وقفة مع الأمسية القرآنية وحفظ كتاب الله

قياسي
تشرفت ليلة البارحة بحضور الأمسية القرآنية العاشرة التي تنظمها دار الرحمن لعلوم القرآن ويسعدني المشاركة بهذه الوقفة مع إحدى فقرات البرنامج المتميز. 

بداية باسمي وباسم عائلة الحجي نرفع أسمى آيات الشكر والتقدير والثناء لفضيلة الشيخ  عبدالله الياسين حفظه الله والكوكبة المؤمنة التي نذرت نفسها في دار الرحمن على جهودهم الجبارة الملموسة المتميزة في الاهتمام بالقرآن الكريم والتي كان لها دور كبير و صدى واسع في العديد من المساجد في المنطقة، فالله نسأل أن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم ويوفقهم ويسدد خطاهم.


لقد استوقفتني فقرة من فقرات الحفل وأبيت إلا أن أنثر هذه السطور لنستلهم منها عبرة ودرسا في حياتنا العملية، ألا وهي فقرة الحوار مع الشيخ عبدالله الرصاصي وابنه الشبل محمد الذي حفظ القرآن الكريم بأكمله عندما بلغ السابعة من عمره.  لقد توجه الحضور لمحمد بالأسئلة المختلفة والتي منها ذكر موضوع معين كالخمس والوضوء وغيره وهو يقرأ الأية المتعلقة بذلك.  وسؤاله بإكمال آية ما وأكثر من ذلك قراءة أية له وهو يقوم بذكر اسم السورة ورقم الآية ورقم الصفحة بكل ثقة.

لقد كان مسجد الإمام الحسن (ع) يضج بالصلوات من قبل الحضور وقد توجه إليه البعض بعد الانتهاء ليتشرف بالسلام عليه ويبدي فخره واعتزازه بذلك الشبل الذي يحفظ بين طيات صدره كامل المصحف الشريف. إنه الشرف وكل الشرف أن يكون الإنسان حافظا لكتاب الله المجيد هو وكذلك أبناؤه ولكن ذلك لايكون بين عشية وضحاها ولايكون بالتمني فقط فكما قال الشاعر أحمد شوقي: “ومانيل المطالب بالتمني    ولكن تؤخذ الدنيا غلابا”.

 
تحقيق هذا الهدف السامي يتطلب الإعداد والاستعداد له والمواظبة من قبل الوالدين والأبناء. فدور الوالدين يكمن من قبل انعقاد النطفة وبعد تكون الجنين في رحم أمه ومتابعته والاهتمام به بعد الولادة. فكما روى فضيلة الشيخ كان يتعاهده ويشرف على تعليمه بعض الآيات والسور منذ أن كان عمره سنتين حتى لقي عنده قابلية الحفظ بسرعة وألحقه بمدرسة للقرآن الكريم. ومما كان له دور كبير في تحقيق هذا الهدف هو إصرار والده على تحقيق هذا الهدف وأيضاً البيئة التي عاش فيها مغتربا خارج الوطن والتي هيأت الجو المناسب للحفظ بعيدا عن الملهيات التي يغرق فيها الأبناء منذ نعومة أظفارهم من ألعاب وإنترنت ومسلسلات وبرامج تلفزيونية يساء استخدامها وتسهم في تشتت ذهن الطفل وتجرفه بعيدا عما ينفعه وينمي قدراته وطاقاته ومواهبه. إن كل عام ينقضي هو محسوب من العمر والآفة الكبرى هي التسويف من يوم إلى آخر وإساءة إدارة الوقت حتى يصل الإبن لطريق يصعب فيه التخلص من الشوائب التي تعششت على عقله واستحوذت عليه، وإن تمكن من ذلك سيستغرق منه حتما الوقت الكثير لكي يفتح صفحة جديدة يشرع في التفكير والتخطيط لأهداف سامية. إنها وقفة تأمل لن أخوض في أعماقها ولكن أحببت رسم الخط العريض لنا الآباء ولفلذات أكبادنا وكل دار أعلم بعلتها وتستطيع تشخيص دائها ووصف الدواء المناسب للعلاج قبل أن يهتك المرض بها.

عبدالله الحجي
٢٠١٣/٧/١٩

موقفان بلا تعليق

قياسي

موقفان كان الفاصل بينهما سويعات أكتفي بسردهما ولن أعلق عليهما

الموقف الأول

دخل السيد الجليل للمسجد وقبل أن يؤم المصلين، أخذ يستقبل الجميع بالأحضان والصدر الرحب والابتسامة التي لاتفارق شفتيه وعبارات الترحيب للصغير والكبير، لمن يعرف ومن لايعرف وكأنه يعرفهم جميعا، وأعظم من ذلك تلك القبلات التي كان يطبعها على جبين الطفل الصغير والرجل الكبير…

الموقف الثاني


بعدها بسويعات ذهبت مع أحد الأصدقاء للعزاء بوفاة أحد المؤمنين، وقبل الدخول وقفت تلك السيارة أمام مجلس العزاء .. نزل منها رجل يرتدي عباءة يتمتع بكامل صحته … ترك الباب مفتوحا من خلفه، ودخل مجلس العزاء … حينها وقفت أتأمل وأتساءل لم ترك الباب مفتوحا؟ فإذا بالسائق نزل من السيارة وتوجه لإغلاق الباب ونظر إلي نظرة خاطفة وكأنه يجيب بلسان الحال .. أنا من يفتح الباب وأنا من يغلقه، فقد تركت أسرتي، وهذه مهنتي وعليها أتقاضى أجرتي والله أعلم بحالتي ..  ثم عاد إلى مكانه للانتظار!!

عبدالله الحجي

فاجعة الدالوة انطلاقة الوحدة الوطنية؟

قياسي
ترددت بين وضع وحذف علامة الاستفهام في العنوان .. أهو تساؤل أم إثبات وإخبار؟ الوحدة أمنية وطموح كل مواطن مخلص ولكن بقراءة موضوعية للوضع الراهن وجدت البعض متفائلا بلاقيود وبعضهم مشككا والبعض الآخر متفائلا بحذر..  فتركتها في هذا الوقت مع حرارة المصيبة ولوعة الفراق ليقرر لها الزمن أتبقى قابعة في مكانها أم تكون إرادة الشعب أقوى من كل التحديات فيأتيها العفو لتغادر موقعها وتنطلق مستمتعة بكامل حريتها..



لقد أظهرت هذه الفاجعة لحمة ووحدة أبناء الوطن بمختلف مذاهبهم بوقفتهم وحضورهم في مراسم التشييع والتعزية والمواساة في قرية الدالوة الصغيرة بمساحتها، الكبيرة بأخلاق وطيبة وتواضع أهلها وسمو مبادئهم وقيمهم. كل من عاش الحدث وتفاعل مع مجرياته يطرح استفهاما “ثم ماذا؟”


القلوب حرى بفقد الشهداء ولكن ثمة مواقف مشرفة لاشك في أنها هوّنت المصاب وضمّدت بعض الجراح ومنها وقفة حكومتنا الرشيدة متمثلة بزيارات وزير الداخلية وأمير المنطقة الشرقية ونائبه ومحافظ الأحساء ونائبه لتعزية ومواساة أهالي العزاء والاطمئنان على صحة المصابين. ومن المواقف أيضا التعميم الذي صدر لأئمة المساجد لتناول هذه الحادثة في خطب يوم الجمعة والذي التزم بها الغالبية العظمى من الأئمة إلا من شذ منهم.


تجسدت الوحدة واللحمة الوطنية في الكثير من المواقف أثناء التشييع متمثلة في الكلمات والخطابات التي سبقت الصلاة على جثامين الشهداء والتي دعت إلى ضبط النفس ونبذ العنف والتحلي بالوحدة الوطنية، وكذلك الشعارات التي رُفعت والتي تصب في هذا الهدف لعدم الانجرار نحو الفتنة والتناحر، ولا تغيب عن الأذهان تلك الصور التي رُفعت لشهداء الواجب بجانب شهداء الدالوة يرفرف عليها علم الوطن الذي كان أيضا يلف جثامين الشهداء بعبارة الوحدة الإسلامية “لاإله إلا الله محمد رسول الله”.


ومن المظاهر المشرفة شجب واستنكار هذه الجريمة النكراء من قبل الكثير من المشايخ والفضلاء والوجهاء والمثقفين وغيرهم من المواطنين النبلاء عبر قنوات التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية المنصفة المعتدلة. وأيضا الحضور المشرف للمشاركين في مراسم التشييع والذي قدر بـ ٢٥٠٠٠٠ مشاركا من مختلف المذاهب قدموا من كل حدب وصوب من داخل وخارج المملكة يقف إلى جانبهم رجال الأمن البواسل. ولم ينتهي الأمر بمواراة الثرى لجثامين الشهداء الطاهرة بل تبعه الحضور المكثف المتواصل خلال أيام العزاء من الداخل والخارج، وبيانات المواساة والاستنكار.


لقد كانت هذه القرية الصغيرة منبعا لوحدة وطنية غير مسبوقة وجسدت أعلى مراتب التلاحم والتآخي والمواساة بين مختلف شرائح المجتمع ومذاهبهم. أصبحت الدالوة إنطلاقة للوحدة الوطنية التي عجز عن تحقيقها الكثير من اللقاءات والاجتماعات والمحاولات التي باءت بالتعثر والفشل. ماحدث كان خلافا لحسابات الحاقدين ومخططاتهم الشيطانية في النيل من الوطن وتمزيق وحدة أبنائه وإشعال الفتنة بينهم، ولن يهدأ لهم بال حتى يشعلوا شرارة الفتنة التي تمزق أبناء الوطن ليتناحروا كما يجري من حولنا في الدول الأخرى، فينبغي أخذ الحيطة والحذر لتفويت هذه الفرصة عليهم. جميل أن يعيش الإنسان بنظرة إيجابية متفائلا بكل خيرولكن لابد من مراعاة بعض الأمور وأخذها بعين الإعتبار لكي لايكون الوضع مجرد ردة فعل وتفاعل مع حرارة المصيبة وعظم الفاجعة يخبو ويندثر بعد أيام أو أشهر من الحدث.


لِتدوم هذه المواقف النبيلة لابد من إتخاذ خطوات عملية لتقييم الوضع الحالي بموضوعية وتحديد السلبيات والمسببات الحقيقية التي تنخر في الوحدة الوطنية من أجل اجتثاثها من جذورها، وتأسيس قاعدة متينة يصعب اختراقها لتبقى هذه الوحدة راسخة لاتتزعزع بأي أصوات نشاز ناعقة من هنا وهناك، ولا تتأثر بأي تحديات وتيارات معاكسة من أي جهة أو طرف همه الوحيد تأجيج الفتنة والعداوة وطمس معاني الكرامة والإنسانية. ولا بد من التصرف بحكمة وحزم لتطهير البلد من كل فكر ضال لتفويت الفرصة على أصحاب النفوس المريضة المتجردة من مشاعر الإنسانية. وأيضا لابد من الاستفادة مما حصل وجعله نقطة انطلاق لمستقبل مشرق أكثر نضجا ووعيا ونزاهة وتماسكا واستقرارا يسوده الحب والتعايش بسلام واحترام، نابذين كل الخلافات التي لا ينبغي أن تكون عائقا أمام الوحدة الوطنية والأهداف السامية التي تصب في خدمة الوطن وأبنائه.


نسأل الله أن يتغمد جميع الشهداء بواسع رحمته ومغفرته، وأن يحفظ وطننا الغالي من كل سوء، ويديم علينا نعمة الأمن والأمان.



