رؤية مستقبلية للسياحة الأحسائية

قياسي
قبل عام تقريبا كتبت مقالا في جريتنا الغراء (اليوم) بالعدد 12472 بعنوان «وئدت ياجبل القارة ولم يعرف لك قدر»، وتطرقت لأهمية السياحة وتسليط الضوء على هذا الجبل، مشيرا إلى بعض المعالم السياحية في النمسا.
حينها اتصل بي أحد الزملاء الذين زاروا النمسا، وقال لي: كأنك بالغت كثيرا يا أبا محمد بمقارنة جبل القارة بالكهف والمعالم السياحية في النمسا. وعلق أحد الإخوة في الانترنت بأن ذلك مخالف للدين وقواعد الطبيعة وأن أي مخالفة لخلق الخالق يعد كفرا وأن لدينا ما هو أهم من جلب السياحة إلى الوطن.
مضت الأيام وها هي الواحة الأحسائية تسارع الخطا في هذه الأيام وتنافس بقوة على المراكز العشرة الأولى لعجائب الدنيا السبع الطبيعية. فمنذ أن بدأ التصويت وأسئلة كثيرة تتردد على الألسن، هل الأحساء حقا مؤهلة لتكون ضمن العجائب السبع بوضعها الراهن؟ وما هي الرؤية المستقبلية لها إذا ما تحقق ذلك الحلم وأصبحت من العجائب التي تجلب السياح المحبين للاستطلاع من كل حدب وصوب؟ وما هو مصيرها إذا لم يحالفها الحظ في هذه الحملة؟
لن أخوض في هذه التساؤلات وأكتفي بالقول في أن آمال اللجنة القائمة على الترشيح كبيرة في أن الواحة الأحسائية سوف تلقى اهتماما أكبر بعد فوزها لتصبح أحد المعالم السياحية المشهورة عالميا وعليه لابد أن تكون مهيأة لاستقبال السياح من كل بقاع الأرض.
لقد قرأت أكثر من موضوع في (اليوم) عن السياحة وكل كاتب يعبر عن رأيه في السياحة الداخلية والخارجية وبين بعض المحاسن والمساوئ.
من خلال جولة سياحية في ربوع البلاد الحبيب وبعض الدول الأخرى التي تعتبر السياحة أحد أهدافها الاستراتيجية لزيادة الإيرادات ودعم الاقتصاد يمكن تلخيص بعض أهم المقومات السياحية العامة لجذب أكبر عدد من السياح فيما يلي:
· الجو البارد أو المعتدل فرارا من حرارة الصيف الملتهبة.
· توفير برنامج سياحي شامل ومتكامل يضم أهم المعالم السياحية المتنوعة التي يمكن زيارتها خلال فترة زمنية. والدول السياحية تصرف الكثير على جانب الإعلان والتسويق بطباعة الكتيبات والمطويات بأعداد كبيرة بالصور والألوان الزاهية لتضع بين يدي السائح أهم المعالم السياحية مع نبذة مختصرة عنها.
· المقومات الجغرافية، ومنها الطبيعة الخلابة من جبال وبحيرات وأنهار وشلالات وغيرها. فالدول المهتمة بالسياحة لا تدع فرصة طبيعية إلا واستثمرتها بشتى الوسائل الفنية والإبداعية لجلب أكبر عدد من السياح. فعلى سبيل المثال يوجد في النمسا وسويسرا وماليزيا ولبنان بعض الكهوف الجميلة التي تبهر كل من يدخلها بجوها البارد العليل وتتميز بعضها بالشلالات والأشكال الجميلة التي نحتتها المياه في الصخور. هذه الكهوف لا تخلو من السياح خصوصا في فصل الصيف ويبدو واضحا كم صرف من أجل تسهيل الطرق الوعرة إليها بشتى وسائل المواصلات وتزويدها بالإضاءة والمرشدين ليأخذوا السياح في جولات لا تقل عن ساعة.
· المرتفعات الشاهقة والقمم الجليدية كالتي في النمسا وسويسرا التي مهدت لها الطرق الإسفلتية والتليفريك والقطارات. فمن الملفت للنظر في انترلاكن السويسرية الجميلة امتداد سكك حديدية إلى أعلى قمة في جبال الألب (جنقفرو) تمتطيها قطارات برحلة تستغرق خمس ساعات ذهابا وإيابا تعبر خلال أنفاق قد شقت في الجبال الجليدية.
· البحار والأنهار والبحيرات التي تتميز بتنظيم رحلات سياحية بحرية لمشاهدة أهم وأبرز المعالم أو الاستمتاع بشواطئها الجميلة، وخير مثال على ذلك ما كسبته الواجهة البحرية من شهرة في مدينة الدمام.
· الحدائق والمنتزهات العامة، وقد برعت ماليزيا في موضوع الحدائق بتخصيص حديقة لكل شيء يخطر على البال، فمن حديقة للحيوانات وحديقة للطيور وحديقة للفراشات وحديقة للفواكه وحديقة للزهور وحديقة للبهارات وحديقة للتماسيح وحديقة للقرود.. كل ذلك من أجل إضفاء شيء من التغيير والتنوع.
· أبرز العجائب الصناعية والطبيعية والمعالم السياحية التي تميز المكان. فعلى سبيل المثال برجا ماليزيا الشهيران وبرج ايفل بفرنسا الذي يزوره كل عام تقريبا ستة ملايين سائح من مختلف دول العالم ليصعدوا إلى أعلى قمة لرؤية باريس من الأعلى وتسجيل هذه الزيارة في سجلهم لأحد أهم المعالم في العالم.
· المواصلات الجوية والبحرية والبرية التي تسهل على السائح التنقل بأي وسيلة يريدها. فعندما يريد الطيران لا يقيد نفسه بخطوط طيران معينة بل له حرية الاختيار بتواجد أكثر من منافس وتوفر المطارات المهيأة لاستقبال رحلات منظمة بشكل دوري. وإذا لم يرغب بالطيران فله أن يستخدم القطارات السريعة كتلك التي تربط الدول الأوروبية مع بعضها وتجعلها تبدو وكأنها دولة واحدة. أما بالنسبة للمواصلات الداخلية فقد تميزت أوروبا وبعض الدول بوجود شبكة منظمة ورحلات تسير بانتظام خلال اليوم تأخذك أينما شئت باستخدام «المترو» أو «الترام» أو الباص. فأين دولنا الخليجية من الاستفادة ولو بنسبة 5 بالمائة من هذه الخبرات التي تسهم في راحة المواطن قبل السائح وتفك الاختناقات المرورية وتقلل الحوادث التي تزهق العديد من الأرواح؟
· المتاحف والآثار والمعالم السياحية والتاريخية.
· المجمعات التجارية والفعاليات المتنوعة.
· الفنادق والشقق المفروشة بمختلف درجاتها التي تكفي للأعداد المتوقعة من السياح وربطها بالشبكة العنكبوتية لتسهيل عملية الحجز من بعد.
· أماكن الترفيه والتسلية التي تتميز بأفكار فنية و إبداعية جديدة مستفيدة من بعض الخبرات الموجودة في بعض الأماكن، مثل «ديزني لاند» و «المدينة الجليدية» في دبي، التي لم تقف حرارة الصيف الملتهبة عائقا أمام تحقيق هذا الإنجاز المتميز.
· البنية التحتية الجيدة والشوارع النظيفة والجميلة.
· حسن معاملة المواطنين وتحليهم بالأخلاق الحميدة التي تعكس صورة جيدة عن البلد المضيف.
هذه أهم مقومات السياحة، فهل ستتوافر في الأحساء لتصبح أحد المعالم السياحية المشهورة عالميا؟!

جوائز بالملايين!!

