الخطيب بين مؤيد ومعارض

قياسي

الخطيب بين مؤيد ومعارض

 

في أيام عاشوراء تزخر الساحة بالعديد من المجالس لإحياء نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، وتجديد العهد والولاء وتخليد ذكره، وتعظيم شعائره، واكتساب شحنة إيمانية للتمسك بأهل بيت العترة، والاستنارة بهديهم، والسير على نهجهم  فالحسين (عليه السلام) هو مصباح الهدى وسفينة النجاة. هذه المجالس تتفاوت في عطائها فمنها ما تركز على خطاب العقل ونشر الثقافة والفكر ومنها ماتركز على خطاب القلب وإشباعه بالعاطفة ومنها مايوفق الخطيب بأن يجمع بينهما معا، بين العِبرة والعَبرة.

ومن الجهة المقابلة يختلف المتلقي وذوقه وميوله وثقافته ووعيه، فمنهم من يبحث عن العَبرة؛ يبحث عن الخطيب الذي يحرك مشاعره ويستدر دمعته في هذه الأيام إيمانا منه بالأحاديث التي تحث على البكاء والتباكي على الإمام الحسين (عليه السلام) لما له من عظيم الأجر والثواب فيرى هذه الأيام فرصة لتحقيق ذلك نظرا لابتعاده عن المجالس الحسينية خلال أيام السنة. بينما يبحث البعض الآخر عن الخطيب الذي يثير الجانب الفكري ويزوده بالثقافة والعلوم المختلفة التي تشمل المواضيع الدينية والعقدية والفلسفية والأخلاقية والتاريخية والاجتماعية وغيرها.

لاشك بأن المتلقي بحاجة للجانب العاطفي والخطيب الذي يجيد تحريك مشاعره ويؤثر في نفسه بصوته وطوره وأسلوبه المتميز في زمن قست فيه القلوب وجفت فيه الدمعة. هذا الجانب مهم جدا ولكن التوازن بينه وبين الجانب الفكري ولو بحضور أكثر من مجلس واحد أمر ضروري ليستفيد الإنسان من هذا الكم الهائل من الثقافة المتنوعة في وقت هو بأمس الحاجة للارتقاء الثقافي والتسلح بالعلم والمعرفة واتساع الأفق ليكون له حصانة أمام التيارات الفكرية المتصارعة ومايثار من شبهات قد تجعله ضعيفا وسهل الانزلاق والانحراف.

كل خطيب له أنصاره ومؤيدوه ومتذوقون لمواضيعه ولايستطيع الجمهور فرض رأيه عليه وتغييره إذا لم يكن هو مقتنعا من الحاجة لتغيير قناعاته؛ أو أن يكيفه ويفصله ويبرمجه كيفما شاء ليحكي ويردد مايريده، فكل له أسلوبه الخاص وطريقته في انتقاء وإيصال المعلومة. كما أن كل شخص له رأيه ووجهة نظره الخاصة التي تختلف عن الآخرين ولا بد من التسليم بأن رضا الناس غاية لاتدرك، فليس مستغربا أن يكون لك رأي معارض للخطيب تراه هو الصحيح من وجهة نظرك بينما تجد شخصا آخر بجانبك يعارضك ويؤيد الخطيب وذلك يتطلب الوعي والثقافة بتقبل الرأي الآخر والتحرر من فرض الرأي ومصادرة آراء الآخرين والاعتقاد بأن رأيك دائما هو الصحيح لأنه يتوافق ويتكيف مع ذوقك وثقافتك، ورأي غيرك يحمل الكثير من علامات الإستفهام والتعجب.

كما أنه لابد من العقلانية واتساع الأفق فلا يمكن الضغط على خطيب العٓبرة وإلزامه بأن يحضر موضوعا فكريا وثقافيا من الدرجة الأولى لأنه قد يكون خارج قدراته وامكاناته، وكثير منهم يعترف بذلك ويقولها بكل صراحة بأن من يبحث عن ذلك يمكنه أن يجده عند غيره وليس في ذلك عيب ولا حرج. وخطيب العٍبرة والموعظة والفكر لايمكن أن يُضغط عليه لتطوير أدائه وأسلوبه في قراءة المصيبة والنعي ليكون أكثر تأثيرا للمشاعر فهذه ملكة قد لايملكها وصوته قد لايساعده على تحقيق ذلك. وعليه يحتاج الجمهور إلى التسليم بالأمر وتحديد الهدف والرغبة قبل الذهاب لأي مجلس. والجميل في الأمر أن معظم الخطباء يعلنون عن برنامجهم بالعناوين مسبقا  ليتمكن الشخص من اختيار العنوان الذي يشده أكثر وأنه بحاجة إليه حتى لو تطلب الأمر التنقل من مجلس الى آخر بدلا من أن يقيد نفسه بحضور مجلس واحد معين طوال أيام عاشورا.

