أبناؤنا والشعور بالمسؤولية

قياسي

أبناؤنا والشعور بالمسؤولية

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”

حسب المعاجم العربية تعرف المسؤولية (أخلاقيا) بأنها التزام الشخص بما يصدر عنه من قول أو عمل. وكثيرا مانسمع أن الشخص الفلاني لايشعر بالمسؤولية عندما يصدر منه أي تصرف أو سلوك غير مقبول داخل الأسرة أو في المجتمع. الأمثلة على ذلك كثيرة نتوقف عند البعض منها على سبيل الاختصار:

أمثلة لبعض التصرفات والسلوكيات اللامسؤولة:

١- شخص يجلس من النوم لايكترث بترتيب سريره، ينزع ملابسه ويرميها في أركان الغرفة، ولايهتم بنظافة جسمه وأسنانه.

٢- شخص متهور في قيادة السيارة يتفنن في قصات الشعر.. يزعج الآخرين بالتفحيط وصوت المسجل الصاخب والمخالفات المرورية.. يفتح نافذة السيارة ويرمي المهملات في الشارع.

٣- شخص يسرف في استخدام الماء واستهلاك الكهرباء.

٤- شخص يتهاون في أداء الصلاة ويؤخرها عن وقتها إن لم يتركها.

٥- طالب سيئ السلوك وغير منضبط في المدرسة يثير الفوضى.. لايحترم المعلمين والطلاب.. لايحافظ على نظافة المدرسة والممتلكات العامة.

٦- موظف مقصر في أداء عمله.. يؤخر المعاملات ولا تزيد إنتاجيته عن ساعة أو ساعتين في اليوم.

والقائمة تطول بالعديد من التصرفات التي لاتنم عن الشعور بالمسؤولية وتحملها. هذه العينة من الأشخاص لها أثار سلبية على الأسرة والمجتمع لأنها تشكل عالة وعبئا ولا تسهم في نهضة الوطن وتطوره بل أنها تسهم في تأخره وتخلفه. عندما يسافر أحدنا لأحدى الدول المتقدمة ينبهر بما يشاهده من نظافة وتنظيم وانضباط والتزام بالوقت فيبدأ بالمقارنة ويقول بأنهم أفضل منا.. لديهم ثقافة ووعي ونحن ينقصنا الثقافة والوعي.

لماذا ينقصنا الثقافة والوعي ونحن نرفل في نعمة ديننا الحنيف والرسالة المحمدية بثقافتها وتعاليمها ومنهجيتها الشاملة لجميع احتياجات الحياة؟ نعم لاقصور في ذلك وإنما القصور في التطبيق، فكيف نعزز هذه الثقافة ونكون أكثر وعيا وشعورا بالمسؤولية.

ربما يقول قائل بأننا بحاجة لدورات تدريبية مكثفة للمواطنين لمحاربة التصرفات اللامسؤولة والارتقاء بالمجتمع وتقويم السلوك والانضباط. وقد يقول آخر بأننا بحاجة للعمل الميداني المشترك كما كان من حملات نظافة البيئة التي كان لها ضجة إعلامية واسعة وصدى واسع شارك فيها الرجال والنساء والصغار والكبار.

لاشك بأن لذلك أثر ومردود إيجابي ولكنه ليس الحل الأمثل فتأثيره لحظي على المدى القصير ولايدوم طويلا ثم يعود كل شخص على مااعتاد وتربى عليه من سلوك، ولابد أن تعالج المشكلة من جذورها. العلاج الحقيقي ينبع من الأسرة ذاتها ولابد من الاستثمار في السنوات الأولى من مرحلة الطفولة لتشكيل الطفل كيفما نشاء ونغرس فيه القيم والمبادئ  الجميلة والآخلاق الحميدة لتنعكس على سلوكه وتصرفاته ونصنع أجيال وقادة مسؤولين أكفاء للمجتمع متحررين من الاتكالية واللامبالاة. ولتكميل دور الأسرة فقد شرعت الكثير من البلدان في استثمار الروضات لغرس هذه القيم في المراحل الأولى قبل الالتحاق بالمدارس.

بعض الأسباب لتنشئة جيل لامسؤول:

١- الدلال والحنان المفرط للأبناء من قبل الوالدين.

٢- الخوف عليهم من التعب والعناء والبحث عن راحتهم والقيام بشؤونهم وعدم اشراكهم.

٣- القسوة والعنف وإسماعهم الكلمات والعبارات السلبية مثل (أنت غبي) أو (مهمل) أو (لست على قدر المسؤولية) أو غيرها من الكلمات التي تحطم معنوياتهم وتفقدهم الثقة بأنفسهم ويتبرمج عليها العقل الباطن.

٤- اتخاذ القرارات نيابة عنه حتى لو كانت قرارات صغيرة مثل اختيار الملابس التي يلبسها أو تلك التي نشتريها أو الطعام الذي يأكله.