قياسي
في هذه الأيام تتفنن المجمعات التجارية بشتى وسائل الدعاية والتسويق لجذب أكبر عدد من المستهلكين لملابس العيد، تحت شعار «رمضان كريم» و «اشتر بمبلغ (…) واكشط واربح جوائز قيمة».



المتابع لهذه الحملات التسويقية يلاحظ أنها حبكت بحنكة ودهاء لتعود بالنفع الكبير على المحلات المشاركة وبخيبة الأمل للمتسوقين.

واجهت أحد المتسوقين خارجا من أحد المجمعات محترقاً غضباً رامياً بما لديه من كوبونات ومخاطباً زوجته بنبرة حادة: نشتري بخمسمائة ريال ونحصل على كوبونات مكتوب عليها «نشكركم على تسوقكم في معارضنا» أين ذلك من الكرم وشعار «رمضان كريم».

دخلت وتسوقت وقلت: «إن شاء الله أكون أوفر حظا منه»، ولكن لم أتفاجأ بعد الكشط بقراءة عبارة «نشكركم على تسوقكم في معارضنا»، التي كنت متهيئا لها بعد المرور بذلك الموقف، بالإضافة إلى ذلك حصلت على جائزة كوب وإطار للصور قد أكل عليهما الدهر وشرب، وأصبحت الفرصة سانحة للتخلص منهم في هذه الأيام من أجل زيادة عدد الجوائز بدلا من بقائهما في المجمع يعلوهما الغبار وأخذ حيز من المكان يمكن الاستفادة منه في عرض أشياء أخرى أكثر قيمة.

وفي مجمع آخر كان أكثر كرماً، اختفت عبارة الشكر على التسوق، ولكن لم يسلم المتسوقون من خيبة الأمل بوجود جوائز بقيمة عشرين أو ثلاثين ريالاً من أحد المحلات المشاركة في المسابقة. ولكن عند التوجه لتلك المحلات لا يجد المتسوق ما يروق له بهذه القيمة ويضطر للشراء بأضعاف مضاعفة لهذا لمبلغ الجائزة كي يستمتع بحسمها مما سيدفعه مقابلاً لما اشتراه. وأحيانا يصادف أن تكون الجائزة حسماً من أحد المحلات التجارية التي ليس للمتسوق بها حاجة في مثل هذا الوقت مثل محلات النظارات أو غيرها. وأحيانا يحصل على كوبونات ألعاب للأطفال، فماذا يفعل بها المتسوق إذا لم يكن لديه أطفال؟!

وعليه ينتهي الأمر بالمتسوق إلى أخذ بطاقات الجوائز ليسلمها هدية للمحلات المشاركة أو أن يرميها في سلة المهملات ويقول «نشكركم على جوائزكم القيمة»، ورمضان كريم وكل عام وأنتم بخير!


٢٠٠٨/٩/٢٠

الولع بالأرقام المميزة

قياسي
رقم لوحة مميز بـ 6.5 مليون ريال … رقم جوال مميز بنصف مليون ريال!!! جميل أن يحصل المرء على رقم مميز يسهل حفظه وعلى حروف تشكل كلمات ذات معنى ولكن يقف الفكر متحيرا أمام هذه المبالغ الخيالية التي تدفع من أجل اقتناء رقم مميز وثمة علامات استفهام تطرح نفسها تبحث عن إجابات شافية مقنعة تبرر هذا البذخ والتبذير. هل بلغ من يدفع هذا المبلغ السقف الأعلى للتميز في المجالات العلمية والعملية الأخرى ولم يبق سوى طرق باب الأرقام بحثا عن التميز؟ ما الدوافع التي تجعله يسعى متلهفا ويدفع هذه المبالغ؟ من المستفيد من هذه الملايين؟ ما نصيب الجمعيات الخيرية وما ترعاه من مئات الأيتام والفقراء والمحتاجين؟ وأسئلة أخرى وأخرى تتردد على الأذهان…
ظاهرة البحث عن الأرقام المميزة ليست مقتصرة على شعب دون آخر فهي منتشرة في دول الخليج وكثير من الدول الأوربية وإن اختلفت قيمة الرقم المميز من دولة إلى أخرى. فقد بلغت قيمة أحد أرقام اللوحات في الإمارات 25 مليون درهم ولكن لماذا كل هذا الولع؟ البعض يبحث عن التميز بين رفاقه برقم لوحة سيارته أو جواله ولكي يعرف به، والبعض يسعى ليصبح من قائمة الأشخاص المهمين (VIP) ليتباهى ويري الناس انه من الأثرياء الذين لا يبالون ببذل الملايين من أجل الحصول على رقم مميز. وآخرون لهم أسبابهم الخاصة قد تكون بسبب تميزهم وبلوغهم أعلى درجات التميز في مختلف الميادين العلمية والعملية وبلغوا أعلى مراتب الإبداع والاكتشافات العلمية وأخذوا يبحثون عن أبواب أخرى لم تطرق بعد للتميز فيها.

أين هذه الملايين عن أطفال العالم الذين يموتون من شدة الجوع وقساوة البرد؟ أين هي عن أطفال ونساء وكهول التصقت جلودهم بعظامهم فأصبحوا هياكل عظمية تمشي على البسيطة؟ أين هي عن تلك الجمعيات الخيرية التي تؤوي الكثير من الأيتام والفقراء والمحتاجين وتعاني من قلة الإيرادات التي تعيقها عن تقديم ما تصبو إليه من مشاريع و خدمات جليلة للنهوض بهذه الفئة؟ معاناة شبه يومية تنشر في الصحف عن أحوال الفقراء ومعاناتهم والتماسهم العون من إخوتهم فضلا عن الحالات الأخرى المتعففة. إنني لست بصدد سرد قصص المعاناة التي لا تخفى على الكثير منا فذاك لا يجد دارا تؤويه وآخر إن وجد لايجد من يتكفل بايجارها وآخر يعيش مع أفراد عائلته الخمسة أو الأكثر في غرفة واحدة صغيرة المساحة وآخر لايملك بابا ليستر من يدخل دورة المياه لقضاء حاجته ويكتفي بستار من القماش وآخر وآخر … تشتد معاناتهم في الأوقات الراهنة والظروف الحانكة من الغلاء وارتفاع الأسعار التي يعانيها الأغنياء قبل الفقراء.

لقد شدني وأنا أكتب هذا المقال خبر قرأته عن شاب إماراتي ألغى حفل زفافه وتبرع بقيمته التي تقدر بـ 150 ألف درهم لدعم الحملة الخيرية التي تهدف لتوفير التعليم لمليون طفل فقير في العالم. إنها تضحية كبيرة بليلة العمر التي يحلم بها الزوج وزوجته وأهلهما وتستحق الإشادة بها. فأين من يدفع الملايين عن هذه البادرة النبيلة الفريدة من نوعها في سبيل النزول عن الرغبة في الحصول على رقم مميز.

مع احترامي وتقديري لإخواني وليس القصد التهكم والتعدي بل التواصي بالخير لنشكر هذه النعمة التي سوف نسأل عنها كما ورد في الحديث الشريف لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع … ومنها عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه. وأيضا لترشيد هذه المبالغ وتوجيهها لمن هم بأشد الحاجة إليها للنهوض بهم وإدخال السرور عليهم ورفع مستواهم المعيشي، وإن كان كلا ولابد ولايمكن التنازل عن هذه الرغبة في الحصول على الرقم المميز مهما بلغت القيمة فإنها دعوة لإعادة النظر لتوجيه هذه المبالغ الباهظة لتدفع بعنوان آخر للأعمال الخيرية تلبية للدعوة الإلهية في قوله تعالى: «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله اجر كريم»، وقوله: «مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم».

وكما قال القائل:

وحسبك داءً أن تبيت ببطنة … وحولك أكباد تحن إلى القد.



