التقييم السنوي.. تحفيز أَم تثبيط
قرأت قبل أشهر خبرا بعنوان “الجهات الحكومية تواجه تحدي التقييم الوظيفي الجديد” وعنوان إضافي “ثغرات في التطبيق ومخاوف من الأخطاء ومطالبات بالتأجيل”. لقد شد انتباهي هذا الخبر لمعرفة المزيد عن هذا التقييم الجديد متمنيا أن لايقعوا في شراك نفس النظام المعمول به لدى بعض الشركات والمؤسسات.
يحرص كل قائد مثالي على التأثير في التابعين له وتحفيزهم وتشجيعهم للعمل بروح الفريق الذي ينعكس على حماسهم وتميزهم وزيادة الإنتاجية. في مقابل ذلك يترقب الموظفون التقدير والتقييم الذي يتناسب مع جهودهم وإنجازاتهم في نهاية العام. ولكن مع الأسف مع نظام التقييم المطبق في بعض منظمات العمل يكون القائد في موقف محرج أمام التابعين له ويمتعض من فترة التقييم الذي يقف فيها عاجزا عن دعم أعضاء فريقه وتقييمهم حسب أدائهم الحقيقي. ومن جهة أخرى يصاب التابعون له بخيبة أمل وإحباط وتحطيم معنويات بالنتيجة النهائية للتقييم.
في بداية كل عام يجلس القائد مع كل عضو من أعضاء فريقه ويناقش ويتفق على بعض الأهداف المطلوب تحقيقها والمهارات خلال العام ويتم اعتمادها من قبل الطرفين. في نهاية العام يحقق الموظف كل الأهداف ويجيد المهارات ويتخطى التوقعات ولكنه يتفاجأ بعدم حصوله على التقدير الذي يستحقه ويتناسب مع أدائه. وغالبا مايسمع من قائده الإطراء والتقدير ولكنه يعتذر منه بأن نظام التقييم لايسمح بتجاوز الحصص المتفق عليها. ذلك هو النظام الجديد المزمع تطبيقه والذي يعرف بالتصنيف القهري أو الإجباري (force ranking).
التصنيف الإجباري يصنف الموظفين إلى ٤ أو خمس فئات على سبيل المثال (ممتاز – جيد جدا – جيد – مرض – غير مرض ) بحيث تكون نسبة الفئة الأولى والثانية ٢٠٪ – ٣٠٪ والنسبة الكبرى تقريبا ٥٠٪ – ٦٠٪ بتقدير متوسط أو جيد و١٠٪ غير مرض. إن من يطالب بتطبيق هذه الآلية من الإدارة العليا ينظر إلى إيجابيتها في تحديد نسبة ضئيلة من الفئة المتميزة للإستثمار فيهم وتنميتهم لتولي القيادة، ومن جهة أخرى تصنيف الفئة الأخيرة التي أداؤها غير مرض للتخلص منها. ولكن هل هذه الإيجابية تستحق تطبيق هذا النظام مقابل الكم الهائل من السلبيات والضرر على باقي الموظفين ومنظمة العمل؟
أول من طبق هذه الآلية للتقييم هو جاك ولتش عندما كان رئيسا لشركة جي إي (GE) من عام ١٩٨١ إلى ٢٠٠١ للتخلص من عدد من الموظفين، وقد تم تبنيها بسرعة من قبل الشركات الأخرى. استمر العمل بها ولكن بعض الشركات أساءت تطبيقها مما نتج عنه خسارتها بسبب تحطم معنويات موظفيها وإحباطهم وقلة الإنتاجية وعزوفهم عن الإبداع والابتكار وهذا ماحدث لموظفي كثير من الشركات ومنها شركة مايكروسوفت التي اضطرت إلى توقف العمل بهذا النظام في عام ٢٠١٣ واختيار نظام آخر بعد الاستماع إلى التغذية الراجعة من موظفيها. وجدير بالذكر أن شركة جي إي (GE) قد تخلصت أيضا من هذا النظام في عام ٢٠٠١ واستبدلته بنظام آخر إلا أن بعض منظمات العمل لازالت متشبثة به، والبعض الآخر فقط الآن يفكر في تطبيقه.
نظام التصنيف الإجباري له سلبيات كثيرة فعلى سبيل المثال عندما يكون عدد الموظفين قليلا مثلا عشرة (١٠) فإن عدد الحاصلين على تقدير ممتاز وجيد جدا لايتجاوز الثلاثة (٣) والأغلبية بتقدير جيد حتى وإن كان أداؤهم متميزا فتطبيق النظام بحذافيره لايسمح بتجاوز النسب المحددة في كل قسم إداري. بكل تأكيد هذا النظام لايسمح بتقييم كل موظف حسب أدائه بل أن مايحكمه هو المنحنى الذي يُلزم كل قائد باتباعه بغض النظر عن الأداء الحقيقي لكل موظف مما يصيبهم بالإحباط وتحطيم المعنويات والعزوف عن الإبداع والعمل بروح الفريق. كما أن الموظف يفقد الثقة وتنعدم لديه المصداقية في وعود قائده وتحفيزه لأنه سيقف في نهاية العام -لاحول له ولاقوة- وعليه أن يطبق مايُمليه عليه النظام حتى وإن اضطر لتخفيض التقدير لمن تساوى أداؤهم من ممتاز إلى جيد جدا أو جيد وهو غير مقتنع. فترة التقييم هي من أحرج أوقات السنة على الكثير من القادة، والبعض يقترح التناوب في توزيع تقدير الإمتياز بين الموظفين في كل عام لإرضائهم ولكن ذلك ليس حلا منطقيا، وغير منصف، واستمرار القائد في نفس المنصب غير مؤكد. ومما يزيد الطين بله عندما تترتب آثار على هذا التقييم الذي لايعكس الواقع كأن يُستخدم كمعيار وأداة في تحديد العلاوات والترقيات.
