مطار الأحساء .. كفاك سباتا

قياسي
مطار الأحساء موجود وغير موجود, نسي بعض المواطنين وجوده على خارطة الأحساء وضل طريقه البعض الآخر بعد أن فقدوا الحلم في تحوله إلى مطار دولي أو حتى مطار داخلي يلبي حاجات أهالي جوهرة الذهب الأسود. مطار مضى على تشييده العقود وكثرت طلبات ومناشدات الكتاب ورجال الأعمال والكثير من المواطنين لتفعيله وتكثيف الرحلات الداخلية والدولية بما يتناسب مع الكثافة السكانية للأحساء ومدنها وقراها وهجرها و ما تشهده المنطقة من نمو وازدهار في الصناعة والسياحة والتجارة والزراعة.

انتظر الأحسائيون طويلا بشغف وتوق تجلي هذا الحلم على أرض الواقع وتأملوا خيرا إلا أنهم مع كل بصيص من الأمل يصابون بإحباط و خيبة أمل. ففي عام 2004 م أورد الكاتب العزيز عادل الذكرالله خبرا في جريدة (اليوم) العدد 11436 مفاده بأن الخطوط الجوية القطرية تنتظر موافقة الطيران المدني بالمملكة لبدء رحلات دولية منتظمة من مطار الأحساء. وأيضا وجود خطوط جوية عربية أخرى مثل الإماراتية والاتحاد و(العربية) تدرس تسيير رحلات مماثلة لعدد من العواصم العربية و الدولية. وذكر بأن مطار الأحساء استقبل عددا من الرحلات الدولية منذ سنوات طويلة من مصر وسوريا. حينها استبشر أهالي المنطقة بهذا الخبر وتبادلوا التهاني والتبريكات لتواجد خطوط جوية أجنبية تثمن قيمة المنطقة وترغب بتفعيل المطار شبه المعطل، ولكن ماذا تمخض عن تلك الأطروحة؟


وحينما ظهر المنافسون للخطوط السعودية على الساحة كانت الوعود بتسيير رحلات يومية من الأحساء إلى مناطق المملكة الأخرى وسيشهد المطار تفعيلا مكثفا بالرحلات الداخلية والدولية، ولكن لم يكن ذلك سوى أضغاث أحلام تلاشت في الفضاء وبدلا من تكثيف الرحلات تم الاكتفاء برحلتين أو ثلاث فقط لمدينة واحدة حسب جدول لا يتناسب مع شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين.


ومن المؤسف أن تقرأ مانشرته جريدة الشرق الأوسط في العدد 10643 عن الهيئة العامة للطيران المدني بأن مطار الأحساء ليس بحاجة حاليا لتحويله إلى مطار دولي وأن المطار بسعته الحالية مناسب جدا، ويفي بالمتطلبات الحالية والمستقبلية على المدى القريب، وأن الهيئة تعكف لإعداد مخطط عام للمطار .. ولكن متى؟ لـ 25 عاما المقبلة حسب ماورد في الجريدة!!


هل حقا لاتوجد أعداد كافية من المسافرين، من مواطنين ومقيمين، من مدن وقرى وهجر الأحساء تستحق تسيير رحلات لها من الأحساء مع ماتشهده الأحساء من تقدم ونمو أم أن المطار حكم عليه بالتهميش وعلى كل مسافر أن يركب راحلته برا ويبذل شيئا من العناء ليتوجه لمطار الدمام أو مطار البحرين أو مطار قطر ليحلق جوا للجهة التي يريدها؟

ألا يوجد في الأحساء موظفون من المناطق الوسطى والغربية والجنوبية يعانون من التنقلات بسبب عدم توافر رحلات جوية من الأحساء؟ ألا يوجد من يرغب من المواطنين والمقيمين بالسفر إلى مختلف مناطق المملكة أو دول الخليج أو غيرها من دول العالم؟ ماهي نسبة المسافرين من الأحساء خلال الإجازات الصيفية إلى الأماكن المقدسة للتشرف بزيارة النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم ) والسلام عليه، وأداء العمرة وزيارة المناطق السياحية، فلماذا لاتسير رحلات يومية لهذه المناطق؟ ماهي نسبة الحجاج من الأحساء، فلماذا تضطر بعض شركات الحج للحجز من الدمام واستئجار الحافلات لقطع هذه المسافة برا إلى الدمام؟ لماذا يضطر الوافدون إلى الأحساء للزيارة والسياحة أو الأعمال للتوجه لمطار الدمام أولا ومن ثم إكمال الرحلة برا إلى الأحساء؟


فمادام المطار قد اكتفى برحلتين في الاسبوع فكيف يلقى باللوم على عدم توافر أعداد كافية لتسيير رحلات منتظمة منه وإليه؟ لقد فقد المسافرون الثقة في مطار الأحساء وأصبح لديهم نسيا منسيا ولا يعبأ المسافر بإضاعة الوقت بالبحث في الانترنت أو السؤال عن الرحلات من وإلى الأحساء، فلا بد من التضحية والصبر في بداية المشوار لكسب ثقة الناس وتغيير الصورة السلبية المطبوعة في أذهانهم, وذلك بتسخير الجهود وإعداد دراسة وافية وإجراء عصف ذهني للخروج بخطة فاعلة لكيفية إنجاحه. فكما يقال ما تركز عليه ستحصل عليه، فإن كان التوجه ايجابيا فستؤول الجهود وتتضافر لتحقيق النجاح الباهر وإن كان التوجه سلبيا على أن يبقى المطار في سباته العميق فسيبقى لما خطط له.

إنها لا تعمى الأبصار..

قياسي
شد انتباهي خبر الحلاق الأردني الكفيف عدنان جرادات الذي يتمتع ببراعة عالية ودقة في حمل المشط والمقص ويتفنن في حلاقة شعر عملائه بالرغم مما تحتاجه هذه المهنة من دقة وبراعة. وقد ذكرني بتقرير مصور عرضته إحدى القنوات الفضائية قبل فترة عن حلاق أمريكي كفيف كان يمارس مهنة الحلاقة منذ أربعة عقود وقد كون له عملاء يطمئنون له.


