حلال.. ولكن

قياسي

حلال.. ولكن


كنت جالسا في أحد المجالس فإذا بأحد الأبناء الأشبال اقترب وسلم وجلس بالقرب مني. سألته عن اسمه وأحواله ثم سألته عن والده إن كان موجودا في المجلس.
تأثر قليلا ثم قال لا… صار لنا أيام نبحث عن أبي ولانعلم أين هو وتعبنا ونحن نتصل عليه ولكن بلا فائدة.
سألته أليس هو معكم في نفس المنزل؟
قال كان معنا وكنا نعيش في بيت واحد هو وأمي وإخوتي ولكن الآن أنا وإخوتي وأمي نعيش في شقة ووالدي يعيش في بيتنا لوحده.
تأثرت لسماع كلامه عندما علمت بانفصالهما، وطمأنته بأن والده إن شاء بخير ولعله يكون مسافرا..
ثم سألته هل تذهب إلى والدك وتراه؟ فقال يأتينا بين فترة وأخرى ونخرج معه ونتناول العشاء معا ثم نعود لشقة الوالدة.
انتهت دردشتي معه وودعته ومنذ أن تركته وأنا أفكر في مصير الكثير من الأبناء الذين يكونون ضحايا الانفصال واستحضرت بعض قضايا الطلاق:

زوج انفصل عن زوجته ولديها عدد من الأبناء كان يتعاهدهم بالزيارة والنفقة في السنوات الأولى وبعدها انقطع عنهم لسنوات وكأنه لايعرفهم وليس بينه وبينهم أي صلة حتى في المناسبات واكتفى بإكمال حياته مع زوجته الأخرى وأبنائها.

زوجة انفصلت عن زوجها لتستقل بحياتها وتعمل ورفضت الارتباط بأبنائها وتركتهم مع والدهم. تزوج الوالد ورفضتهم زوجته بعد سنتها الأولى وما كان منه إلا أن تركهم يعيشون مع والديه.

انفصل زوجان بعد عشرة طويلة فتأثر الأبناء وانحازوا إلى جانب أمهم وخاصموا والدهم وتركوه مع زوجته الأخرى وأبنائها.

قصص الطلاق كثيرة سببها أما الزوج أو الزوجة أو كلاهما والضحية هم الأبناء. الزواج شراكة مقدسة ومسؤولية وليست علاقة متعة مؤقتة، وطبيعي أن يحدث الخلاف بين الزوجين فكل منهما أتى من بيئة مختلفة وبثقافة وأطباع وعادات وتقاليد مختلفة ومع الوقت يتعرف كل منهما على الآخر وتتقلص فجوة الخلاف ويتفهم كل منهما الآخر ويتعايش معه في جو مفعم بالحب والود والرحمة والإحترام والسعادة.

ذلك لا يعني أن تكون الحياة دائما جميلة ولايشوبها خلاف يعكر صفو العيش وقد تصل الأمور لطريق مسدود بين الزوجين ويتصور كل منهما أن السبيل للخروج من ذلك هو الانفصال ولكن بحكمتهما ورشدهما وحسن تصرفهما وتجاوزهما لبعض الجزئيات والتغافل عنها والعفو والتسامح تعود المياه إلى مجاريها والتعايش والتكيف مع بعضهما.

لتستمر وتدوم الحياة لا بد من التوازن بين جميع الأهداف والتضحية من كل طرف ومعرفة حقوق الطرف الآخر الشرعية والاجتماعة والالتزام بها، والبعد عن بعض التصرفات المُنَفرة مثل العناد والمكابرة والغرور والتحدي وحب الذات والأنانية والشك والغضب وسوء الظن، ومحاولة تغيير الطرف الآخر بالقوة والتحكم فيه وتقييد حريته الشخصية والضغط عليه للابتعاد عن أهله وأصدقائه.

كما يحتاج كل طرف إلى التحلي بالأخلاق الحميدة كالحلم والصبر والتغافل والتغابي والعفو والتسامح والتواضع. والتعرف على خصائص الطرف الآخر ليحسن التعامل والتصرف معه بالأسلوب الأنسب، وكذلك خلق بيئة صحية جاذبية يسودها المحبة والألفة والسعادة بقلوب نقية وصافية من الغل والحقد ومختلف الأمراض النفسية. وأن يكون كل منهما عونا وسندا للآخر لتحقيق أهدافه وتلبية طموحاته فكل نجاح يحققه أحدهما يعتبر نجاحا لشريكه الذي وقف معه مساندا ومشجعا.

عبدالله الحجي
٢٠٢٥/٦/١٨