع، وكيف أن العقوبة كانت تقع في الدنيا قبل الآخرة. فكم من ظالم فقد حياته ومنهم من أُصيب بمرض لا يُرجى برؤه وأصبح جليس الدار ومنهم من فُجع في أهله وولده ومنهم من خسر ماله وغيره. وإن لم يصبه شيء في الدنيا فلا يسعد كثيرا فالله تعالى يُمهل ولايُهمل وهو بالمرصاد لكل ظالم فقد توعد في محكم كتابه المجيد بقوله: « وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ». أجارنا الله وإياكم من الظلم ومن دعوة المظلوم التي حذرنا منها سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديثه:» اتقِ دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب «. .وقد أجاد من قال:
لاتظلمن إذا ماكنت مقتدرا *** فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم
 

الشيبة: الخير والقوة التي تتحدى ظمأ الصحراء

قياسي
في ربـوع بلادنـا الحبيبـة أنعـم الله علينـا بشـيبة الخيـر القابعـة في أحضـان الصحــراء، حيــث تســكن صيغــة الجمــال بـيـن كثبانهــا، وبـيـن الخطــوات التــي يتركهــا المــارون علــى رمالهــا الحمــراء. والناظــر لهــذه المســاحة الصحراويــة، لفــرط جمالهــا تصمــت الكلمــات في فمــه ولا تجعلــه إلا مــرددا ومتمتمــا لكلمــات قليلــة ألا وهــي “ماشــاء الله … ســبحان الله”. حيــث يجلــس ســاكنا ومتأمــلا لكثبــان الشــيبة الرمليــة الحمــراء وهــي تكتنـف بـن ثناياهـا صبخـات مختلفـة الأشـكال، منبسـطة مفترشـة بتـرب ناصـع البيـاض، وقـد توطـدت بينهمـا العلاقـة بحيـث لايتعـدى أي منهمـا علــى الآخــر مهمــا هبــت مــن ريــاح شرســة تقهــر مــن لا يُقهر.
نعم وان انحســرت الميــاه فــوق ســطحها إلا انهــا ازدانــت بســائل آخــر مــن أجــود أنـواع الذهـب الأسـود في باطنهـا، فحقـا لهـا أن تفخـر بالحمـرة والنفـط. أمــا الحســن فيتمثــل في رجالهــا البواســل باخلاصهــم وتفانيهــم وولائهــم لوطنهـم وسـهرهم للتأكـد مـن اسـتمرارية النبـض وضمـان تدفـق الخيـرات عبــر أنابيــب امتــدت أميــالا طويلــة متوســدة الكثبــان الرمليــة.
قبــل ســنوات كمــا يعلــم الجميــع حققــت الشــركة قصــة نجــاح تشــكل أسـطورة مختلفـة عبـر تحـدي كل المصاعـب وتحويـل الحلـم الـى حقيقـة، وذلــك باكتشــاف واســتخراج الزيــت منهــا وإنشــاء أربعــة معامــل لفصــل الغـاز عـن الزيـت في أماكـن مختلفـة. وبالرغـم مـن تلـك المصاعـب إلا أن الشـركة حرصـت ودأبـت علـى وضـع اسـتراتيجيات للاسـتفادة القصـوى مـن كل الفـرص والثـروات المتوافـرة. فشـرعت في إنشـاء مشـروع الشـيبة الــذي يعــد مــن أكبــر المشــاريع لزيــادة الطاقــة الإنتاجيــة للزيــت، وإنشــاء معمــل جديــد لاســتخلاص ســوائل الغــاز الطبيعــي، وضخــه كمنتــج اخــر عبـر خـط أنابيـب مـواز لأنابيـب الزيـت. كمـا يضـم المشـروع أيضـا شـبكة مــن خطــوط الأنابيــب تربــط المنشــآت ببعضهــا، و توســعة للمرافــق الســكنية والخدمــات الأخــرى، وتأمــن طاقــة كهربائيــة لايســتهان بهــا لتشــغيل الأجهــزة و المعــدات الضخمــة.
لاتـزال قصـة نجـاح الشـركة في الشـيبة عالقـة في أذهـان موظفيهـا. لذلـك دأب الجميــع بالعمــل بــروح الفريــق الواحــد وفي بــذل الجهــود الجبــارة والتضحيـة بـكل نفيـس مـن أجـل إكمـال المشـروع بسـلامة ونجـاح ضمـن الجــدول الزمنــي المحــدد ليضيــف إلــى قصــص النجــاح قصــة أخــرى تسـطر في سـجل شـركتنا العملاقـة، وانجـاز عظيـم يضـاف الـى إنجازاتهـا يفتخــر بــه كل موظــف في عــام ٢٠١٤ م.
عبدالله عباس الحجي
القافلة الأسبوعية – أرامكو السعودية
24/3/2012
 

الوقت المهدور

قياسي
نهضة عمرانية، ازدهار صناعي .. تجاري .. سياحي ..
نمو سكاني كثيف .. المباني تلتصق ببعضها .. عدد المركبات في ازدياد رهيب.. ازدحام الشوارع
إشارات ضوئية تبعد إحداها عن الأخرى أمتارا قليلة .. قطارات من السيارات عند كل إشارة

يخرج كل يوم إلى عمله مارا بما شاء الله من الإشارات
يقف عند كل إشارة .. ينظر إلى لونها الأحمر بغضب، تبادله النظرات بابتسامة تتغزل بمحياه، يطأطئ رأسه حياء، يحدق في عقارب ساعته ينبعث من عينيه شرار حارق، تتعثر العقارب في حركتها خوفا من أن يصب عليها غضبه
لون أخضر .. تصم المنبهات الأسماع .. تسارع وتزاحم لتخطي الإشارة لكن دون جدوى .. لابد من الانتظار دورتين أو ثلاث على الأقل .. طابور طويل من السيارات
نفد صبره .. ضاق خلقه .. تعكر مزاجه .. ارتفع ضغطه .. تأفف .. حولق .. استرجع
(تحلطم) بكلمات بينه وبين نفسه إلى متى؟ أين الحل؟ أين المسؤولون؟
همسات لم يتعد صداها ثنايا ضلوع صدره، وحنكي فكه، و صماخ أذنه
استمر على وضعه سنين .. اشمأز الطريق … لم يرق له عمله
واظب على حمل كيس الأدوية في يمينه … حبوب الضغط .. القولون العصبي ..
في ليلة هادئة اشتد حاله، انزوى في فراشه، متكمكما بلحافه
اهتز جواله , سلم عليه أحد زملائه، طلب منه أن يصطحبه معه إلى العمل لتعطل سيارته
رحب به أجمل ترحيب .. توجه لاصطحابه في الصباح الباكر
ركب زميله السيارة يحمل في يده حقيبة سوداء يضمها إلى جانبه

الإشارة الأولى .. الثانية .. الثالثة .. انتابته حالة الاشمئزاز والتأفف والتضجر
سمع صديقه همساته ، لاحظ تغير أحواله .. مال بجسده ، استند إلى الباب، استقبله بوجه تملأه ابتسامة هادئة
لم يتمالك نفسه .. انفجر ضاحكا، ضرب كفا على كف
ناداه بصوت خافت هون عليك، وسع صدرك، طول بالك، راع صحتك
غدا تتحسن الأوضاع … غدا تُنشأ الكباري والأنفاق.. غدا ترى الشوارع الواسعة .. غدا ترى الطرق الدائرية السريعة .. غدا ترى سبل المواصلات السريعة : باص، قطار، مترو، (ترام)
مد يده في حقيبته السوداء .. أخرج كتابا
دفعه لزميله هدية مشترطا عليه أن يقرأه من الغلاف إلى الغلاف في سيارته
نظر إليه زميله مستهجنا تصرفه، متهكما بأسئلته من سيقرأه؟ متى؟ كيف؟ أين؟
وصلا إلى جهة العمل، أخذ الكتاب ووضعه تحت (التكاية)
في اليوم التالي توجه إلى عمله بمفرده
في أول إشارة حمراء طال انتظاره.. امتدت يده إلى الكتاب ، تصفحه من الغلاف إلى الغلاف .. لم يسع الوقت ليقرأ شيئا
أزعجته منبهات السيارات مع اللون الأخضر

سنحت له الفرصة لقراءة المقدمة عند الاشارة الثانية .. لمح الفهرس عند الاشارة الثالثة
شرع في قراءة الفصل الأول عند الإشارة الرابعة
انشد للقراءة .. تاه في عالم آخر .. ابتهج سرورا .. ارتسمت البسمات على شفتيه
التهم الصفحة تلو الصفحة
عند آخر إشارة قبل الوصول لمقر عمله عاد للتأفف مرة أخرى .. ماذا جرى؟!
تأفف بشدة لكن لم يكن تأففه كسابقه … تأففه هذه المرة بسبب سرعة تغير لون الإشارة من الأحمر إلى الأخضر
شغفه بالقراءة جعله يخفف من سرعته ليتوقف برهة من الزمن عند كل إشارة لعله يقرأ صفحة كاملة على الأقل
بعد أيام التهم الكتاب المكون من 200 صفحة من الغلاف إلى الغلاف
قبل أن يهوي لفراشه اتصل بزميله وشكره على الهدية القيمة وبشره بأن الكتاب قد غادر السيارة وسكن الدار .
وقبل أن يغلق الخط، سأل زميله على استحياء إن كانت سيارته متعطلة ويرغب باصطحابه معه للعمل.. بشرط أن يحضر معه الحقيبة السوداء!!!



