ربّ كلمة قالت لصاحبها دعني
إنها مجرد كلمة مكونة من بضعة أحرف تخرج من بين الشفتين بأقل جهد تطير في الهواء نحو المتلقي فإما أن يكون لها وقع إيجابي على النفس و تكون بلسماً تداوي العلل، وتكشف الهموم، وتزيل الأكدار والغموم، وتكسب القلوب، وتشحذ الهمم، وتلهم وتحفز وترفع المعنويات، وتدفع إلى مرضاة الله، وترسم خارطة طريق النجاح، وتجلب السعادة، وإما أن تتبرأ من صاحبها وتنفر منه وتطلب منه أن يدعها مكانها لما يترتب على خروجها من انعكاسات وآثار سلبية تجلب الضرر والويلات والحسرات والخلافات.
كلمة قد تخرق الفؤاد وتكون أشد ألما من السهم عندما تصدر من شخص متعجرف متبلد المشاعر والإحساس لايزن الكلمة قبل خروجها، ولايقيسها على نفسه إن كان يتقبلها..
كلمة خرجت من متكبر متغطرس لايرى في الوجود إلا ذاته فيصاب بآفة العجب والغرور ويكيل بكلماته ليسقط ويقزم من حوله ويحرجهم ويشهر بهم ويشوه سمعتهم من أجل أن يبرز هو ويعلو ويسمو، ولكن مهما علا وارتفع فلن يدوم طويلا في قمة الهرم الهش وسيأتي اليوم الذي يهوي للقاع، ولن تنفعه كلمته التي سلها كالسيف في وجه الآخرين بلا مداراة، ولا تقدير واحترام.
كلمة خرجت لا إراديا من غاضب متهور لم يتمالك نفسه ويكتم غيظه ويتحلى بالحلم فجرحت المشاعر وحطمت وهشمت ماتم بناؤه خلال سنوات من علاقات وطيدة.
كلمة خرجت من مرب أو معلم أو مسؤول خلقت جوا من اليأس والاحباط والفشل وتحطيم المعنويات والتقهقر للوراء.
كلمة خرجت من سلبي لايرى إلا الجزء الفارغ من الكأس يفتش ويتصيد في الماء العكر ويتتبع العثرات بقصد الهدم -لا البناء- ومن أجل إبراز نفسه ومن يتوافق مع أهوائه وميوله وتوجهاته ومرئياته وتسقيط ماعداهم بأي وسيلة.
كلمة متهورة في غير محلها خرجت في شأن سياسي لاتقدم ولاتؤخر ضررها على النفس أكبر من نفعها.
كلمة خرجت بأفكار هدامة منحرفة بلا ورع ولا تقوى قد تُخرِج صاحبها من الدين والملة أو تجعله منبوذاً قصدها غير نزيه تحمل أغراضا شيطانية لتضليل الآخرين، وبث الفرقة، وإثارة الفتنة، وتسليط الأضواء، وتسقيط المنافسين لإخلاء الساحة، ونيل الإشارة بالبنان.
كلمة خرجت من حاسد ناقم غيبة أو بهتانا أو استهزاء أو سخرية أو لمزا أو استخفافا بالعقول والقدرات والكفاءات بسبب مرض نفسي يعاني منه صاحبه لم يترك له شيئا من حسناته إلا وحرقها وحرمه منها.
فهل السبيل هو الصمت وعدم الكلام؟ كلا وإنما الصمت أفضل لمن لايستطيع أن يملك لسانه ويتحكم فيه بأدب ولايتمكن من قول الخير، فكما قيل لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك. . وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت”. فكل كلمة هي مسجلة قال تعالى: “مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ”. ويبقى الأمر مفتوحا للكلام في أمور عدة بالرغم من الاختلاف الطبيعي في وجهات النظر، والقناعات، والفلاتر التي يحملها كل شخص. فالمجال متاح للنصيحة، والنقد البناء، والحوار الهادئ، والإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبر القنوات المناسبة والأساليب المثلى مع الالتزام بالاحترام والأدب، والنوايا الحسنة.
ويبقى قرار الكلمة قرارا شخصيا يختلف من شخص لآخر كل حسب حكمته وخلقه وقناعته وتشخيصه وقراءته للموقف فلكل مقام مقال بشرط أن يتحمل النتائج المترتبة على قراره.
عبدالله الحجي
٢٠١٨/١/٢٢