١- الانصات وحُسن الاستماع
لنجاح أي حوار لابد من التحلي بمهارة الانصات وحسن الاستماع للطرف المحاور. ربما تكون بعض الكلمات قاسية ومؤثرة مما يؤدي إلى الهروب وعدم الرغبة في الحوار ولكن ذلك ليس هو الحل الأمثل بأن يخفي كل طرف رأسه كالنعامة ويترك المشكلات تتفاقم بلا علاج وتتكرر نفس المواقف التي لم يوضع لها ضوابط بالمكاشفة والشفافية.
الحوارات غير الفاعلة عادة يكون فيها الانصات في أدنى مستوياته وهو التجاهل أو التظاهر بالانصات بينما يكون الشخص غير مركزا و منشغلا بالجوال أو بأي شيء آخر مكتفيا بترديد بعض الكلمات التي تخدع الطرف الآخر وتوهمه بأنه معه. وأحيانا يرتقي إلى مستوى الانتقاء ليسمع مايريد سماعه من كلمات ويتجاهل الباقي بينما المطلوب هو الوصول إلى مستوى الإصغاء والانتباه لما وراء الكلمات وأفضل من ذلك هو الانصات التفاعلي التي تعقد فيه النية على الفهم وليس مجرد الاستماع للرد على الطرف الآخر. (٣)
٢- عدم المقاطعة
ليكون الحوار فاعلا ينبغي عدم مقاطعة الطرف الآخر حتى ينتهي من كلامه ويوضح رأيه وفكرته وذلك من أجل أن لا تتشتت الأذهان وتضيع الأفكار وتسود الفوضى ولكي يفهم الشخص ماهو المقصود وليس لمجرد سرعة الرد. فكما قال ستيفن كوفي في العادة الخامسة ”السعي لأن تفهَم أولا، قبل أن تُفهم“ (٤) والفهم لا يتحقق إلا بالانصات والاستماع الجيد وعدم المقاطعة. ومن جهة أخرى فقد وهبنا الله أذنين وفم واحد من أجل أن نسمع أكثر مما نتكلم.
٣- اختيار الزمان والمكان المناسبين لنوعية الحوار
مكان الحوار مهم جدا لنجاح الحوار بحيث لايكون في أي مكان عام مكشوف أمام الأبناء أو الخدم أو الآخرين و أن يتم اختياره حسب نوعية الحوار وحساسيته سواء كان في المنزل أو خارجه. وكذلك الزمان بحيث لايكون في وقت ضيق أو غير مناسب لأي طرف بسبب التعب أو الالتزامات الآخرى التي تدعو للتوتر وإنهاء الحوار بأي شكل من الأشكال وتكون نتائجه مخيبة للآمال.
٤- أن يَتسم الحوار بالهدوء والبعد عن الغضب والعصبية
بعد اختيار المكان والزمان المناسبين للحوار لابد من التزام الزوجين بالهدوء والاحترام والبعد عما يثير الغضب فعندما يغضب الإنسان وينفعل لايتمكن من التحكم في نفسه ومشاعره وما يخرج من فيه من كلمات ولذلك ورد النصح بالسكوت عند الغضب. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ” عَلِّمُوا، وَيَسِّرُوا، وَلا تُعَسِّرُوا، وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ ” (٥). وليكون الحوار هادئا لابد من البعد عن العصبية والتشبث بالرأي وأنه هو الصحيح والرأي الآخر هو الخطأ فهذه النظرة السلبية تضع حاجزا لايمكن اختراقه للوصول إلى حل وسط.