لاعائق لمن رام التقدم والنجاح

قياسي

الهنــد هــي مــن تجــارب الحيــاة العمليــة التــي لايمكــن نســيانها. فقبــل الســفر إليهــا في مهمــة عمــل تلقيــت تغذيــة رجعيــة ســلبية للغايــة ممــن قامـوا بزيارتهـا ممـا شـكل صـورة سـوداوية في مخيلتـي، ولكـن لـم أعرهـا اهتمامـا كبيـرا ورجعـت لـدرس مهـم في البرمجـة اللغويـة العصبيـة وهـو أن الخارطــة ليســت هــي الواقــع ولا ينبغــي أن أحكــم علــى المــكان قبــل تجميــع أكبــر قــدر مــن المعلومــات و رؤيــة المــكان.
 
ذهبــت لمــدة اســبوعن، وشــاهدت ماشــاهدت ولاأريــد الخــوض في التفاصيــل التــي دونتهــا في مذكراتــي الخاصــة. في اخـر يـوم قبـل مغـادرة الهنـد التقيـت بمديـر الفنـدق ووجـه إلـي سـؤالا “كيــف وجــدت الهنــد؟” صمــت قليــلا افكــر كيــف اجيبــه ثــم أجبتــه بــأن الفنـدق علـى قمـة مـن النظافـة والخدمـات متميـزة جـدا ولكـن يبـدو أنـه لايوجــد تناغــم بــن وجــود مثــل هــذا الفنــدق مــن فئــة الخمــس نجــوم والبيئـة المحيطـة. ثـم انطلقـت بسـرد انطباعـي قائـلا الهنـد غيـر الأماكـن التــي زرتهــا في حياتي،ازعــاج، تلــوث، شــوارع ضيقــة، ازدحــام، فوضــى، لانظـام، لانظافـة ويحتـاج للكثيـر الكثيـر مـن العمـل للنهضـة بـه وإخراجـه مـن الوضـع المأسـاوي الـذي يمـر بـه. فجــأة رأيــت ألوانــه قــد تغيــرت فشــعرت بأنــه لــم يكــن يتوقــع مثــل هــذه الإجابـة الصريحـة منـي،. التفـت إلـي وكان في غايـة اللطـف وقـال: لاتركـز فقـط علـى الجانـب السـلبي فبلادنـا عانـت كثيـرا مـن الاسـتعمار وشـهدت نهضـة كبيـرة علـى مـدى السـنوات الماضيـة بالرغـم مـن كثـرة عـدد السـكان حيـث أنهـا تقـع في المرتبـة الثانيـة بعـد الصين. وأسـرد قائـلا يوجـد لدينـا مصانــع للســيارات العالميــة تشــغل بكفــاءات هنديــة ولدينــا التكنولوجيــا المعلوماتيـة ونخبـة مـن افضـل الأطبـاء وغيـره. 
 
حينهـا اسـتدركت الوضـع وشـعرت بأننـي كنـت قاسـيا عليـه بعـض الشـيء بصراحتـي، ثـم أعطيتـه جرعــة ايجابيــة وقلــت لــه نعــم بالرغــم مــن كثــرة النمــو الســكاني وحالــة الفقـر التـي يعانـي منهـا الكثيـر إلا أننـي أعجبـت بمسـتوى التعليـم لديكـم والكفـاءات التـي قابلتهـا في ورشـة العمـل خـلال الاسـبوعن وطموحاتهـم وإصرارهــم علــى مواصلــة التعليــم والحصــول علــى الشــهادات العليــا بـدون إغفـال الجانـب العملـي لكسـب الخبـرة التـي تتطلـع اليهـا المنظمـات وســوق العمــل. 
 
بعــد مغــادرة الهنــد مــن بــاب الفضــول وحــب الاســتطلاع قمــت بالبحــث في الشــبكة العنكبوتيــة لمعرفــة المزيــد عــن أهــم المنتجــات الصناعيـة في الهنـد وانصدمـت بالكـم الهائـل مـن المنتجـات التـي تصنـع في الهنـد والتـي تعـد بـالآلاف حينهـا قمـت بإعـادة صيغـة السـؤال ليكـون “ماهــي الأشــياءالتــي لاتَصنعهــاالهنــد؟”يوجــد في الهنــد تقريبا ٥٦ جامعــة في مختلــف التخصصــات وتشــتهر الهنــد بصناعــة الســيارات والكمبيوتـرات والمعـدات الصناعيـة والصلـب ومعـدات النقـل والمنسـوجات والمجوهــرات وغيرهــا مــن المنتوجــات و تحتــل الموقــع الثانــي عالمًيــا في صناعــة الــدواء والســياحة العلاجيــة وهــي ســادس أكبــر قــوة نوويــة في العالـم وقـد قامـت مؤخـراً بإطـلاق صـاروخ نـووي مـن صناعتهـا.
 
 نعـم مـن أراد التقـدم والنجـاح والرقـي فـلا يقـف اي عائـق في طريقـه لا الفقــر، ولا البيئــة المحيطــة، ولا المدرســة ولا المدرســن اذا مــاكان لديــه الطمـوح والإرادة والعزيمـة والإصـرار علـى تحـدي المصاعـب والتحديـات، وكان لديــه رؤيــة مســتقبلية وأهــداف واضحــة. مــن خــلال هــذه الرحلــة انصــح نفســي أولا وأبنائــي وإخوانــي للاســتفادة مــن هــذه التجربــة لكــي نكون اكثر مبادرة وتحملا للمسـئولية فنجاحنا أو إخفاقنا هو مسـؤوليتنا في الدرجـة الأولـى ونحـن مـن نرسـم طريقنـا فـلا ينبغـي أن نلقـي باللـوم والعتـاب علـى الغيـر او البيئـة والظـروف المحيطـة بنـا، ونستسـلم للفقـر أو أي عائــق يعتــرض طريقنــا. وعلينــا أن نكــون عناصــر منتجــة ومبتكــرة لا مسـتخدة ومسـتهلكة فقـط، فكـم هـي الـدول التـي تتمتـع بثـروات وخيـرات جســام ولكــن أيــن وكــم هــي عــدد منتجاتهــا المصنعــة التــي تســتخدمها محليـا وتصدرهـا لأنحـاء العالـم؟؟!!

على الشاطىء الذهبي

قياسي

** وصف صورة لحفيدتي الكبرى وهي طفلة جالسة على تراب الشاطئ الذهبي في أستراليا

على شاطىء البحر جلست.. على تلك الرمال الذهبية
بتلك الملابس المتناسقة مع لون الورد ولون البحر
مدت قدميها ومالت بجسدها قليلا للوراء
يزين جيدها قلادتها الذهبية
تدلت سترتها من على كتفيها لتعلق بذراعيها
غرست أناملها الرقيقة في الرمال الناعمة
رفعت رأسها قليلا فبانت معالم وجهها
ساطعا بنوره كبدر السماء
يكنفه الصمت المحير والحزن والأسى
فتحت عينيها الجميلتين
ورمت بطرفها نحو السماء بعيدا.. بعيدا
مع ذلك النسيم العليل مدغدغا أحاسيسها
غير مكترثة بجمال البحر..
ولا صفاء مائه وتلاطم أمواجه التي تشد الانتباه
ما الذي جعلك تتركين جمال البحر جانبا يا بنيتي
وتصمين أسماعك عن أصوات الأمواج المتناغمة
وتحلقين بطرفك نحو السماء؟
أهو جمال بالسماء وغيومها؟
أم هو كره ونفور من البحر وأمواجه؟
أم هو الشوق والحنين إلى الأهل والوطن؟
نظرت عينيها الصغيرتين
وملامح وجهها تحكي الكثير الكثير
لو نطقت لعبر لسانها عما يخالج نفسها
قالت لا تلك ولا ذاك يا ابت.. بل هو الشوق والحنين
حنين لأحلق في هذا الفضاء وأطير لدياركم
وفي طرفة عين أرى نفسي في أحضانكم
شوق لتلك الوجوه التي رحلت عنها
ورسمت الحزن والأسى في مقلتيها لفراقي
شوق لتلك القلوب المفتونة بحبي
ويزيد لوعتها دوما ذكر اسمي
شوق لتلك الأيادي التي تتجاذبني
شوق لتلك الأصوات التي يدوي صداها بسمعي
شوق لأسمعك يا أمي تنادي.. رفقا.. رفقا بها.. إنها قلبي