كثير من الخطباء صدورهم رحبة لاستقبال الملاحظات فالنقد البناء هو وسيلة للارتقاء بالمنبر الحسيني مع مراعاة أن يكون النقد للأفكار المطروحة وليس لذات الخطيب، وأن يقدم بأدب واحترام وبأسلوب حضاري بعيدا عن التجريح والتسقيط. كما أن المواضيع المختارة ينبغي أن يتم اختيارها بدقة لتلامس احتياجات الساحة والمجتمع خلال العام وإشراك المجتمع في الاختيار أو تقديم المقترحات لبعض العناوين الثانوية والقضايا التي تحتاج إلى الموعظة والتوجيه والعلاج. وعلى الخطيب أن يخلص في طرحه، ويحترم وقت الجمهور، ويُحضر جيدا ويقدم المادة المفيدة ولا يستخف بعقولهم، ويبتعد عن الأوهام والأحلام والخرافات وماهو مشكوك في مصدره لتعم الفائدة، وتتحقق الأهداف المرجوة، وتنعكس المبادئ والقيم والأخلاق الحسينية على تصرفاتنا وسلوكنا.

 

عبدالله الحجي

٢٠١٧/٩/٢٧

 

16 رأي حول “الخطيب بين مؤيد ومعارض

  1. غير معروف

    مقال جميل عزيزي بو محمد وعندي ملاحظتين
    1- انه متأخر بعض الشيء لو كان في اول او قبل محرم أفضل
    2- ان كلمة خرافات الخطيب صارت كلمة سهله ومتداوله لكل من ينتقد ، بلا ضابطه ولا قيد لمفهوم ومعنى الخرافه ! صارت الفضائل والمعاجز الثابته ،حسب عقول البعض هي خرافه ايضا بعض الكرامات لبعض العلماء الوارده في كتب او ينقلها الثقات ايضا خرافه .
    فكم معلومه لا يقبلها عقل مستمع اعترض على الروايات . ﻷن عقله ماتقبلها . واذكر كشاهد هو ان في مجلس من المجالس قال احد المستمعين وهو مبتعث والا طبيب ان عنده زميلة دراسه مسيحيه وطيبه ومسالمه وﻷنها كذلك يحس ان مثل هذه لا تدخل النار ولابد ان نبحث عن دليل او روايه تثبت هذا الاحساس ﻷن من غير المعقول ان تدخل هذه النار !

  2. زائر

    المهندس العزيز الأستاذ عبدالله مقال يخط بماء الذهب ….اتمنى عمله في ورقة ويوزع على الكثير والكثير من الخطباء …..تحية لك من القلب

  3. ب ع

    عزيزي/بومحمد مأجور بعزاء ابي عبد الله الحسين عليه السلام …

    سبق ان قلت لك ولا أزيد عما قلته انت موفق في طرح المواضيع واختيارك لها ماشاء الله موفق أيضا …
    ولكن ما أود قوله إن الخطيب الذي يوفق للعبرة والعبرة هو من يستحق أن نستمع له لحصولنا على الأجر والثواب من جهة وعلى الفائدة من جهة أخرى …

    وفق الله الجميع لما فيه خدمة ابي عبد الله الحسين عليه السلام واثابنا وإياكم الثواب الاوفى ..

    على فكرة وهذه من باب الملاطفة يقلون أن المجلس الحسيني اللي فيه بركة رواده ا
    أكثر حتى لو لم يكن الخطيب على ذاك المستوى فهل هذا الكلام صحيح ؟

  4. مصطفى الحجي

    مقال رائع بومحمد ،، متى ما تواضع هذا الخطيب و ايقن ان ثقافته وعلمه ممكن ان تكون اقل من بعض المستمعين له كل حسب درجته في هذه اللحظة سيدرك انه وصل لقلوب المستمعين من جميع النواحي العاطفي و الفكري وهذا هو القليل المطلوب لايام عاشوراء على الخصوص

  5. ب ق ع

    احسنت ابا محمد
    يتجدد علينا كل سنة هذه الأسطوانة “هذا طرحه غير مناسب وذاك طرحه بعيد عن الواقع ” وصدفة العم السيد علي الناصر في هذا اليوم من خلال منبر الجمعة انتقد الخطاب المنبري في هذا العصر من خلال وجوب ادراجه للمسائل الفقهية وطرح ما يفيد تربية النشأ وهذا طبعا على حساب الخطاب العقائدي والكلامي وانا ضد هذا المنحى ،،

    هناك حاجز بين الخطباء والمجتمع ربما ساعد تفشي هذا الامر وهذا ما نحتاج كسره لحلحة هذه الاشكالات في الأعوام القادمة ..