إنجاز الكثير بالقليل (مبدأ باريتو)

قياسي
يبـذل البعـض مجهـودا كبيـرا ويسـتهلك كل مـا يملـك مـن طاقـات في سـبيل تحقيـق وإنجـاز مـا ينـاط إليـه مـن مسـؤوليات أو مايرسـمه هـو لنفسـه مـن أهـداف ولكـن يتفاجـأ بالمحصلـة النهائيـة المخيبـة للآمـال والتـي لا ترقـى إلـى مسـتوى طموحاتـه ولا تتناسـب مـع الجهـد الـذي يبذلــه ولا الوقــت الــذي يســتغرقه. فأيــن تكمــن العلــة وكيــف يكــون الانسـان أكثـر فاعليـة وينجـز الكثيـر بالقليـل؟ مــن ينهــج هــذا الطريــق يعتقــد بأنــه عندمــا يبــذل ٥٠٪ مــن الجهــد يحصــل علــى ٥٠٪ مــن النتائــج وعندمــا يبــذل ٥٠٪ مــن الوقــت يحصــل علــى ٥٠٪ مــن النتائــج أو الفائــدة.
 غيــر أن هــذا الإعتقــاد بمبـدأ ٥٠/٥٠ غيـر صحيـح ولا يجـر لصاحبـه غيـر التعـب والانهـاك والإنتاجيـة القليلـة. لقـد لاحـظ باريتـو في عـام ١٩٠٦ م أن ٨٠٪ مـن الأرض في ايطاليــا يملكهــا ٢٠٪ مــن الســكان وكثــف بحثــه واكتشــف بـأن ذلـك ينطبـق علـى بلـدان أخـرى ووضـع مايعـرف إلـى يومنـا هـذا بمبـدأ أو قاعـدة باريتـو ٨٠/٢٠ والـذي أثبـت جـدواه في الكثيـر مـن مياديـن الحيـاة الشـخصية والمهنيـة. 
 
لقـد تطـور اسـتخدام هـذا المبـدأ وتم اســتخدامه في العديــد مــن مجــالات الحيــاة وترجمــت نتائجــه الفاعلـة في التسـويق والجـودة والاقتصـاد والنظـم المعلوماتيـة وإدارة المشـاريع واتخـاذ القـرارات والمفاوضـات وغيرهـا. فقـد تبـن لاحقـا أن ٨٠٪ مـن ثـروة العالـم يملكهـا ٢٥٪ مـن النـاس ٨٠٪ مـن الطاقـة يسـتهلكها ١٥٪ مـن سـكان العالـم. مبــدأ باريتــو يؤكــد أن ٨٠٪ مــن النتائــج يمكــن تحقيقهــا بواســطة ٪٢٠ مــن الجهــد أو الوقــت أو المــوارد. فعلــى ســبيل المثــال عندمــا نبحــث عــن الأسـباب المؤديـة للوفيـات جـراء الحـوادث المروريـة في السـعودية نجدهـا كثيـرة مثـل السـرعة وقطـع إشـارة المـرور واسـتخدام الجـوال أثنـاء القيـادة وعـدم الالتـزام بربـط حـزام الأمـان وغيـره مـن الأسـباب الكثيـرة. فعـلا مثـل هـذه المشـكلة بشـكل فاعـل لا يترتـب علـى معالجـة كل الأسـباب في وقـت واحـد بـل يتطلـب دراسـة أكثـر الأسـباب المؤديـة للحـوادث والتركيـز علــى ٢٠٪ منهــا وقــد يكــون ذلــك مقتصــرا علــى ثلاثــة أو أربعــة فقــط ووضــع الخطــط والإجــراءات للحــد منهــا فذلــك بــدوره ســيحد مــن ٪٨٠ مـن الحـوادث. ومثـال آخـر يتمثـل في النظـرة إلـى زيـادة المـوارد البشـرية لزيـادة الانتاجيـة او تسـريع انجـاز مهمـة مـا، فزيـادة العـدد ربمـا يكـون لـه مـردود سـلبي ولايسـهم في زيـادة الانتـاج. بتطبيـق نفـس المبـدأ فـإن ٪٢٠ مـن المـوارد البشـرية تسـهم في انتـاج ٨٠٪ ولربمـا تختلـف هـذه النسـبة الى ٧٥/٢٥ او ٧٠/٣٠ فعليـه ينبغـي التركيـز علـى المـوارد البشـرية والبحـث في كيفيـة زيـادة فاعليتهـا مـن حيـث الاسـتثمار في تدريبهـا وتطويرهـا لتكـون أكثـر فاعليـة وإنتاجيـة ولربمـا بعـض المؤسسـات والشـركات تنحـى منحـى الاسـتبدال بطاقـات أكثـر إنتاجيـة فتبحـث عـن الخبـرة والكفـاءة، والبعـض منها تقـوم بتوظيـف الوسـائل التكنولوجيـة والإبداعية. وفي مجال المشـاريع الكبيــرة التــي تحتــاج إلــى أيــادي عاملــة كبيــرة تقــدر بــالآلاف قــد يتجــه بعـض المقاولـن لزيـادة العـدد بـأي طريقـة مـن أجـل تلبيـة العـدد المطلـوب في الجــدول بــأي طريقــة ممكنــة ممــا يشــكل عبئــا كبيــرا في تدريبهــم وتوفيـر طاقـم إداري كبيـر لمتابعتهـم وإدارتهـم ميدانيـا باسـتمرار مـن أجـل ضمــان الإنتاجيــة المخطــط لهــا بجــودة عاليــة في زمــن قياســي. 
 
وعلــى المجـال الشـخصي تتفـاوت الأولويـات لـكل فـرد وقـد يلقـي البعـض باللـوم علــى عــدم وجــود الوقــت الــكافي لتحقيــق أهدافــه وإنجــاز مهامــه وذلــك ممــا لاشــك فيــه بســبب ســوء التحكــم في إدارة الوقــت وأيضــاً لفقــدان عامــل التخطيــط و التركيــز علــى الأولويــات المهمــة وبــذل الوقــت بشــكل عشــوائي. وهنــا تكمــن الاســتفادة مــن قاعــدة باريتــو بتركيــز ٢٠٪ مــن الجهــود والمســببات لإنجــاز ٨٠٪ ممــا يصبــوا إليــه بالتركيــز والتخطيــط بشــكل جيــد والبعــد عــن التشــتت والاهتمــام بصغائــر الأمــور في بدايــة الأمــر وهــدر الطاقــات والعيــش في بيئــة غيــر صحيــة تحــت ضغــوط نفســية ســلبية تــؤدي إلــى حصيلــة إنتاجيــة ضعيفــة تشــعره بالإحبــاط وخيبــة الأمــل وعــدم الرضــا النفســي عــن أدائــه وفاعليتــه وتقصيــره في الاهتمــام بالتــوازن في مجــالات حياتــه المختلفــة.

فن الإدارة والقيادة

قياسي
ينهــج مجموعــة مــن القــادة والمســئولين أســلوباً معينــاً يــكاد يطغــى علــى تعاملاتهــم مــع جميــع طبقــات موظفيهــم وربمــا يشــعر ذلــك القائــد بأنــه مثــالا للقيــادة بأســلوبه المتبــع خصوصــا عندمــا لا يستشــعر ردة فعــل موظفيـه مـن ذلـك الأسـلوب.

