مكالمة من السفارة السعودية بأمريكا
بعد يوم مضن دخلت المنزل عازما على الاسترخاء فإذا باتصال على الجوال من رقم غريب.
معك ملاك من سفارة المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية… بعد التعريف سألتني هل سبق وأن سجلت في برنامج الابتعاث في الجامعات الأمريكية؟
أجبتها بالنفي.. فقالت يوجد لك تسجيل في أكثر من جامعة وحجز منحة دراسية منذ عام 2014 ونريد معرفة الأسباب التي جعلتك لم تلتحق بها.
قلت لها لم أسجل وكل مافي الأمر هو أنني قد راسلت قبل سنوات للاستفسار عن رسوم الحصول على شهادة الدكتوراه ولكن لم يتم التسجيل والالتزام فهل يوجد فرصة للابتعاث الآن؟
قالت لا… لايوجد فرصة بل يوجد قضية مرفوعة ضدك عند النيابة العامة في المملكة لدفع غرامة 65,000$ (أي مايقارب 244,000 ريال) واسمك مدرج في القائمة السوداء لاتتمكن من السفر إلى الولايات المتحدة وقد تتوقف خدماتك. ونحن في السفارة بأمر من سمو الأميرة ريما بنت بندر سفيرة المملكة – للحفاظ على سمعة الوطن والعلاقة الوثيقة بين البلدين- سنتدخل بتوكيل محام عنك لإلغاء البعثة وإدراج شخص آخر مكانك؛ وأن هذه المكالمة مسجلة وسمو الأميرة تسمعك وستتواصل معك أنت و 800 حالة أخرى!
استغربت من الأمر وطلبت منها إلغاء التسجيل إن كان الأمر كذلك… فطلبَت مني تحمل رسوم إلغاء المنحة وإخلاء الطرف (2000$ – 3000$) وستتحمل السفارة تكاليف المحامي التي تصل إلى 15000$؛ ثم طلبَت مني تجهيز بطاقة إثبات الهوية وإن كان المبلغ متوفراً للتحويل مباشرة.
ترددت وبدأت بوادر الشك فسألتها وما يثبت لي بأنك من السفارة؟
فقالت افتح الايميل الذي وصلك من السفارة وانظر إلى عنوان النيابة العامة في النسخة وعنوان السفارة.
فتحت الايميل فإذا هو باللغة الانجليزية من السفارة، نسخت عناوين السفارة والنيابة العامة للبحث عنها بسرعة في جوجل فإذا بها تبدو صحيحة. وللبحث أكثر للتأكد من الموضوع طلبت منها مهلة ساعة إلى ساعتين لتوفير المبلغ، فطلبت مني الانتظار للتحويل إلى نائب الرئيس المسمى بـ عبدالله العوفي لأخذ الإذن منه.
تحدثت معه ودار نفس الحديث وطلبت منه الانتظار فشعرت بنبرة غضب وانزعاج وقال بأنك أخبرت الموظفة ملاك بأنك جاهز وصوتك مسجل وقال سأحولك لموظف الشؤون القانونية للتفاهم معك. فقلت له لم كل هذا الاستعجال؟.. يبدو الأمر فيه ريبة!
وصلنا للشخص الثالث الذي عرَّف نفسه بـ محمد الغامدي وبدوره قال لربما تكون جهة ما قامت بالتسجيل باسمك وسنتواصل مع التعليم العالي الأمريكي لتوكيل محام، فتم الاتصال بشخص أمريكي عرَّف نفسه بالدكتور دريك جونز ومنها أخذ يشرح بعض التفاصيل لتوكيل محام يقوم بمتابعة القضية ورفع اسمي من القائمة السوداء، وطلب تجهيز بطاقة الهوية أو الجواز والمبلغ لتحويله مباشرة وأيضا إرسال رقم الحساب البنكي لتحويل أي مبالغ فائضة، وقام بإرسال رسالة على الوتساب لإكمال الإجراءات.
لحظات وإذا بالاتصال قد انقطع بعد ساعة كاملة فسارعت بتحويل الجوال إلى حالة الطيران للبحث أكثر والتأكد مما يجري خصوصا بعد الإصرار على التحويل مباشرة وذلك يذكرني بمواقف سابقة يكون الإصرار فيها على الدفع حالا وقد وثقت البعض منها في مدونتي تحت العناوين (ستخسر إذا لم تشترك الآن) و (الحذر من التواصل مع الشيخة). رجعت إلى الايميل المرسل من قبل السفارة ورددت عليه للتأكد من صحة العناوين فإذا برسالة قد عادت لعدم إمكانية الإرسال للنيابة العامة فقلت قد يكون غير صحيح.
ثم دخلت موقع السفارة فوجدت رقم الاتصال نفسه وراسلتهم عن طريق تويتر للتأكد من صحة الموضوع وأسماء الموظفين.
فتحت الجوال مرة أخرى فإذا بي أرى أكثر من 30 مكالمة مفقودة منهم من رقمين مختلفين وكأنهم وجدوا فريسة جاهزة خافوا أن تفر منهم!
حاولت الإتصال بهم للتأكد من الأرقام ولكن لاجدوى لانقطاع الاتصال مما أثار الشك أكثر ولكن ما زاد من حيرتي هو استخدامهم نفس الهاتف والايميل الخاصين بالسفارة كماهو مبين في موقع السفارة!
أرسلت الموقع لإبني ورقم الهاتف للمطابقة فقام بالبحث فوجد تحذيرا من السفارة بخصوص مواضيع مشابهة وأنهم يستخدمون تطبيقات تُظهر نفس الرقم والايميل لأي جهة يرغبون باستخدامها. وبعد ساعات وصل الرد من السفارة بأن ذلك نصب واحتيال وطُلب عدم الاستجابة لهم وتم ارسال تحذيرات سابقة عبر تويتر وصحيفة اليوم.
لقد كانت ساعة قلق وازعاج (أشبه ماتكون بالكاميرا الخفية) أحببت توثيقها للتنبيه عليها وأخذ الحيطة والحذر والاستفادة من بعض الدروس، وعدم الوقوع في شراك هؤلاء النصابين المحتالين وعدم إعطائهم فرصة للاستماع إليهم. لقد مررت بمواقف مشابهة ولكنها لم تصل إلى هذه الدرجة من الدهاء والمكر والجرأة على إدراج جهات حكومية رسمية واستخدام تطبيقات تمكنها من اظهار نفس عنوان الايميل وأرقام الإتصال؛ وأيضا التحويل السلس من شخص إلى آخر مع سيناريو محبوك ومتعوب عليه لتهديد الشخص وإقناعه للوقوع في الفخ وتحويل المبلغ المطلوب ليتفادى التحويل للتحقيق مع النيابة العامة. قضايا النصب والاحتيال عادة يكون فيها إصرار على التحويل أو الدفع المباشر لكي لا تُتاح للشخص فرصة للبحث والسؤال للتأكد والاطمئنان فينبغي الوعي والحذر من الاستجابة السريعة واتخاذ قرار سريع في مثل هذه المواقف.
عبدالله الحجي
2021/11/4