ومن باب الفضول لمعرفة المزيد من هذه الانجازات التي يقوم بها الفاقدون لنعمة البصر –أثابهم الله- في المجالات المختلفة أجريت بحثا سريعا باستخدام (قوقل) فتبين أنهم لا يقتصرون على المهن السهلة بل انخرطوا في الكثير من المهن التي يقوم بها الانسان السليم الخالي من العاهات والإعاقات. فمنهم العباقرة والمفكرون والمبدعون والأدباء كأمثال عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والشاعر بشار بن برد والشاعر اليوناني هوميروس، ومنهم البارعون في الحاسب الآلي، ومنهم من عمل في الخياطة وصيانة الأجهزة الكهربائية وطب الوخز بالأبر، ومنهم من تميز في الرسم، ومنهم من قاد طائرته الخاصة لمسافات طويلة، ومنهم الحافظ لكتاب الله، وغيره من الأمثلة التي يطول المقام بذكرها ويمكن الرجوع إلى موقع شبكة الكفيف العربي وغيره للمزيد من التفاصيل.
فلم تكن الإعاقة أو فقد البصر عائقا أمام هؤلاء بل قهروا إعاقتهم وتحدوها ليحققوا طموحهم وأهدافهم لتكون حياتهم أكثر قيمة ومتعة ولا تأسرهم الأوهام والأحزان وتكبلهم وتقيدهم في قعر سجون ظلماء.. كل ذلك كان بفضل العزيمة والإرادة القوية والثقة بالنفس والاعتماد عليها في تدبير شئونهم لأنهم لا يرغبون في الشعور بالنقص والذل ومساعدة الآخرين لهم فيما يمكنهم القيام به ولو كان فيه مشقة وعناء، وقد مررت بموقف عجيب في إحدى الدول حيث وقف رجل ضرير على الرصيف يضرب الأرض بعصاه يمينا وشمالا ويتحسس بحواسه خلو الطريق من السيارات لكي يعبره بأمان ولم يقترب منه أحد ليساعده، وكثيرة هي المواقف التي نشاهد فيها المعاق الذي فقد رجليه أو يديه يرفض تقديم المساعدة إليه لكي لا يشعر بالنقص والقصور. إن مثل هذه النماذج المشرفة يقف الإنسان إجلالا وإكبارا لها وهي جديرة بأن يقتدي بها الإنسان السليم من العاهات في حياته مستلهما العبر من نضالهم وكفاحهم وشدة بأسهم وتفاؤلهم ولا يخلق لنفسه أعذارا واهية تبرر جلوسه في الدار بدون عمل. ومن النماذج المخيبة للآمال سأذكر موقفين أحدهما عندما كنت في مركز الفيصلية التابع لجمعية البر الخيرية رأيت بعض الأفراد يتقدمون لطلب المساعدة وهم في ريعان شبابهم، يتمتعون بصحة جيدة، أقوياء البنية، مفتولي العضلات، لم يبتلهم الله بإعاقة تمنعهم من مزاولة أي مهنة، وليس لهم عذر إلا أنهم لم ينالوا نصيبهم من التعليم والحصول على شهادة. ومواقف أخرى منتشرة بكثرة مع المتعلمين الحاصلين على شهادات جامعية قد أعيتهم السبل ونفد صبرهم في طَرْق أبواب الشركات والمؤسسات والديوان للحصول على وظائف تتناسب مع مستوياتهم التعليمية وشهاداتهم وتخصصاتهم ولكن دون جدوى وأصبح الكثير منهم يقبعون في دارهم لسنوات عديدة. إن ما يقلق الشعوب في خضم هذه الأزمة المالية الحالية هو الخوف من ارتفاع نسبة البطالة وهو أمر حتمي إذا ما صدقت توقعات بعض المحللين الاقتصاديين في عدم استقرار الأوضاع قبل سنتبن أو ثلاث مما قد يزيد الأمر سوءا بالنسبة لهؤلاء الخريجين في السنوات القادمة. وعليه لابد للخريج من التفكير خارج الصندوق والخروج من هذه البوتقة والتنازل لقبول أي مهنة كريمة تناسبه حتى يأتيه الفرج في الحصول على الوظيفة التي تحقق أحلامه و تلبي طموحه، مقتديا بمثل هذه النماذج المشرفة التي لم توقفها الإعاقة عن ممارسة حياتها الطبيعية لكي لا تكون عالة على أهلها ومجتمعها.. فهي بحق مصداق لقوله جل وعلا: «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ».

أرامكو… دمتي رمزا وفخرا ونبراسا للبلاد

قياسي
يحق لك أن تتزيني وتبتهجي وتتبختري بعرسك في الذكرى 75 ويحق لأبنائك أن يفرحوا ويفخروا وهم يشاركون ملك القلوب فرحته في هذه الذكرى الماسية. ويحق لأبنائك؟! … لا بل حتى وإن لم أكن من أبنائك لرفعت رأسي شامخا مفتخرا بهذا الصرح والطود العظيم وهذه العراقة في أرض المحبة والخير بما حباك الله به لتكون خيرات بلادنا بين ثناياك.
لم يصبك كلل ولانصب ولا ملل ولا يأس ولا خيبة أمل ولا إحباط بل كانت العزيمة والإرادة والسعي للنجاح والازدهار والتميز هو دائما ديدنك منذ نعومة أظفارك فانعكس ذلك على الأجيال على مر السنين جيلا بعد جيل. واستمر استثمارك في ثرواتك البشرية الذين حرصت على ثقافتهم وتطويرهم وتعليمهم الخصال والقيم الجميلة التي تنفعهم وتجعلهم قادة ناجحين ليس حصرا بين أحضانك بل في مختلف الميادين وأينما توجهوا متسلحين بالعلم والمعرفة والمثابرة والكفاح والعزيمة والتفاني والتحمل والصبر وقوة البأس والثقة والسعي الحثيث للتخطيط وتحقيق الأهداف بنجاح. بحق إنك مدرسة … لا بل جامعة لتعليم وتخريج الأجيال بخبرات نظرية وعملية.
احتضنت الكثير من أبناء هذا الوطن بشهادات الابتدائية والمتوسطة وغرست فيهم روح المنافسة الشريفة وحب المعرفة فانهالوا على الجامعات ليتخرجوا ويعودوا بكل ثقة وإصرار لتحمل أشد وأصعب المسئوليات التي كنت تعتمدي فيها على سواعد أخرى غير وطنية.
دمتي بخيرك … دمتي بتميزك …دمتي بأبنائك البواسل … دمتي رمزا وفخرا ونبراسا للبلاد ولنحتفي ويحتفي أجيالنا بعرسك المائة إن شاء الله تعالى.