٥- وجود المربية أو السيدة التي توفر مختلف الخدمات في المنزل للصغير والكبير وكل ماعليهم الجلوس والاضطجاع وإصدار الأوامر.

٦- الخوف من الوقوع في الخطأ والنقد.

٧- انشغال الوالدين وابتعادهم عن الأبناء، والتفكك الأسري.

آلية العلاج:

١-تعزيز الشعور بالمسؤولية لدى الأطفال من البداية والإتفاق على تحمل المسؤولية كثقافة وتحويلها لقيم تمارس داخل الأسرة والمجتمع.

٢- تعليم الأطفال القيام ببعض المهام الخاصة بهم منذ السنوات الأولى مثلا تدريبهم على ترتيب غرفهم  وتجميع ألعابهم، وتنظيف المكان بعد الانتهاء من اللعب.

٣-الدعم والتشجيع و الاستمرار في إضافة المزيد من المهام حسب العمر والقدرات والإمكانات ولامانع من مساعدتهم مع بعض التوجيهات.

٤- التدرج معهم في المهام والقيام ببعض الأعمال المشتركة المناسبة داخل المنزل فعندما يعمل الوالد ويساعد الزوجة فذلك يوجه رسالة ودرسا عمليا ويكون قدوة يحتذي به الأبناء.

٥- تشجيعهم لمساعدة الإخوان في أعمال المنزل والتقليل من الاعتماد على الخدم، ومساعدة الأصدقاء في المدرسة وخارجها لغرس أهمية العطاء والعمل بروح الفريق.

٦- تشجيعهم على الانخراط في الأنشطة التطوعية  وتعزيز الشراكة المجتمعية والشعور بالمسؤولية العامة وخدمة الوطن.

٧- التشجيع على توزيع المصروف الشهري وادخار على الأقل ١٠٪ شهريا.

٨- تفويضهم للقيام بمهام كبيرة ومهمة تشعرهم بالمسؤولية وثقة الوالدين بهم والاعتماد عليهم فذلك يعزز الثقة بأنفسهم فعلى سبيل المثال تفويضهم لتولي إدارة ميزانية المنزل، وإدارة بعض المشاريع والشراء والبيع والتفاوض والتواصل مع الآخرين لتنمية مهاراتهم ومواهبهم.

٩- تدريبهم على تحمل مسؤولية تصرفاتهم وسلوكهم وتطوير وتنوع المسؤوليات ليكن فيها إبداع وتغيير وتجديد للخروج من منطقة الراحة التي اعتادوا عليها ولكي لايشعروا بالملل.

١٠- فسح المجال لهم لاتخاذ القرارات الخاصة بهم حتى وإن لم تروق لنا وتنال إعجابنا فلا مانع من أن نضحي في البداية ونتقبل قراراتهم في سبيل صنع رجال وقادة يعتمد عليهم يتمكنوا من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم..

١١- التشجيع على المغامرة والعمل وتجاوز حاجز الخوف والفشل، ومواجهة التحديات وتحويلها لفرص مثمرة، فمن لايخطئ ومن لايستفيد من تجاربه ومراحل الإخفاق التي يمر بها لايتعلم ولا يتقدم. فكما قال الإمام علي (ع): “إذا هبت أمرا فقع فيه”

١٢- ترويض النفس في تقبل النقد لأن من يتجنب النقد فإنه سيعيش التخلف بعيدا عن التغيير والتجديد والتطوير والإبداع خوفا من كلام الناس، فكما يقال “لكي لاتنتقد لاتفعل شيئا”.

١٣- حسب الدراسات بأن دفع المال كحافز منذ السنوات الأولى غير محبذ لكي لايكون المال هو الدافع والمحرك لهم للقيام بأي عمل في المستقبل.

١٤- مراعاة الأسلوب عند الطلب فلا يكون بصيغة الأمر مثل (اذهب –  تعال – افعل – لاتفعل) بل أن يقال: (ماذا لو… هل يمكن …)

١٥- التدريب على كتابة برامج الغد لتدريبهم على التخطيط، والالتزام بإدارة الوقت وعدم التسويف.

١٦- اجعلهم يشعرون بأهمية القراءة والصداقة مع الكتاب.

١٧- افتخر بهم أمام الاخرين واثن على جهودهم وتحملهم المسؤولية ولاتنتقدهم، وتشعرهم بالتقصير أمام الآخرين.

١٨- تهذيب سلوك الوالدين بخصوص الألفاظ السلبية وتعزيز ثقافة الاعتذار منهم عند الخطأ.

١٩- التقليل من الدلال والحنان المفرط الذي يفسدهم ويتعبهم في التعامل مع المجتمع.

٢٠- الجلوس مع الأبناء والعمل بوصية سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله): “لاعب ابنك سبعا، وأدبه سبعا، وصاحبه سبعا”. ويقول الإمام الصادق (عليه السلام”: “دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدب سبعا، وألزمه نفسك سبع سنين، فإن أفلح وإلا فإنه لاخير فيه”.

عبدالله الحجي

٢٠١٨/٢/١