٢٠١٤/١١/١١

غير كلماتك … تغير عالمك

قياسي
ألقى جون دوسشينسكي كلمة في المؤتمر العالمي الذي نظمه معهد إدارة المشاريع في دبي في مايو 2014 وكانت كلمته بعنوان (Change your words, change your world)، أي «غير كلماتك، تغير عالمك». وقد تعرض في كلمته إلى أن الناس لا يهوون وظيفة مدير المشاريع وذلك لأنه عقلاني ينصب تركيزه على أهداف المشروع ومجاله والميزانية والجدول لإنجاز المشروع في الوقت المخطط له. وتطرق إلى أن مدير المشاريع يفتقد للجانب العاطفي ولا يتصل بالقلب والروح مركزاً فقط على الجانب الإداري.



هذا العنوان ذكرني بمقطع فيديو قديم شاهدته على اليوتيوب بعنوان «قوة الكلمات» كان مرفوعاً منذ فبراير 2010 وبلغ عدد المشاهدين حتى تاريخه أكثر من 19مليوناً. هذا المقطع يوضح اندهاش رجل كفيف بمدى تفاعل المتبرعين له جراء تغيير العبارة المكتوبة إلى جانبه من «أنا رجل كفيف… الرجاء المساعدة» إلى «إنه يوم جميل وأنا لا أستطيع رؤيته». ما من شك فإن العبارة الجديدة لها وقع كبير في النفس ودغدغة العواطف والمشاعر مما تجعل المتبرع يتفاعل ويضاعف من عطائه، هذه الكلمات لا تخص مديري المشاريع فقط بل تشمل عديداً من المجالات والأدوار التي نعيشها في حياتنا سواء في المنزل مع الأبناء والزوجة أو في العمل مع الرئيس والموظفين أو في الحياة الاجتماعية مع الأصدقاء وسائر البشر. واقعاً قبل ذلك كله فالأمر يتعلق بالشخص نفسه فأنت من تبرمج عقلك الباطن بنوعية رسائلك وكلماتك المستمرة له. فكلما كانت الرسائل إيجابية حتماً سيكون تأثيرها إيجابياً في تعزيز الثقة بالنفس والتحفيز والتفاني والإخلاص وتحسين الأداء والتميز والإنتاجية العالية وحسن التعامل والمعاشرة مع الآخرين، والعكس عندما تكون الرسائل سلبية.


كل شخص هو قائد في مجال عمله أو منزله أو أي من الأنشطة الاجتماعية، والقائد الفاعل يحتاج أن يملك مجموعة من السمات والمهارات تمكنه من التكيّف مع المواقف والأحداث واختيار الأسلوب والنمط الأمثل للتعامل مع فريقه والآخرين. ومن هذه المهارات مهارة التواصل الجيد والذكاء العاطفي باختيار الكلمات المناسبة لجذب الآخرين وتحقيق التوافق والانسجام والتأثير عليهم. الكلمة المناسبة يكون لها سحر في التأثير والتحفيز وخلق التعاون والتكاتف وروح الفريق الواحد. وفي الطرف المقابل فالاختيار غير الموفق لبعض الكلمات كفيل بأن يقضي على رصيد الإنسان في بنكه العاطفي وينتج عنه آثار سلبية تؤدي إلى هدم العلاقات الأسرية ولربما يصل الحد إلى الانفصال بين الزوجين وتشتيت شمل العائلة. وكذلك ينتج عنه آثار سلبية في العلاقات العملية والاجتماعية.


بكلماتك وأسلوبك وتعاملك قد تجعل الموظف ينفر من عمله ويقدم على النقل أو الفصل أو التقاعد المبكر مع أنه لايزال يتمتع بكامل قدرته وطاقته على الإنتاج والعطاء، وقد تخلق بكلماتك جواً من الحب والشغف بينه وبين عمله فينصهر وفاء وإخلاصاً وولاء ولا يقبل إلا أن يكون عمله عظيماً وإنجازاته المتميزة هي المحفز الأكبر له لتقديم المزيد. فكما قال ستيف جوبز الرئيس السابق لآبل: «الطريقة الوحيدة لتكون راضياً بحق هي أن تعمل ما تعتقد بأنه عمل عظيم، والطريقة الوحيدة لإنجاز عمل عظيم هي أن تحب ماتعمل»


بكل تأكيد أن كل شخص هو مسؤول عن تغيّر ذاته ولايمكن تغيير العالم بأسره كما قال الله عز وجل «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ». ولو غيّر كل شخص من كلماته فإنه حتماً سيغيّر من نفسه وعالمه في الدرجة الأولى ومن ثم سينتج عنه تغيير في العالم المحيط به. نعم بالانتقاء المناسب لكلماتنا يمكن أن نحدث تغييراً جذرياً ونؤثر إيجابياً على كل من نتعامل معهم ونخلق حالة من الألفة والانسجام والذكاء الاجتماعي لتدوم العلاقات الوطيدة ونحقق أهدافنا التي نصبو إليها بنجاح. ويسعدني أن أختم بمقولة القائد المهاتما غاندي العظيمة: «كن ذلك التغيير الذي تتمنى أن تراه في العالم»


٢٠١٤/٨/١٠

غير كلماتك .. تغير عالمك – صحيفة الشرق

كفى بالموت واعظا

قياسي
قبل اسبوع سألني أحد الزملاء عن موضوع مقالتي المرتقبة فقلت له سأتناول موضوع العمل بروح الفريق الواحد ولكن قبل نشرها تلقيت رسالة تنعى فقد أحد الأقارب الأعزاء على قلبي فجأة فارتأيت بأن النفس بحاجة للتوقف عند محطة الموت للتزود بالعبرة والموعظة قبل فوات الأوان. وعندما أخبرته بذلك صمت قليلا ثم تمتم لم تذكرنا بالموت؟! إنه مصير لامفر منه فهم السابقون ونحن اللاحقون وإن كانت الأنفس منشغلة ومغترة بطول الأمل وتنقبض كلما ذُكر الموت. قال أمير المؤمنين (ع):




يـــا مــــــــــن بـدنيــاه أشـتـغــل *** قــــد غــره طــــــــــــــــــول الأمــــل
المـــــــــــــــــوت يـأتـي بـغتــة *** والـقبــــــــر صنـــــــــــدوق الـعـمـــل
ولـــم تــــــزل فـــي غـفـلـــــــة *** حـتـــى دنـــــــــــا منــــــــك الأجـــل

 
مدخل المقبرة يضيق يوما بعد يوم بسبب أعداد القبور المتزايدة التي تلتهم الطريق من جانبيه… فأين سيكون المصير، وفي أي بقعة سيكون المسكن، ومامدى استعدادنا للموت الذي لايعرف صغيراً أو كبيراً ولا عليلاً أو سليماً.
 
يتهافت الكثير للاشتراك في خدمة أخبار الوفيات عبر الواتس اب لمعرفة من انتقل إلى الرفيع الأعلى ليشارك إخوانه المؤمنين في التشييع والعزاء، وبين الحينة والأخرى تتوافد العديد من الرسائل بفقد الجار والصديق والقريب. يجتمع المؤمنون في المقبرة للمشاركة في مراسم التشييع والعزاء يتأثر من يتأثر منهم ويحزن من يحزن منهم والبعض الآخر يكون على هيئة مختلفة جدا غير عابئ وغير ملتفت بأنه داخل المقبرة لاهيا في ملذات الدنيا وزينتها بأحاديثه الجانبية وتجارته الدنيوية وكأن الأمر لايعنيه وأنه لن يشرب من هذا الكأس.
 
متى ننتبه من غفلتنا؟ عندما نقبل على أي امتحان في دار الدنيا نذاكر ونستعد لكي نحصل على الدرجات التي تؤهلنا لاجتياز الامتحان بنجاح وكم هي السعادة التي تغمرنا عند تحقيق ذلك وإن لم نوفق في المرة الأولى تكون لنا محاولة أخرى أو عدة محاولات. يوم الامتحان عادة يكون محددا ومعروفا لدينا فنكون على أهبة الاستعداد له بالجد والاجتهاد، ولكن كيف حالنا مع الامتحان والإبتلاء الأكبر الذي لايعرف في أي لحظة يباغتنا ونحتاج أن نكون له مستعدين دوما؟ قال تَعَالَى: “فَإذَا جَاءَ أجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ”.
 
في أي لحظة قد تكون رسالة الواتس اب تحمل خبر رحيلنا إلى الرفيق الأعلى يتلقاها كل الأهل والأصدقاء والأحبة وعموم المشتركين في هذه الخدمة…نعم إن الموت حق و “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ”. قد يكون ذكر الموت مراً ومنكداً لصفو العيش وهداماً للذات كما ذكر وأوصى المصطفى (ص) “أكثروا من ذكر هادم اللذات” ولكن نحن بحاجة لذلك لنتنبه من غفلتنا ونراقب أعمالنا وعلاقتنا مع خالقنا وخلقه ونهذب من تصرفاتنا التي تسلك بنا الصراط المستقيم لنجتاز الامتحان عند بلوغ طريق اللاعودة. إنها فرصتنا اليوم أن نتعظ بمن سبقونا ونتفكر ونحاسب أنفسنا قبل أن نحاسَب و نصرخ ونتوسل للرجوع والحصول على فرصة ومحاولة أخرى لتحسين الوضع ولكن هيهات يكون لنا ذلك وقد نبهنا وأنذرنا الرحمن الرحيم في قوله تعالى: “حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ “
 
وعندما نحمل جنازة المتوفى إلى مثواه فلنعش هذه اللحظات وكأننا نحن المحمولين على أكتاف الأحبة لنُدفن في تلك الحفرة الصغيرة الضيقة التي لم “نمهدها لرقدتنا، ولم نفرشها بالعمل الصالح لضجعتنا”. ويصور لنا هذا الموقف الإمام الصادق (ع) في قوله: إذا حملت جنازة فكن كأنّك أنت المحمول ، أو كأنّك سألت ربّك الرجوع إلى الدنيا لتعمل ، فانظر ما تستأنف ، ثمّ قال : عجباً حُبس أوّلهم على آخرهم ، ثمّ نادى منادٍ فيهم بالرحيل وهم يلعبون.”
 
الانشغال بحب الدنيا ونعيمها وزينتها وملذاتها يجعلنا نتعلق بها أكثر ونسعى في تعميرها ونكره الآخرة التي قصرنا في تعميرها وبقيت خربة كما ورد عن الإمام الحسن (ع) عندما سئل ما بالنا نكره الموت، ولا نحبه؟.. قال : (إنكم أخربتم آخرتكم وعمّرتم دنياك..، فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب). مادمنا في غفلة عن ذكر الموت والاستعداد له في أي لحظة فماعسى أن يكون مصيرنا؟ إنها فرصة أن نغير في كيفية تلقي هذه الرسائل والتعامل معها وتلك الأخبار والمراسم التي نحضرها ونخصص جزءاً من برنامجنا اليومي للمحاسبة وتذكر الموت ليكون لنا خير واعظ كما قال المصطفى (ص): “كفى بالموت واعظا ، وكفى بالتقى غنى ، كفى بالعبادة شغلا ، وكفى بالقيامة موئلا ، وبالله مجازيا”. وعندما سُئل أمير المؤمنين (ع) : ما الاستعداد للموت ؟.. قال : أداء الفرائض ، واجتناب المحارم ، والاشتمال على المكارم ، ثمّ لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه… “.
 
إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم ارحمنا قبل الموت وعند الموت وبعد الموت، واجعل عواقب أمورنا خيرا، واجعلنا من الذاكرين ولاتجعلنا من الغافلين المبعدين آمين يارب العالمين.
 