على الشاطىء الذهبي – صحيفة اليوم
ديسمبر 7 ، 2007

الموائد الرمضانية مختلفة.. فأيهم نختار؟

قياسي

الموائد الرمضانية مختلفة… فأيهم تختار؟

أقبل شهر الرحمة والبركة بموائده المتنوعة من مائدة الطعام إلى مائدة اللهو والتسلية والترفيه ومائدة الخيرات ومائدة النفحات الربانية.
 شهر يتميز عن باقي الشهور وله وقع خاص في نفوس البشر، وكل له مأربه منه طبقا لميوله ورغباته، حتى خرج البعض عن الغاية المنشودة من الشهر الكريم المتمثلة بفنون الدعوات وتلاوة القرآن وعبادة الرحمن حق عبادته والابتعاد عن محارمه، إلى الانغماس في الملهيات والمسليات والسهر إلى ساعات متأخرة حتى بعد طلوع الفجر. 
 شهر رمضان هو احدى المحطات التي يحتاج الإنسان الى أن يعيد حساباته فيها مع نفسه باعتباره أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام وساعاته أفضل الساعات وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر, قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة».
عندما يرحل العبد من هذه الدنيا وقد خفت موازينه يتحسر على ما اقترفته نفسه من ذنوب ومعاصٍ وينادي الرب الجليل: «رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت»، ولكن هيهات له ذلك وما هي إلا كلمة هو قائلها، وفي الحقيقة هنيئا لمن يوفق في مثل هذه الأيام الرحمانية وليالي القدر ويتخيل نفسه كأنه قد اتيحت له الفرصة فما هو صانع ليعوض عن الأيام الخالية التي قضاها بعيدا عن الله عز وجل ويجلس على هذه المائدة الروحانية.
من المظاهر السلبية التي انتشرت بشكل كبير وأصبحت من الأهداف الأولية لدى البعض في هذا الشهر هو الانغماس والإحاطة بمائدة اللهو والتسلية طيلة ليالي الشهر مباشرة من بعد الإفطار والتجول من قناة إلى أخرى خلف المسلسلات التي كانت تعد لها العدة منذ رمضان المنصرم والأغاني والطرب والبرامج الأخرى التي تتنافى وقدسية الشهر الكريم. وأيضا ما يعيشه الشباب في النوادي والشوارع ساهرين جل ليلهم بالتسلية واللعب والانغماس فيمالا يرضي الله.
أما عن مائدة الطعام فحدث ولا حرج وكأن الناس جياع طوال أيام السنة ولا يحلو الطعام وصنوف الموائد إلا في شهر رمضان.. تسابق وتصارع على أبواب المجمعات وطوابير من العربيات محملة بجميع الأصناف وتفنن وتنافس بين السيدات في الطبخات ومصير ما يزيد على النصف أوعية النفايات.
لقد أنعم الله علينا ومهما ارتفعت الأسعار فلن نقبل أن يستشعر أبناؤنا أي نقص أو أن نحرمهم ما تشتهيه أنفسهم، ولكن حبذا لو وضعت مائدة الطعام إزاء مائدة الخيرات.
أبواب الخير مشرعة أمامنا فها هي الجمعيات الخيرية مفتوحة أبوابها على مصراعيها في الشهر الكريم ليقف من أنعم الله عليه وقفة إنسانية يستشعر مرارة العيش التي يعيشها الفقراء والأيتام الذين يتطلعون إلى الأيادي البيضاء التي تمتد إليهم لتسد جوعهم وتوفر كسوة العيد التي تدخل البهجة على نفوسهم وتدعمهم لمواصلة تعليمهم وتحميهم من لسعات البرد القارس وتسهم في تهيئة المأوى المريح.
إن خير الأعمال في هذا الشهر ما سطرته خطبة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في استقبال شهر رمضان بدعوته إلى تقوى الله والابتعاد عن محارمه وحسن الخلق وتلاوة كتاب الله والدعاء وكثرة الصلاة والاستغفار والذكر والصدقة والرأفة بالأيتام وصلة الرحم وتفطير الصائمين وغيره من الأعمال التي تقرب من الله فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «الشقي كل الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم».
نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى وأن يهدينا لخيار موائده ويتقبل من جميع المسلمين صيامهم وقيامهم.

 

آفات تنخر بجسور الثقة

قياسي
«في هذا الزمن لا تثق حتى بأخيك» هكذا كانت ردة فعله عندما استُنكر عليه إحجامه عن مساعدة صديق كان في حاجة ماسة و ملحة لمبلغ من المال على أن يسدده بعد ستة أشهر. ما الذي جعله يتخذ هذا الموقف السلبي و يرسم صورة سوداوية يعمم فيها على من حوله و يهدم جسور الثقة بهم؟
لقد تعرض في حياته للعديد من المواقف ممن لا يقدرون معنى الثقة وليسوا أهلا لها حتى جعلته ينهج هذا الطريق ويتخذ موقفا سلبيا ليس معهم فقط بل مع جميع أفراد المجتمع. فمن المواقف ما عاناه من مستأجر لشقة له ظل يماطله بدفع الإيجار في كل ستة أشهر وهو يلاحقه بالاتصالات والتردد على بابه مراراً وتكراراً إلى أن وصل به الأمر لرفع شكوى ضده وإخلاء الشقة، حينها أصبح ممقوتا ومنبوذا بسبب مطالبته بحقه. وموقف آخر مع أحد الأشخاص الأخيار الأتقياء الذين لم يشك مطلقا في نزاهتهم وصدقهم ووفائهم بالوعد عندما اقترض منه مبلغا من المال لمدة ثلاثة أشهر وقد مضى عليه ثلاث سنوات ولم يسدده متناسيا تارة ومتهربا تارة أخرى.
إن مثل هذه النماذج كثيرة في مجتمعنا وليست مقتصرة على الصعيد المادي بل تمتد إلى مختلف المعاملات والعلاقات الاجتماعية والوظيفية والأسرية وغيرها ولو دون كل شخص مواقفه لألفت منها مجلدات. إن وجود مثل هذه الفئة يشكل مأساة إنسانية وخطورة ليست مقتصرة على المستوى الشخصي بل تتعداه إلى التشكيك في نوايا وسلوك معظم أفراد المجتمع، والكارثة الكبرى حينما يعمم الأغلبية في الحكم على سلوك الآخرين من خلال هذه النماذج اللامسؤولة في سلوكها و تصرفاتها الإنسانية والأخلاقية. إن انتشار هذه الفئة يشكل آفة تنخر في جسور الثقة المتينة بين أفراد المجتمع حتى تتغلغل وتصبح سمة سلبية بارزة تنتقل من النطاق الفردي إلى النطاق العام. كل ذلك بسبب ما تتصف به من كذب وغدر ومكر وخيانة وبخس للحقوق وعدم احترام المشاعر الإنسانية وفقدان الشفافية ونكران للجميل ومقابلة الإحسان بالإساءة.
كم هو جميل في أن تكون الثقة متبادلة بين الأشخاص فالإنسان يشعر بالراحة النفسية ويأنس عندما يثق به الآخرون خصوصا عندما يتعامل مع من لا يعرفه ولا يمت إليه بصلة، وكم يتأثر عندما يفقد الثقة من أعز الناس إليه و يحذر الآخرون من التعامل معه لما لمسوه منه أو من غيره ممن هم في القائمة السوداء.
إن ديننا الحنيف يحثنا على التحلي بالأخلاق النبوية الحميدة ومنها حسن الظن و بناء جسور الثقة بين الأفراد لما فيه من مصلحة عامة لتوطيد العلاقة والتكاتف والتعاون والتقدم والرقي. وعليه فالتعامل بسياسة لا إفراط ولا تفريط قد يكون هو الأنسب، فلا ينبغي التعميم وفقد الثقة بجميع أفراد المجتمع، ولا ترك الحبل على الغارب والإفراط في الثقة بمن هب ودب، بل لابد من توخي الحذر و التريث ودراسة الشخصية دراسة مستفيضة واختبارها والسؤال عنها للتأكد من أنها أهل للثقة..
لقد تفشى انعدام الثقة وانتشر في مجتمعنا على النطاق العام بخلاف ما تتميز به المجتمعات التي لا
 تدين بدين الإسلام. فمن المواقف ما توليه بعض الفنادق من ثقة كبيرة بالنزلاء بعدم الاكتفاء بوضع ثلاجة المرطبات داخل الغرفة بل وضعها في مكان عام في الممرات بعيدا عن الأنظار والثقة بالنزيل لدفع قيمة ما يستهلكه. وموقف آخر ما توليه بعض الدول من ثقة عمياء في المواطنين والسياح في استخدام وسائل المواصلات من مترو و(ترام) بدون التدقيق والتأكد من وجود تذاكر سارية المفعول. إن مثل هذه الثقة جديرة بأن تجعل الشعوب تشعر بالفخر والاعتزاز وتغير من سلوكها لتكون أهلا للمزيد من الثقة.


آفات تنخر بجسور الثقة – صحيفة اليوم


الحج السياحي

قياسي
نشرت جريدة( اليوم) قبل أيام موضوعا عن حج الخمس نجوم وما تقدمه بعض حملات الحج من خدمات لوجستية فارهة بتكلفة باهظة تصل إلى 100 ألف ريال. وقبل عام استطلعَت العربية.نت في استفتاء عن الحج السياحي فأظهرت النتائج بأن 53% من المشاركين يرون ذلك منافيا لفلسفة الصبر في الحج، و 38% يرون أنها ممارسات شرعية، و9% يرون بأن ذلك مطلوب لتشجيع الأغنياء على الحج.
مع غلاء المعيشة ارتفعت تكلفة الحج لهذا العام وتراوحت بين 3000 – 15000 ريال في الوسط العام بحيث يختار الحاج الحملة التي تتناسب مع دخله ووضعه الاقتصادي والبعض ينظر لوضعه الاجتماعي وما توفره الحملة من خدمات مميزة في المأكل والمسكن والمواصلات والتعليم والإرشاد.
 