عبدالله الحجي

2008/6/1

 

من تساوى عاماه فهو مغبون

قياسي
يحرص كل شخص يطمح ويخطط للنجاح على تخصيص جزء من وقته مع إطلالة كل عام ليراجع حساباته ويسأل نفسه عن أهم الإنجازات التي حققها خلال العام المنصرم لذاته في مختلف الأصعدة الروحانية والتعليمية والمهنية والمادية والصحية وغيرها، ولايغفل أيضا نصيب أبنائه وعائلته ومجتمعه ووطنه من هذه الإنجازات.

 
قبل أيام انصرم العام الميلادي وتلاه العام الهجري، وأيا كان التعامل مع التاريخ الهجري أو الميلادي أو أحيانا كليهما فالإنسان الذي لم يكترث منذ بداية العام بالتخطيط لحياته ورسم أهدافه فقد أهدر 365 يوما من عمره بشكل عشوائي وسيعض أنامل الندم بسبب تقصيره وعدم حصوله على نتائج مرضية تحقق له ولعائلته ولمجتمعه السعادة الدنيوية والأخروية. فهذه الفئة من الناس طموحاتها محدودة وهي تخطط لفشلها وتدني مستوياتها من حيث لاتشعر فكما قيل: «من لم يخطط لنجاحه فقد خطط لفشله» . وهي تعيش وكأنها في وسط البحر تتلاطمها الأمواج كيفما تشاء يمينا وشمالا ولاتعلم إلى أين سيكون مصيرها. فعندما تجلس في نهاية كل عام أمام الشاشة الكبيرة لتستعرض شريط الانجازات التي حققتها لاتستغرق أكثر من بضع دقائق معدودة تشاهد خلالها عرضا مشوشا أجوف خاليا من المتعة والانجاز.
بينما الإنسان الذي خطط منذ بداية العام سيستمتع بعرض شيق حافل بالإنجازات المشرفة لذاته ومن يعول ومن يعيش بينهم من أبناء مجتمعه وكله فخر واعتزاز وهو يحصد مازرعه منذ بداية العام. هذه الفئة لم تكتف بالتمني وحصر أحلامها فقط في أذهانها بل سطرت رسالتها الشخصية ورؤيتها في الحياة ودونت أهدافها المختلفة على المستوى القصير، والمستوى المتوسط، والمستوى البعيد. فبعض الأهداف يمكن تحقيقها خلال أسابيع أو أشهر والبعض خلال سنة والبعض الآخر يستغرق خمس سنوات فأكثر ومالم تدون هذه الأهداف بشكل دقيق مع الخطط الاستراتيجية والتكتيكية لن يتم تحقيقها بنجاح خلال الفترة الزمنية المحددة.
لقد أصبح وضع الأهداف فنا إداريا يحتاجه كل فرد وقد تناوله الكثير ومنهم ستيفن كوفي في كتابه المشهور العادات السبع للناس الأكثر فعالية. ففي المرحلة الأولى لتحقيق النصر الذاتي تناول ستيفن ثلاث عادات يحتاجها الفرد لينتقل من حالة الاعتماد على الآخرين إلى الاعتماد على الذات. وهذه العادات الثلاث هى أن يكون الفرد مبادرا، ويبدأ والمنال في ذهنه، ويبدأ بالأهم قبل المهم. فالإنسان لابد أن يتحرر من القيود التي تكبل يديه ويترك اللغة السلبية واللوم وايعاز أسباب فشله إلى الآخرين والبيئة المحيطة به. فعندما يبلغ الإنسان مرتبة الاعتماد على النفس ويتمكن من صياغة رسالته ورسم أهدافه ويبذل قصارى جهده لتحقيقها بحيث لا يتساوى يوماه ولاشهراه ولاعاماه فلن يصبح من الخائبين الخاسرين. فقد ورد عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) « من تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان أمسه خيرا من يومه فهو ملعون، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقيصة، ومن كان في نقيصة فالموت خير له من الحياة).
ونوعية الأهداف تعتمد على دور كل شخص في هذه الحياة بحيث تكون متوازنة في مختلف الميادين الروحانية والصحية والشخصية والعائلية والمهنية والمادية والاجتماعية وغيرها. وينبغي أن تكون كما يعرف بالأهداف الذكية (SMART) أي محددة، ويمكن قياسها، ويمكن تحقيقها، وواقعية، وذات أطار زمني محدد. هذه المواصفات ستمكن الشخص من متابعة أهدافه باستمرار وتقييم أدائه قبل نهاية الاطار الزمني المحدد لاتخاذ الإجراءات المناسبة كلما اقتضت الحاجة لضمان تحقيقها في الوقت المحدد. ولكي تكون الأهداف شاملة ناجعة لايمكن وضعها خلال دقائق معدودة بل تحتاج إلى تخصيص الوقت الكافي ليتمكن الشخص من اختيار الأهداف المناسبة ليس فقط لذاته بل لأهله وأبنائه. فماذا أعددت لهم من برامج ودورات تدريبية و تثقيفية في مختلف الميادين لتنمية مواهبهم ومهاراتهم واستحثاث عقولهم على الإبداع والابتكار وكيف سيستثمرون أوقات فراغهم بما يعود عليهم بالمنفعة. وأيضا من منطلق «من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم» فماهي الأهداف التي حملتها في حقيبتك في هذا العام لخدمة أبناء مجتمعك ووطنك مسخرا ما وهبه الله فيك من طاقات ومهارات وقدرات في مجال تخصصك أوأي مجال آخر يمكنك الإفادة فيه.

من تساوى عاماه فهو مغبون – صحيفة اليوم

العقل الباطن .. الكنز المجهول

قياسي
هل يسعى أو يفكر الآباء في تعاسة أبنائهم؟ إنه أمر بديهي بأن تكون الإجابة بالنفي للشخص السوي الواعي فكل منهما لا يألو جهدا في توفير الجو الملائم والتربية الصالحة التي تضمن سعادة وصلاح ونجاح ابنه بل يطمح إلى ماهو أكثر من ذلك بأن يراه في وضع أحسن من وضعه.