لنكن منصفين مع الإحترام للموظفين ولابد من تقبل ذلك فهناك تفاوت في الأداء والكفاءات والمهارات ولايمكن أن يكونوا جميعا متميزين. ومع الإحترام لمنظمات العمل فإن التقييم بالتصنيف الإجباري فيه إجحاف وظلم للعديد من الكفاءات التي استثمرت في نموهم وتطويرهم. لضمان نجاح هذا النظام في التقييم السنوي وتقليل الآثار السلبية على الموظفين وأدائهم يتطلب أن يكون هناك مرونة أكثر أثناء التطبيق ومراجعة النسب لكل فئة حسب نوعية، وعدد، وكفاءة الموظفين، والبعد عن النظرة السائدة وفلسفة بأن مايقارب ٦٠٪ من الموظفين تقديرهم متوسط. أو البحث عن آليات وأنظمة أخرى للتقييم، والتغذية الراجعة المستمرة، والتركيز على مراجعة و تطوير الأداء بما يحقق الأهداف الاستراتيجية لمنظمة العمل في بيئة صحية جاذبة ومحفزة.
عبدالله الحجي
٢٠١٨/٢/٣
مقال جميل جداً وناتج عن ممارسة مثل هذا التقييم وبالفعل القائد مجبر على مثل هذا التقييم وحتى لو تم تجاوز النسب المذكورة فإن الإدارة العليا تقف له بالمرصاد وتطلب منه إعادة التقييم حسب النسب المحددة
بالإضافة لتحيز القادة لموظفين تربطهم صلة قرابة أو مصلحة شخصية
كلام في الصميم لابد من مراجعة هذا النظام الفاشل و استبداله بأنظمة تحفز الموظفين وترضي ارباب العمل ….احسنت بومحمد
موضوع قيم بومحمد
أتمنى أن ينشر على نطاق واسع ليصل المسؤول
مقال ناتج عن خبرة ومحاكاة في الحياة العمليه حيث أنك من خلال ممارستك لنظام التقيم لسنوات طويلة أستطعت بذكاء وفطنة أن توضح عيوب وأخطاء هذا النظام وأن تضع النقاط على الحروف حيث أن النتيجة لهذا التقيم الغير منصف هو أن الكثير من الموظفين يصبحون ضحايا هذا النظام ويذهب مجهودهم أدراج الرياح والسبب هو مساوئ هذا النظام والذي يعتبر أكبر عامل لتحطيم المعنويات والقدرات والأبداع لدى الموظفين …
بارك الله فيك ياأبامحمد
مقال جميل يعكس الواقع ولكن للتخلص من سلبياته لابد أن تتخلص العقول والأنفس عن مايشوب كفة العدل. أي نظام يعمل به غير مجد مادام الانسان نفسه هو المتحكم في ميلان كفة التقيم لتتلائم مع هواه او مايملي عليه النظام.
الله يوفقك لكل خير…
طبعا التقيم السنوي يقوم على الاداره الماليه .لذا تجد الاغلبيه العظمى تقع في خانة الجيد وهذا واقعي ومنطقي اذا أعطي الأجدر والأفضل تقيما مرتفع خارج عن هوى النفس
مقال رائع وتم تغطية عدة جوانب
تقرير جداً ممتاز ومعلومات مفصلة قيمة لمن يفتقر عن كيفية عمل التقارير السنوية لدى الشركات الكبرى.
👍👍👍🌹👌
مقال جميل و في الصميم و لكن لا حياة لمن تنادي و فاقد “الانصاف” لا يعطيه !
والله شوف احياناً محفز ومعرفة نقاط الموظف التي تحتاج الى عنايه ومراجعة اخطائه واصلاحها
واحياناً موظف لا يوجد مستمسك عليه من جميع النواحي واخر السنه او حتى سنتين مسؤلك يعتذر ويعدك في السنه القادمه هُنا يكمن احباطك في العمل ويقل انتاجك نتيجة الا مساواة ولا تقدير لجهودك وتجد موظف اقل منك في الأنتاجيه والأداء والمواظبه والتقارير والزياده والثناء والأطراء الى جانبه .
جميل جدا ابو محمد
خاصة عند الاستدلال بشركات كبرى تأثرت بسبب تطبيق هذا النظام و الاجمل نداء التعديل على هذا النظام
هناك آليه اتخذها شخصيا لتفادي الوقوع في شرك هذا النظام وهو تحديد موعد مع المدير المباشر في منتصف العام لقياس الأداء والاستفسار ما اذا كنت أسير في الاتجاه الصحيح أم لا
في الغالب يكون هذا الفعل ذا فائدة و مردود جيد و لكن للأسف لا تتمكن من تأمين الفيد باك رسمياً (مكتوباً)
موفقين 🌷