ذكريات مع والدي الغالي عباس
٢٥ عاما على الرحيل
في مبادرة سنوية رائدة من ثلة من الشباب الواعي (لجنة ستبقون في الذاكرة) عشنا دقائق لتلاوة ماتيسر من القرآن الكريم وإهداء ثوابها للآباء وفاء لهم وبرا بهم وتجديد العهد والذكرى بهم في المسجد الذي كان يجمعهم وعلى رأسهم الأب الروحي والمربي بخلقه العظيم سماحة الشيخ عبدالوهاب بن سعود الغريري الذي كان إماما في هذا المسجد في الرفعة الشمالية وخلفه حفيده سماحة الشيخ عبدالله الياسين.
ما أن استلمت الجزء من كتاب الله لقراءته شعرت بقوة تجذبني نحو الاسطوانة التي كان والدي يتعاهدها ويصلي عندها قبل وفاته (الإسطوانة الأولى على يمين الإمام)، وكأني به وهو يهمس في أذني عندما كنت طفلا يصطحبني معه للمسجد وقد قام لصلاة ركعتين لوالديه قائلا يابني لاتنسى والديك بصلاة ركعتين في كل ليلة جمعة والدعاء لهما.
في هذا العام نعيش الذكرى الخامسة والعشرين ( ٢٥) لرحيل الوالد الغالي الذي وافاه الأجل يوم الثلاثاء في غرة شهر رمضان من عام ١٤١٥ هـ (١٩٩٥/١/٣١) عن عمر يناهز ٦٤ سنة وسأقف في هذه السطور مع شيء يسير من الذكريات.
كانت صحته قبل وفاته مستقرة نسبيا ولم تخلو من الأمراض المعهودة كمرض السكر وغيره وأكثر ماكان يعاني منه ويتابع الطبيب له دوخة كانت تصيبه عندما كان يجلس من النوم ويقف مباشرة مما نصحه الطبيب بالجلوس قليلا والراحة قبل الوقوف، بالإضافة إلى شعوره بإرهاق شديد. خبر وفاته كان فجأة وصدمة تلقيتها عندما دخلت منزل الوالدة وأنا صائم قادم من العمل بعد صلاة الظهر والأهل يبكون وينحبون ”مات أبونا“. لقد فارق الحياة على فراشه وهو صائم بعد حضور محاضرة في ليلتها للتعرف على أحكام الصوم لسماحة الشيخ محمد الشهاب في حسينية العمر . ولكن شاء الله أن يرحل عنا في أيام رمضان المبارك وأيام عيد الفطر وكان مجلس العزاء في حسينية البقال في الفاضلية، وهنا تعيش معنى تلك الأبيات التي كثيرا ما تتردد ”أثاري الأبو يا ناس خيمة… يفيي على عياله وحريمه“ وقصيدة ” محلا الأبو في العيد لو جمع أولاده .. ولبسهم الزينه على جاري العاده .. ورفرف عليهم بالهنا طير السعادة .. يطيب الـقلب و تصير عيشتهم هنيه“
لقد كان الوالد العزيز مكافحا ساعيا لطلب لقمة العيش متنقلا من مهنة إلى أخرى من الحياكة مع جمعة الصالح وبيع الحب ثم بيع الأسماك والخضار والفواكه وأخيرا فتح بقالة صغيرة عند البيت المستأجر في الفاضلية يتسلى فيها ويشغل وقت فراغه. عمل مع المبرزي في بيع الأسماك في السوق الغربي المقابل للسوق الرئيسي الحالي وكان يعمل معه مهدي الغريري وحجي الهودار وجواد الغريري وغيرهم وكان يصطحبني معه فهو ينظف بطن السمك ومهمتي تنظيفه من القشور بمشط المسامير مع تلك الروائح، وما أن نعود للمنزل ننزع تلك الملابس الرثة برائحتها (المميزة!) ويقوم الأهل بتنظيفها. وفي مجال الخضار والفواكه كنا نذهب معه أنا وأخي أبومنتظر للبيع في القرى حسب الجدول المتفق عليه للأسواق (مثلا الأحد في القارة والأثنين في الجفر) ولا ننسى ترتيب تلك الصواني وتفريغ الفواكه فيها للبيع بالمفرق.