وكم يتأثر الوالد عندما يرى ابنه يتعثر في حياته ويخفق في تحقيق النجاح الذي يصبو إليه ويشعر بالدونية والحقارة وضيق الأفق وتنعدم لديه الثقة بالنفس والاعتماد عليها ويفتقد الذكاء الاجتماعي ويعاني من الأمراض النفسية حينها يكيل إليه باللوم والعتاب وكأنه لا دخل له بما أصاب ابنه. إننا كآباء نسهم بشكل كبير جدا في تشكيل حياة أبنائنا وقد نجني عليهم بسبب عدم الإلمام بمبادئ التربية الصحيحة أو الاهتمام والحرص المفرط الذي يولد حالة من القلق ونفاد الصبر والانفلات مما يؤدي أحيانا إلى التلفظ بكلمات وعبارات نابية قاسية مثل «أنت فاشل»، «أنت غبي»، « أنت مهمل»، «أنت أبله»، «أنت مغفل»، «أنت جبان».. أنت .. أنت .. وغيرها من الكلمات والرسائل السلبية الخطيرة التي نبثها مرارا وتكرارا منذ الطفولة حتى تترسخ في عقله الباطن ويتبرمج عليها ويتصرف على ضوئها. إنها عبارات قصيرة عابرة ولكنها سموم قاتلة للعقل الباطن (اللاواعي) الذي لا يميز بين الصح والخطأ و يصدق كل مايسمعه ويتكرر عليه. ويشتد الأمر سوءا عندما يتكرر سماع مثل هذه الرسائل السلبية ليس فقط من الأسرة بل من المدرسة ومن البيئة المحيطة التي يعيش المرء في أكنافها وأحيانا يسهم الشخص نفسه في برمجة عقله بالتفكير السلبي و تكرار مثل هذه الرسائل بينه وبين ذاته.

ومهما حصل من برمجة سلبية للعقل الباطن فالأمر يمكن تداركه من قبل الوالدين والشخص نفسه إذا ما وجدت الرغبة الصادقة للتغيير ووضع حد لاستقبال مثل هذه الرسائل السلبية المدمرة والإهانات وذلك بإعادة برمجة العقل الباطن كما تناولها المختصون في البرمجة اللغوية العصبية وعلماء النفس لتنقيته من تلك السموم بدلا من الوقوف وقفة المتفرج والكيل باللوم والعتاب على هذا الطرف أو ذاك وانتظار مالا يحمد عقباه. ولا بد من وضع حائط منيع لا يسمح للهواجس والأفكار والرسائل السلبية أن تتغلغل في العقل الباطن و تثبط من عزم المرء وتحط من قدره، فكما قيل: «ما أنت إلا ما تعتقده عن نفسك».

إن العقل الباطن كنز مجهول و مهمش لايعيره الكثير من الناس أهمية وعناية فقد وصفه الدكتور جوزيف ميرفي في كتابه (قوة عقلك الباطن) بأنه «منجم ذهب موجود في باطنك لديه قوة عجيبة تحقق المعجزات تستطيع من خلاله استخلاص كل شيء ترغب فيه لتحيا حياة تتسم بالبهجة والمرح والوفرة» . إن العقل الباطن مصدر للطاقة والقوة وقد ذهب بعض المختصين إلى أنه يمكن الاستفادة منه في تحقيق العديد من الأمور مثل النجاح والصحة والثروة وتحسين الذاكرة ومعالجة الكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية والصحية وعليه فالإنسان بحاجة إلى التحدث مع ذاته الداخلية من حين إلى آخر لتوجيه الرسائل الايجابية بطريقة يضمن تحرر العقل الباطن من قيود العقل الواعي ليكون أكثر استجابة وفعالية. فمن كتاب ميرفي وكتاب لأحد تلاميذه إرهاد فريتاج بعنوان (العقل الباطن نبع الطاقة التي لا حدود لها) ورد عدة نماذج للكثير من الحالات وكيف تم التعامل معها. فمن التقنيات المتبعة هو أن تتخذ مكانا هادئا مريحا وتتنفس بعمق عن طريق الأنف وإخراج الزفير بهدوء عن طريق الفم لعدة مرات ثم تكون في حالة استرخاء وتردد ماتريده من عبارات ايحائية ايجابية على عقلك الباطن فإن ذلك كفيل بأن يعيد برمجته. ولكي تتحصل على نتائج أفضل ينصح المختصون بضرورة الاقتناع بما تفعله وبدون تشكيك وأن تلتزم بالصبر فقد يستغرق الأمر أشهرا، وتكرار العبارات الايحائية من 2-3 مرات يوميا لبضع دقائق. وينبغي أن تكون الإيحاءات قوية ومحددة ومصاغة في الزمن المضارع ولاتخص أحدا سواك ولا تكون في صيغة النفي والنهي، فعندما تقول لا تفكر في الخوف فإن العقل يحذف «لا» ويأخذ بالتفكير في الخوف.
وينبغي تخيل الرغبة واستحضار الصورة الذهنية فالصورة تعدل ألف كلمة. ولابد أن تتجنب انتقادك لنفسك أو أن تسمح لأحد بتوجيه النقد الجارح والإهانات وعليك أن تعكس كل رسالة سلبية تستقبلها برسالة ايجابية كأمثال «أنا واثق من نفسي» ، «أنا ناجح» و»إنني أتمتع بصحة جيدة» وغيره من الرسائل التي يمكن أن تدون في المفكرة الخاصة أو حفظها وتكرارها على العقل الباطن لإعادة شحنه وبرمجته بما يريده هو لنفسه.

الخارطة الذهنية..وتنميةالموارد البشرية

قياسي

اعتاد الكثير على تدوين ملاحظاتهم ومذكراتهم بالطريقة التقليدية بكتابة كلمات وجمل وسردها تحت بعضها في سطور بالرغم من وجود وسائل أكثر فاعلية وفائدة في هذا المجال ،ويعود ذلك إما للجهل بهذه الوسائل والتقنيات أو لكون الشخص يعيش في كوكب التقوقع والجمود والانغلاق فيقاوم ويرفض التغيير لكل ماهو جديد وغير مألوف. الخرائط الذهنية هي إحدى الوسائل والأدوات التي برزت على الساحة منذ عشرات السنين وجال بها مكتشفها توني بوزان جميع أنحاء العالم وذاع صيته وأصبح أحد الرواد المهتمين بالعقل فألف الكتب الكثيرة التي ترجمت لعدة لغات، وقد كان لتواجده في مملكتنا الحبيبة فرصة لحضور ورشة استخدام الخرائط الذهنية على يديه.

