ما قيمتك؟
قبل سنوات كنا في الهند لإجراء مقابلات توظيف مهندسين لدعم مشاريع الشركة وواجهتنا بعض المواقف التي تستحق الوقوف عليها أكتفي بذكر واحد منها. تقدم أحد المهندسين للمقابلة الشخصية واجتازها بنجاح وقدمت له الشركة عرضا مميزا ولكن تفاجأنا بعودته إلينا ورفضه للعرض مكتفيا بتقديم الشكر والامتنان. فعندما سألناه عن السبب، كان رده غريبا عندما قال لم أحضر لطلب وظيفة وإنما حضرت لأعرف قيمتي في السوق بالتقديم مع أكثر من شركة من مختلف العالم. كان هذا المهندس يحمل شهادة الماجستير ويعمل في الهند براتب جيد وكان يبحث عن القيمة المهنية له في سوق العمل.
من جانب آخر سأل إبن والده الحكيم “ما قيمة حياته” فما كان من أبيه إلا أن أعطاه حجرا وطلب منه أن يأخذه إلى السوق ليبيعه وإذا سأله أحد عن سعره فماعليه إلا أن يرفع إصبعين من دون أن يتكلم. ففعل ذلك وقال له المشتري دولارين؟ فذهب إلى والده يستشيره، فطلب منه أخذ الحجر إلى المتحف ويصنع نفس العمل. فذهب وعمل ماقاله له وعندما سأله شخص عن سعره رفع إصبعين فقال له المشتري مائتا دولار؟ تفاجأ الولد وذهب إلى والده يستشيره فطلب منه الذهاب إلى متجر الأحجار الكريمة ويفعل مافعله من قبل. فعندما ذهب سأله مالك المتجر من أين أتيت بهذا الحجر النادر في العالم وبكم تبيعه؟ رفع الإبن إصبعيه فقال له المالك سأشتريه بمائتي ألف دولار.
عاد إلى والده وأخبره فتبسم الوالد الحكيم وقال له يابني هل تعرف قيمة حياتك الآن؟ ثم أردف قائلا لايهم من أين أتيت ولا أين ولدت ولا لون بشرتك ولا حجم الثروة التي ولدت فيها. المهم هو أين تقرر أن تضع نفسك والناس الذين تحيط نفسك بهم. قد تكون عشت حياتك بأكملها وأنت تظن أن قيمتك لاتتجاوز حجرا بقيمة دولارين، وربما عشت حياتك بين أناس يرون قيمتك دولارين فقط ولكن كل شخص يحمل ألماسا بداخله ويمكنه أن يحيط نفسه بمن يرى قيمته ويرى الألماس بداخله. إننا نستطيع أن نختار بأن نضع أنفسنا في السوق أو في متجر الأحجار الكريمة ونختار من يحيط بنا بحكمة وذلك سيصنع الفرق في القيمة.
ومن زاوية أخرى نقف مع الحكمة المشهورة عن الإمام علي (عليه السلام) “قيمة المرء مايحسنه” كما ورد في البيت: (وقدر كل امرئ ماكان يحسنه *** والجاهلون لأهل العلم أعداء). قيمة المرء تتجلى في خوضه للمجالات التي يحسنها والعلم الذي يحمله فإن عمل بجد وإخلاص وأتقن مايقوم به قولاً أو فعلاً ازدادت قيمته؛ والعكس صحيح فإن خاض فيما لايحسنه ولايتقنه وبقي في غيه وجهله سقط من أعين الناس وفقد ثقتهم وخسر قيمته.
ويذهب البعض أن قيمتك بماتضع لك من أهداف وماتحقق منها لنفسك وعائلتك ومجتمعك ووطنك. فقيمتك ترتفع عندما تترك خلفك بصمة إنسانية، وتسمو بخلقك، وتحسن تعاملك وسلوكك مع من حولك من أفراد عائلتك ومجتمعك، وتتفانى بالبذل والعطاء وتقديم أنبل الخدمات للارتقاء بمن حولك بنية خالصة.
نعم كل إنسان هو المسؤول عن تحديد قيمته بأعماله وأخلاقه ومايحمله من جوهر، وبالمكان الذي يضع نفسه فيه، ومن يحيط به من أشخاص أمناء صادقين يقدرون قيمته، وبما يقدمه للبشرية للارتقاء بمن حوله. البعض قد يعمل خلال سنوات ويكسب سمعة طيبة ليرفع رصيده ويكون له قيمة عالية في مجتمعه ويكون محبوبا يأنس به الناس وبمجالسته، ويؤلمهم ويحزنهم فراقه، ولكنه قد ينسف ذلك بين عشية وضحاها ويعض أنامل الحسرة والندامة إذا ما قصر في المحافظة على القيمة التي اكتسبها ممن حوله. وأحيانا يبالغ البعض بإعطاء أشخاص أكبر من قيمتهم ومكانتهم مجاملة أو لمصلحة شخصية ولكن سرعان ماتنكشف الحقائق و تسقط قيمتهم عندما تتغير الوجوه وتسقط الأقنعة. وعلى النقيض قد يعيش شخص بين جهال أو أعداء وحساد فيهمشونه ويحاولون النيل من قيمته وتسقيطه لعلو فضله وشأنه.
ومهما حَلّق الإنسان بقيمته الدنيوية وعلا وسما وافتخر وكسب من سمعة وشهرة اجتماعية ومهنية وغيرها فلا يغنيه ذلك عن القيمة الأخروية التي تتحقق بعبادة الله جل وعلا وطاعته وتقواه ليفوز ويحظى بالقيمة العالية والرتبة الرفيعة في جنان الخلد.
عبدالله الحجي
٢٠١٧/١١/٣٠
بُركت مقال رائع؛
وجودك في بيئة تعرف قيمتك من مسؤلياتك، فأحسن التقدير والاختيار لسعادة اليوم وتحقيق اماني الغد
راااائع جدا