بعد إكمال المرحلة المتوسطة في مدرسة عمرو بن العاص الواقعة غرب الأمارة سمعت برغبة معلم اللغة الانجليزية لبيع سيارته الكورولا ذات اللون البرتقالي الفاقع لعزمه على المغادرة إلى السودان. تحينت الفرصة للجلوس مع الوالد لمفاتحته بالموضوع وإقناعه وكان على سطح المنزل الذي لايتجاوز أمتارا معدودة في الرفعة الشمالية للتهيؤ للنوم فعندما سمع بذلك رفض رفضا شديدا وقال لازلت صغيرا وأنت تشعر بالدوران عند ركوب السيارة فكيف ستقودها وأخشى عليك من الحوادث فابق على (سيكلك). لم تكن ليلة جميلة بالنسبة لي بسبب الرفض ولكن تكررت المحاولة وبعدها تمت الموافقة ولله الحمد وتم شراء السيارة بأربعة آلاف ريال. حينها كانت السيارة الوحيدة بالنسبة للأصدقاء الطيبين نتنقل بها من مكان إلى آخر وفي أحد الأعياد وصل العدد داخل السيارة تسعة أشخاص لا أعرف كيف كان ذلك وأين جلسوا في تلك السيارة الصغيرة.
بعد المرحلة المتوسطة كان يراود الوالد سؤال محير وشاغل باله ففاتحني في أحد الأيام ماهي خطتك بعد المتوسطة فأجبته بعفوية الثانوية والجامعة إن شاء الله وذلك لحبي و شغفي بالدراسة، فصمت وأسرها في نفسه. وبعد أيام فاتحني في نفس الموضوع قائلا ياولدي إنني أشعر بالتعب وأريدك أن تعينني على الحياة فأنت ابني الأكبر وأريد أن أفرح بزواجك قبل وفاتي. لقد كانت لحظات صادمة لي ولم أكن أتوقع أبدا أن أترك الدراسة ويتبدد طموحي فأجبته لاشعوريا وكيف أترك الدراسة في هذا العمر بعد المرحلة المتوسطة فقط!! لم يكن بيننا توافق ولم نصل إلى حل وفي أحد الأيام كنت أعمل في ورشة النجارة في الفاضلية مع ابن الخالة ياسين بن جمعة الصالح فإذا برسول يأتي من قبل الشيخ عبدالوهاب الغريري رحمة الله عليه يستدعيني مع ابن الخالة للذهاب إلى منزل النسيب عبدالله بن علي النصر المستأجر في الفريج. ذهبنا ونحن نتساءل فما أن دخلنا حتى وجدنا الشيخ والعم حسين (بوعلي) والنسيب عبدالله النصر (بوقاسم). سلمنا وجلسنا وافتتح الشيخ الجلسة بعد الذكر بتكرار كلمات الوالد بأنه تعب ويحتاج إلى من يعينه ويرغب بأن يفرح بزواجك. في تلك اللحظات شعرت بالحزن الشديد من جهة وبالحرج من جهة أخرى أن أرد طلب الشيخ ورغبة الوالد التي جعلته يستعين بالشيخ ويعقد هذه الجلسة الطارئة فاستسلمت ورميت بكل طموحي وأحلامي جانبا لتلبية رغبته. في ذلك الوقت كانت الوظائف متوفرة فقالوا اختر أرامكو أو سكيكو فأجبتهم في الحال أرامكو ولم أكن أعلم عن أرامكو شيئا أكثر من اسمها. ودعت الدراسة في مرحلة مبكرة والتحقت بشركة أرامكو وفرحت كثيرا بأول خمسمائة ريال أستلمتها بعد التوظيف ولكن لم أهنأ بها بسبب حادث بسيط بسيارة أبي قاسم الجديدة أثناء التسجيل أدى للتوقيف لساعات والخروج بكفالة لعدم وجود رخصة قيادة.
لم تكن بداية جميلة وقد تم التعيين في بقيق فطلبت مكان أقرب فأخبرني الموظف مازحا يوجد في الأحساء ولكن في مصنع التمور. باشرت التدريب في بقيق في (١٤٠٢/١١/٢٣ هـ الموافق ١٩٨٢/٩/١١ م ) وعمري ١٧ سنة ولكن لازالت الرغبة في الدراسة تراودني فقررت العمل نهارا والالتحاق بالثانوية ليلا في بقيق فصرت أتردد على ثانوية بقيق بين الفينة والأخرى حتى فتحت أبوابها والتحقت بها. بعد سنتين ونصف تقريبا من العمل (بتاريخ ١٤٠٥/٥/٢٤ هـ الموافق ١٩٨٥/٢/١٤ م) تحققت أمنية الوالد الغالي الثانية وتزوجت بابنة العم عواطف بنت خميس الحجي واستمر التدريب في بقيق حتى أكملت ثلاث سنوات كانت فرصة لإكمال المرحلة الثانوية والتخرج منها وبذلك تحققت لي ولله الحمد أمنية الحصول على الشهادة الثانوية. خلال تلك الفترة كنت مقيما في غرفة من غرف أرامكو مع الصديق والأخ العزيز علي بن حسين بن حمزة اليوسف.