لقد أثبتت الخرائط الذهنية نجاحها واستخدمها الكثير كل في مجال تخصصه فهي تستخدم في تدوين الملاحظات والمذكرات، وتلخيص الكتب، وإلقاء المحاضرات والخطب، والتخطيط ووضع الأهداف، وكتابة الكتب والمقالات، وبناء المشاريع، وتشغيل الآلات والمعدات، وتنظيم المناسبات، وتوليد الأفكار الابداعية، والعصف الذهني، وإدارة الاجتماعات، وحل المشاكل، واتخاذ القرارات، والمذاكرة والدراسة وغيرها من الاستخدامات الشخصية والمهنية.
الخارطة الذهنية تعطي صورة واضحة وشاملة في صفحة واحدة وتعتمد على الخيال والربط في الدرجة الأولى بحيث تتماشى مع كيفية عمل المخ بطرفيه الأيمن والأيسر ،حيث تشمل الصور والخيال والألوان المرتبطة بالطرف الأيمن والأرقام والكلمات المرتبطة بالطرف الأيسر. وفكرتها سهلة جدا بحيث يتم رسم أو وضع صورة بارزة في منتصف ورقة بيضاء للفكرة الأساسية التي يدور حولها الموضوع أو المشروع ومن ثم رسم خطوط تشبه الأغصان أو الأعصاب تنبثق من المركز حاملة للأفكار الرئيسة ومنها تتفرع للمستوى الثاني والثالث للأفكار الفرعية حسب الحاجة وتشعب الموضوع. ويراعى أن تكون خطوط الأفكار الرئيسة أكثر سمكا ووضوحا من الفروع الثانوية وأن تكون كل فكرة بلون مختلف وكل فرع يحوي كلمة واحدة قدر المستطاع وتكون الخطوط منحنية لتفادي الخطوط المستقيمة التي يملها المخ, ويكون طول كل فرع بطول الكلمة لكي يتسنى الربط بين الأفكار واسترجاعها بسهولة. كما يفضل استخدام الصور والرسومات التوضيحية عوضا عن الكلمات لأن الصورة تعدل ألف كلمة. ولمن لايرغب بالرسم واستخدام الألوان يمكنه الاستعانة بالبرامج الالكترونية المتوافرة لرسم الخرائط الذهنية كما يستعمل برنامج الوورد (Word) للكتابة والتنسيق.
لقد برز على الساحة في السنوات الأخيرة الكثير من مثل هذه الدورات التدريبية لتنمية الموارد البشرية ،وحبذا لو تبنت وزارة التربية والتعليم مثل هذه الدورات وإدراجها ضمن الأنشطة الثقافية بجانب المناهج الدراسية لما سيكون لها من مردود ايجابي في تطوير مواهب و مهارات أبنائنا الطلاب منذ نعومة أظفارهم ومواكبة كل ماهو جديد.


الخارطة الذهنية..وتنميةالموارد البشرية – صحيفة اليوم

لا نريد سمكاً.. علمونا الاصطياد!

قياسي
«لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد».. هذا مثل صيني رائع يتردد كثيرا على الألسن وفيه الكثير من الدروس والعبر في مجال التربية والتعليم. كم من طالب تحصل على إجابة لمسألة من معلمه كلقمة سائغة بدون أن يجهد ذهنه بالتفكير بكيفية الحل؟ وكم من متدرب قام مدربه بانجاز عمل ما له وسطر عليه اسمه ففرح وشعر بالفخر؟ وكم من ابن قام والداه باتخاذ قرار خاص له فارتسمت البسمة على ثغره وحصل على ما يريد بكل يسر وسهولة؟.. إنها بسمة وفرحة لحظية تكفي ليوم واحد كما هو الحال مع السمكة، ولكن كيف سيكون المصير إذا تم التوقف عن هذه العادة السلبية ليتخذ من يطلب العلم والتدريب قرارا صارما ويطلب تعلم الطريقة السليمة لاصطياد السمك ليستمر معهم التلذذ بطعمه مادامت حياتهم على وجه البسيطة؟

 
كيف سيتصرف الطالب عندما يكون في قاعة الامتحان بعيدا عن معلمه؟ وكيف سيدبر المتدرب والابن أمورهما عند غياب أو رحيل من يدربهما ويعالج المشكلات ويتخذ القرارات لهما؟
عندما يوكل مدرب عملا للمتدرب الذي معه يتوقع منه أن يوجهه ويرشده لكيفية إنجاز تلك المهمة ويعطيه الوقت الكافي للتفكير والاعتماد على نفسه في دراسة وتقييم عدة خيارات واختيار الأنسب منها حسب المعايير التي تتوافق مع استراتيجية وسياسة جهة العمل، وبذلك تتحقق عدة فوائد وأهداف، من ضمنها تدريب الأفراد بشكل صحيح بحيث يجعلهم ممن يعتمد عليهم بانجاز أي مهمة مشابهة مستقبلا وأيضا سيشعر المدرب بالراحة حيث سيفوض المتدرب بانجاز المهمة بأقل جهد و توجيه منه. قد يتخاذل المدرب أحيانا في التدريب لعدة أسباب منها انشغاله وعدم تخصيص الوقت الكافي للمتدرب، أو رغبته في انجاز المهمة بأسرع وقت ممكن، ويرى أن المتدرب سوف يعيقه عن تحقيق ذلك بكثرة أسئلته واستفساراته، أو شعوره بخطورة المهمة ويتحاشى تعريض المتدرب للخطر، أو عدم إخلاصه وخوفه على وظيفته ومنصبه من أن يتولاه من يقوم بتدريبه، أو انه لا يملك الأسلوب في فن التعامل والتدريب أو انعدام الحوافز والدوافع أو غيرها من الأسباب.
في المقابل فالطرف الآخر أيضا يمكن أن يكون هو السبب في البقاء في دوامة مغلقة بدون تدريب وتطوير، وذلك عندما يفضل حياة الركود والخمول والاكتفاء بالقليل ويعتمد على شخص موجود يقوم بانجاز كل مهمة وتواجده دائما أمامه ليلجأ إليه كلما استعصى عليه أمر عسير واطمئنانه بأنه سيبقى معه ولن يغادره. عندما تتفشى هذه الظاهرة غير الصحية حتما سينتج عنها عواقب وخيمة تعود على جهة العمل بالآثار السلبية فمن ناحية المدرب سيستمر بالمعاناة ولن يشعر بالراحة لأنه فضل أن يقوم بكل مهمة بمفرده وسيستمر على هذا المنوال هذا إذا لم «يسلمه صاحب العمل الباب» إذا ما تبين بأنه هو السبب الرئيسي في عدم تدريب كفاءات يعتمد عليهم.
أما بالنسبة للمتدرب الذي يكتفي بأكل السمكة ولا يكترث بالمطالبة بتعلم الاصطياد، فعلى مستقبله السلام ليستمر عالة على غيره بدون شخصية فاقدا للثقة والمقدرة على الإبداع والانجاز واتخاذ القرارات الصائبة ومعالجة أسهل المشكلات، وسوف تؤول حياته إلى الضياع والفشل نظرا لاعتماده على غيره والسكون لحياة الأخذ بيسر وسهولة. وما ينطبق على المتدرب ينطبق على الابن وغيره، فالابن الذي يعتمد اعتمادا كليا على والديه لاتخاذ قراراته ومعالجة مشاكله والتدخل في كل صغيرة وكبيرة في اختيار طريقة حياته وتعطيل عقله حتما سوف يؤول مصيره إلى مالا تحمد عقباه..