٥- مرونة الحوار والاعتراف بالخطأ
الإنسان غير معصوم من الخطآ وهو معرض للوقوع في الخطأ في أي وقت ومما يسهل عملية الحوار بأن يكون كل من الزوجين ايجابيا ومرنا ولا يصر على رأيه ويتشبث به وإن كان غير صحيح بل عليه الاعتراف بخطئه والاعتذار منه حتى لايتحول الحوار إلى شجار ويتحتم تعليق الحوار وتأجيله. مما يزيد في توتر العلاقات الزوجية المكابرة والعناد وانعدام ثقافة الاعتذار حتى مع الخطأ، فالمخطئ يفكر بأن الاعتذار ضعف وذل بينما هو عز وكرامة وسمو خلق. وعلى الطرف الآخر قبول الاعتذار لما أعده الله له من أجر غير محدود ولا محصور. قال تعالى: ” فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ” (٦). وقال تعالى: ”وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ” (٧)
ومن المرونة التغافل عن بعض الأمور التي يمكن التغافل عنها وعدم التدقيق في كل كلمة، وكثرة اللوم والعتاب من أجل أن يدوم الحوار و تدوم عجلة الحياة بعيدا عن التصيد والتركيز على صغائر الأمور وما يمكن غض الطرف عنه. قال الإمام أحمد بن حنبل: “تسعة أعشار العافية في التغافل”، و قال وليم شكسبير: ” التدقيق في أتفه التصرفات قد يهوي بك إلى الجنون لذا تغافل مرة، وتغابى مرتين”
٦- الصراحة في الحوار
المكاشفة والصراحة والشفافية مهمة لرسم خارطة واضحة لعلاقة زوجية خالية من الرواسب والسموم العاطفية. وعندما تسود الصراحة بين الزوجين تضمحل دواعي الشك وسوء الظن بينهما وتزيد الثقة المتبادلة التي تمد جسور الود والمحبة. ولا تعني الصراحة بكشف جميع الأسرار بل أن لكل شخص أسرار خاصة به ربما يفضل الاحتفاظ بها لنفسه وليس لها تأثير سلبي على العلاقة الزوجية.
٧- التكافؤ في الحوار
ومن آداب الحوار التكافؤ بين الزوجين من جميع النواحي لينال كل طرف نصيبه من حيث الوقت والمشاركة والحديث والانصات وعدم التعالي والتفاضل ورفع الصوت. فعندما يحاول أحد الطرفين السيطرة على الحوار بعدم الانصات وكثرة الكلام ومقاطعة الطرف الآخر فإنه يحكم على الحوار بالفشل وعدم الوصول إلى نقطة النهاية.
٨- حُسن اختيار الكلمات
عندما يتحاور الزوجان فإنهما يتبادلان الحديث والكلمات فيما بينهما وهذه الكلمات من شأنها أن تحافظ على الحوار حتى النهاية للوصول إلى نتيجة مرضية للطرفين، وربما تصدر كلمة واحدة تقضي على الحوار من بدايته فكما قيل ”رب كلمة قالت لصاحبها دعني“. كل طرف يحتاج بأن يحترم الطرف الآخر وأن يكون ايجابيا ويبتعد عن استعراض الماضي وربط الأحداث بعضها ببعض، وينبغي مراعاة البعد عن الكلمات التي فيها تجريح وتسقيط وإساءة وسخرية وإهانة واستهزاء وتفاضل وتحد للطرف الآخر. كلمة واحدة كفيلة بأن تكسر القلوب وتؤدي إلى تنافرها وابتعادها. قال الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام):
وَاحْرَصْ على حِفْظِ القُلُوْبِ مِنَ الأَذَى *** فرجوعها بعد التنافر يصعب
إِنّ القُلوبَ إذا تنافر ودُّها *** شبْهُ الزُجَاجَة ِ كسْرُها لا يُشْعَبُ
وفي الجهة المقابلة رب كلمة واحدة ممكن أن يكون لها أثر إيجابي ومراعاة للمشاعر بإدخال السرور ورفع المعنويات وجبر الخواطر وجعل القلوب تنبض حبا وألفة. تغيير الكلمات يلعب دورا كبيرا في تغيير العالم والعلاقات الزوجية، وكل زوج يشعر بالمسؤولية وبناء علاقة متينة يسودها الحب والود والاحترام ينبغي عليه مراعاة حسن اختيار كلماته أثناء الحوار وعدم التسرع في إطلاق أي كلمة إن كان لايقبلها لنفسه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١)- فتح الباري شرح صحيح البخاري / ٤٧٧٦
(٢)- سورة الروم – آية ٢١
(٣)- مستويات الانصات
(٤) – ستفن كوفي – العادات السبع للناس الأكثر فعالية
(٥) – مسند أحمد بن حنبل
(٦) – سورة الشورى – آية ٤٠
(٧) – سورة النور – آية ٢٢
عبدالله الحجي
المملكةالعربيةالسعودية
١٥ أبريل ٢٠١٩