بعد الانتهاء من التدريب انتقلت إلى معمل الغاز في العثمانية للعمل في قسم الصيانة ولكن لازال طموح الدراسة والحصول على الشهادة الجامعية في مخيلتي فطلبت من منسق التدريب الأستاذ عبدالكريم بوعامر الالتحاق بالبرنامج الأكاديمي لإكمال مناهج أرامكو والابتعاث للدراسة الجامعية. ولله الحمد تسهلت الأمور وبعد سنة من التدريب الميداني تحولت إلى مدرسة أرامكو في محاسن وأكملت جميع المتطلبات خلال سنتين. خلال هذه الفترة تم استئجار منزل أكبر في حي النسيج نظرا لقدم المنزل المستأجر في الفاضلية وتهالكه وصغر مساحته إلى درجة أنه لا مكان لأصلي أنا وأم محمد في الغرفة في نفس الوقت. كان المنزل في النسيج مقسم إلى قسمين قسم لي وللوالدة والإخوان في الدور الأول وقسم للخالة أم بدر في الدور الأرضي وقد حضيت بغرفة أوسع من سابقتها مع الوالدة.
حان وقت الابتعاث ولكن أخرجت الشركة قرارا بالاكتفاء وألغت البعثات خارج الوطن مكتفية بالبعثات الداخلية إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. مع الأسف كانت شهادة الثانوية المسائية تخصص أدبي والجامعة تتطلب شهادة التخصص العلمي فصار رفض مما جعلني أفكر في الحصول على شهادة الثانوية علمي بنظام ثلاث سنوات في سنة واحدة إلا أنني عندما استلمت الكتب لجميع المراحل ركنتها جانبا لكثرتها. ولله الحمد بعد تفاوض الشركة مع الجامعة تمت الموافقة لمن يحملون الشهادة المسائية آخذين بالاعتبار المناهج العلمية التي تم دراستها في أرامكو. ولله الحمد تم القبول في الجامعة ( عام ١٩٨٨ م) وبعد فترة من الدراسة ولعدم الاستقرار قررت استئجار شقة والاستقلال مع زوجتي أم محمد في الثقبة وخلال فترة الدراسة تم شراء أرض في حي الملك فهد للتوسع والتخلص من الايجارات بالرغم من قلة القرض من الشركة واحتسابه على ثلثي الراتب المخصص أثناء فترة الدراسة. تم بناء الأرض دورين الدور الأول كان لي والأرضي كان مخططا للوالدة وللخالة أم بدر التي تزوج بها الوالد عندما كان عمري تقريبا ١٢ سنة (عام ١٣٩٧ هـ) إلا أن الوالد فضل العودة مع الخالة إلى المنزل الواقع في الرفعة الشمالية بعد ترميمه، وكان الدور الأرضي للوالدة والأخ أبي منتظر بعد زواجه، وبعد خروجه أصبح للوالدة وابني محمد (بوعبدالله).
في نهاية عام ١٩٩٢م (منتصف ١٤١٣ هـ) تخرجت ولله الحمد من الجامعة بحصولي على شهادة البكالريوس في الهندسة الكيميائية محققا بذلك رغبات الوالد العزيز ورغباتي معا من العمل والزواج والشهادة الثانوية والشهادة الجامعية بفضل الله ومنه وفضل طاعة الوالد الذي تشرفت بحضوره حفل التخرج ومشاركته لي هذه الفرحة التي كنت أحلم بها ولا أنسى وقفته بجانبي بالبشت في تلك الليلة الجميلة وقد أشرت إليه في تلك اللحظات بسعادتي لتحقيق أمنياته وأمنياتي التي كان سعيدا بها ولا أشك بأنها من أمنياته لولا ظروف الحياة القاسية التي ألمت به ورغبته بأن يراني عريسا.