شريحة من ذوي الدخل المحدود تضررت من هذا الارتفاع وأصبحت تصنف نفسها من الطبقة غير المستطيعة من الناحية المادية على أداء فريضة الحج بعد أن كانت تعقد الآمال للحج بسقف أعلى لا يتجاوز 1500 ريال في السنوات الماضية. وفئة أخرى من المقتدرين ارتأت بأن هذه التكلفة مبالغ فيها لأيام معدودة، في حين أنها لا تتوانى أبدا عن دفع أضعاف هذا المبلغ للسفر في رحلة سياحية إلى أوربا أو أي جهة أخرى يفتقد فيها المسافر ما يتحصل عليه الحاج من النفحات الإلهية والرجوع للوطن كما ولدته أمه.
 
لقد ورد بأن كثرةالإنفاق تستحب في الحج ولكن هل يصل الأمر إلى أن يتحول إلى نزهة سياحية ورحلة استجمام تتنافى مع فلسفة الحج وأبعاده التي شرعها الخالق. فكما ورد في المصدرين السابقين فإن بعض الشركات توفر أجنحة فندقية ومخيمات متميزة وخدمات (جوكوزي) ومساج وشاشات انترنت وتقدم حصى رمي الجمرات على صوان فاخرة وتقدم مالذ وطاب من الأطعمة في أطباق فارهة وغيرها من المميزات.
 
إن مظاهر الترف والتباهي والسعي خلف الملهيات الدنيوية في فريضة الحج لا تجعل الحاج يستشعر المعنى الحقيقي للعبودية المحضة والروحانية والانقطاع التام إلى الله جل وعلا في المشاعر المقدسة. وإن لم يكسر كبرياء وغطرسة وتباهي هذه النفس الأمارة بالسوء وهو يلبس ثوب الإحرام الذي يذكر بكفن الموت فكيف يسمح لجسده بملاصقة جسد الفقير ويختلط عرقه بعرقه أثناء الطواف والسعي وأداء المناسك الأخرى؟ أم أنه سيؤدي مناسكه بمفرده بمعزل عن الآخرين حينما يخف الازدحام؟ أو أنه سيكون له جناح خاص لتأدية هذه المناسك؟ فإذا كان الغني يبحث عن غناه والوجيه عن وجاهته في الحج فأين مبدأ المساواة التي هي من أبرز أهداف هذه الفريضة، وأين معيار التقوى للتفاضل بين المسلمين، وهل سيكونون في عداد الذين يتباهى الله بهم؟ كما ورد في الحديث الشريف: « يقول الله لملائكته: انظروا إلى زوار بيتي قد جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق».

الحج السياحي – صحيفة اليوم

مطار الأحساء .. كفاك سباتا

قياسي
مطار الأحساء موجود وغير موجود, نسي بعض المواطنين وجوده على خارطة الأحساء وضل طريقه البعض الآخر بعد أن فقدوا الحلم في تحوله إلى مطار دولي أو حتى مطار داخلي يلبي حاجات أهالي جوهرة الذهب الأسود. مطار مضى على تشييده العقود وكثرت طلبات ومناشدات الكتاب ورجال الأعمال والكثير من المواطنين لتفعيله وتكثيف الرحلات الداخلية والدولية بما يتناسب مع الكثافة السكانية للأحساء ومدنها وقراها وهجرها و ما تشهده المنطقة من نمو وازدهار في الصناعة والسياحة والتجارة والزراعة.

انتظر الأحسائيون طويلا بشغف وتوق تجلي هذا الحلم على أرض الواقع وتأملوا خيرا إلا أنهم مع كل بصيص من الأمل يصابون بإحباط و خيبة أمل. ففي عام 2004 م أورد الكاتب العزيز عادل الذكرالله خبرا في جريدة (اليوم) العدد 11436 مفاده بأن الخطوط الجوية القطرية تنتظر موافقة الطيران المدني بالمملكة لبدء رحلات دولية منتظمة من مطار الأحساء. وأيضا وجود خطوط جوية عربية أخرى مثل الإماراتية والاتحاد و(العربية) تدرس تسيير رحلات مماثلة لعدد من العواصم العربية و الدولية. وذكر بأن مطار الأحساء استقبل عددا من الرحلات الدولية منذ سنوات طويلة من مصر وسوريا. حينها استبشر أهالي المنطقة بهذا الخبر وتبادلوا التهاني والتبريكات لتواجد خطوط جوية أجنبية تثمن قيمة المنطقة وترغب بتفعيل المطار شبه المعطل، ولكن ماذا تمخض عن تلك الأطروحة؟


وحينما ظهر المنافسون للخطوط السعودية على الساحة كانت الوعود بتسيير رحلات يومية من الأحساء إلى مناطق المملكة الأخرى وسيشهد المطار تفعيلا مكثفا بالرحلات الداخلية والدولية، ولكن لم يكن ذلك سوى أضغاث أحلام تلاشت في الفضاء وبدلا من تكثيف الرحلات تم الاكتفاء برحلتين أو ثلاث فقط لمدينة واحدة حسب جدول لا يتناسب مع شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين.


ومن المؤسف أن تقرأ مانشرته جريدة الشرق الأوسط في العدد 10643 عن الهيئة العامة للطيران المدني بأن مطار الأحساء ليس بحاجة حاليا لتحويله إلى مطار دولي وأن المطار بسعته الحالية مناسب جدا، ويفي بالمتطلبات الحالية والمستقبلية على المدى القريب، وأن الهيئة تعكف لإعداد مخطط عام للمطار .. ولكن متى؟ لـ 25 عاما المقبلة حسب ماورد في الجريدة!!


هل حقا لاتوجد أعداد كافية من المسافرين، من مواطنين ومقيمين، من مدن وقرى وهجر الأحساء تستحق تسيير رحلات لها من الأحساء مع ماتشهده الأحساء من تقدم ونمو أم أن المطار حكم عليه بالتهميش وعلى كل مسافر أن يركب راحلته برا ويبذل شيئا من العناء ليتوجه لمطار الدمام أو مطار البحرين أو مطار قطر ليحلق جوا للجهة التي يريدها؟

ألا يوجد في الأحساء موظفون من المناطق الوسطى والغربية والجنوبية يعانون من التنقلات بسبب عدم توافر رحلات جوية من الأحساء؟ ألا يوجد من يرغب من المواطنين والمقيمين بالسفر إلى مختلف مناطق المملكة أو دول الخليج أو غيرها من دول العالم؟ ماهي نسبة المسافرين من الأحساء خلال الإجازات الصيفية إلى الأماكن المقدسة للتشرف بزيارة النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم ) والسلام عليه، وأداء العمرة وزيارة المناطق السياحية، فلماذا لاتسير رحلات يومية لهذه المناطق؟ ماهي نسبة الحجاج من الأحساء، فلماذا تضطر بعض شركات الحج للحجز من الدمام واستئجار الحافلات لقطع هذه المسافة برا إلى الدمام؟ لماذا يضطر الوافدون إلى الأحساء للزيارة والسياحة أو الأعمال للتوجه لمطار الدمام أولا ومن ثم إكمال الرحلة برا إلى الأحساء؟


فمادام المطار قد اكتفى برحلتين في الاسبوع فكيف يلقى باللوم على عدم توافر أعداد كافية لتسيير رحلات منتظمة منه وإليه؟ لقد فقد المسافرون الثقة في مطار الأحساء وأصبح لديهم نسيا منسيا ولا يعبأ المسافر بإضاعة الوقت بالبحث في الانترنت أو السؤال عن الرحلات من وإلى الأحساء، فلا بد من التضحية والصبر في بداية المشوار لكسب ثقة الناس وتغيير الصورة السلبية المطبوعة في أذهانهم, وذلك بتسخير الجهود وإعداد دراسة وافية وإجراء عصف ذهني للخروج بخطة فاعلة لكيفية إنجاحه. فكما يقال ما تركز عليه ستحصل عليه، فإن كان التوجه ايجابيا فستؤول الجهود وتتضافر لتحقيق النجاح الباهر وإن كان التوجه سلبيا على أن يبقى المطار في سباته العميق فسيبقى لما خطط له.

إنها لا تعمى الأبصار..

قياسي
شد انتباهي خبر الحلاق الأردني الكفيف عدنان جرادات الذي يتمتع ببراعة عالية ودقة في حمل المشط والمقص ويتفنن في حلاقة شعر عملائه بالرغم مما تحتاجه هذه المهنة من دقة وبراعة. وقد ذكرني بتقرير مصور عرضته إحدى القنوات الفضائية قبل فترة عن حلاق أمريكي كفيف كان يمارس مهنة الحلاقة منذ أربعة عقود وقد كون له عملاء يطمئنون له.