من الأمـور المحمـودة تشـجيع الموظفيـن والثنـاء عليهـم ولكـن إذا لـم يشـخص القائـد ويتعـرف علـى طبيعـة الموظـف الـذي يتعامـل معـه فالتقديـر المفـرط قـد يحبـط معنويـات ذلـك الموظف خصوصا عندمـا يكـون علـى كفـاءة عاليـة ويتمتـع بزخـم هائـل مـن الـروح المعنويـة. ومــن جهــة أخــرى قــد لا يتوفــر ذلــك التقديــر والتشــجيع لموظــف هــو في أمــس الحاجــة إليــه فيكــون لــه العواقــب الســلبية في تحطيــم نفســيته ومعنوياتــه. وكذلــك الحــال بالنســبة للتوجيــه والتعليــم فينبغــي تشــخيص كفـاءة الموظـف العلميـة والتعامـل معهـا بالأسـلوب الأمثـل، فالموظـف المتميـز ذو الكفــاءة العاليــة يزعجــه ويحطــم معنوياتــه تدخــلات رئيســه في جميــع التفاصيــل ويشــعر بعــدم ثقــة رئيســه فيــه. الإدارة فــن ومهــارة يحتــاج فيهــا القائــد إلــى تشــخيص حالــة كل موظــف بمفــرده والتعامــل معــه بالأســلوب الأمثــل الــذي يســهم في خلــق جــو مــن العلاقـة القويـة بـن القائـد والموظـف، جـو مفعـم بالـروح المعنويـة العاليـة والكفــاءة والإنتاجيــة المرتفعــة. القائـد المتميـز يحتـاج إلـى المرونـة والسـعي الحثيـث لتجانـس أسـلوبه مـع كفــاءة ومعنويــات الموظــف الــذي يتعامــل معــه، وقــد تم تصنيــف الموظفـيـن إلـى أربعـة أقسـام: 
 
أولا: موظـف يتمتـع بـروح معنويـة عاليـة وعلـى قـدر مـن الحمـاس والرغبـة
لأداء العمـل ولكـن تنقصـه المهـارة والمعرفـة.. هــذا النــوع مــن الموظفيــن بالطبــع لايحتــاج إلــى إضاعــة الكثيــر مــن الوقــت معــه بعبــارات الثنــاء والتقديــر والتشــجيع المنمقــة، بــل هــو بحاجـة إلـى توجيهـه وإرشـاده إلـى كيفيـة القيـام بهـذه المهمـة وتوفيـر جميــع الوســائل التــي يحتاجهــا.
 
ثانيــا: موظــف لا يتمتــع بــروح معنويــة عاليــة كمــا في المثــال الســابق ولا يملــك المهــارة والمعرفــة أيضــا.. هــذا النــوع مــن الموظفـيـن يشــكل العــبء الأكبــر علــى القــادة حيــث يحتــاج إلــى رفــع الــروح المعنويــة باختيــار الطريقــة المناســبة لتحفيــزه أولا وأيضــا اتبــاع الطريقــة الســابقة في توجيهــه وإرشــاده إلــى كيفيــة القيــام بهــذه المهمــة وتوفيــر جميــع الوســائل التــي يحتاجهــا.
 
ثالثــا: موظــف ذو معنويــات متقلبــة وهــو علــى قــدر متوســط مــن المهــارة والكفــاءة..

هــذا النــوع مــن الموظفـيـن يحتــاج إلــى الدعــم مــن قبــل قائــده لرفــع معنوياتــه وزيــادة الثقــة بنفســه فهــو يحتــاج إلــى مــن يجلــس معــه ويسـتمع لآرائـه ومخططاتـه واسـتراتيجياته و يدعمـه بالتأييـد والثقـة، ويحتــاج إلــى جرعــة قليلــة مــن التوجيــه والإرشــاد ليــس كمــا يحتــاج
الصنــف الأول والثانــي. 
 
رابعــا: موظــف يتمتــع بــروح معنويــة عاليــة وثقــة بالنفــس وأيضــا يملــك
المهــارة والكفــاءة التــي تمكنــه مــن أداء المهمــة.. إنـه دور القائـد المثالـي الفاعـل في تحويـل موظفيـه إلـى هـذا الصنـف مـن الموظفيـن الذيـن يمكـن الإعتمـاد عليهـم وتوكيلهـم بالقيـام بالمهـام بأقــل جهــد ممكــن وبــدون الحاجــة إلــى المتابعــة المســتمرة معهــم لتوجيههــم وتحفيزهــم.
 
ومــن النقــاط المهمــة التــي ينبغــي التنبــه لهــا بــأن الموظــف قــد يكــون مـن الصنـف الرابـع اليـوم ولكـن قـد تتحطـم معنوياتـه لسـبب أو لآخـر ويتراجـع إلـى الصنـف الثالـث وهنـا يحتـاج إلـى التعامـل معـه بأسـلوب آخــر بالاســتماع إليــه وفهــم الأســباب المؤديــة إلــى ذلــك وإعــادة زرع الثقـة بنفسـه ورفـع معنوياتـه. وأيضـا لا ينبغـي التسـليم بـأن الشـخص ممـن يعتمـد عليهـم في المربـع الرابـع في جميـع المهـام الموكلـة إليـه. فقـد يطلـب منـه إنجـاز مهمـة جديـدة غيـر مألوفـة لديـه ويحتـاج إلـى بعـض التوجيـه فهنـا يظهـر دور القائـد الناجـح في إنقـاذه مـن الوصـول إلـى حالــة مــن الإحبــاط بمســاعدته بشــئ مــن التوجيــه والتعليــم كمــا ورد في الصنــف الأول. وهــذا الأســلوب في التعامــل لايقتصــر علــى الموظفــن فقــط بــل يمكــن تطبيقــه في المجــالات الأخــرى مــع الطــلاب والأبنــاء وغيرهــم. 
 
 
٢٠٠٧/٧/٣٠

للظلم أوجه كثيرة ليس أولها المحسوبية

قياسي
نقدر لـ(اليوم )دورها الكبير عبر مقالات الكتاب والتحقيقات في اضاءة سلبيات المجتمع الى جانب الايجابيات ..وانطلاقا من هذا الدور اسمحوا لي ان احييكم وان اطرح رؤيتي حول قضية المحسوبية قائلا:

 
مسكين ابن آدم مكتوم الأجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تؤلمه البقّة، وتقتله الشّرقة، و تنتنه العرقة. عبارات رائعة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) تصف مسكنة ابن آدم وتبين مدى ضعفه وقلة حيلته وكيف يتألم من أضعف الحيوانات ويموت بأتفه الأسباب بشرقة ماء بغتة لايعلم أجله، وكيف تكون رائحته نتنة بسبب قطرات من العرق. ويا عجبا ممن يتقلد منصبا قياديا أو إداريا وينسى نفسه ويتصرف بغطرسة وتكبر ويتباهى ويتمادى في الظلم والعدوان في غفلة لما قد يؤول إليه مصيره في الدنيا قبل الآخرة. ففي شرق الأرض وغربها يتغنى بعض القادة بالنزاهة والعدل والإنصاف ولكن العدل لايحتاج إلى من يثبته لنفسه بالكلام بل يتجسد جليا في سلوكه وتصرفاته العملية على أرض الواقع. فمنهم من يحمل شعار العدل والإنصاف ويحذر من مغبة الظلم بينما يخلع ثوب العدل في تعاملاته مع من يخضع تحت إدارته وسلطته، فعندما يقيّم أداءهم يحمل في باطنه معايير واعتبارات خاصة لا تعتمد أحيانا على أداء الشخص ومهارته وكفاءته وإنجازاته بل على المحسوبية ومن يكون الشخص وقد يصبح الأمر من المسلمات بعدم المساس بتقييم بعض الأفراد على مدى سنوات حتى مع وجود من هم أكفأ وأحق منهم. وفي مجال الترقيات ليس الوضع بأحسن حالا فمنهم من يحصل على الترقية تلو الترقية خلال فترة زمنية وجيزة ومنهم من يمكث أضعاف المدة أو أكثر للحصول على ترقية. وفي المناصب لا تنفع الخبرة والكفاءة والمهارة فقد يُحال شخص لمهمة خاصة أو يُرسل في انتداب تحت شعار التطوير والتدريب والواقع شيء آخر هو من أجل التخلص منه أو إحالته للتقاعد المبكر وهو على رأس العمل وتنصيب غيره مكانه. وليس الظلم مقتصرا بمجال معين دون غيره بل وردت قصص كثيرة مؤثرة في شتى أمور الحياة لا يسع المقام لسردها تبين الآثار السلبية والعواقب الوخيمة للظلم الذي يقع على الأبناء والوالدين والأزواج والموظفين والإخوان والخدم وبين أفراد المجتمع، وكيف أن العقوبة كانت تقع في الدنيا قبل الآخرة. فكم من ظالم فقد حياته ومنهم من أُصيب بمرض لا يُرجى برؤه وأصبح جليس الدار ومنهم من فُجع في أهله وولده ومنهم من خسر ماله وغيره. وإن لم يصبه شيء في الدنيا فلا يسعد كثيرا فالله تعالى يُمهل ولايُهمل وهو بالمرصاد لكل ظالم فقد توعد في محكم كتابه المجيد بقوله: « وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ». أجارنا الله وإياكم من الظلم ومن دعوة المظلوم التي حذرنا منها سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديثه:» اتقِ دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب «. .وقد أجاد من قال:
لاتظلمن إذا ماكنت مقتدرا *** فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم
 

