وداعا للغالية (غالية)

قياسي

ماذا يعوض الإبن عن حضن أمه وعن صدرها الحنون في صغره وكبره؟! مهما بلغ الإنسان من عمر تبقى القوة التي تجذبه إلى صدر أمه ليرتمي عليه ويشعر بالدفء والهدوء والأمان والاستقرار بنبضات قلبها، ويرتشف كأس العطف والحنان. كم هي عظيمة تلك الأم التي حملت وصبرت، وأنجبت وربت، وسهرت وتألمت، وقاست وعانت…  كل ذلك وهي تتمنى لك الصحة والسعادة وطول الحياة والتوفيق والنجاح… لم تتضجر ولم تتمنى لحظة بأن تفارقها… ولم يخطر ببالها بأن راحتها تكون بفراقك..

بعد رحيل العم -قبل ١٩ سنة في نفس الشهر- تكفلت برعاية الأبناء ولم شملهم وجمع كلمتهم ليكونوا نعم الأبناء الصالحين البارين الذين يدعون لهم بالخير والرحمة والمغفرة. وعند الرحيل المفاجئ لإبنها محمد تألمت كثيرا وتمنت أن يكون يومها قبل يومه ليهنأ هو في بيته الجديد الذي سعى بكل شغف بتشييده وكان على وشك الانتقال إليه ولكن حال الأجل دون ذلك، ولم ترغب بامتلاك ماورثته منه بل وهبت نصيبها لبعض إخوته.

لقد كانت المرحومة خادمة للإمام الحسين وأهل بيته (عليهم السلام) وقد شملتها العناية الربانية والمحبة الإلهية خلال فترة مرضها التي دامت أربع سنوات وتعرضت لبتر رجلها. ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): ”إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا غته بالبلاء غتا وثجه بالبلاء ثجا، فإذا دعاه قال: لبيك عبدي لئن عجلت لك ما سألت إني على ذلك لقادر ولئن ادخرت لك فما ادخرت لك فهو خير لك“. عندما ينظر المحب إلى حبيبه وهو يتألم ويقاسي من شدة الألم تأخذه الشفقة والرحمة به ولكنه لن يكون أشفق ولا أرحم عليه ممن خلقه وتكفل به وما ابتلاه إلا حبا له وحكمة بما أعده له من الأجر والثواب كما ورد عن المصطفى (صلى الله عليه وآله): ”عجبت من المؤمن وجزعه من السقم، ولو يعلم ماله في السقم من الثواب لأحب أن لا يزال سقيما حتى يلقى ربه عز وجل“.

لقد كانت اسما على مسمى وكانت الغالية بمثابة الأم الحنون لي ولإخواني وأخواتي أبناء المرحوم عباس (بوعبدالله) وقد شاركت الوالدة في تربيتنا عندما كنا نعيش في بيت واحد جمع الوالد والعم أبا علي رحمة الله عليهم. لقد كانت تفرح لفرحنا وتحزن لحزننا وتعتبرنا أبناء لها وقد كانت أختا وصديقة للوالدة العزيزة التي تأثرت كثيرا بسماع خبر وفاتها. 

من المواقف التي لا تنسى معها لقد أزعجني تاريخ ميلادي الموحد (٧/١) وفي أحد الأيام كنت في زيارتها فطرحت عليها السؤال عن تاريخ ميلادي ولو بتحديد الشهر فقالت أنت من عمر إبني محمد ومولدك كان في شهر شوال مما يدل على قوة الذاكرة عندها.

يعز علينا ويؤلمنا فقدها ولكن الأمر لله عز وجل الذي يقول في محكم كتابه المجيد: ”كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ“. وقال تعالى: ” وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ“.

فلا نملك إلا أن نسلم لقضاء الله عز وجل ونسأله أن يتغمدها بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته ويحشرها مع من كانت تحبهم وتواليهم.

  • وفاة العمة خادمة أهل البيت الحاجة غالية بنت محمد اليوسف (زوجة العم حسين الحجي) رحمهم الله يوم الأربعاء ١٤٤٠/٧/١٣

عبدالله عباس الحجي

٢١ رجب ١٤٤٠