لا نريد سمكاً.. علمونا الاصطياد! – صحيفة اليوم

وئدت ياجبل القارة ولم يعرف لك قدر

قياسي

قبل أيام قرأت مقالا لأحد الإخوة في الصحف اليومية مفتخرا بجبل القارة بسبب الوفود الغفيرة التي ترتاده من كل حدب وصوب للإستمتاع بنسيمه البارد العليل بعيدا عن شدة الحرارة في فترة الصيف، ومشيدا برأي أحد المسئولين بالإهتمام الذي توليه بلدية الأحساء لهذا الصرح حيث تمت صيانة جميع دورات المياه والاهتمام بنظافته.

سررت كثيرا بما قرأت حيث انني لم أذهب إليه منذ فترة طويلة فأخذت عائلتي وتوجهت إلى ذلك الجبل الشامخ ذلك الطود العظيم ذلك المعلم الأثري المشهور في مدينة الأحساء فنظرت يمينا وشمالا متفحصا لما ناله من نصيب من التطويرات والتحسينات المزعومة فرأيته أسوأ حالا مما كان عليه قبل فترة من الزمن. بالأمس كان يوجد بوفيه لتناول المرطبات والمأكولات الخفيفة واليوم اكتفينا بوجود عربة عند المدخل مليئة بالماء والثلج لتبريد وبيع الماء والعصيرات… بالأمس كانت دورات المياه في وضع جيد واليوم أصبحت خارج الإستعمال وإن وجدت واحدة فليست بأحسن حالا من بعض دورات المياه الموجودة على الخطوط العامة…
بالأمس كان الأطفال يستمتعون ببعض الألعاب واليوم أصبح ليس لها ذكر.. بالأمس كان السائح يدخل تلك المغارة ويستمتع بذلك النسيم العليل واليوم أصبح بحاجة لكمامة لأنفه بسبب تلك القاذورات والروائح الكريهة التي يتسبب فيها ذلك السائح غير الواعي وغير المسئول… بالأمس وبالأمس وبالأمس ولا أريد أن أكون سلبيا ومتشائما كثيرا لكنها الحسرة التي يشعر بها أهالي المنطقة بسبب تلك الغفلة لهذه النعمة الالهية وهذا الكنز العظيم في منطقة الخيرات.
حبا الله المنطقة الشرقية بخيرات النفط والصناعة والزراعة وهي غير بعيدة لتنافس الكثير من المناطق الأخرى في السياحة وتسهم في تنوع الإيرادات والدخل لبلدنا الحبيب بدلا من التركيز المكثف فقط على النفط. بزيارة الأماكن السياحية في بعض الدول الآسيوية والأوربية إنني أضع علامة استفهام كبيرة لما سيؤول اليه الوضع لو كان هذا المعلم في إحدى تلك الدول. بجولة في النمسا التي يرتادها الكثير من السياح في كهف الجليد الذي يقع على ارتفاع الآلاف من الأمتار ولكن ذلك لم يكن عائقا لتعني الكثير إليه لإكتشاف أعماقه والاستمتاع بالتجول بين صخوره في درجة حرارة لا تتعدى الصفر المئوي. لقد شقت تلك الطرق وعبدت بين حنايا تلك الجبال الشاهقة ومددت تلك الكيابل لتسحب تلك العربات المليئة بالسياح إلى أعلى القمم. وما ان تصل إلى ذلك الباب حتى تجد المرشد السياحي مستعدا بمصابيحه ليفتح ذلك الباب وتهب تلك الرياح الباردة فتدخل وتستمتع بتلك الأجواء الباردة متسلقا سبعمائة (700) درجة خشبية قد تم انشاؤها محاطة بالقضبان الحديدية… لك أيها السائح لتستمتع بجولتك خلال الساعة التي تقضيها في هذه الأجواء وتشاهد مانسجته الطبيعة من أشكال جليدية جميلة من قمم الجبال. من لم يذهب لهذا الكهف يستكثر تسلق 700 درجة صعودا وأيضا نزول 700 درجة أخرى للخروج ولكن ما أن يبدأ تلك الجولة حتى يشعر بالراحة ولا يكترث بتلك الأعداد.
وذهابا إلى منجم الملح الذي يقع في أعماق الجبال ولايحتاج التسلق والصعود بل النزول. فقد هيأت القطارات لتأخذ السياح وتشق تلك الأنفاق الطويلة على تلك القضبان ومن ثم إكمال النزول تزحلقا على تلك الأخشاب الملساء والسير على الأقدام والاستمتاع بالشرح عن كيفية استخراج الملح بمختلف اللغات، ثم عبورا بعابرة في بحيرة تحت الأرض وصعودا بالمصعد في نهاية الجولة. فحتى لايقال ان ذلك في أوربا فلنذهب إلى مغارة جعيتا في لبنان ونستمتع بما هو أكثر جمالا من كهف الثلج في النمسا ونشاهد تلك المياه النازلة من قمم الجبال وما نسج من أشكال جليدية رائعة.
وحتى لا أسهب وأترك المجال للخيال ليذهب بعيدا في أقطاب الأرض أعود لجبلنا المؤود، لجبلنا الحبيب، لجبلنا المنسي بين أحضان القرى وماذا سيكون مصيره؟ إن مغاراتنا على سطح الأرض ولاتحتاج إلى تلك الطرق الوعرة للوصول إليها! في خطوة ايجابية والتفاتة مشكورة للجهات المعنية تم تزويد جزء من المغارة بالإضاءة وسفلتة الطريق المؤدي إليها ولكن هل هذا هو كل ماتحتاج إليه وما نستطيع عمله. إنها قفزة خجولة وكلنا ثقة بأننا نستطيع أن نفعل الكثير الكثير للنهوض بهذا المعلم ليتحدث عنه السياح في مختلف الدول ويصبح أحد المعالم السياحية في بلدنا الغالي ويسهم هو وغيره من المعالم السياحية بجذب أكبر عدد من السياح. لقد سمعنا مؤخرا بتوجهات وخطط مستقبلية لهذا المعلم وكلنا شوق وأمل وانتظار لرؤية تلك التطورات الجبارة التي تقتحم آفاق تلك المغارات ليلج فيها السائح ماكثا الساعات بدلا من الدقائق المعدودة.