ومن باب الفضول لمعرفة المزيد من هذه الانجازات التي يقوم بها الفاقدون لنعمة البصر –أثابهم الله- في المجالات المختلفة أجريت بحثا سريعا باستخدام (قوقل) فتبين أنهم لا يقتصرون على المهن السهلة بل انخرطوا في الكثير من المهن التي يقوم بها الانسان السليم الخالي من العاهات والإعاقات. فمنهم العباقرة والمفكرون والمبدعون والأدباء كأمثال عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والشاعر بشار بن برد والشاعر اليوناني هوميروس، ومنهم البارعون في الحاسب الآلي، ومنهم من عمل في الخياطة وصيانة الأجهزة الكهربائية وطب الوخز بالأبر، ومنهم من تميز في الرسم، ومنهم من قاد طائرته الخاصة لمسافات طويلة، ومنهم الحافظ لكتاب الله، وغيره من الأمثلة التي يطول المقام بذكرها ويمكن الرجوع إلى موقع شبكة الكفيف العربي وغيره للمزيد من التفاصيل.
فلم تكن الإعاقة أو فقد البصر عائقا أمام هؤلاء بل قهروا إعاقتهم وتحدوها ليحققوا طموحهم وأهدافهم لتكون حياتهم أكثر قيمة ومتعة ولا تأسرهم الأوهام والأحزان وتكبلهم وتقيدهم في قعر سجون ظلماء.. كل ذلك كان بفضل العزيمة والإرادة القوية والثقة بالنفس والاعتماد عليها في تدبير شئونهم لأنهم لا يرغبون في الشعور بالنقص والذل ومساعدة الآخرين لهم فيما يمكنهم القيام به ولو كان فيه مشقة وعناء، وقد مررت بموقف عجيب في إحدى الدول حيث وقف رجل ضرير على الرصيف يضرب الأرض بعصاه يمينا وشمالا ويتحسس بحواسه خلو الطريق من السيارات لكي يعبره بأمان ولم يقترب منه أحد ليساعده، وكثيرة هي المواقف التي نشاهد فيها المعاق الذي فقد رجليه أو يديه يرفض تقديم المساعدة إليه لكي لا يشعر بالنقص والقصور. إن مثل هذه النماذج المشرفة يقف الإنسان إجلالا وإكبارا لها وهي جديرة بأن يقتدي بها الإنسان السليم من العاهات في حياته مستلهما العبر من نضالهم وكفاحهم وشدة بأسهم وتفاؤلهم ولا يخلق لنفسه أعذارا واهية تبرر جلوسه في الدار بدون عمل. ومن النماذج المخيبة للآمال سأذكر موقفين أحدهما عندما كنت في مركز الفيصلية التابع لجمعية البر الخيرية رأيت بعض الأفراد يتقدمون لطلب المساعدة وهم في ريعان شبابهم، يتمتعون بصحة جيدة، أقوياء البنية، مفتولي العضلات، لم يبتلهم الله بإعاقة تمنعهم من مزاولة أي مهنة، وليس لهم عذر إلا أنهم لم ينالوا نصيبهم من التعليم والحصول على شهادة. ومواقف أخرى منتشرة بكثرة مع المتعلمين الحاصلين على شهادات جامعية قد أعيتهم السبل ونفد صبرهم في طَرْق أبواب الشركات والمؤسسات والديوان للحصول على وظائف تتناسب مع مستوياتهم التعليمية وشهاداتهم وتخصصاتهم ولكن دون جدوى وأصبح الكثير منهم يقبعون في دارهم لسنوات عديدة. إن ما يقلق الشعوب في خضم هذه الأزمة المالية الحالية هو الخوف من ارتفاع نسبة البطالة وهو أمر حتمي إذا ما صدقت توقعات بعض المحللين الاقتصاديين في عدم استقرار الأوضاع قبل سنتبن أو ثلاث مما قد يزيد الأمر سوءا بالنسبة لهؤلاء الخريجين في السنوات القادمة. وعليه لابد للخريج من التفكير خارج الصندوق والخروج من هذه البوتقة والتنازل لقبول أي مهنة كريمة تناسبه حتى يأتيه الفرج في الحصول على الوظيفة التي تحقق أحلامه و تلبي طموحه، مقتديا بمثل هذه النماذج المشرفة التي لم توقفها الإعاقة عن ممارسة حياتها الطبيعية لكي لا تكون عالة على أهلها ومجتمعها.. فهي بحق مصداق لقوله جل وعلا: «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ».

أرامكو… دمتي رمزا وفخرا ونبراسا للبلاد

قياسي
يحق لك أن تتزيني وتبتهجي وتتبختري بعرسك في الذكرى 75 ويحق لأبنائك أن يفرحوا ويفخروا وهم يشاركون ملك القلوب فرحته في هذه الذكرى الماسية. ويحق لأبنائك؟! … لا بل حتى وإن لم أكن من أبنائك لرفعت رأسي شامخا مفتخرا بهذا الصرح والطود العظيم وهذه العراقة في أرض المحبة والخير بما حباك الله به لتكون خيرات بلادنا بين ثناياك.
لم يصبك كلل ولانصب ولا ملل ولا يأس ولا خيبة أمل ولا إحباط بل كانت العزيمة والإرادة والسعي للنجاح والازدهار والتميز هو دائما ديدنك منذ نعومة أظفارك فانعكس ذلك على الأجيال على مر السنين جيلا بعد جيل. واستمر استثمارك في ثرواتك البشرية الذين حرصت على ثقافتهم وتطويرهم وتعليمهم الخصال والقيم الجميلة التي تنفعهم وتجعلهم قادة ناجحين ليس حصرا بين أحضانك بل في مختلف الميادين وأينما توجهوا متسلحين بالعلم والمعرفة والمثابرة والكفاح والعزيمة والتفاني والتحمل والصبر وقوة البأس والثقة والسعي الحثيث للتخطيط وتحقيق الأهداف بنجاح. بحق إنك مدرسة … لا بل جامعة لتعليم وتخريج الأجيال بخبرات نظرية وعملية.
احتضنت الكثير من أبناء هذا الوطن بشهادات الابتدائية والمتوسطة وغرست فيهم روح المنافسة الشريفة وحب المعرفة فانهالوا على الجامعات ليتخرجوا ويعودوا بكل ثقة وإصرار لتحمل أشد وأصعب المسئوليات التي كنت تعتمدي فيها على سواعد أخرى غير وطنية.
دمتي بخيرك … دمتي بتميزك …دمتي بأبنائك البواسل … دمتي رمزا وفخرا ونبراسا للبلاد ولنحتفي ويحتفي أجيالنا بعرسك المائة إن شاء الله تعالى.

عبدالله الحجي

2008/6/1

 

من تساوى عاماه فهو مغبون

قياسي
يحرص كل شخص يطمح ويخطط للنجاح على تخصيص جزء من وقته مع إطلالة كل عام ليراجع حساباته ويسأل نفسه عن أهم الإنجازات التي حققها خلال العام المنصرم لذاته في مختلف الأصعدة الروحانية والتعليمية والمهنية والمادية والصحية وغيرها، ولايغفل أيضا نصيب أبنائه وعائلته ومجتمعه ووطنه من هذه الإنجازات.