الشيبة: الخير والقوة التي تتحدى ظمأ الصحراء

قياسي
في ربـوع بلادنـا الحبيبـة أنعـم الله علينـا بشـيبة الخيـر القابعـة في أحضـان الصحــراء، حيــث تســكن صيغــة الجمــال بـيـن كثبانهــا، وبـيـن الخطــوات التــي يتركهــا المــارون علــى رمالهــا الحمــراء. والناظــر لهــذه المســاحة الصحراويــة، لفــرط جمالهــا تصمــت الكلمــات في فمــه ولا تجعلــه إلا مــرددا ومتمتمــا لكلمــات قليلــة ألا وهــي “ماشــاء الله … ســبحان الله”. حيــث يجلــس ســاكنا ومتأمــلا لكثبــان الشــيبة الرمليــة الحمــراء وهــي تكتنـف بـن ثناياهـا صبخـات مختلفـة الأشـكال، منبسـطة مفترشـة بتـرب ناصـع البيـاض، وقـد توطـدت بينهمـا العلاقـة بحيـث لايتعـدى أي منهمـا علــى الآخــر مهمــا هبــت مــن ريــاح شرســة تقهــر مــن لا يُقهر.
نعم وان انحســرت الميــاه فــوق ســطحها إلا انهــا ازدانــت بســائل آخــر مــن أجــود أنـواع الذهـب الأسـود في باطنهـا، فحقـا لهـا أن تفخـر بالحمـرة والنفـط. أمــا الحســن فيتمثــل في رجالهــا البواســل باخلاصهــم وتفانيهــم وولائهــم لوطنهـم وسـهرهم للتأكـد مـن اسـتمرارية النبـض وضمـان تدفـق الخيـرات عبــر أنابيــب امتــدت أميــالا طويلــة متوســدة الكثبــان الرمليــة.
قبــل ســنوات كمــا يعلــم الجميــع حققــت الشــركة قصــة نجــاح تشــكل أسـطورة مختلفـة عبـر تحـدي كل المصاعـب وتحويـل الحلـم الـى حقيقـة، وذلــك باكتشــاف واســتخراج الزيــت منهــا وإنشــاء أربعــة معامــل لفصــل الغـاز عـن الزيـت في أماكـن مختلفـة. وبالرغـم مـن تلـك المصاعـب إلا أن الشـركة حرصـت ودأبـت علـى وضـع اسـتراتيجيات للاسـتفادة القصـوى مـن كل الفـرص والثـروات المتوافـرة. فشـرعت في إنشـاء مشـروع الشـيبة الــذي يعــد مــن أكبــر المشــاريع لزيــادة الطاقــة الإنتاجيــة للزيــت، وإنشــاء معمــل جديــد لاســتخلاص ســوائل الغــاز الطبيعــي، وضخــه كمنتــج اخــر عبـر خـط أنابيـب مـواز لأنابيـب الزيـت. كمـا يضـم المشـروع أيضـا شـبكة مــن خطــوط الأنابيــب تربــط المنشــآت ببعضهــا، و توســعة للمرافــق الســكنية والخدمــات الأخــرى، وتأمــن طاقــة كهربائيــة لايســتهان بهــا لتشــغيل الأجهــزة و المعــدات الضخمــة.
لاتـزال قصـة نجـاح الشـركة في الشـيبة عالقـة في أذهـان موظفيهـا. لذلـك دأب الجميــع بالعمــل بــروح الفريــق الواحــد وفي بــذل الجهــود الجبــارة والتضحيـة بـكل نفيـس مـن أجـل إكمـال المشـروع بسـلامة ونجـاح ضمـن الجــدول الزمنــي المحــدد ليضيــف إلــى قصــص النجــاح قصــة أخــرى تسـطر في سـجل شـركتنا العملاقـة، وانجـاز عظيـم يضـاف الـى إنجازاتهـا يفتخــر بــه كل موظــف في عــام ٢٠١٤ م.
عبدالله عباس الحجي
القافلة الأسبوعية – أرامكو السعودية
24/3/2012
 

الوقت المهدور

قياسي
نهضة عمرانية، ازدهار صناعي .. تجاري .. سياحي ..
نمو سكاني كثيف .. المباني تلتصق ببعضها .. عدد المركبات في ازدياد رهيب.. ازدحام الشوارع
إشارات ضوئية تبعد إحداها عن الأخرى أمتارا قليلة .. قطارات من السيارات عند كل إشارة

يخرج كل يوم إلى عمله مارا بما شاء الله من الإشارات
يقف عند كل إشارة .. ينظر إلى لونها الأحمر بغضب، تبادله النظرات بابتسامة تتغزل بمحياه، يطأطئ رأسه حياء، يحدق في عقارب ساعته ينبعث من عينيه شرار حارق، تتعثر العقارب في حركتها خوفا من أن يصب عليها غضبه
لون أخضر .. تصم المنبهات الأسماع .. تسارع وتزاحم لتخطي الإشارة لكن دون جدوى .. لابد من الانتظار دورتين أو ثلاث على الأقل .. طابور طويل من السيارات
نفد صبره .. ضاق خلقه .. تعكر مزاجه .. ارتفع ضغطه .. تأفف .. حولق .. استرجع
(تحلطم) بكلمات بينه وبين نفسه إلى متى؟ أين الحل؟ أين المسؤولون؟
همسات لم يتعد صداها ثنايا ضلوع صدره، وحنكي فكه، و صماخ أذنه
استمر على وضعه سنين .. اشمأز الطريق … لم يرق له عمله
واظب على حمل كيس الأدوية في يمينه … حبوب الضغط .. القولون العصبي ..
في ليلة هادئة اشتد حاله، انزوى في فراشه، متكمكما بلحافه
اهتز جواله , سلم عليه أحد زملائه، طلب منه أن يصطحبه معه إلى العمل لتعطل سيارته
رحب به أجمل ترحيب .. توجه لاصطحابه في الصباح الباكر
ركب زميله السيارة يحمل في يده حقيبة سوداء يضمها إلى جانبه