اليتــيم و العيد

قياسي
مع إشراقة شمس العيد وتغريد الطيور، يخرج لؤي لصلاة العيد بصحبة والده لابساً ثيابه الناصعة، يتهلل وجهه فرحا، يشبك بأنامله الرقيقة كف والده، يتزود حنانا و يشعر بالأمان بجانبه..

عند باب المسجد يتبادل والده تهاني العيد مع أهل الحارة، كلما انتهى من شخص أقحم لؤي نفسه ومد يمينه للسلام وتطاول ومد عنقه رافعا يده اليسرى مشيرا لطوال القامة بالانحناء ليبصم قبلة العيد على خدهم، ويهمس في آذانهم «كل عام وأنتم بخير» يتبع لؤي والده إلى داخل المسجد، يستمر في التهاني بالعيد محاكيا والده في حركاته وسكناته. المسجد مزدحم بالمصلين، كل طفل تحرسه العناية الإلهية في كنف والده، يحاكيه، تغمره السعادة . يلمح لؤي زميله أحمد في إحدى زوايا المسجد، يسحب يد والده، يطلب منه الذهاب لزميله، يزف إليه تهنئة العيد، يسأل والد لؤي أحمد عن والده! أحمد يجيب بحرقة قلب وحسرة، بدمعة اتخذت مجراها من العين ..
قبل عام كان والدي يصطحبني معه إلى المسجد في يوم العيد، يصنع معي كما تصنع اليوم مع لؤي، يتهلل وجهه فرحا وسرورا وهو يقدمني لأصحابه 
اليوم أصبح مغيبا في التراب، رحل وأخذ ثوب العيد وفرحته، وسلب الابتسامة من ثغري، فغدوت تائها طريقي، منسيا لا يعبأ أحد بالانتباه إلى صغر جرمي وتهنئتي بالعيد. بعد رحيل والدي لم أشعر بالانكسار والذل والحرمان كثيرا. كان أخي بقربي، يضمني إلى صدره ويرعاني بعينه يعوضني حنان وعطف من غيبه الزمن. كان عمي بجانبي يكنفني بحبه، لم يجعلني أشعر بفقد أبي، يزورني دوما ويصطحبني بسيارته مع أبنائه أينما ذهب ويغدق علي بالهدايا.. لا يفرق بيني وبين أبنائه. ما هي إلا أشهر حتى انقطع أخي وأصبحت لا أراه إلا مرة في الشهر خصوصا بعدما رزق بطفله الأول بعد طول انتظار، وأصبح مشغوفا بحبه.. مستبعدا أخاه من ذاكرته. قلت السلوة بعمي.. لكن لم تدم عنايته طويلا بعد غياب أخي، قلت زيارته تدريجيا إلى أن اضمحل نور حنانه وانقطع دلاله. صحتُ أماه أين أخي.. أين عمي؟ لم تهتد لإجابة تشفي غليلي.. فناديت لا أريد مالا، لا أريد هدايا.. يكفيني كلمة حب ونظرة عطف وهمسة شوق لتطفئ حرارة الفراق. انقطع الأمل وأصبحت أمي هي كل شيء في حياتي، هي أبي وأمي وأخي وعمي، تسهر ليلها حزينة تستعيد الذكريات الجميلة، تفكر في أمري وتربيتي، تقاسي الويلات لتوفير لقمة عيشي، وتبذل كل نفيس لتنير دربي بالتعليم. حملت هم كسوة العيد وما هان عليها أن ترى قلبي منكسرا، فهب أهل الخير والإحسان بصنوف الطعام وكسوة العيد وهداياه. يتألم والد لؤي من كلام أحمد، يضمه إلى صدره.. يقبله.. يمسح على رأسه رأفة بحاله، ويقدم له هدية العيد.
يتأثر لؤي، يقبل زميله أحمد، تخنقه العبرة بكلمات متكسرة في حنجرته لا يعرف كيف يسليه.
يقف مندهشا أمام والده، تبلل الدموع ثوبه، يتساءل بصوت خافت «هل سيؤول مصيري إلى ما آل إليه مصير أحمد بعد فقدك يا أبتاه؟» 

٢٠٠٨/١٢/١٩

البنك العاطفي بين الرمل والصخر

قياسي
عندما صفعه صديقه على وجهه خط بإصبعه على الرمل صفعني صديقي وعندما أنقذ حياته من الغرق بحث عن صخرة ونحت عليها هذه الذكرى الجميلة . حينها وقف صديقه أمامه مستفسرا عن السر في ذلك فأجابه عندما أسأت إلي كتبت هذه الذكرى على الرمل لكي تذهب في مهب الريح ولا يبقى لها أثر في مخيلتي، وعندما أسديت إلي معروفا وأنقذت حياتي حري بي أن أنحت هذا المعروف على الصخر لكي يبقى ذكرى خالدة لا أنساها مدى الدهر .