٢٠١٤/١٠/١٢
 
 
 
 
 

استشعار الضيافة الإلهية وفلسفة الحج

قياسي
الشيطان والهوى والإفراط في طلب الدنيا والتعلق بها عوامل تجعل من عبادتنا مجرد حركات جسدية جوفاء، ولقلقة لسان لانستشعر الهيبة والخشوع والخضوع أثناء المثول أمام جبار الجبابرة في صلواتنا الخمس اليومية، ونتنافس على من ينهي هذه الدقائق المعدودة في أسرع وقت لنعود وننغمس في ملذات الدنيا وزينتها.

 
وكذلك الحال في مختلف العبادات والتي منها حج بيت الله الحرام. يتهيأ الحاج في كل عام لتعلم أحكام الحج وأهم المسائل المبتلى بها وهو أمر في غاية الأهمية. ولكن كم من الحجاج من يخصص جزءا من وقته ويقف على التعرف على فلسفة الحج وجوانبه المعنوية قبل شد الرحيل لكي يستشعر طعم الحج ولذة المناجاة ومتعة العيش في كنف الضيافة الإلهية ويكمل أعماله متحصلا على أكبر المنافع التي وعد بها رب العالمين؟ بعض الكتب والأحاديث وضحت ماتيسر من أسرار وفلسفة الكثير من المناسك والأعمال ولكن تبقى فلسفة بعض الأعمال غير واضحة فيجب على الحاج التسليم والانقياد والتعبد بها كما ورد عن سيد الخلق والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم بدون تشكيك ولو لم يدرك الحكمة الحقيقية منها.
قبل أن يخرج الحاج من بيته عليه أن يقصد رب البيت وليس البيت وحجارته وأنه سيكون في ضيافة الرحمن منذ خروجه من بيته حتى يعود. فهنيئا لمن استجاب الله دعاءه وتكرم عليه بأن يكون من ضيوفه، وعليه أن يشكر الله ويحمده على هذه النعمة ويستمد العون  منه لأداء المناسك في يسر وسهولة. للضيافة آداب بين بني البشر فكيف بمن يكون في ضيافة الرحمن؟ من أهم الآداب أن يكون الضيف محترما وقورا خلوقا مراعيا حرمة البيت وضيوفه، مطيعا لأوامر صاحب البيت، مجتنبا نواهيه.  قبل النزول في ضيافة الرحمن، حري بالعبد أن يتزود بالتقوى كما أمرنا الله في قوله:”وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ”  وأن يصفي حساباته مع خالقه بأداء مافي ذمته من حقوق وعبادات ويصفي حساباته ويراجع علاقاته مع والديه وزوجه وأبنائه والآخرين ويحرص على طلب براءة الذمة ممن أساء إليهم، وينقي قلبه وجوارحه من الحقد والغل والضغينة والحسد وكل الخصال الذميمة ويتصف بالحلم والصفح والعفو والتسامح والصبر وحسن الظن وغيرها من الخصال الحميدة للتعامل مع ضيوف الرحمن.

ومن فلسفة الحج ما ورد في حديث الإمام السجاد (عليه السلام) مع الشبلي عند التجرد من المخيط والغسل  ولبس الإحرام، فليكن العزم على نزع ثوب المعصية والتجرد من الرياء والنفاق والشبهات والكبرياء والغطرسة والخيلاء، والاغتسال بنور التوبة الخالصة والإيمان، للتخلص من الذنوب والخطايا.  وعند التلبية ليحرص على استشعار عظمة من يناديه بقلبه وهو  ينادي “لبيك اللهم لبيك …” وأنه قد لايكون أهلا للنزول في ضيافة الرحمن فيأتيه النداء”لالبيك ولاسعديك”، وعليه تذكر موقف الإمام السجاد (عليه السلام) الذي كان  يغمى عليه أثناء التلبية خوفا من عدم قبول تلبيته. وكذلك الحال مع باقي المناسك التي يظهر فيها براءته من الشيطان الرجيم وحزبه وذويه وينقطع إلى الله بالتضرع والدعاء حتى يحظى بالجائزة الكبرى في نهاية هذه الضيافة ليعود نقيا من الذنوب كما ولدته أمه.
 
في ضيافة البشر يتهيأ الإنسان ليكون في آجمل هيئة فيلبس أجمل الثياب ويتعطر بأزكى العطور ويستخدم أرقى مساحيق التجميل متباهيا بها، أما في ضيافة الرحمن فالوضع مختلف كليا ولا وجود لمعايير التمايز والتفاضل والتفاخر البشرية بين العربي والأعجمي وبين الغني والفقير وبين الأبيض والأسود. فالكل يظهر بزي واحد يذكره بنهاية مصيره عند الموت ليتحلى بلباس التقوى والطاعة. إن الله جميل يحب الجمال ولطالما دعانا للزينة والجمال كما ورد في قوله جل وعلا:”يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ”. ولكن في الحج يأمرنا الله بالتجرد من كل مظاهر الزينة والعطور والإقبال إليه فقط بالإحرام لتتجلى أعلى مراتب السواسية ولايكون هناك مائز بين البشر غير التقوى كما قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.
 
ماأجملها من أيام يعيشها المرء في ضيافة الله مستشعرا ذلك بقلبه وكل جوارحه في كل خطوة يخطوها منذ أن يخرج من داره حتى يعود. فعليه أن يكون نعم الضيف وأن تكون أهدافه سامية مركزا على الأولويات ولايهتم بصغائر الأمور الدنيوية، بل يكيف نفسه ويوطنها للتعايش مع ضيوف الله بكل تقدير واحترام متحليا بالحلم والصبر وأن لايتوقع أن تسير الأمور كمايريدها هو ومايتوافق مع هواه. فعلى سبيل المثال بسبب الأعداد الكبيرة التي تحتاج إلى جهد كبير للتنظيم قد يحدت تغيير في خطط السير ينتج عنها ربكة في برنامج وخطط قوافل الحج وقد تحدث زلات وتقصير بغير قصد فهنا يظهر الإختبار الحقيقي لينظر الحاج لنفسه هل هو فعلا يعيش في ضيافة الله كما ينبغي أو أنه يخرج من طوره ويشتاط غيضا وغضبا وجدالا ويكون مصداقا لقول الإمام الباقر (عليه السلام): “ماأكثر الضجيج وأقل الحجيج”.
 
٢٠١٤/٩/٢٧
 
 
 

خليها تعدي!!

قياسي

تواجه الإنسان في حياته بعض الأمور التي لايرتضيها من عادات وتقاليد وتصرفات وسلوكيات يقوم بها الآخرون بقصد أو بدون قصد يتأثر وينزعج منها في كل مرة تتكرر، وقد ينتج عنها لوم وعتاب وتخاصم وتباعد وتنافر وتوتر في العلاقات بين الأعزاء. فهل يستحق الوضع كل ذلك عند تكرر هذه المواقف والأحداث من أشخاص أعزاء تتعامل معهم باستمرار؟


كثير من الأمور ربما علاجها التسامح و التجاهل وتركها تعدي بدون التوقف عندها كثيرا، والتدقيق في تفاصيلها وجزيئياتها وسوء الظن والطعن في الطرف المقابل الذي قد يكون له ظروفه الخاصة ومببراته لتكرار ذلك أو لطبع أو عادة أو خصلة اعتاد عليها ويصعب عليه التخلص منها أو لقيم خاصة به. خليها تعدي أو مايقال بالانجليزي (لت جو – Let go) تلعب دورا كبيرا في نفسية الشخص حينما يبدأ بتطبيقها فيما يتناسب من مواقف ليتخلص من الضغوطات النفسية والتفكير السلبي وسوء الظن بالآخرين وحمل كل الأمور على محمل الجد وعدم غفران الزلات والخطيئات من المقربين والأصدقاء. خليها تعدي تبعث في النفس التسامح والعفو والصفح وعدم إعطاء الأمور أكبر من حجمها وأكثر مما تستحق لكي يعيش المرء محافظا على هدوئه و على علاقاته العائلية والإجتماعية بصفاء نفس وراحة بال واطمئنان. خليها تعدي تخلص الإنسان من المراقبة اللصيقة للآخرين وتتبع زلاتهم وأخطائهم وتخلصه من التفكير الذي يجعله يعيش حالة من التوتر والإنفعال وربما يصل الأمر بالبعض للحقد والضغينة والإنتقام.
خليها تعدي هي سبيلك لراحة البال والتغيير من أسلوبك للتعايش مع الأخرين ولايعني ذلك التطنيش وعدم الإهتمام بهم وعدم إحترامهم وتقديرهم. مما لاشك فيه بأنك لن تستطيع تغيير أي شخص أبدا مهما حاولت والتغيير يأتي من داخل النفس. فإذا سلمنا بذلك ولم يغير الشخص من نفسه فماذا عسى أن تفعل أنت لتغييره. وإن لم تستطع ولن تستطع فما عليك إلا العمل بخليها تعدي وحاول أنت من تغيير نظرتك وطريقة التعامل والتكيف مع الوضع قدر المستطاع بالتركيز على الايجابيات وليس فقط على السلبيات. خليها تعدي تجعلك تتوقف عن إلقاء اللوم والعتاب على الآخرين وتجعلك تتعلم تحمل المسؤولية والتحكم في نفسك وحياتك وتتعايش مع من حولك بعيدا عن الإصرار على محاولة تغييرهم بما يتوافق مع أهوائك ورغباتك. خليها تعدي تجعلك تنسى الماضي الذي أحطته بالظلمة والسواد، وتفتح عينيك على المستقبل المشرق لتخطوا خطوات جريئة تنقلك نقلة نوعية للتخلص من الطاقات السلبية التي لا تجر على صاحبها إلا الهم والغم والنكد والخسران.

٢٠١٤/٩/٢٠

التغيير وتعثر الإستجابة

قياسي
يتحدث علماء التغيير عن نظرية التغيير الذهبية التي أنار الله بها قلوبنا قبل أكثر من ١٤٠٠ سنة وهي التركيز على تغيير النفس قبل التفكير في تغيير المجتمع والعالم كما ورد في قوله تعالى:” إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ” الرعد ١١، وكذلك في قوله تعالى:”ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ” الأنفال ٥٣

للتغيير فوائد جماء للخروج من الحياة الروتينية الرتيبة المملة، وللتجديد والتطوير والإبداع والابتكار والخروج من بوتقة الانكفاء والتقوقع وغيره من الفوائد. البعض من البشر تنقصهم المرونة مما يجعلهم يرفضون التغيير ويقاومون بكل قوة خصوصا للأمور التي مارسوها ردحا من الزمن فشكلت لديهم حالة من الإطمئنان، وجوا مفعما بالراحة.
موضوع التغيير واسع لمن أراد فتح الباب على مصراعيه وأركز في هذه السطور على دور القائد المثالي الفذ حين يرغب في تغيير أمر ما ونجاح وضمان تنفيذه سواء في عائلته أو في مؤسسة اجتماعية أو منظومة يعمل فيها.كما أسلفنا تغيير الآخرين ليس بالأمر السهل وعليه لابد أن يغير الإنسان من نفسه في الدرجة الأولى ومن ثم إشراك أفراد فريقه أو من يرعاهم لتقبل فكرة التغيير الذي يطمح إليها، موضحا الأهداف والفوائد ويشركهم في تقبل وتنفيذ هذه الفكرة بعيدا عن السلطة القهرية الديكتاتورية التي يملكها. فتقبل الأغلبية منهم -إن لم يكن جلهم- للفكرة وقناعتهم بها سوف يسهم في تحقيق نجاح باهر وبسهولة وفي وقت قياسي، وسوف يسهم الجميع في التنفيذ بشكل مميز سواء كان القائد حاضرا أوغائبا.
أما إذا لم يقتنع الأغلبية العظمى من أفراد الفريق ولم يشتروا الأفكار المطروحة فقد حُكم عليها بالموت والوأد، وإن فرضت قسرا ممن يملك السلطة والقيادة فستنفذ بدون رغبة وربما لا يرتقي الأداء لتحقيق الجودة والمعايير المطلوبة، وأحيانا يتم تجاهلها كلما سنحت الفرصة في حال غياب القائد الذي فرضها بالقوة.
إذا لضمان تنفيذ أي تغيير بنجاح، لاتتجاهل دور أفراد فريقك التابعين لك واجعلهم طرفا معك لكي تضمن قناعتهم وولاءهم ورغبتهم الذاتية في التغيير، بعد ذلك اترك الأمر لهم واطمئن.
٢٠١٤/٣/٢١

كما تدين تدان

قياسي
فوجئ بما حل به وأصابه، فوقف مذهولا وقفة المتأمل المتفكر يستعرض شريط الماضي من أعماله، فإذا به يمر بنفس الموقف قبل فترة من الزمن، فجلس يحاسب نفسه ويلومها على ما اقترفته وعملته تجاه الآخرين، ويردد هذا بذاك تجسيدا لهذه الكلمات «كما تدين تدان». ثلاث كلمات قصيرة لكنها تحمل المعاني الكبيرة وفيها العبرة لمن أراد العبرة والعظة لمن أراد العظة ببلاغتها ومنهجيتها.




