صلاة الرغائب والجدل السنوي
منذ أن وعينا ونحن نصلي صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من شهر رجب بين المغرب والعشاء بالكيفية المعهودة إلا أنه في السنوات الأخيرة كثر الكلام حول نقطتين: ١) أن وقتها بعد العشاء وليس بين المغرب والعشاء، و ٢) في أنها غير ثابتة ولم ترد عن الأئمة الطاهرين بل تصلى برجاء المطلوبية ويقترح البعض أداء صلاة جعفر الطيار (ع) بدلا منها.
١– بعض المصادر لصلاة الرغائب
ورد في بحار الأنوار في باب (عمل خصوص ليلة الرغائب زائدا على اعمال) مايلي: -١قد روى العلامة – ره – في إجازته الكبيرة عن الحسن بن الدربي، عن الحاج صالح مسعود بن محمد وأبي الفضل الرازي المجاور بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قرأها عليه في محرم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة عن الشيخ علي بن عبد الجليل الرازي عن شرف الدين الحسن بن علي، عن سديد الدين علي بن الحسن عن عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري، عن الحسين بن علي، عن الحاج مسموسم عن أبي الفتح نورخان عبد الواحد الأصفهاني، عن عبد الواحد بن راشد الشيرازي، عن أبي الحسن الهمداني عن علي بن محمد بن سعيد البصري، عن أبيه، عن خلف بن عبد الله الصنعاني، عن حميد الطوسي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما معنى قولك: رجب شهر الله؟ قال: أنه مخصوص بالمغفرة، فيه تحقن الدماء، وفيه تاب الله على أوليائه وفيه أنقدهم من نزاعه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صامه كله استوجب على الله ثلاثة أشياء: مغفرة لجميع ما سلف من ذنوبه، وعصمة فيما يبقى من عمره، وأمانا من العطش يوم الفزع الأكبر.
فقام شيخ ضعيف فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إني عاجز عن صيامه كله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: صم أول يوم منه، فان الحسنة بعشر أمثالها وأوسط يوم منه وآخر يوم منه، فإنك تعطى ثواب صيامه كله، ولكن لا تغفلوا عن ليلة أول خميس منه، فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الرغائب، وذلك أنه إذا مضى ثلث الليل لم يبق ملك في السماوات والأرض إلا، ويجتمعون في الكعبة وحواليها ويطلع الله عليهم اطلاعة فيقول لهم: يا ملائكتي اسئلوني ما شئتم فيقولون: ربنا حاجاتنا إليك أن تغفر
لصوام رجب، فيقول الله عز وجل قد فعلت ذلك.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس من رجب ثم يصلي ما بين العشائين والعتمة اثنا عشر ركعة يفصل بين كل ركعتين بتسليم يقرء في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة واحدة وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاث مرات و قل هو الله أحد اثنا عشر مرة، فإذا فرغ من صلاته صلى علي سبعين مرة، ويقول “ اللهم صل على محمد وعلى آله “ ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت العلي الأعظم، ثم يسجد سجدة أخرى فيقول فيها ما قال في الأولى ثم يسئل الله حاجته في سجوده، فإنها تقضى.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده لا يصلي عبد أو أمة هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه، ولو كان ذنوبه مثل زبد البحر وعدد الرمل ووزان الجبال وعدد ورق الأشجار ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار، فإذا كان أول ليلة في قبره بعث الله إليه ثواب هذه الصلاة في أحسن صورة فيجيئه بوجه طلق ولسان ذلق فيقول: يا حبيبي أبشر فقد نجوت من كل سوء فيقول: من أنت فوالله ما رأيت وجها أحسن من وجهك، ولا سمعت كلاما أحسن من كلامك، و لا شممت رائحة أطيب من رائحتك، فيقول: يا حبيبي أنا ثواب تلك الصلاة التي صليتها في ليلة كذا من شهر كذا في سنة كذا، جئتك هذه الليلة لأقضي حقك وأونس وحدتك، وأرفع وحشتك، فإذا نفخ في الصور ظللت في عرصة القيمة على رأسك فأبشر فلن تعدم الخير أبدا.
