وجدنا عليه آباءنا

قياسي

وجدنا عليه آباءنا

استوقفني الحوار الذي جرى بين نبي الله إبراهيم (عليه السلام) وقومه عندما سألهم (ماهذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون)، فكان جوابهم (قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ) سورة الأنبياء  ٥٣.

لم يتحيروا في الإجابة ونسبوها مباشرة إلى ماوجدوا آباءهم عليه فشدني الفضول للبحث عن الآيات المماثلة لكثرة سماعها بصيغ متعددة فوجدت تسع آيات في سور مختلفة ولأحداث مختلفة استخدمت الفعل (وجدنا) ماعدا واحدة منها بالفعل (ألفينا).

عندما تسأل طفلا ماذا تريد أن تكون عندما تكبر فغالبا ماتكون إجابته مطابقة للمهنة التي يزاولها والده. ذلك أمر طبيعي لأن فكره محدود وتنقصه المعرفة والثقافة والإدراك والوعي، ومن جهة أخرى فإن أباه هو قدوته في الحياة يتأثر به ويتبعه ويقلده في معظم تصرفاته وسلوكه الحسن أو السيئ. وما أن يكبر الابن ويشق طريقه في الحياة ويتخرج من مرحلة تعليمية إلى أخرى، ويبدأ بالتفكير يغير مساره الأكاديمي والمهني بما يتناسب مع ميوله ورغباته ويتحرر تدريجيا ليكون له رأيه ووجهة نظره المستقلة عن والده سواء بالتوافق أو الاختلاف.

في الآيات التي تناولت الموضوع يوجد استنكار واضح لاتباع الآباء في سلوكهم وتصرفاتهم بشكل أعمى من دون تفكير لأن الأباء قد (لايعلمون.. لايعقلون.. لا يهتدون) ومن ثم قد يؤدي اتباعهم إلى نهج طريق الضلال والهلاك. اتباع الآباء ممتد عبر العصور ولامانع من أن يتخذ الابن أباه قدوة له يحتذي به وبتصرفاته الحسنة، ولكن المشكلة تكمن عندما تعطل وتجمد وتكبل القوى العقلية بالاتباع الأعمى في كل شيء من شؤون الحياة.

وهبنا الله جل وعلا العقل لنميز بين الحق والباطل، بين ماينفعنا و مايضرنا، ونبحث ونفكر ونتدبر ونحلل بعيدا عن العاطفة والمؤثرات الجانبية، ويكون قرارنا لأي شأن مبنيا على معرفة وإداك و قناعة لتكون لدينا القدرة للدفاع عنه وتوضيح المبررات التي جعلتنا نتبعه بدلا من أن نعزوه إلى آبائنا ونردد قول (وجدنا عليه آباءنا). وليس شرطا بأن يكون الآباء دوما على باطل وضلال باتباعهم لأمر ما في أوقاتهم وظروفهم التي قد تكون تغيرت جذريا ولم تعد ملائمة لأبنائهم والأجيال الذين يأتون بعدهم.

إن أبلغ الكلام كلام الله عز وجل وجميل أن نطلع ونقرأ ونتدبر في الآيات الواردة في كتابه المجيد:

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)

البقرة ١٧٠

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)

المائدة ١٠٤

(وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)

الأعراف ٢٨

(قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ)

يونس ٨٧

(قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ)

الأنبياء  ٥٣

(قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ)

الشورى ٧٤

(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ)

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ)

لقمان ٢٠ – ٢١

(بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ)

الزخرف ٢٢

(وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)

الزخرف ٢٣

عبدالله الحجي

٢٠١٨/٣/٨

 Маддоҳлик “санъати ва усуллари” ёҳуд топталаётган Ҳуррият

الصورة من النت