سلوك القطيع

قياسي

 
ربما تكون في العمل ويُطرح موضوعا للتصويت عليه فيبدأ بالتصويت أحد القادة ممن له مكانة مرموقة ويبدي برأيه وإذا بمن حوله واحد تلو الآخر يبدون له تأييدهم لرأيه بدون أي معارضة حتى وإن كان هناك آراء أفضل وقد يكون ذلك مجاملة أو خوفا فيخرج الجميع برأي واحد يطبلون للقائد ويشيدون برأيه. وإذا ما أثبتت الأيام وكشفت الخطأ في اتباع ذلك الرأي أو المشروع فغير القائد رأيه مالوا معه ذما للسابق ومدحا للاحق.


أو تكون في المجتمع ويثار موضوعا اجتماعيا ما فيبدي أحد الوجهاء أو الرموز أو الزعماء رأيه فترى الأغلبية منحازة إلى ذلك الرأي بلا تفكير ولاتخطيط. وقد يظهر أحد مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي بالإعلان عن أحد المطاعم فترى الناس محتشدين عند ذلك المطعم وكل من رأى الأعداد الكبيرة اتخذها شهادة تزكية للجودة والتحق بهم وقد يكون بجانبه مطعم أفضل بكثير منه إلا أن أعداد الزبائن محدود جدا.


وفي أسواق الأسهم فما أكثر المنفذين لطلبات البيع والشراء عند أقل ارتفاع أو انخفاض في السوق يقوم به بعض المضاربين فترى الناس معهم كما يقال في الأمثال (مع الخيل ياشقرا).


ماهو الفرق بين هذا السلوك وسلوك القطيع؟


سلوك القطيع يطلق عادة على تصرفات الحيوانات في القطيع أو السرب عندما يهدد حياتها خطر أو لأي سبب آخر. وهو مصطلح يطلق على سلوك الأشخاص في الجماعة عندما يقومون بالتصرف بسلوك الجماعة التي ينتمون إليها دون كثير من التفكير أو التخطيط. فعقولهم تبقى مقفلة ومعطلة عن التفكير واتخاذ أبسط القرارات التي تهمها، وتتبع الأكثرية من حولها عشوائيا بغض النظر إن كانت الأكثرية على صواب أو خطأ، على حق أو باطل، فتصبح اتكالية على الآخرين مسلوبة الهوية والثقة بالنفس عاجزة عن اتخاذ أي قرار.


ليس شرطا بأن تكون الأكثرية دائما على حق وصواب فيتم اتباعها فقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تثبت ذلك ومنها قوله تعالى: “وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ” … ” بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ”.  كما يوجد آيات في الطرف المقابل امتدحت القلة كقوله تعالى: “وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ” … “ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ”.
 

ومن الخطأ تقديس أي شخص واتخاذه قدوة يحتذى به إلى درجة أن يُنظر لسيئاته كأنها حسنات والسير على نهجه في جميع أقواله وأفعاله بدون إعمال العقل والفكر وتقييم الايجابيات والسلبيات، والمخاطر والمنافع. فبدلا من الانجرار في سلوك القطيع فقد يكون رأيك صائبا ومخالفا لرأي المجموعة وإذا ماكنت كذلك متمسكا وواثقا به فقد تتمكن من إقناع المجموعة لتغيير رأيها إذا ما ابتدأت بالرأس الكبير وتمكنت منه.


الحق لا يُعرف عادة بالرجال بحيث تثق بقدوتك وتعتقد بأنه هو الذي يتبع الحق ويعرفك عليه، والواقع هو أن تعرف الحق أولا وهو الذي يعرفك على الأشخاص كما قال الإمام علي (عليه السلام): “إن الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله”.


ومن المفاهيم المغلوطة اتباع الآباء والأجداد تسليما بأنهم على الصواب والحق بلا تفكير كما قال تعالى: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ”. لقد وهبنا الله عز وجل العقل لنميز بين الحق والباطل، بين ماينفعنا و مايضرنا، ونبحث ونفكر ونتدبر ونحلل بعيدا عن العاطفة والمؤثرات الجانبية، ويكون قرارنا لأي شأن مبنيا على معرفة وإدراك و قناعة وليس على ماكان يعمله آباؤنا.


وقد يخرج من يتشدق بإعمال العقل والفكر في مختلف المجالات ولكنه يخرج بأفكار مغلوطة ومضلله ومشبوهة بعيدة عن الحق والصواب فلا ينبغي الانخداع والجري خلفه عشوائيا، والاعتقاد بأنه صاحب مشروع يستحق اتباعه واتخاذه قدوة. فهذه العينة لاتقل خطرا عن غيرها ونهاية مصيرها تمثله الصورة أدناه عن سلوك القطيع عندما قفز أحد الأغنام من سفح جبل عال فتبعه باقي الأغنام التي قيل بأن عددها ٥٠٠ أو ١٥٠٠ كان مصيرها جميعا الموت والهلاك والضياع. 


يسعد الإنسان في بداية الأمر عندما يتبع سلوك القطيع ويكون في راحة وقد ضمن تأييد ودعم المجموعة، وأنه أصبح معهم وغير شاذ عنهم، وتجنب المواجهة والانتقاد، ولكن في ذلك خسارة للطاقات والكفاءات التي يتم تجميد عقولها عن التفكير والتخطيط والخروج بأفكار ومرئيات قد تكون أكثر نضجا وحكمة وفائدة وإبداعا للمجتمع.


عبدالله الحجي 

٢٠٢٠/٧/٢٨