٢ – إقبال الأعمال: وجدنا في كتب العبادات مرويا عن النبي صلى الله عليه وآله ونقلته أنا من بعض كتب أصحابنا رحمهم الله فقال في جملة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله في ذكر فضل شهر رجب ما هذا لفظه: لكن لا تغفلوا عن أول ليلة جمعة منه فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الرغائب وساق الحديث إلى آخره إلا أنه قال: فإذا فرغ من صلاته صلى علي سبعين مرة يقول: ” اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آله ” ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح. ثم يرفع رأسه ويقول رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت العلي الأعظم ثم يسجد سجدة أخرى فيقول فيها مثل ما قال في السجدة الأولى ثم يسأل الله حاجته (١).
(١) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٩٥ – الصفحة ٣٩٧
وورد عن السيد البروجردي في جامع آحاديث الشيعة ”ولكن لا تغفل – 3 – عن ليلة أول جمعة منه، فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الرغائب، وذلك أنه إذا مضى ثلث الليل، لا يبقى ملك في السماوات والأرض الا ويجتمعون في الكعبة وحواليها، فيطلع الله عليهم، فيقول لهم يا ملائكتي سلوني ما شئتم! فيقولون يا ربنا حاجتك إليك ان تغفر لصوام برجب – 4 – فيقول الله عز وجل: قد فعلت ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس من رجب، ثم يصلى ما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة،…“ (٢)
(٢) جامع أحاديث الشيعة – السيد البروجردي – ج ٧ – الصفحة ٣٧٨
وورد في وسائل الشيعة للحر العاملي في باب استحباب صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب
1 – الحسن بن يوسف المطهر العلامة في إجازته لبني زهرة باسناد ذكره قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي ثم قال: من صامه كله استوجب على الله ثلاثة أشياء: مغفرة لجميع ما سلف من ذنوبه وعصمة فيما بقي من عمره، وأمانا من العطش يوم الفزع الأكبر، فقام شيخ ضعيف فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إني عاجز عن صيامه كله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: صم أول يوم منه فان الحسنة بعشر أمثالها وأوسط يوم منه وآخر يوم منه فإنك تعطى ثواب من صامه كله، ولكن لا تغفلوا عن ليلة أول جمعة منه فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الرغائب، وذلك إنه إذا مضى ثلث الليل لا يبقى ملك في السماوات
والأرض إلا ويجتمعون في الكعبة وحواليها ويطلع الله عليهم فيقول لهم يا ملائكتي سلوني ما شئتم فيقولون: يا ربنا حاجتنا إليك أن تغفر لصوام رجب فيقول الله عز وجل:
قد فعلت ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس من رجب ثم يصلي ما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة، فإذا فرغ من صلاته صلى على سبعين مرة يقول: اللهم صل على محمد وعلى آله ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح ثم يرفع رأسه ويقول:… (الخ) (٣)
(٣) وسائل الشيعة (الإسلامية) – الحر العاملي – ج ٥ – الصفحة ٢٣٢
٢– رأي السيد السيستاني
لقد وجه هذا السؤال لمكتب السيد السيستاني حفظه الله في جمادى ٢ / ١٤٣٨
س- هل صلاة ليلة الرغائب ثابت استحبابها لديكم؟
ج- صلاة ليلة الرغائب لم يثبت استحبابها ولا مانع من الاتيان بها رجاء.
المصدر : استفتاء
٣– الخلاصة
رأي السيد المرجع قاطع وواضح بأن هذه الصلاة لم يثبت استحبابها ومن أراد الإتيان بها يكون بعنوان رجاء المطلوبية. ويقول بعض الفضلاء لامانع من أدائها رجاء والإتيان بصلاة جعفر أيضا.
والكلام لو كان الإنسان لا يتمكن من أداء الصلاتين لظروف ما فأيهما أفضل؟
إن كانت صلاة الرغائب غير ثابتة حسب قول المرجع فلم لايؤتى بصلاة ثابتة للتعبد بها في هذه الليلة مثل صلاة جعفر خصوصا إذا كان الإنسان مخيرا بين الأفضل وأداء إحدى الصلاتين حسب ظروفه. فصلاة جعفر من المستحبات المؤكدة والأخبار متواترة فيها فهي الاكسير الأعظم والكبريت الأحمر وهي مرويّة بما لها من الفضل العظيم باسناد معتبرة غاية الاعتبار واهمّ ما لها من الفضل غفران الذّنوب العظام، ولا مانع من أن تؤدى في المساجد بعد صلاة العشاء كما هو وارد في الروايات أعلاه بخصوص وقت صلاة الرغائب.