يتصور الإنسان أنه حر في تصرفاته مع الآخرين، يفعل مايشاء ويتصرف كيفما يشاء يظلم هذا ويعتدي على ذاك ويسيئ بقول أو فعل لذاك بكبرياء وتغطرس واحتقار للكرامة الإنسانية، التي تفضل بها الخالق المنان وأعز بها الإنسان، ظنا منه أنه في مأمن، متغافلا ومتناسيا القانون الإلهي الطبيعي بأنه لابد وأن يأتي ذلك اليوم ليتجرع نفس الغصة ويشرب من نفس الكأس هو أو من يعيله ويعز عليه. هذه الكلمات الثلاث ليست مقتصرة على الجانب السلبي فقط بل تشمل الجانب الإيجابي، جانب الخير والإحسان إلى الآخرين قولا وعملا، فمن زرع خيرا حصد خيرا لنفسه وأهله وتفتحت له أبواب خير لم يكن يحتسبها ويتوقعها.


يقول علماء التنمية البشرية ضع نفسك مكان الآخر قبل أن تتلفظ بكلمة أو تقدم على أمر فإن ارتضيته لنفسك فاقدم عليه وإلا فاجتنبه لتتفادى الإساءة إلى الآخرين بما يزعجهم. إن كان ذلك في العصر الحديث فقد رسم هذه المنهجية سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أكثر من 1400عام في تربيته وتهذيبه لسلوك أمته حيث يقول «عامل الناس كما تحب أن يعاملوك» ففي ذلك درس لكسبهم ومراعاة مشاعرهم وتفادي العواقب الوخيمة غير المرضية، التي قد تحل بالفرد وانعكاساتها السلبية عليه وعلى الأسرة والمجتمع.


وما أروع الدرس الذي استلهمه ذلك الشباب -وأصبح من أرقى الدروس التربوية لمن فتح الله على قلبه- حينما أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال له أتأذن لي بالزنا؟! نظر إليه وقال: ادن! ثم قال: أترضاه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: فكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: وكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم، أتحبه لابنتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: وكذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، وكذلك لعماتهم وخالاتهم). ثم بعد هذا كله مد الحبيب يده ووضعها على صدر الشاب، وقال: (اللهم اشرح صدره، واغفر ذنبه، وحصن فرجه).


إنه قانون شامل لا يختص بموضوع معين بل ينطبق على كل الأمور في هذه الحياة صغيرة كانت أو كبيرة، خيرا كان أو شرا فافعل ما شئت واحصد ما تزرع في بستانك ولا تلومن إلا نفسك فكما تدين تدان.


٢٠١٤/٥/٢٢

كما تدين تدان – صحيفة الشرق


المجلس التنسيقي لاعتكافات الأحساء أنموذج للعمل الجماعي

قياسي
لقد ازداد الوعي وانتشر الاهتمام بإحياء شعيرة الاعتكاف خلال السنوات المتأخرة لما للمعتكف من عظيم الأجر والثواب ولما له من آثار تربوية وأخلاقية وروحانية على نفس المعتكف خلال ثلاثة أيام ينقطع فيا ويتوجه إلى الله جل وعلا مخلفا وراءه نعيم الدنيا الزائل وزينتها وزخرفها مخالفا هوى نفسه وتعلقها بملذات الدنيا وشهواتها.

الاعتكاف هو أحد المحطات التي يتزود فيها المؤمن بشحنات وطاقات روحانية تقوي إيمانه وتزيده ورعا وتقوى في معترك الملهيات والهوى والشياطين التي تملأ الصدور بالوساوس وتحيط هواجسها بالقلوب وتزين حب الدنيا للإنسان وتبعده عن الآخرة. الاعتكاف فرصة للإنسان ليجدد علاقته بخالقه ويخرج نظيفا نقيا من الآثام والذنوب فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): “اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان يعدل حجتين وعمرتين”. كما أنه فرصة للعبد ليراقب ويحاسب نفسه ويطيل التفكر والتأمل في آيات الله ومخلوقاته وهو معتكف في بيت الله تعالى ويرسم له منهجية واضحة للمواظبة على ذلك بعد انقضاء الإعتكاف.
 
الاعتكافات في تزايد مستمر في أحسائنا الحبيبة وقد انبرى نخبة من المؤمنين بمبادرة رائدة بتأسيس مجلس أطلق عليه المجلس التنسيقيى لاعتكافات الأحساء تحت إشراف العلامة السيد هاشم السلمان (حفظه الله) حمل على عاتقه التنسيق بين الاعتكافات قدر المستطاع وتقديم الدعم المعنوي والديني والمادي حسب الحاجة للمتطلبات الأساسية. في هذا العام اجتمع تحت مظلة المجلس ثلاثون مسجدا شارك فيها مايربو على ١٢٠٠ معتكفا. مما لاشك فيه إن هذه المبادرة تدل على أن أبناء المنطقة بمدنها وقراها حريصون على التكاتف والتضامن والتطوع والعمل الجماعي بما يخدم المؤمنين ويجمع كلمتهم ويوحدهم. كما أنها تخلق روح التنافس الشريف لتقديم الأفضل والارتقاء بالخدمات التي تقدم للمعتكفين وتشجع على اكتساب وتبادل الخبرات والاستفادة من دروس الآخرين وتفادي أخطائهم. ومن ايجابياتها الاستفادة من الطاقات والكفاءات المتخصصة المتواجدة في مكان ما لما يعود بالنفع على جميع الاعتكافات. ومن أصدق الأمثلة،  كان لي الشرف في الاسبوع الماضي بحضور الحفل الختامي للاعتكافات بإشراف سماحة السيد هاشم وقد طرح بعض الأخوة الأعزاء مبادرات ورغبات عملية صادقة تثلج الصدر لاستثمار الطاقات والكفاءات التي نذرت نفسها وتطوعت بكل أريحية وسعادة لخدمة المجتمع، وأكدت تكاتفها وتعاونها ودعمها للعمل الجماعي الخيري.
 
٢٠١٤/٩/١٢
 
 

كذب الموت فالحسين مخلد

قياسي
التهنئة ببداية السنة الهجرية من كل عام تكاد تكون شبه معدومة لامتزاجها بدموع الحزن  والآهات والألم بمصيبة سيد الشهداء أبي الأحرار سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبي عبدالله الحسين بن علي (عليه السلام) الذي قتل في اليوم العاشر من محرم من عام ٦١ هـ. يقف القلم عاجزا عن الكتابة في هذه الشخصية العظيمة، وماهذه السطور إلا لتسليط الضوء على بعض المحطات والإضاءات والمبادئ والقيم الحسينية.

منذ أكثر من ١٣٠٠ سنة ومآتم العزاء لازالت تُعقد ليس لمجرد البكاء عليه تأسيا بجده المصطفى (ص) الذي بكاه في حياته كما روي عنه في أكثر من مصدر، بل أن ذلك يحط من الذنوب والخطايا ويزكي النفس ويزيدها سموا ورفعة وكرامة، وفيه تمجيد لقضيته السامية التي تحمل كل معاني القيم والمبادئ والأخلاق المحمدية النبيلة. قضية الإمام الحسين (ع) مدرسة فيها العَبرة والعِبرة يستلهم منها الإنسان الدروس القيمة  في الصبر والإيثار و التضحية والوفاء والإباء والعزة والكرامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونبذ الظلم والعدوان. أيام عاشوراء الحسين (ع) تزخر بكم هائل من الثقافة والمعرفة المكثفة خلال أيام قليلة من خطباء متميزين في مختلف المجالات يحتاج الإنسان لأيام عديدة للإستماع إليها والإستفادة منها لإثراء الثقافة ونشر الوعي وتعميق الصلة والمعرفة بأهل بيت الرحمة عليهم السلام.
 

مكانة ومنزلة الإمام الحسين (ع)

من هو الحسين (ع) الذي تعلقت به القلوب وهامت في حبه وعشقه وأبت إلا أن يبقى مخلد الذكر كما قال وأجاد الشاعر مقداد الهمداني: (كذب الموتُ فالحسينُ مخلَّدْ  **   كـلما أخلقَ الزمانُ تجدّدْ) مصداقا لقول الله تعالى: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”.  مكانة ومنزلة الإمام الحسين (ع) يبينها الباري جل وعلا في كتابه المجيد في أية التطهير “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا”، فالحسين (ع) هو أحد المخصوصين في هذه الآية ممن أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم وزكاهم. كما يبين منزلته ومنزلة أخيه الإمام الحسن (ع) جدهما رسول الله (ص)  في قوله: الحسن والحسين إمامان، قاما أو قعدا” و “الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة” و “الحسن والحسين ريحانتاي”. وقال في الحسين (ع): ” حسين مني، وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا”. لايتحير العقل في المعنى المقصود من المقطع الأول من هذه المقولة فالحسين فلذة كبد رسول الله (ص)، ولكن المقطع الثاني يحتاج إلى التدبر والتفكر لفهم واستيعاب المغزى الذي يقصده رسول الله (ص) في قوله: “وأنا من حسين”!!
 

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لم يكن خروج الإمام الحسين (ع) لقصد الفساد وإراقة دماء المسلمين وحاشا لمثله أن يكون لديه هذا التفكير السطحي العدواني فهو أجل وأرفع وأسمى وأنزه وأقدس من ذلك وهو أهل لكل ماأطلق عليه جده رسول الله (ًص) الذي لاينطق عن الهوى. فكيف يكون إمام؟ وكيف يكون سيد من سادة شباب أهل الجنة؟ وكيف يحبه الله؟ ويكون هدفه سفك دماء المسلمين الذي لايُرضي الله ولارسوله ولايتقبله العقل والذوق!؟ لقد كان الهدف الأسمى من خروجه هو الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما وضح ذلك هو في خطبته حيث قال: “وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسدا ًولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله وسلم ..”


الاغترار بالدنيا والغدر والخيانة ونقض العهد

 لم يخرج الحسين (ع) إلا عندما راسله بعض المسلمين وواعدوه بالنصرة وأنهم سيكونون له جند مجندة كما ذكر في إحدى خطبه: ” أيها الناس إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم أن أقدم علينا ..”

استجاب لدعوتهم وتوجه مصطحبًا معه عائلته من نساء وأطفال، ولكنهم سرعان ماانقلبوا عليه ونكثوا وعودهم وخالفوه وخذلوه حبا وطمعا واغترارا بالدنيا ونعيمها وهذا ماوضحه سلام الله عليه في خطبته يوم عاشوراء واعظا القوم “الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفةً بأهلها حالاً بعد حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن اليها وتخيب طمع من طمع فيها”.