كانت تلك حكايتي مع الوالد من حيث مزاولة العمل معه والتنقل من مهنة إلى أخرى، والاختلاف في قرار مواصلة الدراسة والتعليم والتنقلات في المسكن وقد ارتحل من هذه الدنيا بعد سنتين تقريبا من تخرجي من الجامعة ولكنني لم أكتف بشهادة البكالريوس بل واصلت الدراسة بعد توقف طويل وفي منتصف ٢٠٠٦ م (١٤٢٧ هـ) حصلت على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال (MBA) من جامعة فينكس (عن بُعد) وواصلت عملي في شركة أرامكو متنقلا من منطقة إلى أخرى وكان مسك الختام بالمشاركة في تصميم وإنشاء وتشغيل أحد المشاريع العملاقة في شيبة استمر لمدة ست سنوات بين لندن وسيئول وشيبة وبعدها انتقلت إلى دائرة أخرى كان مقرها في بقيق ومنها قدمت على التقاعد المبكر من الشركة بتاريخ ٢٠١٦/١٠/١م بعد خدمة دامت ٣٤ عاما مليئة بالحيوية والنشاط والتحديات. والآن أقف على بعض المواقف الأخرى والذكريات الجميلة مع الوالد العزيز.
ولد الوالد عام ١٣٥١ هـ وبسبب موت إخوانه عندما كانت ترضعهم أمه (فاطمة الخيرالله) أرضعه عدد من نسوة الفريج أمثال أم إبراهيم العسكر وأم أحمد البندري وأم علي الحويجي وأم هاجر الزاير. توفي والده محمد وعمره سبع سنوات فعاش يتيما (هو وأخوه حسين) معتمدا على نفسه مكافحا في تحصيل لقمة العيش.
من أعظم وأجل السمات التي اختص بها الوالد هي اهتمامه الكبير وحرصه على صلة الرحم سواء مع القريب أو البعيد ومن ذلك سأتناول بعض المواقف.
لقد كانت علاقته بأخيه حسين (بوعلي) قوية ووطيدة وكأنهما توأمان وكانا يهتمان بصلة الرحم والحرص على التواصل في المناسبات وتأسيس عادة حسنة بالاجتماع في أيام العيد على مأدبة الغداء في اليوم الأول عند الوالد واليوم الثاني عند العم ولم يكن المكان عائقا لهما حتى لو تطلب الأمر نقل الصواني عبر السطح من منزل إلى آخر في البيت الذي كان يجمعهم في الرفعة الشمالية، وعادة يكون في ضيافتنا ابن العمة فايز البوقرين وبرفقته بعض أفراد العائلة في اليوم الثاني، ولاتخلو أيام العيد من إدخال البهجة والسرور على نفوس الأطفال بالعيدية وإن كانت قليلة إلا أن لها قيمتها في ذلك الوقت ولها وقع في النفس لايُنسى إلى يومنا هذا. وبحمد الله فقد استمرت ثمار هذه العادة إلى يومنا للتأكيد على صلة الرحم وقد تكفل بمأدبة العيد أبناء عباس وأبناء العم حسين وأبناء ابن العم جابر خميس الحجي (بوهاني) وتم الاكتفاء بيوم واحد نظرا لكبر العائلة والمنتسبين إليها.
في أحد الأيام بعد تناول وجبة الغداء طلب مني الوالد أن أذهب معه فسألته إلى أين فقال وهو متبسم شغل السيارة ولاعليك. فقلت له سمعا وطاعة فصرت أقود السيارة (L -200) وهو يوجهني حتى وصلنا إلى النعاثل، أوقفنا السيارة وسرنا على الأقدام حتى طرقنا باب بيت وكنت أسأله بيت من هذا؟ فلم يجبني إلا صمته وتبسمه حتى دخلنا ذلك البيت وسلمنا على رجل كبير السن وبعدها أخذ يعرفني به وبزوجته وبقرابتهم منا. إنه الحاج سعد السعد (البركات) زوج العمة الحاجة شيخة بنت حسن بن أحمد الحجي أخت الجد الحاج محمد (والدة الحاج حسين والحاجة أم حسين السعد). ومن أخواتها العمة الحاجة فاطمة (والدة الحاج أحمد والحاج فايز بوقرين والحاجة أم علي الموسى والحاجة أم أحمد بوصبيح والحاجة أم عبدالهادي البوقرين ، والحاجة أم أحمد البوقرين أولاد الحاج إبراهيم بوقرين)، والعمة الحاجة مريم (والدة الحاج حسين والحاج عبد الله والحاج طاهر والحاج محمد والحاج حجي والحاج حسن والحاجة أم الدكتور عبد الله الغزال ، والحاجة أم عبد الرؤف الغزال أبناء الحاج علي بن حجي الغزال)، والعمة الحاجة فاطمة (زوجة الحاج ناصر بن حجي الغزال) التي انتقلت إلى رحمة الله ولم يكن لها ذرية لوفاتهم في طفولتهم وكان لها تواصل دائم معنا بحضورها وبقائها في ضيافتنا حتى انتقلت إلى رحمة الله في ١٤٢٦/٦/١٠ هـ. هذه بعض الأسر التي لها علاقة بأسرة الحجي في ذرية الجد الحاج حسن بن أحمد الحجي ، وهناك أسر المهيدي ، والياسين ، والضيف، والمزيدي ، والقرين ، والغريب ، والمسبح ، والسلمان وغيرهم من طرق أخرى لهم ارتباط بأسرة الحجي قبل ما يزيد عن ستين سنة مضت حسب المعلومات التي جمعها ابن العم الأستاذ سلمان الحجي.
