جميع الطاعات من صلاة وصيام وحج وغيره لا يمكن للإنسان أن يؤديها إذا فقد الصبر، كما هو الحال مع المعاصي إذا لم يتحلى بالصبر فإنه يكون فريسة سهلة للوقوع في شراك الشيطان الرجيم والوقوع في المعاصي والشهوات ويخسر الدنيا والآخرة.
أما الصبر عند المصيبة فهو أعلى درجة وكل إنسان معرض لشتى أنواع البلاء الذي يتفاوت من شخص إلى آخر حسب منزلته عند الله. قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ). [4] وقال تعالى: ” وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ** الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ). [5]
لقد ارتبط الصبر بالإيمان وورد بأن الصبر رأس الإيمان، وأن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فعندما يُفقد الرأس يُصبح الجسد لاخير فيه ولاقيمة له، وكذلك عندما يُفقد الصبر، يكون إيمان الشخص لاخير فيه. قال الإمام علي (عليه السلام): ”وعليكم بالصبر فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه“. [6]
ولكي يحافظ الإنسان على إيمانه ولايُفسده مع كل حدث وموقف عليه أن يتحلى بالصبر ويستعين به وبالصلاة لكل مايواجههه من بلاء ونوائب وتحديات الدهر، كما أمرنا الله عز وجل الذي لايتخلى عن عباده الصابرين، بأن يكون معهم ويتلطف بهم بإعانتهم وتخفيف آلامهم . قال تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”. [7]
كما نهانا الله عن الجزع والشكوى إلى الناس وأمرنا بالصبر الجميل (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا). [8] قال الإمام الباقر (عليه السلام) – لما سئل عن الصبر الجميل -: “ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى الناس.” [9]
وقد بشر الله الصابرين خيرا وأنه جل وعلا يوفيهم أجرهم بغير حساب. قال تعالى: ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ). [10] ورد في تفسير الميزان للطباطبائي أن “المعنى لا يعطى الصابرون أجرهم إلا إعطاء بغير حساب، فالصابرون لا يحاسبون على أعمالهم ولا ينشر لهم ديوان ولا يقدر أجرهم بزنة عملهم.”[11]
إننا بين يدي كريم جواد، رؤوف رحيم بعباده، لانملك إلا التسليم بقضائه وقدره ونثق بحكمته وتدبيره، وعلينا أن نُكثر من الحمد والشكر له، والالحاح في الدعاء والصدقة والتوسل بأهل بيت الرحمة، والاسترجاع عند المصيبة ليقع أجرنا على الله ولا نكون من الخاسرين. قال الإمام الباقر (عليه السلام): “من صبر واسترجع وحمد الله عند المصيبة فقد رضي بما صنع الله، ووقع أجره على الله، ومن لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم وأحبط الله أجره.” [12]
نسأل الله أن يُفرغ علينا صبرا جميلا يليق بإيماننا، ولا تشوبه الشكوى إلى الناس. “رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَ تَوَفَّنا مُسْلِمِينَ”. [13]
عبدالله الحجي
٢٠٢٠/٧/١٨
الهوامش
[1] سورة الفجر – آية ٤
[2] ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٢ – الصفحة ١٥٦١
[3] جامع السعادات – محمد مهدي النراقي – ج ٣ – الصفحة ٢٣١
[4] سورة العنكبوت – آية ٢
[5] سورة البقرة – آية ١٥٥ – ١٥٦
[6] شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج ١٨ – الصفحة ٢٣٢
[7] سورة البقرة – آية ١٥٣
[8] سورة المعارج آية ٥
[9] الكافي – الشيخ الكليني – ج ٢ – الصفحة ٩٣
[10] سورة الزمر آية ١٠
[11] تفسير الميزان – السيد الطباطبائي – ج ١٧ – الصفحة ٢٤٥
[12] الكافي – الشيخ الكليني – ج ٣ – الصفحة ٢٢٣
[13] سورة الأعراف آية ١٢٦