وماأعظم ماقاله أيضا في موقف آخر في وصف الناس بأنهم عبيد الدنيا والمال :” الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا محّصوا بالبلاء، قلّ الديّانون”. وفي خطبة أخرى عندما لم تجدي الموعظة فيهم أنبهم قائلاً:”تـبـاً لكم أيّتها الجـماعة وترحـاً أحين استصـرخـتمونا والهين، فأصرخـناكم موجفين، سللتـم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحـششتم عـلينا ناراً اقـتـدحـناها على عدوّنا وعدوّكم فـأصـبـحتم ألباً لأعدائكم علـى أوليـائكـم” … وواصل خطبته موضحا غدرهم وخيانتهم “أجـلْ واللّه غـدر فيكـم قـديـم، و شـجـت عـليه اصـولكـم، وتأزرت فـروعكم. فكنـتم أخـبث ثمر شــجٍ للنـاظـر، وأكـلة للغـاصـب.”


رفض الظلم والعدوان والذل

وضح الإمام الحسين (ع) أنه لم يخرج فاسقا ولا ظالما وإنما كان بحثا عن الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وكان يرى السعادة في الموت والتضجر والتذمر من العيش مع الظالمين كما قال:”لا أرى الموت إلا سعادة والعيش مع الظالمين إلا برما”. الله جل جلاله عادل في حكمه ويدعو الناس للعدل لكي ينال كل ذو حق حقه وتنعم البشرية بالإستقرار والسعادة وقد توعد الظالمين وإن أمهلهم وأخر عقوبتهم كما قال جلت وتقدست عظمته: “وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ”
 
كما كان من مبادئ وقيم الإمام الحسين (ع) رفض الذل والإهانة ومن أبرز وأشهر شعاراته في عاشوراء “هَيْهَات مِنَّا الذِّلَّة ، يَأبى اللهُ لَنا ذَلكَ وَرَسولُهُ والمؤمِنون ” وأيضا “لا وَالله ، لا أُعطِيكُم بِيَدي إعطَاءَ الذَّليل ، وَلا أفِرُّ فِرارَ العَبيد”. ففي كل المواقف التي يعيشها الإنسان عليه أن يحافظ على كرامته وعزته مهما حدث فالله جل وعلا خلق الإنسان وكرمه وفضله على كثير من المخلوقات ولايرضى له أن يعيش عيشة الذل .. قال تعالى: ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”.


تضحية الإمام الحسين (ع) والبكاء عليه

الإمام الحسين (ع) رمز للإباء والتضحية والصبر على البلاء والاحتساب إلى الله فهاهو يضحي بإبنه علي الأكبر ويراه قتيلا أمام عينيه وكذلك الحال مع أخيه العباس وباقي إخوته وأهله الذين شهد مصرعهم ووقف وحيدا فريدا مناديا “أما من ناصر ينصرنا، أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله؟” حتى ضحى بنفسه الشريفة وأثخن بالجراح وقتل عطشانا واحتز رأسه وترك جسده الشريف على رمضاء كربلاء تلفحه حرارة الشمس.
 
الروايات التي تحث على البكاء عليه كثيرة من أهل البيت (عليهم السلام) وليس ذلك مستغربا ولابدعة فمصيبته عظيمة عند الله بما قدمه من تضحيات جليلة، وأول من بكاه جده رسول الله (ص) عندما أخبره جبرائيل عن مقتله وأراه التربة التي يقتل عليها كما ورد في العديد من مصادر المسلمين العامة والتي يمكن البحث عنها بيسر وسهولة لمن أراد الإطلاع عليها.
 
ومن روايات أهل البيت قال الإمام الرضا (ع): “انّ يومَ الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعَنا …” . وقال: “يا بن شبيب، إن كنت باكيا لشيء فابك الحسين بن علي عليه السلام”. وقال: ” إن بكيتَ على الحسين حتى تصير دموعك على خديك، غفر الله لك كل ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا، قليلا كان أو كثيرا.” وورد عن الإمام الحجة المهدي (ع):” فلأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً حسرة عليك وتأسفاً على ما دهاك …”.


سخط الله وغضبه

عندما لم تجدي العبر والمواعظ مع القوم حذرهم الإمام الحسين (ع) من غضب الله ونقمته وسخطه فقال: “اشتدّ غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولدا. واشتدّ غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة، واشتدّ غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه، واشتدّ غضبه على القوم الذين اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيّهم. أما والله لا أجيبهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله وأنا مخضّب بدمي”.
 
وقال أيضا: “وأراكم قد اجتمعتم على أمر أرى أنكم قد أسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته وجنبكم رحمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم، أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم فتبّاً لكم ولما تريدون”.
 
ونختم بجزء من خطبة أخته الحوراء زينب (ع) التي كانت حاضرة فاجعة الطف وأوجع قلبها ماشاهدته من أحداث جسام: “أتبكون وتنتحبون! إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، وسيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومدرة سنتكم، ألا ساء ما تزرون، وبعداً لكم وسحقاً فلقد خاب السعي وتبت الأيدي وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة. ويلكم أهل الكوفة أتدرون أيَّ كبد لرسول الله فريتم، وأي كريمة له أبرزتم وأي دم له سفكتم، وأيَّ حرمة له انتهكتم، لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء كطلاع الأرض، أو ملء السماء أفعجبتم أن مطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة أخزى، وأنتم لا تنصرون فلا يستخفنَّكم المهل فإنَّه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثأر، وإنَّ ربكم لبالمرصاد.”


فسلام على الحسين الشهيد الذي لم تُراعى بقتله حرمة لجده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أوصى بعترته خيرا. “قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ”. فسيبقى ذكر الحسين (ع) مخلد على مر العصور إكراما لرسول البشرية والإنسانية (ص) ومواساة له واستنكارا لهذه الجريمة النكراء التي أفرت كبده وأوجعت قلبه وقلب أبيه المرتضى وأمه الزهراء وأهل بيته النجباء (عليهم السلام).


١٤٣٦/١/١٠

ستخسر إذا لم تشترك الأن

قياسي
لابد وأنك في يوم من الأيام حصلت على اتصال من أحد المسوقين أو التقيت بأحدهم في أحد المجمّعات التجارية للتنسيق لجلسة تعريفية للتسويق لجهاز ما، أو الاشتراك في أحد المشاريع الاستثمارية.


أثناء الجلسة يبدأ المسوق باستعراض كل ما أوتي من مهارات الإلقاء والخطابة وفنون التأثير والإقناع التي تدرب عليها، ويعطيك من الكلام المعسول ليغريك بمنتجه وفي نهاية اللقاء تأتي نقطة الحسم ليزودك بعرض مغر كما يراه هو عبارة عن جهاز مجاني أو تذكرة سفر أو تخفيض بنسبة محددة ولكن بشرط أن تشترك في الحال قبل المغادرة. وإذا ماطلبت مهلة للتفكير بالأمر تغيّرت ألوانه وهدَّد بأنك ستخسر هذه الفرصة الذهبية والعرض المقدم لك وأنه لن يتكرر أبداً.

استخدام هذا الأسلوب في االتسويق في انتشار مستمر وهو يستخدم كوسيلة ضغط على العميل لاتخاذ قرار سريع والاشتراك مباشرة، وإذا لم تكن يقظاً ومتنبهاً من هذه الأساليب فستكون فريسة سهلة تقع في الفخ بسهولة قبل أن تأخذ نصيبك الكافي من الوقت للتفكير.


إنك لست بحاجة لخوض مثل هذه التجارب بنفسك لتستفيد منها ولكن يمكن الاستفادة من دروس وتجارب الآخرين لتكون على يقظة من الوقوع في تلك الشباك بدون قناعة تامة. قبل اتخاذ أي قرار تحتاج أن تجمع كل البيانات والمعلومات وتدرس البدائل والخيارات المختلفة المتوفرة بين يديك مراعياً الإيجابيات والسلبيات لكل خيار. فالمسوّق بكل تأكيد سيكون إيجابياً يقدم لك كل الإيجابيات فقط ولن يتطرق للسلبيات، وسيزودك بالمعلومات التي تدعم وتخدم منتجه فقط لإقناعك. كما تحتاج أيضاً لتقييم المخاطر المحتملة والمنفعة والاحتياج فلربما على سبيل المثال تنتهي باقتناء جهاز بمبلغ وقدره تستخدمه مرة أو مرتين عندما يكون جديداً ومن ثم تركنه في إحدى زوايا المنزل يتراكم عليه الغبار. أو تستثمر مبلغاً من المال في مشروع ما ربما لو استثمرته في مشروع آخر لكانت أرباحك أضعافاً مضاعفة.


الأمر متروك لك لتتخذ القرار المناسب بالتريث وعدم التهور وكن على ثقة بأنك لن تخسر شيئاً وإذا ما اتخذت قرارك عن قناعة وبدون أي ضغوطات وتأثيرات فإنك حتماً ستجد ماتريده لاحقاً بنفس القيمة ونفس العرض إذا لم يكن أفضل، فالشركة لم تلجأ إلى هذا الأسلوب إلا لحاجتها لكسب أكبر عدد من
 العملاء مثلك وأمثالك.

٢٠١٤/٦/٦

ستخسر إذا لم تشترك الآن

بالشكر يزيد العطاء

قياسي
حثنا الله جلّ وعلا على حمده وشكره والثناء عليه مقابل النعم التي تفضل بها علينا ووعد بمزيد من النعم لكل عبد شكور، وفي الجهة المقابلة توعد بالعذاب الشديد لكل من جحد وأنكر نعمه كما ورد في قوله جلّ وعلا: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ».


الشكر اللفظي هو أقل ما يمكن العمل به لشكر الإله على نعمه التي ينبغي أن تسخر في طاعته ورضاه، لا في معصيته وسخطه. والإنسان الذي يرغب بتحقيق هذه المعادلة الربانية بزيادة العطاء والخير والنعمة مقابل الشكر، لا يكتفي فقط بلقلقة لسانه بل يجعل الشكر نابعاً من قلبه وأيضاً لا يتوانى عن الشكر العملي بالتقرب والزلفى إلى الله تعالى بتأدية الواجبات والمستحبات، فقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يفتر عن عبادة الله وكان أصحابه يقولون له إنك لا تحتاج لكل ما تعمله ولكنه يرد عليهم قائلاً: «أفلا أكون عبداً شكوراً؟».


نعم الله وآلاؤه جماء لا تعد ولا تحصى على عباده، ولكن النسبة الكبرى من البشر تفتقد ثقافة الشكر كما يؤكده قوله تعالى: «وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ» ومن لا يهتدي لشكر المتفضل المنعم المنان فهو أبعد كل البعد عن توجيه الشكر للمخلوق و»من لا يشكر الخالق لا يشكر المخلوق».