الإشارة الأولى .. الثانية .. الثالثة .. انتابته حالة الاشمئزاز والتأفف والتضجر
سمع صديقه همساته ، لاحظ تغير أحواله .. مال بجسده ، استند إلى الباب، استقبله بوجه تملأه ابتسامة هادئة
لم يتمالك نفسه .. انفجر ضاحكا، ضرب كفا على كف
ناداه بصوت خافت هون عليك، وسع صدرك، طول بالك، راع صحتك
غدا تتحسن الأوضاع … غدا تُنشأ الكباري والأنفاق.. غدا ترى الشوارع الواسعة .. غدا ترى الطرق الدائرية السريعة .. غدا ترى سبل المواصلات السريعة : باص، قطار، مترو، (ترام)
مد يده في حقيبته السوداء .. أخرج كتابا
دفعه لزميله هدية مشترطا عليه أن يقرأه من الغلاف إلى الغلاف في سيارته
نظر إليه زميله مستهجنا تصرفه، متهكما بأسئلته من سيقرأه؟ متى؟ كيف؟ أين؟
وصلا إلى جهة العمل، أخذ الكتاب ووضعه تحت (التكاية)
في اليوم التالي توجه إلى عمله بمفرده
في أول إشارة حمراء طال انتظاره.. امتدت يده إلى الكتاب ، تصفحه من الغلاف إلى الغلاف .. لم يسع الوقت ليقرأ شيئا
أزعجته منبهات السيارات مع اللون الأخضر

سنحت له الفرصة لقراءة المقدمة عند الاشارة الثانية .. لمح الفهرس عند الاشارة الثالثة
شرع في قراءة الفصل الأول عند الإشارة الرابعة
انشد للقراءة .. تاه في عالم آخر .. ابتهج سرورا .. ارتسمت البسمات على شفتيه
التهم الصفحة تلو الصفحة
عند آخر إشارة قبل الوصول لمقر عمله عاد للتأفف مرة أخرى .. ماذا جرى؟!
تأفف بشدة لكن لم يكن تأففه كسابقه … تأففه هذه المرة بسبب سرعة تغير لون الإشارة من الأحمر إلى الأخضر
شغفه بالقراءة جعله يخفف من سرعته ليتوقف برهة من الزمن عند كل إشارة لعله يقرأ صفحة كاملة على الأقل
بعد أيام التهم الكتاب المكون من 200 صفحة من الغلاف إلى الغلاف
قبل أن يهوي لفراشه اتصل بزميله وشكره على الهدية القيمة وبشره بأن الكتاب قد غادر السيارة وسكن الدار .
وقبل أن يغلق الخط، سأل زميله على استحياء إن كانت سيارته متعطلة ويرغب باصطحابه معه للعمل.. بشرط أن يحضر معه الحقيبة السوداء!!!



لاعائق لمن رام التقدم والنجاح

قياسي

الهنــد هــي مــن تجــارب الحيــاة العمليــة التــي لايمكــن نســيانها. فقبــل الســفر إليهــا في مهمــة عمــل تلقيــت تغذيــة رجعيــة ســلبية للغايــة ممــن قامـوا بزيارتهـا ممـا شـكل صـورة سـوداوية في مخيلتـي، ولكـن لـم أعرهـا اهتمامـا كبيـرا ورجعـت لـدرس مهـم في البرمجـة اللغويـة العصبيـة وهـو أن الخارطــة ليســت هــي الواقــع ولا ينبغــي أن أحكــم علــى المــكان قبــل تجميــع أكبــر قــدر مــن المعلومــات و رؤيــة المــكان.
 
ذهبــت لمــدة اســبوعن، وشــاهدت ماشــاهدت ولاأريــد الخــوض في التفاصيــل التــي دونتهــا في مذكراتــي الخاصــة. في اخـر يـوم قبـل مغـادرة الهنـد التقيـت بمديـر الفنـدق ووجـه إلـي سـؤالا “كيــف وجــدت الهنــد؟” صمــت قليــلا افكــر كيــف اجيبــه ثــم أجبتــه بــأن الفنـدق علـى قمـة مـن النظافـة والخدمـات متميـزة جـدا ولكـن يبـدو أنـه لايوجــد تناغــم بــن وجــود مثــل هــذا الفنــدق مــن فئــة الخمــس نجــوم والبيئـة المحيطـة. ثـم انطلقـت بسـرد انطباعـي قائـلا الهنـد غيـر الأماكـن التــي زرتهــا في حياتي،ازعــاج، تلــوث، شــوارع ضيقــة، ازدحــام، فوضــى، لانظـام، لانظافـة ويحتـاج للكثيـر الكثيـر مـن العمـل للنهضـة بـه وإخراجـه مـن الوضـع المأسـاوي الـذي يمـر بـه. فجــأة رأيــت ألوانــه قــد تغيــرت فشــعرت بأنــه لــم يكــن يتوقــع مثــل هــذه الإجابـة الصريحـة منـي،. التفـت إلـي وكان في غايـة اللطـف وقـال: لاتركـز فقـط علـى الجانـب السـلبي فبلادنـا عانـت كثيـرا مـن الاسـتعمار وشـهدت نهضـة كبيـرة علـى مـدى السـنوات الماضيـة بالرغـم مـن كثـرة عـدد السـكان حيـث أنهـا تقـع في المرتبـة الثانيـة بعـد الصين. وأسـرد قائـلا يوجـد لدينـا مصانــع للســيارات العالميــة تشــغل بكفــاءات هنديــة ولدينــا التكنولوجيــا المعلوماتيـة ونخبـة مـن افضـل الأطبـاء وغيـره. 
 
حينهـا اسـتدركت الوضـع وشـعرت بأننـي كنـت قاسـيا عليـه بعـض الشـيء بصراحتـي، ثـم أعطيتـه جرعــة ايجابيــة وقلــت لــه نعــم بالرغــم مــن كثــرة النمــو الســكاني وحالــة الفقـر التـي يعانـي منهـا الكثيـر إلا أننـي أعجبـت بمسـتوى التعليـم لديكـم والكفـاءات التـي قابلتهـا في ورشـة العمـل خـلال الاسـبوعن وطموحاتهـم وإصرارهــم علــى مواصلــة التعليــم والحصــول علــى الشــهادات العليــا بـدون إغفـال الجانـب العملـي لكسـب الخبـرة التـي تتطلـع اليهـا المنظمـات وســوق العمــل. 
 
بعــد مغــادرة الهنــد مــن بــاب الفضــول وحــب الاســتطلاع قمــت بالبحــث في الشــبكة العنكبوتيــة لمعرفــة المزيــد عــن أهــم المنتجــات الصناعيـة في الهنـد وانصدمـت بالكـم الهائـل مـن المنتجـات التـي تصنـع في الهنـد والتـي تعـد بـالآلاف حينهـا قمـت بإعـادة صيغـة السـؤال ليكـون “ماهــي الأشــياءالتــي لاتَصنعهــاالهنــد؟”يوجــد في الهنــد تقريبا ٥٦ جامعــة في مختلــف التخصصــات وتشــتهر الهنــد بصناعــة الســيارات والكمبيوتـرات والمعـدات الصناعيـة والصلـب ومعـدات النقـل والمنسـوجات والمجوهــرات وغيرهــا مــن المنتوجــات و تحتــل الموقــع الثانــي عالمًيــا في صناعــة الــدواء والســياحة العلاجيــة وهــي ســادس أكبــر قــوة نوويــة في العالـم وقـد قامـت مؤخـراً بإطـلاق صـاروخ نـووي مـن صناعتهـا.
 
 نعـم مـن أراد التقـدم والنجـاح والرقـي فـلا يقـف اي عائـق في طريقـه لا الفقــر، ولا البيئــة المحيطــة، ولا المدرســة ولا المدرســن اذا مــاكان لديــه الطمـوح والإرادة والعزيمـة والإصـرار علـى تحـدي المصاعـب والتحديـات، وكان لديــه رؤيــة مســتقبلية وأهــداف واضحــة. مــن خــلال هــذه الرحلــة انصــح نفســي أولا وأبنائــي وإخوانــي للاســتفادة مــن هــذه التجربــة لكــي نكون اكثر مبادرة وتحملا للمسـئولية فنجاحنا أو إخفاقنا هو مسـؤوليتنا في الدرجـة الأولـى ونحـن مـن نرسـم طريقنـا فـلا ينبغـي أن نلقـي باللـوم والعتـاب علـى الغيـر او البيئـة والظـروف المحيطـة بنـا، ونستسـلم للفقـر أو أي عائــق يعتــرض طريقنــا. وعلينــا أن نكــون عناصــر منتجــة ومبتكــرة لا مسـتخدة ومسـتهلكة فقـط، فكـم هـي الـدول التـي تتمتـع بثـروات وخيـرات جســام ولكــن أيــن وكــم هــي عــدد منتجاتهــا المصنعــة التــي تســتخدمها محليـا وتصدرهـا لأنحـاء العالـم؟؟!!