ومن مواقفه التي لا تُنسى مع أبناء العم في العراق (الزبير) وتواصله معهم واستئناسه بالجلوس معهم وضيافتهم سواء كان خارج الوطن عند زيارتهم أو داخله عندما يقوم ابن العم خضر بالزيارة وكان يدعمهم بسخاء بالرغم من حالته المادية المحدودة. في إحدى السنوات سمع بوجود بعض أبناء العم على الحدود في رفحاء فطلب مني إيصاله إليهم فذهب إلى السوق واشترى بعض المواد الغذائية ليلا وبعد صلاة الصبح توجهنا إلى رفحاء وكان في صحبتنا صديقه المقرب علي بوعبيد (بوحسين). وصلنا رفحاء وبعد السؤال تبين أنه لابد من أخذ إذن من الأمارة لزيارتهم ولكن بسبب إجازة نهاية الأسبوع جميع الدوائر الحكومية كانت مغلقة فتأثر وحزن حزنا شديدا لعدم تمكنه من رؤيتهم والسلام عليهم وعدنا نفس المشوار حيث استغرقت رحلتنا تقريبا ١٧ ساعة ذهابا وإيابا في نفس اليوم.
كان الوالد هادئ الطبع خلوقا ملتزما دينيا، متعلقا بالإمام الحسين وأهل البيت (عليهم السلام) وزيارتهم التي تمتد لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر مع العائلة، وكان لايحب التدخل في شئون الآخرين والحديث فيما لايعنيه وغيبتهم، وكان مكافحا لطلب لقمة العيش ومربيا فاضلا ومتواضعا زاهدا عاش حياة بسيطة لاتكلف فيها. في بداية حياته كان من المعارضين بشدة لدخول الأخوات في المدرسة إلا أن إصرار الأختين أم محمد علي وأم يعقوب ورغبتهما جعلنا نجلس معه ونحاول مرارا وتكرارا حتى وافق على ذهابهن إلى المدرسة وفتحتا بابا لباقي الأخوات للدراسة والتعليم. لقد رحل الوالد ودفن في مقبرة الخدود في الهفوف وقد غرس في نفوسنا محبة الناس وخدمتهم وحب العمل والكفاح تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.
أما بالنسبة للأبناء فقد رحل الوالد وله خمسة عشر (١٥) من الذكور والإناث، (١١) من الوالدة سلامة بنت محمد العبداللطيف هم مريم وفاطمة وبدرية وصديقة ونعيمة وصباح وابتسام وحميده ومن الأولاد عبدالله وصادق وأحمد. و (٤) من الخالة حجية بنت علي السويلم هم وردة وهدى ومن الأولاد بدر وعلي.
عائلة الحجي في الهفوف مكونة من الوالد عباس والعم حسين (توفي بتاريخ ١٤٢١/٧/١٨ هـ) أبناء محمد بن حسن بن أحمد وأبنائهما بالإضافة إلى العم خميس بن خليل الحجي (توفي بتاريخ ١٤٠٠/١/١٣ هـ ) وابنه جابر (توفي بتاريخ ١٤٢٧/١٢/٨ هـ ) وإخوانه. لقد رحل الآباء والأجداد من العائلة رحمهم الله تعالى وأكبر أبنائهم الباقين لم تصل أعمارهم الستين – عند كتابة هذا المقال – متمثلين في عبدالله بن خميس وإخوانه (علي ومصطفى ومحمد)، وعلي بن حسين وإخوانه (يوسف ومحمد (رحمه الله) وسلمان وحسن وجواد ومرتضى وعبدالله)، وعبدالله بن عباس وإخوانه (صادق وأحمد وبدر وعلي)، وهاني بن جابر وإخوانه (زكي وفاضل وعبدالعزيز وعلي وأحمد وعباس) أطال الله في أعمارهم ومتعهم بالصحة والعافية ونفع بهم العباد والبلاد.
عبدالله عباس الحجي
١٢ رمضان ١٤٤٠
موقع قبر الوالد عباس (مقبرة الخدود)
https://maps.app.goo.gl/FrxzE3TQz38k8iLP8