الاشتغال بعيوب الناس

قياسي

بدلا من النظرة السلبية والتركيز على مثالب وعيوب وأخطاء الآخرين، مايضير الإنسان مع انطلاقة العام الجديد لو جعل له هدفا لتغيير سلوكه بأن يكون أكثر ايجابية، ويوجه المجهر على عيوبه بدلا من عيوب غيره، ويركز على ذكر محاسنهم وإبرازها لكسب حبهم وتجنب خلق جو من العداوة والشحناء، أو أقلها الالتزام بالصمت إن لم يتمكن من إبراز الجانب الإيجابي. فما أجمل وأروع ماورد في الأخبار عن نبي الله عيسى (عليه السلام) عندما مروا على جيفة كلب وقال الحواريون: ما أنتن ريح هذا الكلب! فقال (عليه السلام): ما أشد بياض أسنانه! كان ذلك مع كلب جيفة ولكنه التفت إلى بياض أسنانه بنظرة إيجابية ليكون درسا عمليا ولم يعتن برائحته الكريهة، فما بالنا بحرمة المؤمن عند الله عز وجل. [2]

هي ليست مفخرة ولاشجاعة بأن نُشرح أجساد الآخرين وننهش فيها كما يحلو لنا، ونتتبع عوراتهم وننشرها بدون تورع فكل إنسان لايخلو من العيوب وإن تميز في جانب فلا تخلو جوانب عدة من النقص والعيب. ومن يراجع نفسه ويتأمل في عيوبه التي سترها الله عليه ويشتغل بها لترك الخوض في عيوب الآخرين، ولترك العجب بنفسه والغرور والتفاخر على غيره لأنه لن يسلم من كشف عيوبه، فالناس لهم ألسن ولهم أعين لن يتركوه في سبيله في أمن وأمان. كما قال الإمام الشافعي:

لسانك لا تذكر به عورة امرئ *** فكلك عورات وللناس ألسن
وعيناك إن أبدت إليك معايباً *** فدعها وقل يا عين للناس أعين

ومن خاض في هذا المجال فإنه يخسر المحبة والمودة ويكون منبوذا في المجتمع إلا مع شاكلته وزمرته التي تستمع إليه وتشجعه على المضي قُدُما على منهجه. قال الإمام علي (عليه السلام): “من تتبع خفيات العيوب حرمه الله مودات القلوب” [3]. ومع الأسف منهم من يقلب المحاسن ويُشهر ويُروج لها على أنها معايب ومساوئ مع زمرته التي تؤازره وتؤيده وتأنس بما يقدمه لها.

وإن التزم كل شخص من هذه الزمرة وحفظ لسانه عن ذكر معايب غيره فذلك لايكفي بل عليه أن لا يصاحب من لديه هذه الخصلة الذميمة لكي لا يُحسب عليه؛ كما لا يُستبعد بأن يكون له نصيب في ذكر معايبه في يوم ما. قال الإمام علي (عليه السلام): “ليكن أبغض الناس إليك، وأبعدهم منك، أطلبهم لمعايب الناس.” [4]

وإياك أن تفرح بسقطات وأخطاء الآخرين وتغتنمها فرصة للتصيد عليهم وفضحهم والتشهير بهم لأنك لن تكون في مأمن، فمن عير بشىء ابتلي به، ومن شمت من مصيبة ابتلي بها. قال الإمام علي (عليه السلام): “لا تفرحن بسقطة غيرك، فإنك لا تدري ما يحدث بك الزمان” [5]. وقال الإمام الصادق (عليه السلام): “لا تبدي الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويصيرها بك، وقال: من شمت بمصيبة نزلت بأخيه لم يخرج من الدنيا حتى يفتتن” [6]. ومن كان حريصا على مصلحة غيره ويهمه شأنه يمكنه تقديم الموعظة والنصيحة له بأدب واحترام وأن تكون سرا بعيدا عن التشهير أمام الملأ للحفاظ على كرامته. قال الإمام علي (عليه السلام): “من وعظ أخاه سرا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه” [7].

هنيئا لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وستر عيوبهم ليستر الله عيوبه في الدنيا والآخرة . قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس” [8]… “من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة” [9].

عبدالله الحجي
 ٢٠٢٠/٨/٢١
١٤٤٢/١/١


الهوامش
[1] ثواب الأعمال – الشيخ الصدوق – الصفحة ٢٤١
[2] بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٧٢ – الصفحة ٢٢٢
[3] عيون الحكم والمواعظ – علي الليثي الواسطي – الصفحة ٤٣٦
[4] ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة  ٢٢٠٨
[5] عيون الحكم والمواعظ – علي بن محمد الليثي الواسطي – الصفحة ٥٢٣
[6] الكافي – الشيخ الكليني – ج ٢ – الصفحة ٣٥٩
[7] تحف العقول – ابن شعبة الحراني – الصفحة ٤٨٩
[8] شرح رسالة الحقوق – الإمام زين العابدين (ع) – الصفحة ٤١٤
[9] جامع السعادات – محمد مهدي النراقي – ج ٢ – الصفحة ٢٠٩