لو كان عبدا لاستحى من مولاه!
لاتكاد تمر مناسبة للإمام الكاظم (عليه السلام) إلا ونسمع بقصة بشر الحافي الذي تأثر تأثرا بليغا بهذه الكلمة وأيقظت ضميره وغيرت منهج حياته واهتدى للطريق المستقيم متخلصا من عبوديته لشهواته وأهوائه.
كلمة بليغة من الإمام وأسلوب راق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسلوب رائع لتوجيه الموعظة والنصح بلا إهانة ولا عنف ولا تنفير، ولكنها تحتاج لأذن واعية وضمير حي.
إنها كلمة لاينبغي أن تمر مرور الكرام عند كل منا فهي لم تكن موجهة من الإمام فقط لبشر الحافي بل لنا جميعا ليطرح كل منا هذا التساؤل على نفسه… (هل أنا حر أم عبد؟ وإن كانت الإجابة بانتساب العبودية لله عز وجل فهل يا تُرى أني أستحي من مولاي وأخاف منه في كل عمل أقوم به؟
لا بأس بأن نُذكِّر أنفسنا بقصة بشر الذي كان معروفا في بغداد ويشار إليه بالبنان حيث التقى الإمام الكاظم (عليه السلام) جاريته وهي ترمي النفايات وسألها عندما سمع صوت الغناء هل صاحب الدار حر أم عبد؟ استغربت من سؤاله فأجابته بل حر… فقال الإمام صدقتِ لو كان عبدا لاستحى من مولاه؛ وفي قول (لخاف من مولاه).
وما أن عادت الجارية ونقلت ماجرى مع ذلك الرجل الصالح لِبشر وهو جالس على مائدة الخمر اهتز واستيقظ من غفلته وقال صدق لو كان عبدا لاستحى من مولاه!… فخرج مسرعا حافي القدمين يطلب الإمام وعندما وصل إليه قبل يديه وطلب التوبة على يديه ليفتح صفحة جديدة مع الله عز وجل.
وقوفا على علاقتنا مع الله عز وجل هل نحن بالفعل نراعي العبودية الحقة ونستشعر مراقبة المولى لنا في كل صغيرة وكبيرة ونحاسب أنفسنا، حيث يقول: (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ ما تُخْفِي الصُّدُورُ).. وهل نطيع أوامره ونجتنب نواهيه؟
فعلى سبيل المثال هل نلتزم بأداء الصلاة التي هي “عمود الدين إن قبلت قبل ماسواها”؟ وهل نحرص على آدائها في أوقاتها؟ وهل نؤدي جميع الواجبات ونجتنب المحرمات؟
ذاك الذي يجول في الشوارع وقد رفع صوت الغناء الصاخب ليسمعه كل من مر به، هل سأل نفسه إن كان عبدا أو حرا، وهل يستحي ويخاف من مولاه؟
وذاك الذي يبطش ويتكبر ويتغطرس ويظلم زوجته ويظلم موظفيه ويظلم الناس من حوله، هل طرح هذا التساؤل على نفسه إن كان عبدا أو حرا، وهل يستحي ويخاف من مولاه الذي توعد المتكبرين والظالمين؟
وذاك الذي لا يتورع ويغش في بيعه وتجارته ومعاملاته، هل طرح على نفسه إن كان عبدا أو حرا وهل يستحي ويخاف من مولاه؟
وذاك الذي يعق والديه ولايعتبر لهما وزنا ويقصر في برهما في حياتهما وبعد موتهما، هل طرح على نفسه إن كان عبدا أو حرا، وهل يستحي ويخاف من مولاه الذي يرضى لرضاهما ويغضب لغضبهما.
ما ذلك إلا مجرد أمثلة قليلة والقائمة تطول لكل منا في مختلف المجالات لنتمعن ونتدبر ونتفكر في سؤال الإمام إن كنا أحرارا أو عبيدا، وإن كنا نستحي ونخاف من سيدنا ومولانا الذي لاتخفى عليه خافية.
عبدالله الحجي
٢٠٢١/٣/١٠
١٤٤٢/٧/٢٥