 
قبل أيام انصرم العام الميلادي وتلاه العام الهجري، وأيا كان التعامل مع التاريخ الهجري أو الميلادي أو أحيانا كليهما فالإنسان الذي لم يكترث منذ بداية العام بالتخطيط لحياته ورسم أهدافه فقد أهدر 365 يوما من عمره بشكل عشوائي وسيعض أنامل الندم بسبب تقصيره وعدم حصوله على نتائج مرضية تحقق له ولعائلته ولمجتمعه السعادة الدنيوية والأخروية. فهذه الفئة من الناس طموحاتها محدودة وهي تخطط لفشلها وتدني مستوياتها من حيث لاتشعر فكما قيل: «من لم يخطط لنجاحه فقد خطط لفشله» . وهي تعيش وكأنها في وسط البحر تتلاطمها الأمواج كيفما تشاء يمينا وشمالا ولاتعلم إلى أين سيكون مصيرها. فعندما تجلس في نهاية كل عام أمام الشاشة الكبيرة لتستعرض شريط الانجازات التي حققتها لاتستغرق أكثر من بضع دقائق معدودة تشاهد خلالها عرضا مشوشا أجوف خاليا من المتعة والانجاز.
بينما الإنسان الذي خطط منذ بداية العام سيستمتع بعرض شيق حافل بالإنجازات المشرفة لذاته ومن يعول ومن يعيش بينهم من أبناء مجتمعه وكله فخر واعتزاز وهو يحصد مازرعه منذ بداية العام. هذه الفئة لم تكتف بالتمني وحصر أحلامها فقط في أذهانها بل سطرت رسالتها الشخصية ورؤيتها في الحياة ودونت أهدافها المختلفة على المستوى القصير، والمستوى المتوسط، والمستوى البعيد. فبعض الأهداف يمكن تحقيقها خلال أسابيع أو أشهر والبعض خلال سنة والبعض الآخر يستغرق خمس سنوات فأكثر ومالم تدون هذه الأهداف بشكل دقيق مع الخطط الاستراتيجية والتكتيكية لن يتم تحقيقها بنجاح خلال الفترة الزمنية المحددة.
لقد أصبح وضع الأهداف فنا إداريا يحتاجه كل فرد وقد تناوله الكثير ومنهم ستيفن كوفي في كتابه المشهور العادات السبع للناس الأكثر فعالية. ففي المرحلة الأولى لتحقيق النصر الذاتي تناول ستيفن ثلاث عادات يحتاجها الفرد لينتقل من حالة الاعتماد على الآخرين إلى الاعتماد على الذات. وهذه العادات الثلاث هى أن يكون الفرد مبادرا، ويبدأ والمنال في ذهنه، ويبدأ بالأهم قبل المهم. فالإنسان لابد أن يتحرر من القيود التي تكبل يديه ويترك اللغة السلبية واللوم وايعاز أسباب فشله إلى الآخرين والبيئة المحيطة به. فعندما يبلغ الإنسان مرتبة الاعتماد على النفس ويتمكن من صياغة رسالته ورسم أهدافه ويبذل قصارى جهده لتحقيقها بحيث لا يتساوى يوماه ولاشهراه ولاعاماه فلن يصبح من الخائبين الخاسرين. فقد ورد عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) « من تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان أمسه خيرا من يومه فهو ملعون، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقيصة، ومن كان في نقيصة فالموت خير له من الحياة).
ونوعية الأهداف تعتمد على دور كل شخص في هذه الحياة بحيث تكون متوازنة في مختلف الميادين الروحانية والصحية والشخصية والعائلية والمهنية والمادية والاجتماعية وغيرها. وينبغي أن تكون كما يعرف بالأهداف الذكية (SMART) أي محددة، ويمكن قياسها، ويمكن تحقيقها، وواقعية، وذات أطار زمني محدد. هذه المواصفات ستمكن الشخص من متابعة أهدافه باستمرار وتقييم أدائه قبل نهاية الاطار الزمني المحدد لاتخاذ الإجراءات المناسبة كلما اقتضت الحاجة لضمان تحقيقها في الوقت المحدد. ولكي تكون الأهداف شاملة ناجعة لايمكن وضعها خلال دقائق معدودة بل تحتاج إلى تخصيص الوقت الكافي ليتمكن الشخص من اختيار الأهداف المناسبة ليس فقط لذاته بل لأهله وأبنائه. فماذا أعددت لهم من برامج ودورات تدريبية و تثقيفية في مختلف الميادين لتنمية مواهبهم ومهاراتهم واستحثاث عقولهم على الإبداع والابتكار وكيف سيستثمرون أوقات فراغهم بما يعود عليهم بالمنفعة. وأيضا من منطلق «من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم» فماهي الأهداف التي حملتها في حقيبتك في هذا العام لخدمة أبناء مجتمعك ووطنك مسخرا ما وهبه الله فيك من طاقات ومهارات وقدرات في مجال تخصصك أوأي مجال آخر يمكنك الإفادة فيه.

من تساوى عاماه فهو مغبون – صحيفة اليوم

العقل الباطن .. الكنز المجهول

قياسي
هل يسعى أو يفكر الآباء في تعاسة أبنائهم؟ إنه أمر بديهي بأن تكون الإجابة بالنفي للشخص السوي الواعي فكل منهما لا يألو جهدا في توفير الجو الملائم والتربية الصالحة التي تضمن سعادة وصلاح ونجاح ابنه بل يطمح إلى ماهو أكثر من ذلك بأن يراه في وضع أحسن من وضعه.


وكم يتأثر الوالد عندما يرى ابنه يتعثر في حياته ويخفق في تحقيق النجاح الذي يصبو إليه ويشعر بالدونية والحقارة وضيق الأفق وتنعدم لديه الثقة بالنفس والاعتماد عليها ويفتقد الذكاء الاجتماعي ويعاني من الأمراض النفسية حينها يكيل إليه باللوم والعتاب وكأنه لا دخل له بما أصاب ابنه. إننا كآباء نسهم بشكل كبير جدا في تشكيل حياة أبنائنا وقد نجني عليهم بسبب عدم الإلمام بمبادئ التربية الصحيحة أو الاهتمام والحرص المفرط الذي يولد حالة من القلق ونفاد الصبر والانفلات مما يؤدي أحيانا إلى التلفظ بكلمات وعبارات نابية قاسية مثل «أنت فاشل»، «أنت غبي»، « أنت مهمل»، «أنت أبله»، «أنت مغفل»، «أنت جبان».. أنت .. أنت .. وغيرها من الكلمات والرسائل السلبية الخطيرة التي نبثها مرارا وتكرارا منذ الطفولة حتى تترسخ في عقله الباطن ويتبرمج عليها ويتصرف على ضوئها. إنها عبارات قصيرة عابرة ولكنها سموم قاتلة للعقل الباطن (اللاواعي) الذي لا يميز بين الصح والخطأ و يصدق كل مايسمعه ويتكرر عليه. ويشتد الأمر سوءا عندما يتكرر سماع مثل هذه الرسائل السلبية ليس فقط من الأسرة بل من المدرسة ومن البيئة المحيطة التي يعيش المرء في أكنافها وأحيانا يسهم الشخص نفسه في برمجة عقله بالتفكير السلبي و تكرار مثل هذه الرسائل بينه وبين ذاته.

ومهما حصل من برمجة سلبية للعقل الباطن فالأمر يمكن تداركه من قبل الوالدين والشخص نفسه إذا ما وجدت الرغبة الصادقة للتغيير ووضع حد لاستقبال مثل هذه الرسائل السلبية المدمرة والإهانات وذلك بإعادة برمجة العقل الباطن كما تناولها المختصون في البرمجة اللغوية العصبية وعلماء النفس لتنقيته من تلك السموم بدلا من الوقوف وقفة المتفرج والكيل باللوم والعتاب على هذا الطرف أو ذاك وانتظار مالا يحمد عقباه. ولا بد من وضع حائط منيع لا يسمح للهواجس والأفكار والرسائل السلبية أن تتغلغل في العقل الباطن و تثبط من عزم المرء وتحط من قدره، فكما قيل: «ما أنت إلا ما تعتقده عن نفسك».

إن العقل الباطن كنز مجهول و مهمش لايعيره الكثير من الناس أهمية وعناية فقد وصفه الدكتور جوزيف ميرفي في كتابه (قوة عقلك الباطن) بأنه «منجم ذهب موجود في باطنك لديه قوة عجيبة تحقق المعجزات تستطيع من خلاله استخلاص كل شيء ترغب فيه لتحيا حياة تتسم بالبهجة والمرح والوفرة» . إن العقل الباطن مصدر للطاقة والقوة وقد ذهب بعض المختصين إلى أنه يمكن الاستفادة منه في تحقيق العديد من الأمور مثل النجاح والصحة والثروة وتحسين الذاكرة ومعالجة الكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية والصحية وعليه فالإنسان بحاجة إلى التحدث مع ذاته الداخلية من حين إلى آخر لتوجيه الرسائل الايجابية بطريقة يضمن تحرر العقل الباطن من قيود العقل الواعي ليكون أكثر استجابة وفعالية. فمن كتاب ميرفي وكتاب لأحد تلاميذه إرهاد فريتاج بعنوان (العقل الباطن نبع الطاقة التي لا حدود لها) ورد عدة نماذج للكثير من الحالات وكيف تم التعامل معها. فمن التقنيات المتبعة هو أن تتخذ مكانا هادئا مريحا وتتنفس بعمق عن طريق الأنف وإخراج الزفير بهدوء عن طريق الفم لعدة مرات ثم تكون في حالة استرخاء وتردد ماتريده من عبارات ايحائية ايجابية على عقلك الباطن فإن ذلك كفيل بأن يعيد برمجته. ولكي تتحصل على نتائج أفضل ينصح المختصون بضرورة الاقتناع بما تفعله وبدون تشكيك وأن تلتزم بالصبر فقد يستغرق الأمر أشهرا، وتكرار العبارات الايحائية من 2-3 مرات يوميا لبضع دقائق. وينبغي أن تكون الإيحاءات قوية ومحددة ومصاغة في الزمن المضارع ولاتخص أحدا سواك ولا تكون في صيغة النفي والنهي، فعندما تقول لا تفكر في الخوف فإن العقل يحذف «لا» ويأخذ بالتفكير في الخوف.
وينبغي تخيل الرغبة واستحضار الصورة الذهنية فالصورة تعدل ألف كلمة. ولابد أن تتجنب انتقادك لنفسك أو أن تسمح لأحد بتوجيه النقد الجارح والإهانات وعليك أن تعكس كل رسالة سلبية تستقبلها برسالة ايجابية كأمثال «أنا واثق من نفسي» ، «أنا ناجح» و»إنني أتمتع بصحة جيدة» وغيره من الرسائل التي يمكن أن تدون في المفكرة الخاصة أو حفظها وتكرارها على العقل الباطن لإعادة شحنه وبرمجته بما يريده هو لنفسه.

