لقد حثت الشريعة السمحاء على البقاء مع الجماعة ونبذ الفرقة. رُويَ عن رسول الله – صلى الله عليه وآله – : ”أيها الناس! عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة“. و رُويَ أنه – صلى الله عليه وآله – قال : ”يد الله على الجماعة، و إياكم و الفرقة ؛ فإنّ الشاذ من الناس للشيطان ، كما أنّ الشاذة من الغنم للذئب “.
قبل الدخول في صلب الموضوع نلاحظ الحث في الروايات على اتباع الجماعة ، فهل يتم اتباع الجماعة حسب كثرة العدد والابتعاد عن الجماعة الصغيرة أم أنّ هناك معياراً آخر؟ لقد سُئل رسول الله عن الجماعة فأجاب بأنهم أهل الحق وإن قل عددهم، وأنهم لايجتمعون على ضلالة. رُويَ عن رسول الله – صلى الله عليه وآله – : وقد سئل ما جماعة أمتك؟ -: ”من كان على الحق وإن كانوا عشرة!“. وقد ورد في كتاب الله الكثير من الآيات التي توضح بأن كثرة العدد ليست دليلا على اتباع الحق وليست معيارا دقيقا للأخذ به في الكثير من الأمور. قال تعالى: “وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ”. وعليه لابد من التفكير ودراسة وتقييم الجماعة قبل الانضمام إليها.
في كل جماعة يحدث اختلاف بين الأطراف مما يؤدي إلى الفرقة ، إمّا لجزء من الجماعة بحيث تتشكل جماعة أخرى أو ينشق عضو واحد بمفرده لأسباب مختلفة قد تكون من الجماعة نفسها أو الفرد نفسه أو كليهما. فعندما يتسلط عدد من الجماعة في محاولة الاستبداد وفرض السلطة والرأي على الجميع وعدم احترام الآخرين ممن لهم مكانة ووزن ورأي يُعتد به فذلك قد يُحدث شرخاً كبيراً و تمزقاً للجماعة الواحدة ، وينشق بعض أعضائها معتزلين الجماعة إذا لم تُعالج الأمور بحكمة وحنكة على طاولة الحوار بكل شفافية من ذوي العقول الحكيمة للمحافظة على وحدة وقوة الجماعة. وقد يتسبب ذلك في تشكيل أكثر من جماعة لها نفس الهدف يعملون بتنافس لما يخدم المصلحة العامة، أو أن يشوبهم التحزب والعمل ضد بعضهم البعض بفلسفة (أنا أربح، وأنت تخسر) وكل يبحث عن مصلحته وما يُلمع جماعته.
وقد يكون الخلاف بخروج أحد الأعضاء واستبداده برأيه والعمل بعكس اتجاه التيار مخالفاً لباقي أفراد الجماعة فتواجهه ردة فعل قوية من الجماعة ويخسر بعض الامتيازات التي كان يتمتع بها. حينها قد يجد نفسه قد خسر الكثير فيحاول استرداد مكانته وكرامته وإثبات وجوده بمحاولة تشويه سمعة الجماعة. وأحياناً يشعر بالندم بسبب عمله عكس اتجاه التيار السائد، ولكنه لم يَترك له خط رجعة بسبب حرق جميع أوراقه فيبقى في عزلته, ومنهم من يكابر ويعاند ويواصل ممارساته ومنهجيته حتى لو كان عدد المؤيدين له قليل.
العمل بروح الفريق مع الجماعة يحتاج إلى الصبر والتضحية والتكيف والاحترام والتقدير المتبادل بين الأعضاء والذوبان والتنازل عن الآنا والمصلحة الشخصية والتركيز على المصلحة العامة، والتفكير في أنّ نجاح الفريق هو نجاح الجميع، وإذا ما أخفق عضو فالإخفاق سيصيب الجميع ويخفق الفريق.
الخلافات واردة في كل فريق وفي كل منظومة عمل ، ولذلك يتم عقد لقاءات أخوية ودية خارج بيئة العمل لكسر الحواجز وتذويب الجليد وتعزيز قوة الفريق والانسجام وكسب الثقة المتبادلة. ولنجاح أي فريق أو جماعة لابد من وجود قائد حكيم مؤثر يملك السمات القيادية المطلوبة وأعضاء فاعلين يعملون بانسجام وتفاهم لتحقيق الأهداف المشتركة. كما أنه لابد من التحلي بالأخلاق الحميدة من تسامح وعفو وأمانة ونزاهة وإخلاص وصدق ومرونة، والبعد عن الأخلاق السيئة من عجب وتكبر وكذب وغدر وغطرسة وغيرها من أخلاق تسهم في تحطيم الفريق وتمزيقه. وللمزيد يمكن الرجوع للمقالة المعنونة ب (العمل بروح الفريق – ٢٥ عاملا لنجاح الفريق). http://www.a-hejji.com/2014/12/العمل-بروح-الفريق/. قال تعالى: ”وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ“. و رُويَ عن أمير المؤمنين – عليه السلام – : ”أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله“، و رُويَ عنه انه قال : ”من استبد برأيه هلك“.
نسأل الله أن يجمع ويوحّد كلمتنا على الحق، ولايفرق بيننا أبداً ، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن تكون يده معنا.
عبدالله الحجي
٢٠٢٠/٦/١٥