على الشاطىء الذهبي

قياسي

** وصف صورة لحفيدتي الكبرى وهي طفلة جالسة على تراب الشاطئ الذهبي في أستراليا

على شاطىء البحر جلست.. على تلك الرمال الذهبية
بتلك الملابس المتناسقة مع لون الورد ولون البحر
مدت قدميها ومالت بجسدها قليلا للوراء
يزين جيدها قلادتها الذهبية
تدلت سترتها من على كتفيها لتعلق بذراعيها
غرست أناملها الرقيقة في الرمال الناعمة
رفعت رأسها قليلا فبانت معالم وجهها
ساطعا بنوره كبدر السماء
يكنفه الصمت المحير والحزن والأسى
فتحت عينيها الجميلتين
ورمت بطرفها نحو السماء بعيدا.. بعيدا
مع ذلك النسيم العليل مدغدغا أحاسيسها
غير مكترثة بجمال البحر..
ولا صفاء مائه وتلاطم أمواجه التي تشد الانتباه
ما الذي جعلك تتركين جمال البحر جانبا يا بنيتي
وتصمين أسماعك عن أصوات الأمواج المتناغمة
وتحلقين بطرفك نحو السماء؟
أهو جمال بالسماء وغيومها؟
أم هو كره ونفور من البحر وأمواجه؟
أم هو الشوق والحنين إلى الأهل والوطن؟
نظرت عينيها الصغيرتين
وملامح وجهها تحكي الكثير الكثير
لو نطقت لعبر لسانها عما يخالج نفسها
قالت لا تلك ولا ذاك يا ابت.. بل هو الشوق والحنين
حنين لأحلق في هذا الفضاء وأطير لدياركم
وفي طرفة عين أرى نفسي في أحضانكم
شوق لتلك الوجوه التي رحلت عنها
ورسمت الحزن والأسى في مقلتيها لفراقي
شوق لتلك القلوب المفتونة بحبي
ويزيد لوعتها دوما ذكر اسمي
شوق لتلك الأيادي التي تتجاذبني
شوق لتلك الأصوات التي يدوي صداها بسمعي
شوق لأسمعك يا أمي تنادي.. رفقا.. رفقا بها.. إنها قلبي

على الشاطىء الذهبي – صحيفة اليوم
ديسمبر 7 ، 2007

الموائد الرمضانية مختلفة.. فأيهم نختار؟

قياسي

الموائد الرمضانية مختلفة… فأيهم تختار؟

أقبل شهر الرحمة والبركة بموائده المتنوعة من مائدة الطعام إلى مائدة اللهو والتسلية والترفيه ومائدة الخيرات ومائدة النفحات الربانية.
 شهر يتميز عن باقي الشهور وله وقع خاص في نفوس البشر، وكل له مأربه منه طبقا لميوله ورغباته، حتى خرج البعض عن الغاية المنشودة من الشهر الكريم المتمثلة بفنون الدعوات وتلاوة القرآن وعبادة الرحمن حق عبادته والابتعاد عن محارمه، إلى الانغماس في الملهيات والمسليات والسهر إلى ساعات متأخرة حتى بعد طلوع الفجر. 
 شهر رمضان هو احدى المحطات التي يحتاج الإنسان الى أن يعيد حساباته فيها مع نفسه باعتباره أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام وساعاته أفضل الساعات وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر, قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة».
عندما يرحل العبد من هذه الدنيا وقد خفت موازينه يتحسر على ما اقترفته نفسه من ذنوب ومعاصٍ وينادي الرب الجليل: «رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت»، ولكن هيهات له ذلك وما هي إلا كلمة هو قائلها، وفي الحقيقة هنيئا لمن يوفق في مثل هذه الأيام الرحمانية وليالي القدر ويتخيل نفسه كأنه قد اتيحت له الفرصة فما هو صانع ليعوض عن الأيام الخالية التي قضاها بعيدا عن الله عز وجل ويجلس على هذه المائدة الروحانية.
من المظاهر السلبية التي انتشرت بشكل كبير وأصبحت من الأهداف الأولية لدى البعض في هذا الشهر هو الانغماس والإحاطة بمائدة اللهو والتسلية طيلة ليالي الشهر مباشرة من بعد الإفطار والتجول من قناة إلى أخرى خلف المسلسلات التي كانت تعد لها العدة منذ رمضان المنصرم والأغاني والطرب والبرامج الأخرى التي تتنافى وقدسية الشهر الكريم. وأيضا ما يعيشه الشباب في النوادي والشوارع ساهرين جل ليلهم بالتسلية واللعب والانغماس فيمالا يرضي الله.
أما عن مائدة الطعام فحدث ولا حرج وكأن الناس جياع طوال أيام السنة ولا يحلو الطعام وصنوف الموائد إلا في شهر رمضان.. تسابق وتصارع على أبواب المجمعات وطوابير من العربيات محملة بجميع الأصناف وتفنن وتنافس بين السيدات في الطبخات ومصير ما يزيد على النصف أوعية النفايات.
لقد أنعم الله علينا ومهما ارتفعت الأسعار فلن نقبل أن يستشعر أبناؤنا أي نقص أو أن نحرمهم ما تشتهيه أنفسهم، ولكن حبذا لو وضعت مائدة الطعام إزاء مائدة الخيرات.
أبواب الخير مشرعة أمامنا فها هي الجمعيات الخيرية مفتوحة أبوابها على مصراعيها في الشهر الكريم ليقف من أنعم الله عليه وقفة إنسانية يستشعر مرارة العيش التي يعيشها الفقراء والأيتام الذين يتطلعون إلى الأيادي البيضاء التي تمتد إليهم لتسد جوعهم وتوفر كسوة العيد التي تدخل البهجة على نفوسهم وتدعمهم لمواصلة تعليمهم وتحميهم من لسعات البرد القارس وتسهم في تهيئة المأوى المريح.
إن خير الأعمال في هذا الشهر ما سطرته خطبة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في استقبال شهر رمضان بدعوته إلى تقوى الله والابتعاد عن محارمه وحسن الخلق وتلاوة كتاب الله والدعاء وكثرة الصلاة والاستغفار والذكر والصدقة والرأفة بالأيتام وصلة الرحم وتفطير الصائمين وغيره من الأعمال التي تقرب من الله فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «الشقي كل الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم».
نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى وأن يهدينا لخيار موائده ويتقبل من جميع المسلمين صيامهم وقيامهم.