الخارطة الذهنية..وتنميةالموارد البشرية

قياسي

اعتاد الكثير على تدوين ملاحظاتهم ومذكراتهم بالطريقة التقليدية بكتابة كلمات وجمل وسردها تحت بعضها في سطور بالرغم من وجود وسائل أكثر فاعلية وفائدة في هذا المجال ،ويعود ذلك إما للجهل بهذه الوسائل والتقنيات أو لكون الشخص يعيش في كوكب التقوقع والجمود والانغلاق فيقاوم ويرفض التغيير لكل ماهو جديد وغير مألوف. الخرائط الذهنية هي إحدى الوسائل والأدوات التي برزت على الساحة منذ عشرات السنين وجال بها مكتشفها توني بوزان جميع أنحاء العالم وذاع صيته وأصبح أحد الرواد المهتمين بالعقل فألف الكتب الكثيرة التي ترجمت لعدة لغات، وقد كان لتواجده في مملكتنا الحبيبة فرصة لحضور ورشة استخدام الخرائط الذهنية على يديه.

لقد أثبتت الخرائط الذهنية نجاحها واستخدمها الكثير كل في مجال تخصصه فهي تستخدم في تدوين الملاحظات والمذكرات، وتلخيص الكتب، وإلقاء المحاضرات والخطب، والتخطيط ووضع الأهداف، وكتابة الكتب والمقالات، وبناء المشاريع، وتشغيل الآلات والمعدات، وتنظيم المناسبات، وتوليد الأفكار الابداعية، والعصف الذهني، وإدارة الاجتماعات، وحل المشاكل، واتخاذ القرارات، والمذاكرة والدراسة وغيرها من الاستخدامات الشخصية والمهنية.
الخارطة الذهنية تعطي صورة واضحة وشاملة في صفحة واحدة وتعتمد على الخيال والربط في الدرجة الأولى بحيث تتماشى مع كيفية عمل المخ بطرفيه الأيمن والأيسر ،حيث تشمل الصور والخيال والألوان المرتبطة بالطرف الأيمن والأرقام والكلمات المرتبطة بالطرف الأيسر. وفكرتها سهلة جدا بحيث يتم رسم أو وضع صورة بارزة في منتصف ورقة بيضاء للفكرة الأساسية التي يدور حولها الموضوع أو المشروع ومن ثم رسم خطوط تشبه الأغصان أو الأعصاب تنبثق من المركز حاملة للأفكار الرئيسة ومنها تتفرع للمستوى الثاني والثالث للأفكار الفرعية حسب الحاجة وتشعب الموضوع. ويراعى أن تكون خطوط الأفكار الرئيسة أكثر سمكا ووضوحا من الفروع الثانوية وأن تكون كل فكرة بلون مختلف وكل فرع يحوي كلمة واحدة قدر المستطاع وتكون الخطوط منحنية لتفادي الخطوط المستقيمة التي يملها المخ, ويكون طول كل فرع بطول الكلمة لكي يتسنى الربط بين الأفكار واسترجاعها بسهولة. كما يفضل استخدام الصور والرسومات التوضيحية عوضا عن الكلمات لأن الصورة تعدل ألف كلمة. ولمن لايرغب بالرسم واستخدام الألوان يمكنه الاستعانة بالبرامج الالكترونية المتوافرة لرسم الخرائط الذهنية كما يستعمل برنامج الوورد (Word) للكتابة والتنسيق.
لقد برز على الساحة في السنوات الأخيرة الكثير من مثل هذه الدورات التدريبية لتنمية الموارد البشرية ،وحبذا لو تبنت وزارة التربية والتعليم مثل هذه الدورات وإدراجها ضمن الأنشطة الثقافية بجانب المناهج الدراسية لما سيكون لها من مردود ايجابي في تطوير مواهب و مهارات أبنائنا الطلاب منذ نعومة أظفارهم ومواكبة كل ماهو جديد.


الخارطة الذهنية..وتنميةالموارد البشرية – صحيفة اليوم

لا نريد سمكاً.. علمونا الاصطياد!

قياسي
«لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد».. هذا مثل صيني رائع يتردد كثيرا على الألسن وفيه الكثير من الدروس والعبر في مجال التربية والتعليم. كم من طالب تحصل على إجابة لمسألة من معلمه كلقمة سائغة بدون أن يجهد ذهنه بالتفكير بكيفية الحل؟ وكم من متدرب قام مدربه بانجاز عمل ما له وسطر عليه اسمه ففرح وشعر بالفخر؟ وكم من ابن قام والداه باتخاذ قرار خاص له فارتسمت البسمة على ثغره وحصل على ما يريد بكل يسر وسهولة؟.. إنها بسمة وفرحة لحظية تكفي ليوم واحد كما هو الحال مع السمكة، ولكن كيف سيكون المصير إذا تم التوقف عن هذه العادة السلبية ليتخذ من يطلب العلم والتدريب قرارا صارما ويطلب تعلم الطريقة السليمة لاصطياد السمك ليستمر معهم التلذذ بطعمه مادامت حياتهم على وجه البسيطة؟

 
كيف سيتصرف الطالب عندما يكون في قاعة الامتحان بعيدا عن معلمه؟ وكيف سيدبر المتدرب والابن أمورهما عند غياب أو رحيل من يدربهما ويعالج المشكلات ويتخذ القرارات لهما؟
عندما يوكل مدرب عملا للمتدرب الذي معه يتوقع منه أن يوجهه ويرشده لكيفية إنجاز تلك المهمة ويعطيه الوقت الكافي للتفكير والاعتماد على نفسه في دراسة وتقييم عدة خيارات واختيار الأنسب منها حسب المعايير التي تتوافق مع استراتيجية وسياسة جهة العمل، وبذلك تتحقق عدة فوائد وأهداف، من ضمنها تدريب الأفراد بشكل صحيح بحيث يجعلهم ممن يعتمد عليهم بانجاز أي مهمة مشابهة مستقبلا وأيضا سيشعر المدرب بالراحة حيث سيفوض المتدرب بانجاز المهمة بأقل جهد و توجيه منه. قد يتخاذل المدرب أحيانا في التدريب لعدة أسباب منها انشغاله وعدم تخصيص الوقت الكافي للمتدرب، أو رغبته في انجاز المهمة بأسرع وقت ممكن، ويرى أن المتدرب سوف يعيقه عن تحقيق ذلك بكثرة أسئلته واستفساراته، أو شعوره بخطورة المهمة ويتحاشى تعريض المتدرب للخطر، أو عدم إخلاصه وخوفه على وظيفته ومنصبه من أن يتولاه من يقوم بتدريبه، أو انه لا يملك الأسلوب في فن التعامل والتدريب أو انعدام الحوافز والدوافع أو غيرها من الأسباب.
في المقابل فالطرف الآخر أيضا يمكن أن يكون هو السبب في البقاء في دوامة مغلقة بدون تدريب وتطوير، وذلك عندما يفضل حياة الركود والخمول والاكتفاء بالقليل ويعتمد على شخص موجود يقوم بانجاز كل مهمة وتواجده دائما أمامه ليلجأ إليه كلما استعصى عليه أمر عسير واطمئنانه بأنه سيبقى معه ولن يغادره. عندما تتفشى هذه الظاهرة غير الصحية حتما سينتج عنها عواقب وخيمة تعود على جهة العمل بالآثار السلبية فمن ناحية المدرب سيستمر بالمعاناة ولن يشعر بالراحة لأنه فضل أن يقوم بكل مهمة بمفرده وسيستمر على هذا المنوال هذا إذا لم «يسلمه صاحب العمل الباب» إذا ما تبين بأنه هو السبب الرئيسي في عدم تدريب كفاءات يعتمد عليهم.
أما بالنسبة للمتدرب الذي يكتفي بأكل السمكة ولا يكترث بالمطالبة بتعلم الاصطياد، فعلى مستقبله السلام ليستمر عالة على غيره بدون شخصية فاقدا للثقة والمقدرة على الإبداع والانجاز واتخاذ القرارات الصائبة ومعالجة أسهل المشكلات، وسوف تؤول حياته إلى الضياع والفشل نظرا لاعتماده على غيره والسكون لحياة الأخذ بيسر وسهولة. وما ينطبق على المتدرب ينطبق على الابن وغيره، فالابن الذي يعتمد اعتمادا كليا على والديه لاتخاذ قراراته ومعالجة مشاكله والتدخل في كل صغيرة وكبيرة في اختيار طريقة حياته وتعطيل عقله حتما سوف يؤول مصيره إلى مالا تحمد عقباه..

لا نريد سمكاً.. علمونا الاصطياد! – صحيفة اليوم

وئدت ياجبل القارة ولم يعرف لك قدر

قياسي
قبل أيام قرأت مقالا لأحد الإخوة في الصحف اليومية مفتخرا بجبل القارة بسبب الوفود الغفيرة التي ترتاده من كل حدب وصوب للإستمتاع بنسيمه البارد العليل بعيدا عن شدة الحرارة في فترة الصيف، ومشيدا برأي أحد المسئولين بالإهتمام الذي توليه بلدية الأحساء لهذا الصرح حيث تمت صيانة جميع دورات المياه والاهتمام بنظافته.

