ذهب أحد الأطفال إلى حديقة فأخذ يلعب ويقفز ويمرح لاتكاد الأرض أن تسعه من البهجة والسعادة، وفجأة لاحت منه التفاتة إلى طفل كان جالسا بملابس نظيفة مرتبة وحذاء جديد فتأثر وتحسر كثيرا عندما رأى ملابسه الرثة وحذاءه الممزق. أعجب بذلك الطفل وهندامه وتمنى أن تكون ملابسه وحذاءه ووضعه مثله. وماهي إلا لحظات وإذا به يقف في صمت مندهشا مستغربا لم يصدق مارأته عينه عندما أحضرت والدة ذلك الطفل كرسيا معها ووضعته فيه وانصرفت معه. حينها نسي ملابسه وحذاءه الممزق وتأثر كثيراً وشكر الله وأثنى عليه على نعمة الصحة والعافية عندما رآه معاقا لايستطيع الحركة واللعب،
هذا هو حال البعض منا.. ننظر إلى ماعند غيرنا ونتمنى مثله وننسى ماأنعم الله به علينا من نعم أخرى ونعيش حالة من القلق والهم والغم والضغوط النفسية التي تكدر صفو عيشنا، هذا إن لم يصبنا مرض الحسد فنتمنى زوال النعم عنهم. الله جل ثناؤه عدل في حكمه وتدبيره وعندما يسلب شيئا من شخص يعوضه بشئ آخر وذلك لحكمة بالغة تخفى علينا تستوجب الثقة والتسليم والرضا والإيمان بالله جل وعلا.
مالمقصود بالقناعة وكيف نربي أنفسنا لنكون أكثر قناعة؟ وماهي الآثار والفوائد المرجوة؟
القناعة هي الرضا والقبول كما وردت في المعجم العربي. وعندما سأل النبي (صلى الله عليه وآله) جبرئيل: … ماتفسير القناعة؟ قال:” تقنع بما تصيب من الدنيا تقنع بالقليل وتشكر اليسير”
كيف نربي أنفسنا لنكون أكثر قناعة؟
كل شخص مطلوب منه السعي والعمل بجد والمثابرة والكفاح ومواجهة التحديات في هذه الحياة لتحقيق أهدافه وطموحاته السامية العالية لاأن يكون جليس الدار ويتمنى بلا عمل وسعي أو يتقاعس ويتكاسل. ومقابل ذلك مطالب بالتوازن والقناعة والرضا والتسليم بما قسمه الله له من رزق كما قال جل وعلا: ” أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَة رَبِّكَ ،ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا، ۗ وَرَحْمَة رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ”
وفي آية أخرى يربينا كيف نتعامل مع الآخرين ولاننظر إلى ماعندهم من متاع الدنيا الذي جعله لغرض الإبتلاء والامتحان، ونثق بأن ماعند الله هو خير وأبقى. “وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ”
وفي الحديث عن الإمام علي (عليه السلام): اقنع بما قسم الله لك ولا تنظر إلى ما عند غيرك ولا تتمن ما لست نائله، فإنه من قنع شبع ومن لم يقنع لم يشبع، وخذ حظك من آخرتك.
ومن الأمور المهمة أن لاتنظر وتراقب من هو أعلى منك فقط فمن راقب الناس مات هما وكمدا، وانظر إلى من هو دونك في المقدرة فقد ورد عن الإمام الصادق (ع): ” انظر إلى من هو دونك في المقدرة ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة، فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك”
كما لا تتعلق كثيرا بنعيم الدنيا وزينتها ولاتكن الدنيا أكبر همك. قال تعالى: “إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ”
وقال الإمام علي (عليه السلام): “اقنعوا بالقليل من دنياكم لسلامة دينكم، فإن المؤمن البلغة اليسيرة من الدنيا تقنعه”
هذا بالإضافة إلى الثقة بالله وعدالته، والإكثار من الحمد والشكر، والتحلي بالصبر والزهد والتواضع، والتخلص من الحسد والغيرة والطمع والإكثار من التوجه إلى الله بالدعاء.
ماهي الآثار والفوائد المرجوة؟
الآثار والفوائد كثيرة نكتفي بذكر سبعة منها:
١- راحة البال والبدن وطمأنينة القلب
القناعة بلسم لمن أراد العيش سعيدا هنيئا مرتاح البال بعيدا عن الهم والغم والضغوط النفسية.
الإمام الحسين (عليه السلام): القنوع راحة الأبدان
الإمام علي (عليه السلام): من قنع لم يغتم
٢- كنز وغنى
– رسول الله (صلى الله عليه وآله): “القناعة كنز لايفنى
– رسول الله (صلى الله عليه وآله): ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس
– الإمام علي (عليه السلام): طلبت الغنى فما وجدت إلا بالقناعة، عليكم بالقناعة تستغنوا.
٢- النزاهة والعفاف
– الإمام علي (عليه السلام): من قنعت نفسه أعانته على النزاهة والعفاف
٣- عز وقوة
-الإمام علي (عليه السلام): ثمرة القناعة العزّ
٤- صلاح النفس
الإمام علي (عليه السلام):” أعون شيء على صلاح النفس القناعة
٥- التخلص من الحسد والطمع والأمراض الأخرى
٦- زيادة الخير بسبب كثرة الشكر لله
٧- تخفيف الحساب يوم القيامة
– رسول الله (صلى الله عليه وآله): “اقنع بما أوتيته يخفَّ عليك الحساب
قال الشافعي:
رأيت القناعة رأس الغنى — فصرت بأذيالها متمسك
فلا ذا يراني على بابه — ولا ذا يراني به منهمك
فصرت غنياً بلا درهم — أمر على الناس شبه الملك
وماأجمل أن ندعوا بما دعى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) : “اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه”
عبدالله الحجي
٢٠١٦/١/١٠