فضل صلاة جعفر
ورد عن السيد الخوئي في كتاب الصلاة بأنها ”تسمى صلاة التسبيح وصلاة الحبوة وهي من المستحبات الأكيدة ومشهورة بين العامة والخاصة والأخبار متواترة فيها فعن أبي بصير عن الصادق عليه السلام أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجعفر ألا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك فقال له جعفر بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال فظن الناس أنه يعطيه ذهبا وفضة فتشوف الناس لذلك فقال له إني أعطيك شيئا إن أنت صنعته كل يوم كان خيرا لك من الدنيا وما فيها فإن صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة غفر لك ما بينهما وفي خبر آخر قال ألا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك ألا أعلمك صلاة إذا أنت صليتها لو كنت فررت من الزحف وكان عليك مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا غفرت لك قال بلى يا رسول الله والظاهر أنه حباه إياها يوم قدومه من سفره وقد بشر ذلك اليوم بفتح خيبر فقال صلى الله عليه وآله والله لا أدري بأيهما أنا أشد سرورا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر فلم يلبث أن جاء جعفر فوثب رسول الله صلى الله عليه وآله فالتزمه وقبل ما بين عينيه ثم قال ألا أمنحك الخ وهي أربع ركعات بتسليمتين يقرأ في كل منها الحمد وسورة ثم يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة وكذا يقول في الركوع عشر مرات وبعد رفع الرأس منه عشر مرات وفي السجدة الأولى عشر مرات وبعد الرفع منها عشر مرات وكذا في السجدة الثانية عشر مرات وبعد الرفع منها عشر مرات ففي كل ركعة خمسة وسبعون مرة ومجموعها ثلاثمائة تسبيحة.
ربما يقول البعض أنها غير واردة في ليلة الرغائب ولكن ما المانع من ذلك فقد ورد عن السيد الخوئي (قدس سره) مسألة في نفس المصدر أنه ”يجوز اتيان هذه الصلاة في كل من اليوم والليلة ولا فرق بين الحضر والسفر كما ورد في صحيحة ذريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن شئت صل صلاة التسبيح بالليل وإن شئت بالنهار وإن شئت في السفر وإن شئت جعلتها من نوافلك وإن شئت جعلتها من قضاء صلاة.
وأفضل أوقاتها يوم الجمعة حين ارتفاع الشمس كما ورد في رواية الحميري وفيها (أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة)
ويتأكد اتيانها في ليلة النصف من شعبان لرواية ابن فضال قال سألت علي بن موسى الرضا (ع) عن ليلة النصف من شعبان.. فقال ليس فيها شئ موظف ولكن إن أحببت أن تتطوع فيها بشئ فعليك بصلاة جعفر بن أبي طالب (ع).
وقد أورد نفس المصدر مسائل أخرى لمن أراد أداء هذه الصلاة:
(مسألة): لا يتعين فيها سورة مخصوصة لكن الأفضل أن يقرأ في الركعة الأولى إذا زلزلت وفي الثانية والعاديات وفي الثالثة إذا جاء نصر الله وفي الرابعة قل هو الله أحد.
(مسألة): يجوز تأخير التسبيحات إلى ما بعد الصلاة إذا كان مستعجلا كما يجوز التفريق بين الصلاتين إذا كان له حاجة ضرورية بأن يأتي بركعتين ثم بعد قضاء تلك الحاجة يأتي بركعتين أخريين.
(مسألة): يجوز احتساب هذه الصلاة من نوافل الليل أو النهار أداءا أو قضاءا فعن الصادق (ع) صل صلاة جعفر أي وقت شئت من ليل ونهار وإن شئت حسبتها من نوافل الليل وإن شئت حسبتها من نوافل النهار حسب.
كتاب الصلاة – السيد الخوئي – ج ٧ – الصفحة ٣٥٥
عبدالله الحجي
١ رجب ١٤٤٠