 

آفات تنخر بجسور الثقة

قياسي
«في هذا الزمن لا تثق حتى بأخيك» هكذا كانت ردة فعله عندما استُنكر عليه إحجامه عن مساعدة صديق كان في حاجة ماسة و ملحة لمبلغ من المال على أن يسدده بعد ستة أشهر. ما الذي جعله يتخذ هذا الموقف السلبي و يرسم صورة سوداوية يعمم فيها على من حوله و يهدم جسور الثقة بهم؟
لقد تعرض في حياته للعديد من المواقف ممن لا يقدرون معنى الثقة وليسوا أهلا لها حتى جعلته ينهج هذا الطريق ويتخذ موقفا سلبيا ليس معهم فقط بل مع جميع أفراد المجتمع. فمن المواقف ما عاناه من مستأجر لشقة له ظل يماطله بدفع الإيجار في كل ستة أشهر وهو يلاحقه بالاتصالات والتردد على بابه مراراً وتكراراً إلى أن وصل به الأمر لرفع شكوى ضده وإخلاء الشقة، حينها أصبح ممقوتا ومنبوذا بسبب مطالبته بحقه. وموقف آخر مع أحد الأشخاص الأخيار الأتقياء الذين لم يشك مطلقا في نزاهتهم وصدقهم ووفائهم بالوعد عندما اقترض منه مبلغا من المال لمدة ثلاثة أشهر وقد مضى عليه ثلاث سنوات ولم يسدده متناسيا تارة ومتهربا تارة أخرى.
إن مثل هذه النماذج كثيرة في مجتمعنا وليست مقتصرة على الصعيد المادي بل تمتد إلى مختلف المعاملات والعلاقات الاجتماعية والوظيفية والأسرية وغيرها ولو دون كل شخص مواقفه لألفت منها مجلدات. إن وجود مثل هذه الفئة يشكل مأساة إنسانية وخطورة ليست مقتصرة على المستوى الشخصي بل تتعداه إلى التشكيك في نوايا وسلوك معظم أفراد المجتمع، والكارثة الكبرى حينما يعمم الأغلبية في الحكم على سلوك الآخرين من خلال هذه النماذج اللامسؤولة في سلوكها و تصرفاتها الإنسانية والأخلاقية. إن انتشار هذه الفئة يشكل آفة تنخر في جسور الثقة المتينة بين أفراد المجتمع حتى تتغلغل وتصبح سمة سلبية بارزة تنتقل من النطاق الفردي إلى النطاق العام. كل ذلك بسبب ما تتصف به من كذب وغدر ومكر وخيانة وبخس للحقوق وعدم احترام المشاعر الإنسانية وفقدان الشفافية ونكران للجميل ومقابلة الإحسان بالإساءة.
كم هو جميل في أن تكون الثقة متبادلة بين الأشخاص فالإنسان يشعر بالراحة النفسية ويأنس عندما يثق به الآخرون خصوصا عندما يتعامل مع من لا يعرفه ولا يمت إليه بصلة، وكم يتأثر عندما يفقد الثقة من أعز الناس إليه و يحذر الآخرون من التعامل معه لما لمسوه منه أو من غيره ممن هم في القائمة السوداء.
إن ديننا الحنيف يحثنا على التحلي بالأخلاق النبوية الحميدة ومنها حسن الظن و بناء جسور الثقة بين الأفراد لما فيه من مصلحة عامة لتوطيد العلاقة والتكاتف والتعاون والتقدم والرقي. وعليه فالتعامل بسياسة لا إفراط ولا تفريط قد يكون هو الأنسب، فلا ينبغي التعميم وفقد الثقة بجميع أفراد المجتمع، ولا ترك الحبل على الغارب والإفراط في الثقة بمن هب ودب، بل لابد من توخي الحذر و التريث ودراسة الشخصية دراسة مستفيضة واختبارها والسؤال عنها للتأكد من أنها أهل للثقة..
لقد تفشى انعدام الثقة وانتشر في مجتمعنا على النطاق العام بخلاف ما تتميز به المجتمعات التي لا
 تدين بدين الإسلام. فمن المواقف ما توليه بعض الفنادق من ثقة كبيرة بالنزلاء بعدم الاكتفاء بوضع ثلاجة المرطبات داخل الغرفة بل وضعها في مكان عام في الممرات بعيدا عن الأنظار والثقة بالنزيل لدفع قيمة ما يستهلكه. وموقف آخر ما توليه بعض الدول من ثقة عمياء في المواطنين والسياح في استخدام وسائل المواصلات من مترو و(ترام) بدون التدقيق والتأكد من وجود تذاكر سارية المفعول. إن مثل هذه الثقة جديرة بأن تجعل الشعوب تشعر بالفخر والاعتزاز وتغير من سلوكها لتكون أهلا للمزيد من الثقة.


آفات تنخر بجسور الثقة – صحيفة اليوم


الحج السياحي

قياسي
نشرت جريدة( اليوم) قبل أيام موضوعا عن حج الخمس نجوم وما تقدمه بعض حملات الحج من خدمات لوجستية فارهة بتكلفة باهظة تصل إلى 100 ألف ريال. وقبل عام استطلعَت العربية.نت في استفتاء عن الحج السياحي فأظهرت النتائج بأن 53% من المشاركين يرون ذلك منافيا لفلسفة الصبر في الحج، و 38% يرون أنها ممارسات شرعية، و9% يرون بأن ذلك مطلوب لتشجيع الأغنياء على الحج.
مع غلاء المعيشة ارتفعت تكلفة الحج لهذا العام وتراوحت بين 3000 – 15000 ريال في الوسط العام بحيث يختار الحاج الحملة التي تتناسب مع دخله ووضعه الاقتصادي والبعض ينظر لوضعه الاجتماعي وما توفره الحملة من خدمات مميزة في المأكل والمسكن والمواصلات والتعليم والإرشاد.
 
شريحة من ذوي الدخل المحدود تضررت من هذا الارتفاع وأصبحت تصنف نفسها من الطبقة غير المستطيعة من الناحية المادية على أداء فريضة الحج بعد أن كانت تعقد الآمال للحج بسقف أعلى لا يتجاوز 1500 ريال في السنوات الماضية. وفئة أخرى من المقتدرين ارتأت بأن هذه التكلفة مبالغ فيها لأيام معدودة، في حين أنها لا تتوانى أبدا عن دفع أضعاف هذا المبلغ للسفر في رحلة سياحية إلى أوربا أو أي جهة أخرى يفتقد فيها المسافر ما يتحصل عليه الحاج من النفحات الإلهية والرجوع للوطن كما ولدته أمه.
 
لقد ورد بأن كثرةالإنفاق تستحب في الحج ولكن هل يصل الأمر إلى أن يتحول إلى نزهة سياحية ورحلة استجمام تتنافى مع فلسفة الحج وأبعاده التي شرعها الخالق. فكما ورد في المصدرين السابقين فإن بعض الشركات توفر أجنحة فندقية ومخيمات متميزة وخدمات (جوكوزي) ومساج وشاشات انترنت وتقدم حصى رمي الجمرات على صوان فاخرة وتقدم مالذ وطاب من الأطعمة في أطباق فارهة وغيرها من المميزات.
 
إن مظاهر الترف والتباهي والسعي خلف الملهيات الدنيوية في فريضة الحج لا تجعل الحاج يستشعر المعنى الحقيقي للعبودية المحضة والروحانية والانقطاع التام إلى الله جل وعلا في المشاعر المقدسة. وإن لم يكسر كبرياء وغطرسة وتباهي هذه النفس الأمارة بالسوء وهو يلبس ثوب الإحرام الذي يذكر بكفن الموت فكيف يسمح لجسده بملاصقة جسد الفقير ويختلط عرقه بعرقه أثناء الطواف والسعي وأداء المناسك الأخرى؟ أم أنه سيؤدي مناسكه بمفرده بمعزل عن الآخرين حينما يخف الازدحام؟ أو أنه سيكون له جناح خاص لتأدية هذه المناسك؟ فإذا كان الغني يبحث عن غناه والوجيه عن وجاهته في الحج فأين مبدأ المساواة التي هي من أبرز أهداف هذه الفريضة، وأين معيار التقوى للتفاضل بين المسلمين، وهل سيكونون في عداد الذين يتباهى الله بهم؟ كما ورد في الحديث الشريف: « يقول الله لملائكته: انظروا إلى زوار بيتي قد جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق».

الحج السياحي – صحيفة اليوم