سررت كثيرا بما قرأت حيث انني لم أذهب إليه منذ فترة طويلة فأخذت عائلتي وتوجهت إلى ذلك الجبل الشامخ ذلك الطود العظيم ذلك المعلم الأثري المشهور في مدينة الأحساء فنظرت يمينا وشمالا متفحصا لما ناله من نصيب من التطويرات والتحسينات المزعومة فرأيته أسوأ حالا مما كان عليه قبل فترة من الزمن. بالأمس كان يوجد بوفيه لتناول المرطبات والمأكولات الخفيفة واليوم اكتفينا بوجود عربة عند المدخل مليئة بالماء والثلج لتبريد وبيع الماء والعصيرات… بالأمس كانت دورات المياه في وضع جيد واليوم أصبحت خارج الإستعمال وإن وجدت واحدة فليست بأحسن حالا من بعض دورات المياه الموجودة على الخطوط العامة…
بالأمس كان الأطفال يستمتعون ببعض الألعاب واليوم أصبح ليس لها ذكر.. بالأمس كان السائح يدخل تلك المغارة ويستمتع بذلك النسيم العليل واليوم أصبح بحاجة لكمامة لأنفه بسبب تلك القاذورات والروائح الكريهة التي يتسبب فيها ذلك السائح غير الواعي وغير المسئول… بالأمس وبالأمس وبالأمس ولا أريد أن أكون سلبيا ومتشائما كثيرا لكنها الحسرة التي يشعر بها أهالي المنطقة بسبب تلك الغفلة لهذه النعمة الالهية وهذا الكنز العظيم في منطقة الخيرات.
حبا الله المنطقة الشرقية بخيرات النفط والصناعة والزراعة وهي غير بعيدة لتنافس الكثير من المناطق الأخرى في السياحة وتسهم في تنوع الإيرادات والدخل لبلدنا الحبيب بدلا من التركيز المكثف فقط على النفط. بزيارة الأماكن السياحية في بعض الدول الآسيوية والأوربية إنني أضع علامة استفهام كبيرة لما سيؤول اليه الوضع لو كان هذا المعلم في إحدى تلك الدول. بجولة في النمسا التي يرتادها الكثير من السياح في كهف الجليد الذي يقع على ارتفاع الآلاف من الأمتار ولكن ذلك لم يكن عائقا لتعني الكثير إليه لإكتشاف أعماقه والاستمتاع بالتجول بين صخوره في درجة حرارة لا تتعدى الصفر المئوي. لقد شقت تلك الطرق وعبدت بين حنايا تلك الجبال الشاهقة ومددت تلك الكيابل لتسحب تلك العربات المليئة بالسياح إلى أعلى القمم. وما ان تصل إلى ذلك الباب حتى تجد المرشد السياحي مستعدا بمصابيحه ليفتح ذلك الباب وتهب تلك الرياح الباردة فتدخل وتستمتع بتلك الأجواء الباردة متسلقا سبعمائة (700) درجة خشبية قد تم انشاؤها محاطة بالقضبان الحديدية… لك أيها السائح لتستمتع بجولتك خلال الساعة التي تقضيها في هذه الأجواء وتشاهد مانسجته الطبيعة من أشكال جليدية جميلة من قمم الجبال. من لم يذهب لهذا الكهف يستكثر تسلق 700 درجة صعودا وأيضا نزول 700 درجة أخرى للخروج ولكن ما أن يبدأ تلك الجولة حتى يشعر بالراحة ولا يكترث بتلك الأعداد.
وذهابا إلى منجم الملح الذي يقع في أعماق الجبال ولايحتاج التسلق والصعود بل النزول. فقد هيأت القطارات لتأخذ السياح وتشق تلك الأنفاق الطويلة على تلك القضبان ومن ثم إكمال النزول تزحلقا على تلك الأخشاب الملساء والسير على الأقدام والاستمتاع بالشرح عن كيفية استخراج الملح بمختلف اللغات، ثم عبورا بعابرة في بحيرة تحت الأرض وصعودا بالمصعد في نهاية الجولة. فحتى لايقال ان ذلك في أوربا فلنذهب إلى مغارة جعيتا في لبنان ونستمتع بما هو أكثر جمالا من كهف الثلج في النمسا ونشاهد تلك المياه النازلة من قمم الجبال وما نسج من أشكال جليدية رائعة.
وحتى لا أسهب وأترك المجال للخيال ليذهب بعيدا في أقطاب الأرض أعود لجبلنا المؤود، لجبلنا الحبيب، لجبلنا المنسي بين أحضان القرى وماذا سيكون مصيره؟ إن مغاراتنا على سطح الأرض ولاتحتاج إلى تلك الطرق الوعرة للوصول إليها! في خطوة ايجابية والتفاتة مشكورة للجهات المعنية تم تزويد جزء من المغارة بالإضاءة وسفلتة الطريق المؤدي إليها ولكن هل هذا هو كل ماتحتاج إليه وما نستطيع عمله. إنها قفزة خجولة وكلنا ثقة بأننا نستطيع أن نفعل الكثير الكثير للنهوض بهذا المعلم ليتحدث عنه السياح في مختلف الدول ويصبح أحد المعالم السياحية في بلدنا الغالي ويسهم هو وغيره من المعالم السياحية بجذب أكبر عدد من السياح. لقد سمعنا مؤخرا بتوجهات وخطط مستقبلية لهذا المعلم وكلنا شوق وأمل وانتظار لرؤية تلك التطورات الجبارة التي تقتحم آفاق تلك المغارات ليلج فيها السائح ماكثا الساعات بدلا من الدقائق المعدودة.

اليتــيم و العيد

قياسي
مع إشراقة شمس العيد وتغريد الطيور، يخرج لؤي لصلاة العيد بصحبة والده لابساً ثيابه الناصعة، يتهلل وجهه فرحا، يشبك بأنامله الرقيقة كف والده، يتزود حنانا و يشعر بالأمان بجانبه..

عند باب المسجد يتبادل والده تهاني العيد مع أهل الحارة، كلما انتهى من شخص أقحم لؤي نفسه ومد يمينه للسلام وتطاول ومد عنقه رافعا يده اليسرى مشيرا لطوال القامة بالانحناء ليبصم قبلة العيد على خدهم، ويهمس في آذانهم «كل عام وأنتم بخير» يتبع لؤي والده إلى داخل المسجد، يستمر في التهاني بالعيد محاكيا والده في حركاته وسكناته. المسجد مزدحم بالمصلين، كل طفل تحرسه العناية الإلهية في كنف والده، يحاكيه، تغمره السعادة . يلمح لؤي زميله أحمد في إحدى زوايا المسجد، يسحب يد والده، يطلب منه الذهاب لزميله، يزف إليه تهنئة العيد، يسأل والد لؤي أحمد عن والده! أحمد يجيب بحرقة قلب وحسرة، بدمعة اتخذت مجراها من العين ..
قبل عام كان والدي يصطحبني معه إلى المسجد في يوم العيد، يصنع معي كما تصنع اليوم مع لؤي، يتهلل وجهه فرحا وسرورا وهو يقدمني لأصحابه 
اليوم أصبح مغيبا في التراب، رحل وأخذ ثوب العيد وفرحته، وسلب الابتسامة من ثغري، فغدوت تائها طريقي، منسيا لا يعبأ أحد بالانتباه إلى صغر جرمي وتهنئتي بالعيد. بعد رحيل والدي لم أشعر بالانكسار والذل والحرمان كثيرا. كان أخي بقربي، يضمني إلى صدره ويرعاني بعينه يعوضني حنان وعطف من غيبه الزمن. كان عمي بجانبي يكنفني بحبه، لم يجعلني أشعر بفقد أبي، يزورني دوما ويصطحبني بسيارته مع أبنائه أينما ذهب ويغدق علي بالهدايا.. لا يفرق بيني وبين أبنائه. ما هي إلا أشهر حتى انقطع أخي وأصبحت لا أراه إلا مرة في الشهر خصوصا بعدما رزق بطفله الأول بعد طول انتظار، وأصبح مشغوفا بحبه.. مستبعدا أخاه من ذاكرته. قلت السلوة بعمي.. لكن لم تدم عنايته طويلا بعد غياب أخي، قلت زيارته تدريجيا إلى أن اضمحل نور حنانه وانقطع دلاله. صحتُ أماه أين أخي.. أين عمي؟ لم تهتد لإجابة تشفي غليلي.. فناديت لا أريد مالا، لا أريد هدايا.. يكفيني كلمة حب ونظرة عطف وهمسة شوق لتطفئ حرارة الفراق. انقطع الأمل وأصبحت أمي هي كل شيء في حياتي، هي أبي وأمي وأخي وعمي، تسهر ليلها حزينة تستعيد الذكريات الجميلة، تفكر في أمري وتربيتي، تقاسي الويلات لتوفير لقمة عيشي، وتبذل كل نفيس لتنير دربي بالتعليم. حملت هم كسوة العيد وما هان عليها أن ترى قلبي منكسرا، فهب أهل الخير والإحسان بصنوف الطعام وكسوة العيد وهداياه. يتألم والد لؤي من كلام أحمد، يضمه إلى صدره.. يقبله.. يمسح على رأسه رأفة بحاله، ويقدم له هدية العيد.
يتأثر لؤي، يقبل زميله أحمد، تخنقه العبرة بكلمات متكسرة في حنجرته لا يعرف كيف يسليه.
يقف مندهشا أمام والده، تبلل الدموع ثوبه، يتساءل بصوت خافت «هل سيؤول مصيري إلى ما آل إليه مصير أحمد بعد فقدك يا أبتاه؟» 

٢٠٠٨/١٢/١٩