إذا كان من يشكر الخالق قليلاً فإن من يشكر المخلوق أيضاً قليل كما نشاهده في حياتنا العملية بالرغم مما للشكر من آثار إيجابية. فكلمة شكراً بمفردها تبث في نفس المشكور شحنات إيجابية تخلق الحب وتعزز العلاقات وتبعث على التشجيع والتحفيز وتفجر الطاقات لتقديم مزيد من العطاء عملاً بنفس المعادلة الإلهية. وكل يلحظ آثارها في مختلف الأدوار التي يمر بها مثلاً: موقف الوالدين مع أبنائهما والمدرسين مع طلابهم والقادة مع موظفيهم وبين الزوجين وبين أفراد المجتمع. المواقف التربوية والعملية كثيرة ولكني أكتفي بالإشارة لموقفين:


قبل أيام قرر فجأة أحد الموظفين العاملين والمساندين في أحد المشاريع إنهاء عقده والعودة إلى بلده الهند لظروف قاهرة تمر بها أسرته وقد كنا في أمس الحاجة إليه في هذا الوقت. فأرسلت له رسالة شكر وثناء وتقدير في آخر يوم، فسألني أحد الزملاء لِمَ استحق منك هذا الشكر والتقدير؟ فأجبته إنه ليس من أقربائي، وليس من وطني، ولم يكن على ديني ولكنه استحق ذلك الشكر والتقدير وفرض نفسه بإخلاصه وولائه للشركة والمشروع الذي يعمل فيه وخبرته التقنية وجهوده المتفانية وتكريسه وعمله بروح الفريق الواحد ومساعيه الحثيثة في تدريب الطاقات السعودية والأجيال الناشئة بلا كلل ولا ملل.. فسألته ألا يكفي ذلك أن يستحق كلمة شكر وتقدير تليق به؟ فأردف قائلاً كيف كانت ردة فعله؟ فقلت له أتاني إلى المكتب وقدم الشكر والاعتذار وكان متأثراً لتركه العمل، وقال إنه سيكون على تواصل معي ريثما ينهي مشكلاته وسيكون رهن الإشارة للعودة في أي وقت لإكمال إنشاء المشروع والمشاركة في تدشينه مع الفريق المشارك.


وموقف آخر يرويه أحد الأصدقاء الذي يعمل في إحدى المؤسسات، يقول: بذلت سنين عمري في خدمة عملي ومؤسستي وضحيت بالغالي والنفيس وكان عملي يحتل المرتبة الأولى في قائمة أولوياتي، ولكن تغيّر الطاقم الإداري وتبددت الأحلام وتحطم الطموح عاماً بعد عام فأصبح ما تنجزه لا ينظر إليه. كلمة الشكر كل يكون على حذر حين يقولها والتقدير والتقييم المعنوي استخدم سلاحاً في تحطيم الطموح وقتل المعنويات. يقول أيضاً: لم أعبأ بسوء التقدير بل واظبت لبذل مزيد على مدى سنوات حتى فقدت الأمل بعد عدة محاولات باءت بالفشل فقررت مراجعة حساباتي وأولوياتي ومراعاة التوازن في تحقيق أهدافي المهنية والشخصية والعائلية والاجتماعية. فكان أول ثمرات ذلك إصدار الكتاب الأول قبل سنتين مستغلاً ومستثمراً أوقات الفراغ بعد ساعات العمل. يقول: أهديت الكتاب لمجموعة من الزملاء والرؤساء وتباينت ردات أفعالهم وكان الأغرب من بينها ردة فعل أحد المسؤولين الكبار حين تسلّم الكتاب ظننته سيقول كلمتين على الأقل «شكراً… مبروك»، ولكنه قال هذه العبارة التي لم أتوقعها أن تخرج من فيه أبداً: «يبدو أنكم غير مشغولين بما فيه الكفاية!!».


إلى هنا انتهى كلام صديقنا ولن أعلّق على الجزء الأول الذي مع الأسف انتشر وتفشى في كثير من المنظمات وأصبح التقييم لا يتوافق مع الأداء الحقيقي للموظف بل تحكمه عوامل ومعايير أخرى لا يسع المجال لتفصيلها في هذا المقال. وتعليقاً على الجزء الآخر الذي أثّر على نفسيته بسبب ردة الفعل السلبية من شخص مثقف في منصب مرموق كان ينبغي أن يراعي كل كلمة تصدر منه حتى وإن كانت عن طريق الفكاهة والمزح، فلكل مقام مقال يليق به، ومن الأولى تجلي النظرة الإيجابية من القيادة المثالية ودعم وتشجيع مثل هذه الإنجازات في تنمية وتطوير الذات. فماذا كان يتوقع من ردة فعل موظف لم يلق التقدير المناسب في عمله مع إخلاصه وتفانيه على مدى سنين؟ وهل كان يتوقع منه أن يعمل ليلاً ونهاراً مركزاً على مجال عمله فقط ولا يفكر في نمو وتطوير وتنمية ذاته وتحقيق أهدافه الشخصية التي تكسبه مزيداً من الرضا الذاتي وتزرع الأمل والسعادة في نفسه قبل أن يقبر ما تبقى لديه من طموحات ومعنويات؟!


«شكرًا» كلمة قصيرة ساحرة لها وقعها الكبير وأثرها العظيم المعنوي على النفس لمن أراد كسب قلوب الآخرين، وتحفيزهم وتشجيعهم، وتقديرهم والتقرب إليهم ونيل مزيد من العطاء والإنتاجية والتميز في جو مفعم تسوده ثقافة الشكر والتقدير.


٢٠١٤/٣/٢٥

بالشكر يزيد العطاء – صحيفة الشرق

وبالوالدين إحسانا

قياسي
في أحد الأيام كنت راكبا القطار في لندن وإذا بسيدة كبيرة في السن جلست أمامي، وما أن علمت بأني مسلم حتى أخذت تبث شكواها من تصرفات إبنها الذي اعتنق الإسلام وتزوج إمرأة مسلمة. تقول بحرقة قلب لم يعد ابني الذي كنت أعرفه بسبب جفائه وسلوكه وخلقه الفظ وعدم السماح لأبنائه لزيارتي ورؤيتي. فتساءَلَت بتعجب أهكذا هي تعاليم دينكم اتجاه الوالدين؟!

فأجبتها كلا… إن من تعاليم ديننا الحنيف الإحسان والرحمة والرفق وطاعة الوالدين وإن كانا غير مسلمين مالم يدعوان للشرك بالله تعالى. وأخذْت أوضح لها بعض تعاليم شريعتنا السمحاء في حق الوالدين وعدم السماح بالتلفظ بكلمة “أف” المكونة من حرفين يخرجان بسهولة وبدون جهد من بين الشفتين تعبيرا عن التضجر والتذمر. وأن مايصدر من إبنك هو اجتهاد شخصي بعيد كل البعد عن الخلق النبوي الرفيع الذي اكتسبناه من سيد الأنبياء والمرسلين وخاتمهم محمد (ص) الذي كان على خلق عظيم وقدوة في التعامل مع المسلمين وغيرهم حتى مع جاره اليهودي الذي كان يؤذيه.

لقد رسم لنا الله جل وعلا منهاج التعامل مع الوالدين والبر بهما والإحسان إليهما في كتابه المجيد في أكثر من آية كما في قوله تعالى: “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا”

وقال تعالى: ” وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا”

وقال في آية أخرى ” وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”.

لقد حرم الإسلام عقوق الوالدين وقرن رضاه برضاهما وأوجب النار لمن عقهما. وقد حث على الجلوس معهما لإدخال الأنس والسرور عليهما، وعدم الخروج حتى إلى الجهاد بالرغم من مكانة الجهاد العظيمة إذا كان ذلك يؤذيهما، فقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص) عندما جاءه رجل وقال: يا رسول الله، إنّ لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: « فقرَّ مع والديك، فوالذي نفسي بيده لأنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة ».

إنها نعمة من الله أن يكون للإنسان والدان في داره يهتم بشؤونهما ويبرهما ويستبشر الخير الكثير بالنظر إلى وجهيهما، وقد ورد في السنة الشريفة إن الله يرضى عنه ويرزقه طول العمر والسعة في الرزق والبر به من قبل أبنائه مجازاة له في الدنيا قبل الآخرة. البعض يوفق للبر بوالديه وهما يتمتعان بالصحة والعافية، ويوليهما جلّ اهتمامه ويحرص أن تكون خدمتهما وتأدية حقوقهما في أعلى قائمة أولوياته. والإمتحان الأصعب الذي لايتجاوزه إلا القليل هو عندما يبلغا مرحلة الشيخوخة والعجز ولايستطيعا الحركة بدون الاعتماد على الغير. هنا يتطلب الأمر التضحية والتحمل والصبر وأعلى مراتب الرضى بعيدا عن وساوس الشيطان بتمني الموت لهما. أدام الله نعم الصحة على والدينا وهنيئا لمن وفق لهذا الخير والبر بوالديه ولم يتبرأ ولم يتضجر منهما، ولم يشكو حاله إلى الناس، ولم يشعرهما بأنهما عالة عليه ويرغب في التخلص منهما. حتما إنه – والزوجة الصالحة التي تقف إلى جانبه و تعينه على البر بوالديه وتشاطره تحمل الأذى – بين يدي رب رؤوف رحيم كريم لا يضيع أجرعمل عامل عنده. فانظر كيف تريد أن يتعامل معك أبناؤك في حياتك، أثناء صحتك وسقمك فالأمر بين يديك لتختار ماتشاء لنفسك، كما أكد سيد المرسلين (ص): “كما تدين تدان”. 

٢٠١٤/٢/١٢

وبالوالدين إحسانا – الأحساء خبركم

حين تنتهك القيم!

قياسي
الرؤية الواضحة والرسالة المحددة والقيم العالية عناصر مهمة لا يستغني عنها أي شخص يطمح في النجاح والتميز، وكذلك الحال بالنسبة للشركات ومنظمات العمل الرائدة. ولأهميتها يُخصص لها الوقت الكافي لكتابتها بعناية وتمعن وأحياناً بوساطة متخصصين لكي تكون خارطة العمل واضحة توجِّه جهود الإدارات والعاملين لتحقيق أهداف واستراتيجيات المنظمة. كما تحرص المنظمات على أن تكون هذه العناصر واقعية وعقلائية ومحددة وغير مستحيلة، وتقوم بالمشاركة بها مع الطاقم الإداري وجميع العاملين لضمان الالتزام والتمسك بها والعمل بنهجها.

ربما يوجد عدد كبير من منظمات العمل التي تفتقد هذه العناصر المهمة أو بعضها، والبعض منها قد تكون موجودة لديها لكنها داخل الخزانة وفي الأدراج لا يعلم بها أي من الموظفين. وأحيانا تكون موجودة وجميع الموظفين علىاطلاع عليها، بل ويحفظونها عن ظهر قلب ولكنها بعيدة عن التطبيق الفعلي والواقع العملي مما يجعل ثقة الموظفين تتزعزع ولايعيرونها أي اهتمام. وأحياناً يطلب من سائر الموظفين التقيد بها ولكن عندما يصل الأمر للقيادات العليا في المنظمات التي ينبغي أن تكون أسوة و قدوة يحتذى بها، تكون هناك التجاوزات التي لا تتوافق مع القيم المتفق عليها. حينها كيف نضمن أو نطلب من سائر صغار الموظفين التقيد بهذه القيم!! فعلى سبيل المثال عندما تتبنى إحدى المنظمات قيماً مثل الإخلاص، والأمانة، والعدل، والتميز، والمسؤولية، والاهتمام بالموظفين، والاهتمام بالعملاء، والشفافية فعلى الطاقم الإداري أن يتحمل المسؤولية الكبرى ليكون خير قدوة ومثلاً يحتذى به في كل القيم وليس واحدة دون الأخرى لأنها أحيانا تكون مرتبطة مع بعضها بعضاً. فلو تجاوز القائد في العدل بين الموظفين بناءً على رغباته وميوله ومعاييره الخاصة التي لاتتوافق مع القيم، وليس حسب المعايير والضوابط التي تضمن للجميع حقوقهم بكل أمانة ونزاهة، سيكون لذلك الأثر السلبي على باقي الموظفين وينعكس على القيم الأخرى من حيث إخلاصهم وتعاونهم وجودة العمل وكميته وتحمل المسؤولية والاهتمام بالعملاء.

