كسر القلوب وتنافرها 

قياسي

كسر القلوب وتنافرها 

وَاحْرَصْ على حِفْظِ القُلُوْبِ مِنَ الأَذَى ***  فرجوعها بعد التنافر يصعب

إِنّ القُلوبَ إذا تنافر ودُّها      ***    شبْهُ الزُجَاجَة ِ كسْرُها لا يُشْعَبُ

لاتخلو أي علاقة مهما كانت وفي أي مكان من الاختلاف في وجهات النظر والفكر والمعتقد وذلك أمر طبيعي لاختلاف الثقافات والقناعات. في كل يوم يمر الإنسان بمختلف المواقف التي يختلف فيها مع من حوله وذلك يعد أمر صحي مع شرط الالتزام بالاحترام والتقدير وحفظ اللسان من المساس بالمشاعر وكسر القلوب بالكلمات الجارحة المؤذية، فرب كلمة قالت لصاحبها دعني بسبب الأذى الذي تحمله بين طياتها والمشاكل التي تخلقها والخلافات والفتن التي تؤججها. قال الله تعالى: ” وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا”؛ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “المسلم من سلم الناس من يده ولسانه”. وفي الجهة المقابلة رب كلمة واحدة ممكن أن يكون لها أثر إيجابي بأن تحفز قلبا وتدخل عليه الأمل والسرور، وتجعله ينبض بالمحبة والحيوية والنشاط.

البيتان أعلاه للإمام علي (عليه السلام) مدرسة في الأخلاق وكيفية التعامل مع الآخرين ومداراة مشاعرهم للحفاظ على ود القلوب وتجنب تنافرها. بعض الخلافات يمكن معالجتها بسهولة وبحكمة قبل أن تتأزم وذلك بتفهم الأطراف المختلفة وحكمتهم والمبادرة بالإعتذار من قبل المخطئ، والتسامح والعفو والصفح من الطرف الآخر، أو الاعتذار منهما معا إذا ماكان الخطأ مشتركا. إلا أن بعض الخلافات قد تصدر منها كلمات جارحة مؤذية للقلب وتترك لأيام حتى تأخذ مأخذها ويبدأ التنافر بين القلوب وحينها يصبح الأمر أكثر صعوبة وتأزما لرجوعها وكلما تركت لمدة أطول تنافرت أكثر وربما تصل عند البعض إلى درجة الحقد والغل والعياذ بالله وقد شُبهت القلوب بالزجاج الذي لايجبر بعد الكسر.

حثنا ديننا الحنيف على ثقافة الاعتذار لمافيه من مصلحة في المحافظة على العلاقات الأسرية والاجتماعية وغيرها. فالإنسان غير معصوم ويصدر منه الخطأ سواء كان إراديا أو لاإراديا ولكنه مطلوب منه المبادرة بالاعتذار ممن أخطأ عليه بلا مكابرة وعناد وإصرار على الخطأ. كما أن الطرف الآخر مطلوب منه العفو والصفح والتسامح بلا مكابرة أو غرور أو إلحاق ذل أو إهانة وانكسار للطرف المخطئ لما له من الأجر والثواب عند الله عز وجل. قال تعالى: “فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ”، وقال (تعالى): “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ”. 

ومنهم من يتعالى ويتصور بأن العفو والصفح والتسامح هو ضعف وذل وهذه نظرة خاطئة بل في العفو العزة والرفعة وسمو الخلق كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): “عليكم بالعفو، فان العفو لايزيد العبد إلا عزا، فاعفوا يعزكم الله، وإن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله”. 

عبدالله الحجي

٢٠١٨/٧/١٦