قصة يتناقلها الأحبة والأصدقاء فيما بينهم سواء كانت حقيقية أو خيالية فلا تخلو من العبرة والأخذ منها ما يمكن اتخاذه منهجا وسلوكا أخلاقيا وتربويا لكيفية التعامل مع ما يشوب العلاقات من كدر واختلاف في وجهات النظر . في كتابه العادات السبع للناس الأكثر فاعلية تناول ستيفن كوفي موضوع البنك العاطفي الذي شبهه بالبنك المادي، فالإنسان يحرص على تحصيل المال وإيداعه في البنك لزيادة رصيده . وكذلك الحال للبنك العاطفي فالانسان يزيد من رصيده بمعاملته وسلوكه وتصرفاته مع الآخرين . زيادة الرصيد لا تتأتى بسهولة وإنما تتطلب بذل الجهد والوقت لزيادة محسوسة في الرصيد بينما تصرف وسلوك واحد غير محسوب قد يصيب هذا البنك بالإفلاس لدى البعض من البشر خلال ثوان معدودة .
هل خلق الإنسان معصوما من الزلل والخطأ، ومن منا يستطيع أن يحكم نفسه ليبلغ الكمال في تصرفاته ومعاملاته مع الآخرين ؟ فالحياة لا تخلو من الاختلاف في وجهات النظر وسوء التفاهم وقد تحتد بعض المواقف وتتأزم الأمور وتصل إلى طريق مسدود والحكيم من لا يغفل عن بنوكه العاطفية لدى الآخرين ولا يتخذ من الصخر مذكرات له .
إن ما يكبد الخسائر في البنك العاطفي هو الإخفاق في مراعاة العلاقات والمعاملات من جانب، ومن جانب آخر ما ينهجه الكثير في كيفية التعامل مع الذكريات المؤلمة . فكم هي نسبة من يكتب ذكرياته المؤلمة على حبيبات الرمل لتذهب سدى في مهب الريح في أسرع وقت ممكن ويمسحها من ذاكرته قبل أن تتعشش بين ثنايا ضلوعه وتتراكم لتولد أحقادا يصعب التخلص منها . لقد اختلط الأمر بالنسبة للإساءة والإحسان حتى طغى تدوين مواقف الإساءة على المواقف الجميلة . صحيح أن الذكريات لا تنحت على الصخر بل أن البعض ينحتها على قلبه ويتخذ كراسا ليدون فيه مواقفه وذكرياته المؤلمة ويتصيد زلات وعثرات الآخرين ليؤكد إصراره على عدم الرغبة في التغاضي والنسيان، حتى لو شاءت الأقدار نسيان ما مضى لاستعاد ذكرياته بقراءة مذكراته ، بحيث لو التقى بمن أساء إليه منذ سنوات لاستحضرها وكأنها وليدة الساعة .
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل منهم من يفيض صدره غيظا ويسعى للفضفضة عن نفسه عبر االوسائل الإعلامية ببث سموم الحقد والبغض للتشهير والتجريح والإساءة لمن يضمر له الحقد بشكل صريح ليس بقصد النصح والإصلاح والنقد البناء والتوجيه والإرشاد والتطوير وإحداث التغيير الإيجابي. إن من يسلك هذا المنحى لا يهمه سوى تشويه صورة خصمه والنيل منه والحط من قدره في المجتمع لإرضاء أغراضه وأهوائه الشيطانية العدوانية، وتحقيق مآرب دنيوية بعيدة عن المعاني السامية والأخلاق المحمدية . وما أعظم ما قال الإمام السجاد (ع): «إن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره» فهذا هو الخلق النبوي الداعي للتسامح والعفو والصفح وتحصين النفس من الغيبة والبهتان وغضب الرحمن.

جوجل والخدمات الفارهة

قياسي
تربعت جوجل بكل شموخ على قائمة الأحسن 100 شركة أمريكية للعمل فيها في عامي 2007 و 2008 حسب مجلة فورشن الأمريكية (Fortune ). إلا أنها تراجعت للمرتبة الرابعة في عام 2009 و قفزت شركة نت أب (NetApp) من المرتبة الرابعة عشر لتحتل المرتبة الأولى مكان جوجل.


لقد اكتسبت شركة جوجل شهرة كبيرة نظير المميزات والخدمات التي تقدمها لموظفيها حتى نالت إعجاب الناس واستحقت ما وصلت إليه بكل جدارة. فسياسة الشركة منصبة على راحة الموظفين في الدرجة الأولى ولا تستكثر المصروفات التي تبذلها في هذا المجال لأنها على قناعة بأن كل دولار يصرف سيكون له مردودا ايجابيا في زيادة إيرادات الشركة.
لقد وفرت الشركة البيئة الصحية الملائمة بحيث كان لها الفضل في استحثاث عقول الموظفين لتقديم الأفكار الإبداعية و الابتكارية والوقوع في حالة عشق مع أعمالهم إلى درجة أن البعض منهم يفضل النوم في الغرفة المخصصة في مكتبه بدلا من الذهاب لمنزله، حتى وصل الأمر بالإدارة لحثهم وإقناعهم على مراعاة الموازنة بين حياتهم الشخصية والعملية.
ماذا فعلت شركة جوجل؟ من أهم الأمور التي اهتمت بها الشركة الثقة بالموظفين بحيث تخلت عن النظام التقليدي بالحضور والانصراف في وقت محدد بل كانت تؤمن بأن الإنتاجية تقاس بالنتائج وليس بالحضور والانصراف على الوقت – فكم هم الذين يحضرون أياما ولا ينجزون ما ينجزه غيرهم في ساعات. وبما أنها تعتمد على التكنولوجيا والإبداع فقد خصصت وهيأت أماكن للإسترخاء والراحة وللمساعدة على توليد الأفكار الإبداعية وتبنت برنامجا يعنى بمكافأة المبدعين والمتميزين وحرصت على تقدير الأفكار الإبداعية وسرعة تطبيقها وتنفيذها.
ولإهتمامها بالعنصر البشري فلم تغفل الدعم المادي والمعنوي لتطوير مواردها البشرية وحثهم على مواصلة الدراسات العليا. إلى غيره من الخدمات الأخرى التي تجعل الموظف يشعر وكأنه يمكث ساعات في منزله منها المأكل المجاني الصحي الملائم لكل شخص طوال ساعات العمل وقاعات الترفيه واللعب وغسيل الملابس والكوي والحلاقة والتجميل والمساج والعلاج الطبيعي والخدمات الطبية والمكتبات وغسيل السيارات وتوفير حافلات مريحة مزودة بشبكة انترنت لاسلكية لنقل الموظفين من وإلى موقع عملهم.
هذا بعض مافعلته جوجل وبالطبع لم تصل إلى ما وصلت إليه لو كان تركيزها منصبا على التكنولوجيا والعمل وإهمال الثروة الكبرى ألا وهي العنصر البشري.
وما من شك في أن شركة نت أب قد أنفقت الكثير لتحقق هذه القفزة الكبيرة وتنافس شركة جوجل بعد أن كانت في المرتبة 14 في العام الماضي.
فهل حقا يحتاج الموظف إلى كل هذه المحفزات والمميزات والخدمات الفارهة ليقع في شباك العشق والولاء مع عمله، ويعمل بروح معنوية عالية بكل إخلاص وتفاني وحماس وإتقان، ويضحي بكل ماهو نفيس في سبيل تقدم وازدهار جهة عمله؟