وكذلك الحال مع سائر القيم عندما يكون القائد خائناً للأمانة بلا أخلاق تردعه، سيسود من خلفه الفساد ويحذو حذوه كل من ليس له قيم وأخلاق متأصلة تردعه أن يقع في نفس الخطأ والانجرار فيما لايُحمد عقباه ويتفشى الفساد الإداري الذي قد يستعصي استئصاله. عندما تتكرر مثل هذه التصرفات والسلوكيات غير المسؤولة ممن يعتد بهم ويعول عليهم في احتضان وتبني القيم سيفقد الموظفون الثقة بها ولن يكون لها أي وزن واعتبار وقيمة، بل ستكون فقط مجرد عبارات وشعارات صماء تُرفع ويتغنَّى بها القادة في كل محفل ويُتفاخر بها أمام المنظمات الأخرى.
 


مطار الأحساء .. التطوير المنتظر

قياسي
قبل أكثر من ست سنوات كتبت مقالا بعنوان “مطار الأحساء.. كفاك سباتا”، مناشدا بتحويله إلى مطار دولي، ولله الحمد فقد بدأ يفيق من سباته بانطلاق الرحلات الدولية من قبل الخطوط العربية ابتداء من 14 محرم 1435 والتي استبشر بها أهالي الأحساء لتكفيهم عناء التنقل لمطار الدمام أو البحرين أو أي من المطارات المجاورة.


لقد كنت من ضمن المستبشرين والمشجعين لنجاح هذه الانطلاقة العظيمة التي طالما حلم بها أهالي المنطقة، ولكنني ومن كان معي من خلال الرحلة الأولى أصبنا بخيبة أمل وردة فعل سلبية جراء ما شاهدناه إلى درجة أن البعض قرر أن تكون هذه أول وآخر رحلة دولية من مطار الأحساء، حتى وإن استدعى الأمر الذهاب لأحد المطارات الدولية المجاورة. لقد سمعنا وقرأنا في الصحف المحلية عن التعديلات التي أجريت لاستقبال الرحلات الدولية ولكن مع الأسف أن ما تم إنجازه لا يزال دون طموح أهالي المنطقة من ناحية، ومن ناحية أخرى طريقة التفتيش المتبعة كانت بدائية وتقليدية تعود بنا إلى العصور الحجرية.


فالطاقة الاستيعابية لصالة القدوم تكاد لا تتسع لأكثر من ربع رحلة من حيث المساحة وكان ذلك جليا من وقوف المسافرين في طابور خارج المطار لإكمال إجراءات الجوازات، ومكان التطبيق للنساء غير مناسب، حيث يتطلب منهن شق طوابير الرجال من المنتصف للدخول إليه. ومما يزيد الطين بلة ويكثف الازدحام في صالة القدوم التي تضيق ذرعا بعدد الركاب هو تأخر إحضار الحقائب وقصر الشريط الناقل للأمتعة الذي لا يتسع لأكثر من بضع قطع، ولا يمكن أن يحيط به إلا عدد محدود جدا من المسافرين. أما عن طريقة التفتيش فحدث ولا حرج فقد كانت تقليدية بمعنى الكلمة أخذتنا للعصور الحجرية بفتح كل حقيبة وتفتيش محتوياتها قطعة قطعة أمام أنظار الجميع بزعم أن الأجهزة الآلية كانت خارج الخدمة ولا يمكن استخدامها بالرغم من أنها جديدة ولم يمض عليها أكثر من شهر واحد تقريبا!


لقد كانت رحلة واحدة فقط لم يتجاوز عدد الركاب ١٦٠ راكبا وأحدثت ربكة في المطار وأثارت استياء المسافرين بحيث استغرقت الإجراءات ما يقارب الساعتين، فكيف سيكون عليه الحال عندما يتزامن مع وجود رحلتين أو أكثر في نفس الوقت. إن مشاعر المسافرين لا يمكن وصفها أثناء السفر وأنهم كادوا يحلقون فرحا قبل أن تحلق بهم الطائرة مفتخرين بتحقيق حلم طالما كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر لعدة سنوات. والمأمول من الجهات المعنية تقييم الوضع لاتخاذ الإجراءات اللازمة على المدين القصير والبعيد من توسعة الصالات وبالخصوص صالة القدوم وتسهيل إجراءات التفتيش باستخدام الأجهزة الآلية والتكنولوجيا المتطورة التي تحقق راحة المواطنين وتضمن لهم كرامتهم وحقوقهم المشروعة، لكي لا يؤول مصير مطارنا إلى الفشل والرجوع لمربع الصفر بالاقتصار فقط على مجرد رحلتين أو ثلاث في الأسبوع إلى الرياض وجدة. والمؤمل من أهالي المنطقة التحلي بالصبر وعدم اليأس، بل الاستمرار قدما باستخدام المطار وإن كان فيه شيء من المعاناة لتشجيع توارد المزيد من الخطوط الجوية إلى جانب الخطوط العربية.


٢٠١٤/١/٩


مطار الأحساء .. التطوير المنتظر




كلنا سفراء للوطن الغالي

قياسي
ومن يسيء للأوطان وينكر فضلها *** عارٌ عليه أن يعيش ويرتع في نعيمها

إلى أي بقعة من بقاع الأرض تتوجه يبقى الحب والحنين والوفاء والولاء للوطن الغالي. كثيرة تلك المواقف التي يعيشها ويشاهدها ويسمع عنها كل منا خارج الوطن والتي يتجلى فيها الإحترام أو الإساءة للوطن وأكتفي بذكر موقفين من رحم الذاكرة.

قبل أربع سنوات تقريبا كنت أتصفح إحدى الصحف البريطانية في القطار اليومي المتجه للعمل وإذا بخبر تصدر الصفحة الأولى يتحدث عن هلع وذعر أصاب ركاب حافلة عندما توقف قائد الحافلة المسلم الصومالي لأداء الصلاة في الحافلة. لقد انحبست أنفاسهم وهم ينظرون إليه بدهشة واستغراب حتى انفتل من صلاته ووصلوا وجهتهم وغادروا الحافلة بسلام. حينها رفعوا ضده شكوى مدعين بأنه أثار في نفوسهم الرعب وظنوا بأنه سيقوم بتفجير نفسه كما ترسب في أذهانهم من مواقف مماثلة معتقدين بأن الشخص يقوم بالصلاة قبل أن يقوم بهذا العمل الشنيع. بغض النظر عن تحليل تصرفه والجنسية التي يحملها والقيام بالصلاة في الحافلة وتأخير الركاب عن مواعيدهم، فهل من مسلم غيور يرضى بزرع مثل هذه الأفكار السلبية وترك هذا الانطباع السيء عن الصلاة وعن الإسلام الذي يدعو للمحبة والسلام.

وفي موقف آخر قبل عدة سنوات كنت في رحلة سياحية في النمسا فتعرفت في الحافلة على أحد المواطنين من سنغافورة وتجاذبنا أطراف الحديث، وعندما سألني عن جنسيتي أخبرته بأني سعودي فتغيرت ملامحه ورأيت علامات الاستغراب والتعجب على وجهه، فسألته عن سبب ذلك فرد قائلا بأنني لم أتوقع أبدا أن تكون من السعودية. لقد ارتسمت في ذهنه صورة وخارطة سيئة مشوهة عن السعودين لماسمعه عن بعضهم من هنا وهناك، ولم تسنح له الفرصة بأن يتقابل ويتعامل مع عدد منهم فعمم هذه الصورة عليهم جميعا وهنا تكمن الخطورة، فأخبرته بأن الخارطة ليست هي الواقع وواصلنا حديثنا ورحلتنا ووضحت له الكثير من الأمور التي تركت لديه انطباعاَ إيجابياَ. ومن لطيف ماحدث أن  من ضمن البرنامج السياحي كان الدخول لإحدى المغارات التي تتميز بانخفاض درجة حرارتها ولكنني لم أكن مستعدا لذلك، فأبى إلا أن ينزع الجاكيت الذي كان يرتديه لكي أدخل أنا وجلس هو ينتظر في الخارج لشعوره بالتعب.


كثير منا يمر بمواقف مختلفة خارج الوطن ويتعامل مع الآخرين سواء كان في البرنامج الإبتعاثي أو العمل أو السياحة وهنا تكمن المسؤولية والدور الذي ينبغي أن يلعبه المغترب في رسم الصورة المشرفة لوطننا الحبيب، فإن سلوكه وتصرفاته لاتقتصر على نفسه فقط بل واقعا هو يمثل وطنه ودينه وأي تصرف ايجابي أو سلبي لن ينعكس عليه فقط.


إنها رسالة أوجهها لنفسي أولا بمناسبة اليوم الوطني ولإخواني وأخواتي خارج الوطن للتحلي بالأخلاق الفاضلة، والترفع عن التصرفات المسيئة، ومراعاة الأنظمة والقوانين الخاصة بكل بلد لنكون خير سفراء وخير ممثلين لوطننا الحبيب ولديننا الحنيف فذلك واجب في أعناقنا. ولنعكس صورة مشرفة لوطننا ونكون مثالا للقيم التي تتوافق مع شريعتنا السمحاء وماتحتضنه أرضنا الغالية من مقدسات مشرفة.


٢٦/٩/٢٠١٤
كلنا سفراء للوطن الغالي – صحيفة الشرق







فقراء لا يريدون صدقات!!

قياسي
من الأشياء الجميلة التي شهدناها في رمضان أن بعض المراكز الخيرية تقيم مأدبة رمضانية تدعو إليها نخبة من المشايخ ورجال الأعمال والشخصيات الاجتماعية والفقراء والأيتام، وقد شرعت بعض المراكز بهذه المبادرة منذ سنوات عدة ولاتزال مستمرة عليها إيمانا منها بما تحققه من أهداف إنسانية سامية و نتائج معنوية ومادية تعود بالنفع على المركز ولمن يكفلهم برعايته من فقراء وأيتام.
إن من الأهداف والغايات النبيلة التواصل المستمر بين المركز الخيري و مختلف شرائح المجتمع من خلال هذه المأدبة السنوية لإطلاعهم على التقرير السنوي وأهم المنجزات التي تم تحقيقها خلال العام المنصرم من مشاريع مادية ومعنوية وأنشطة اجتماعية لكي يقوم كل من الحاضرين بدوره الفاعل من ناحية استمرارية الدعم والعطاء وإيصال الرسالة لأفراد المجتمع.

ومن الأهداف السامية التي لا ينبغي إغفالها على هذه المائدة الاستفادة والتطبيق العملي لما ورد من دروس تربوية في سيرة المصطفى العطرة -صلى الله عليه وآله وسلم- عندما أتى ذلك الفقير وجلس على مقربة من رجل غني فلملم الغني ثيابه وتنحى عنه بطريقة تنم عن الاحتقار, فنظر إليه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وقال: أخشيت أن ينتقل غناك إليه أم فقره إليك؟ فأدرك الغني سوء عمله وتصرفه معترفا بخطئه مديرا وجهه إلى الفقير قائلا: إني أهبك نصف مالي فما كان من ذلك الفقير إلا أن رفض المال قائلا له: أتريدني أن أصبح غنيا فأصنع مثل ما صنعت؟ فأتكبر على الفقراء؟

إنها فرصة ثمينة ليمتحن المرء نفسه على هذه المائدة الرحمانية التي تضم ما لذ وطاب من الأطباق الإيمانية والأخلاقية ليكسر كبرياء وغطرسة هذه النفس الأمارة بالسوء، ويتنازل عن حب الذات، ويذوب في محبة إخوانه الفقراء والمحتاجين والأيتام، ويتنازل عن عباءته وعن الرغبة في الجلوس بجانب خلّه. إنها فرصة ليتواضع ويجلس مع من قهرهم الفقر والعوز ليعانق ثوبه ثوب الفقير المحتاج، وتمتد يده إلى نفس الطبق، و يكون أبا رحيما لذلك اليتيم الذي فقد والده، ويستشعر ولو لدقائق معدودة مرارة العيش الذي يعانيه إخوانه متجاهلا غناه وعلمه متمثلا بقول الله تعالى : «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».