  6. غير معروف

    صدقني اخي عبدالله نحضر مجالس العزاء فقط لأجل المشاركه والثواب اما الفائده الثقافيه والعلميه مفقوده.

  7. ي ع ق

    لافض فوك لقد أجملت وفصلت ووازنت بين الخطيب والجمهور الا انه
    يجب الوقوف بموضوعية بين خطباء العِبرة وخطباء العَبرة
    من حيث التصنيف بين هذا وذاك .
    فأن بعض الخطباء رغم تصنيف نفسه أنه يتبع خطباء العَبرة تجده من خلال قرائته غير ملم بعلوم المعاني والسياق والاطوار والتنقل الحركي من خلال مايختاره من اشعار في تصوير الملحمة الحسينية على سبيل المثال.
    أما لو انتقلنا الى خطباء العِبرة والثقافة حسب ماصنفوا انفسهم
    نجد من خلال القائهم للمواضيع يتبين للمستمعين ومن الوهلة الأولي التكرار في المواضيع .
    ونجد السطحية في الالقاء
    عدم توزيع الموضوع بما يناسبه من وقت
    عدم البحث فيما هو معاصر
    وإسقاطه على المجتمع من مواضيع اقتصادية على سبيل المثال او استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وكله على سبيل المثال .

    على الرغم من هاتين الحالتين
    يجب الا ننكر دور الخطباء المتميزين اللذين وضحت على خطبهم حسن البناء واختيار الموضوع وايصال الفكرة دون تكرار
    مما يدل على القدرة والتمكن والألمام الواضح .
    وهذه الفئة من الخطباء عادة مايجمعون بين الافكار الجيدة واختيارهم انواع من الشعر المؤثرة التي تتناسب مع أمكانياتهم الصوتية التي تتفاوت بين خطيب وآخر
    وهذا يدلل على الفن في معرفه قدراته الشخصية
    والايمان بالفرووق الفردية التي انعم الله بها على عبادة .

    الا انه من المؤسف في منطقة كامنطقتنا الاحساء رغم اتساع الرقعه الجغرافية وامتلاكها لأرث ثقافي قديم في وقتنا المعاصر من الواضح عدم بروز شخصيات دينية مؤثرة على الجيل الجديد الذي تحيط به الضغوط الفكرية وصدام الثقافات المتنوعة واختلاف الحضارات ومع كثرة الألحاد والتطرف والنفور من الطقوس الدينية يتبين ان هناك فجوة كبيرة بين الجمهور ورجالات الدين وهي من المؤسف في اتساع .
    أما آن الاوان للرجالات الدين والموثقفين على حد سواء ان يجتمعان لينسجوا لهذا الجيل
    خطابآ يتناسب وهذا العصر الحديث .
    لابد لرجال الدين من صقل شخصياتهم وإعادة الموروث الديني بلغة معاصرة للحياة الجديدة

    ولك مني جزيل الشكر .

  8. غير معروف

    جسدت الواقع اخوي بومحمد ولكن هي حقيقة لا مفر منها فكل هذه الامزجة موجودة وستظل وكل هذه العينات من مرتقي المنابر موجودون وسيظلون
    انا شخصيا ابحث عن صاحب الصوت المؤثر لانه يوصلني بتيار العشق الحسيني ويكهرب كل جوارحي ويشحن مني ما افرغته هموم الايام على امتداد السنه ويمكنني الحصول على الثقافة والمعلومة من مكان آخر
    في اعتقادي المتواضع ان النشأ بمختلف اعماره يحتاج الثقافة المختصرة العميقة الهادفة والواضحة دون تعقيد ولا تطويل ويحتاج وبشدة للصوت الشجي المؤثر ليهيئه لتقبل علوم أهل البيت ونهج الرسالة

    ربو أبنائكم لزمان غير زمانكم
    بمعنى انه يجب على الخطباء تطوير الذات بما بما يتماشى وزمان هذا الجيل ومحاكاة نفسيته ومداركه التي بالتاكيد تختلف عن جيلنا اخوي بومحمد

    من يجمع بين الموضوع القوي والصوت الشجي عملة نادرة

  9. غير معروف

    مع الأسف كثير من الخطباء يحتاج الى اعادة تأهيل
    فليس كل ما يعرف يقال على المنبر
    ( مع كثر وسائل التواصل )
    فالبعض يصطاد في الماء العكر 😬

  10. غير معروف

    أحسنت أبو محمد وفقك الباري وسدد خطاك . كلنا نعرف أخطاء ونواقص الآخرين لكن القليل يهتم بعيوبه وتطوير نفسه.

التعليقات مغلقة.