حتما سيكون لهذه القيم العالية والمبادئ السامية وقع في نفوس الفقراء والأيتام للرفع من معنوياتهم ليشعروا بأن الدنيا مازالت بخير بوجود أهل الخير من متطوعين ومن مدعوين بذلوا أنفسهم وأموالهم وضحوا بأوقاتهم في سبيل راحتهم ومساندتهم والرفع من مستواهم المعيشي. فالفقير إنسان له كيان ومشاعر وأحاسيس يبحث عن الابتسامة، يبحث عن الكلمة الطيبة، يبحث عن الدعم المعنوي قبل الدعم المادي الذي قد لا يحصل عليه أحيانا إلا بذل المسألة.

ومن الأهداف التي يمكن تحقيقها مبادرة بعض رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات وتكفلهم بتأهيل مجموعة من الشباب والفتيات وتوفير وظائف لهم تغنيهم عن ذل المسألة كما ورد من قول الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) لذلك الفقير:

نـحـن أنـاس نـوالـنا خضل **  يـرتـع فيـه الـرجـاء والأمـل

تـجود قبـل الـسؤال أنـفسنـا ** خـوفاً على مـاء وجه من يسل

٢٠٠٨/١٠/٢٣

فقراء لا يريدون صدقات!! – صحيفة اليوم

رؤية مستقبلية للسياحة الأحسائية

قياسي
قبل عام تقريبا كتبت مقالا في جريتنا الغراء (اليوم) بالعدد 12472 بعنوان «وئدت ياجبل القارة ولم يعرف لك قدر»، وتطرقت لأهمية السياحة وتسليط الضوء على هذا الجبل، مشيرا إلى بعض المعالم السياحية في النمسا.
حينها اتصل بي أحد الزملاء الذين زاروا النمسا، وقال لي: كأنك بالغت كثيرا يا أبا محمد بمقارنة جبل القارة بالكهف والمعالم السياحية في النمسا. وعلق أحد الإخوة في الانترنت بأن ذلك مخالف للدين وقواعد الطبيعة وأن أي مخالفة لخلق الخالق يعد كفرا وأن لدينا ما هو أهم من جلب السياحة إلى الوطن.
مضت الأيام وها هي الواحة الأحسائية تسارع الخطا في هذه الأيام وتنافس بقوة على المراكز العشرة الأولى لعجائب الدنيا السبع الطبيعية. فمنذ أن بدأ التصويت وأسئلة كثيرة تتردد على الألسن، هل الأحساء حقا مؤهلة لتكون ضمن العجائب السبع بوضعها الراهن؟ وما هي الرؤية المستقبلية لها إذا ما تحقق ذلك الحلم وأصبحت من العجائب التي تجلب السياح المحبين للاستطلاع من كل حدب وصوب؟ وما هو مصيرها إذا لم يحالفها الحظ في هذه الحملة؟
لن أخوض في هذه التساؤلات وأكتفي بالقول في أن آمال اللجنة القائمة على الترشيح كبيرة في أن الواحة الأحسائية سوف تلقى اهتماما أكبر بعد فوزها لتصبح أحد المعالم السياحية المشهورة عالميا وعليه لابد أن تكون مهيأة لاستقبال السياح من كل بقاع الأرض.
لقد قرأت أكثر من موضوع في (اليوم) عن السياحة وكل كاتب يعبر عن رأيه في السياحة الداخلية والخارجية وبين بعض المحاسن والمساوئ.
من خلال جولة سياحية في ربوع البلاد الحبيب وبعض الدول الأخرى التي تعتبر السياحة أحد أهدافها الاستراتيجية لزيادة الإيرادات ودعم الاقتصاد يمكن تلخيص بعض أهم المقومات السياحية العامة لجذب أكبر عدد من السياح فيما يلي:
· الجو البارد أو المعتدل فرارا من حرارة الصيف الملتهبة.
· توفير برنامج سياحي شامل ومتكامل يضم أهم المعالم السياحية المتنوعة التي يمكن زيارتها خلال فترة زمنية. والدول السياحية تصرف الكثير على جانب الإعلان والتسويق بطباعة الكتيبات والمطويات بأعداد كبيرة بالصور والألوان الزاهية لتضع بين يدي السائح أهم المعالم السياحية مع نبذة مختصرة عنها.
· المقومات الجغرافية، ومنها الطبيعة الخلابة من جبال وبحيرات وأنهار وشلالات وغيرها. فالدول المهتمة بالسياحة لا تدع فرصة طبيعية إلا واستثمرتها بشتى الوسائل الفنية والإبداعية لجلب أكبر عدد من السياح. فعلى سبيل المثال يوجد في النمسا وسويسرا وماليزيا ولبنان بعض الكهوف الجميلة التي تبهر كل من يدخلها بجوها البارد العليل وتتميز بعضها بالشلالات والأشكال الجميلة التي نحتتها المياه في الصخور. هذه الكهوف لا تخلو من السياح خصوصا في فصل الصيف ويبدو واضحا كم صرف من أجل تسهيل الطرق الوعرة إليها بشتى وسائل المواصلات وتزويدها بالإضاءة والمرشدين ليأخذوا السياح في جولات لا تقل عن ساعة.
· المرتفعات الشاهقة والقمم الجليدية كالتي في النمسا وسويسرا التي مهدت لها الطرق الإسفلتية والتليفريك والقطارات. فمن الملفت للنظر في انترلاكن السويسرية الجميلة امتداد سكك حديدية إلى أعلى قمة في جبال الألب (جنقفرو) تمتطيها قطارات برحلة تستغرق خمس ساعات ذهابا وإيابا تعبر خلال أنفاق قد شقت في الجبال الجليدية.
· البحار والأنهار والبحيرات التي تتميز بتنظيم رحلات سياحية بحرية لمشاهدة أهم وأبرز المعالم أو الاستمتاع بشواطئها الجميلة، وخير مثال على ذلك ما كسبته الواجهة البحرية من شهرة في مدينة الدمام.
· الحدائق والمنتزهات العامة، وقد برعت ماليزيا في موضوع الحدائق بتخصيص حديقة لكل شيء يخطر على البال، فمن حديقة للحيوانات وحديقة للطيور وحديقة للفراشات وحديقة للفواكه وحديقة للزهور وحديقة للبهارات وحديقة للتماسيح وحديقة للقرود.. كل ذلك من أجل إضفاء شيء من التغيير والتنوع.
· أبرز العجائب الصناعية والطبيعية والمعالم السياحية التي تميز المكان. فعلى سبيل المثال برجا ماليزيا الشهيران وبرج ايفل بفرنسا الذي يزوره كل عام تقريبا ستة ملايين سائح من مختلف دول العالم ليصعدوا إلى أعلى قمة لرؤية باريس من الأعلى وتسجيل هذه الزيارة في سجلهم لأحد أهم المعالم في العالم.
· المواصلات الجوية والبحرية والبرية التي تسهل على السائح التنقل بأي وسيلة يريدها. فعندما يريد الطيران لا يقيد نفسه بخطوط طيران معينة بل له حرية الاختيار بتواجد أكثر من منافس وتوفر المطارات المهيأة لاستقبال رحلات منظمة بشكل دوري. وإذا لم يرغب بالطيران فله أن يستخدم القطارات السريعة كتلك التي تربط الدول الأوروبية مع بعضها وتجعلها تبدو وكأنها دولة واحدة. أما بالنسبة للمواصلات الداخلية فقد تميزت أوروبا وبعض الدول بوجود شبكة منظمة ورحلات تسير بانتظام خلال اليوم تأخذك أينما شئت باستخدام «المترو» أو «الترام» أو الباص. فأين دولنا الخليجية من الاستفادة ولو بنسبة 5 بالمائة من هذه الخبرات التي تسهم في راحة المواطن قبل السائح وتفك الاختناقات المرورية وتقلل الحوادث التي تزهق العديد من الأرواح؟
· المتاحف والآثار والمعالم السياحية والتاريخية.
· المجمعات التجارية والفعاليات المتنوعة.
· الفنادق والشقق المفروشة بمختلف درجاتها التي تكفي للأعداد المتوقعة من السياح وربطها بالشبكة العنكبوتية لتسهيل عملية الحجز من بعد.
· أماكن الترفيه والتسلية التي تتميز بأفكار فنية و إبداعية جديدة مستفيدة من بعض الخبرات الموجودة في بعض الأماكن، مثل «ديزني لاند» و «المدينة الجليدية» في دبي، التي لم تقف حرارة الصيف الملتهبة عائقا أمام تحقيق هذا الإنجاز المتميز.
· البنية التحتية الجيدة والشوارع النظيفة والجميلة.
· حسن معاملة المواطنين وتحليهم بالأخلاق الحميدة التي تعكس صورة جيدة عن البلد المضيف.
هذه أهم مقومات السياحة، فهل ستتوافر في الأحساء لتصبح أحد المعالم السياحية المشهورة عالميا؟!

جوائز بالملايين!!

قياسي
في هذه الأيام تتفنن المجمعات التجارية بشتى وسائل الدعاية والتسويق لجذب أكبر عدد من المستهلكين لملابس العيد، تحت شعار «رمضان كريم» و «اشتر بمبلغ (…) واكشط واربح جوائز قيمة».



المتابع لهذه الحملات التسويقية يلاحظ أنها حبكت بحنكة ودهاء لتعود بالنفع الكبير على المحلات المشاركة وبخيبة الأمل للمتسوقين.

واجهت أحد المتسوقين خارجا من أحد المجمعات محترقاً غضباً رامياً بما لديه من كوبونات ومخاطباً زوجته بنبرة حادة: نشتري بخمسمائة ريال ونحصل على كوبونات مكتوب عليها «نشكركم على تسوقكم في معارضنا» أين ذلك من الكرم وشعار «رمضان كريم».

دخلت وتسوقت وقلت: «إن شاء الله أكون أوفر حظا منه»، ولكن لم أتفاجأ بعد الكشط بقراءة عبارة «نشكركم على تسوقكم في معارضنا»، التي كنت متهيئا لها بعد المرور بذلك الموقف، بالإضافة إلى ذلك حصلت على جائزة كوب وإطار للصور قد أكل عليهما الدهر وشرب، وأصبحت الفرصة سانحة للتخلص منهم في هذه الأيام من أجل زيادة عدد الجوائز بدلا من بقائهما في المجمع يعلوهما الغبار وأخذ حيز من المكان يمكن الاستفادة منه في عرض أشياء أخرى أكثر قيمة.

وفي مجمع آخر كان أكثر كرماً، اختفت عبارة الشكر على التسوق، ولكن لم يسلم المتسوقون من خيبة الأمل بوجود جوائز بقيمة عشرين أو ثلاثين ريالاً من أحد المحلات المشاركة في المسابقة. ولكن عند التوجه لتلك المحلات لا يجد المتسوق ما يروق له بهذه القيمة ويضطر للشراء بأضعاف مضاعفة لهذا لمبلغ الجائزة كي يستمتع بحسمها مما سيدفعه مقابلاً لما اشتراه. وأحيانا يصادف أن تكون الجائزة حسماً من أحد المحلات التجارية التي ليس للمتسوق بها حاجة في مثل هذا الوقت مثل محلات النظارات أو غيرها. وأحيانا يحصل على كوبونات ألعاب للأطفال، فماذا يفعل بها المتسوق إذا لم يكن لديه أطفال؟!

وعليه ينتهي الأمر بالمتسوق إلى أخذ بطاقات الجوائز ليسلمها هدية للمحلات المشاركة أو أن يرميها في سلة المهملات ويقول «نشكركم على جوائزكم القيمة»، ورمضان كريم وكل عام وأنتم بخير!


٢٠٠٨/٩/٢٠