التمكين الإداري و إيجابياته
مع نهاية مشروع شيبة في الربع الخالي حظيت بأحد الشباب المهندسين السعوديين حديثي التخرج لقضاء سنة كجزء من برنامجه التدريبي والتطويري. منذ الأيام الأولى لاحظت عليه الحماس والشغف للتعلم وكسب الخبرة فأخذت إحدى المهام المتعثرة عند أحد المهندسين الأجانب وأوكلتها إليه وشرحت له المطلوب وكيف يمكن أن ينفذها بالتواصل مع مختلف الأطراف. تفاجأ في بداية الأمر وشعر بأنها كبيرة بالنسبة له لعدم وجود الخبرة الكافية ولم يُكلف من قبل للقيام بمهمة بمفرده. سألني هل سأذهب معه قلت له لا.. ولكن لو احتجت أي مساعدة لاتتردد في التواصل معي. لم يكن أمامه إلا أن يأخذ كل التفاصيل من المهندس السابق ويشرع في تنفيذها وكلما واجهته عقبة أو تحدي أخذ في السؤال والبحث عن الحل حتى أنجز المهمة بنجاح على أكمل وجه في وقت قياسي مقارنة بخبرته. كان أول امتحان له فنجح فيه وأثبت وجوده وجدارته مما كان حافزا للحصول على المزيد من المهام بكل ثقة وإبراز كفاءته على المدى القريب والبعيد في نفس المعمل وعندما عاد إلى دائرته.
من خلال هذا المثال أحببت أن أقف على موضوع التمكين الإداري وايجابياته على الموظفين ومنظومة العمل. التمكين هو منح الموظفين أو التابعين السلطة والصلاحية عند تفويض أي مهمة لهم. من البديهي أن القائد المثالي هو من يحسن تفويض المهام والأدوار بفعالية بين التابعين له لكي لاينشغل بمتابعة كل صغيرة وكبيرة، بل يركز على الأمور الاستراتيجية الكبيرة والتطوير والنمو. ويختلف مستوى التمكين ونسبته من قائد إلى آخر حسب طبيعة ونمط القائد وكذلك كفاءة ومهارة وخبرة الطرف المقابل. البعض من القادة أو المديرين يفضل أن تكون له سلطة ومركزية ويحتفظ بمعظم الصلاحيات لنفسه وتمكين من يعمل معه بالحد الأدنى وإن انعكس عليه سلبا بالعيش تحت ضغوطات نفسية، ومضاعفة الجهد، وقضاء ساعات أكثر في العمل، وفقد التوازن في مختلف الأدوار والأهداف الأخرى في حياته، والتأخير في انجاز المهام. ليس ذلك فقط بل التقصير في الجوانب الأخرى الأساسية التي هي من اختصاصه تجاه العاملين معه ومنظومة العمل، والاخفاق في التدريب والتطوير وصناعة قادة أكفاء يعتمد عليهم في المستقبل.
قائد آخر يمنح التابعين له ثقة أكبر ويعتمد عليهم خصوصا إذا مالمس فيهم الكفاءة والقدرة وذلك له ايجابياته المتعددة من زرع الثقة بالنفس والإعتماد عليها لتنشئة وصنع جيل من القادة الأكفاء المبدعين البارعين في اتخاذ القرارات، والذين يمكن الإعتماد عليهم في منظومة العمل. التمكين حافز للتحرر من الروتين والتقوقع حول الأفكار القديمة ومن الاتكالية التي تجعلهم دوما تبعا لغيرهم وتحرمهم من القدرة على اتخاذ أي قرار حتى وإن كان صغيرا. التمكين يصقل مهارات التواصل مع الآخرين ويكسب الفرد الثقة بنفسه وينمي المهارات الفنية والقيادية والإدارية التي يحتاجها لتنمية وتطوير وازدهار منظومة العمل. كما أنه وسيلة للتعلم وتنمية الذات واكتساب الخبرة بسرعة وخلق روح المبادرة والإبداع.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يتحسس و يتحفظ بعض القادة من التمكين ومنح مساحة كافية للتحرك فيها؟ بكل تأكيد أن لكل قائد أسلوبه في القيادة ومنهم من لايثق كثيرا بمن يعمل معه ولايطمئن إلا إذا قام بالمهمة بنفسه. ومن الأسباب قد يكون حبه للسيطرة والمركزية والبروز أو هاجس التهميش والاستبدال مما يجعله يتعامل بحذر شديد لكي يؤمن وظيفته ويحافظ على كرسيه ممن استثمر في تعليمهم وتدريبهم. فهذا النوع من القادة مع الأسف -حسب المثل الصيني- سيٓشبع التابعون له أكلاً للسمك دون أن يتمكنوا من اصطياد سمكة واحدة.
التمكين ليس مقتصرا على المجال المهني فقط بل يمكن تطبيقه في أي مجال تدريجيا مع مراعاة الضوابط والأنظمة والخطوط العريضة لأي منظومة. فمثلا يمكن أن يشمل التعامل مع الأبناء في المنزل ومختلف الأنشطة الاجتماعية، للتحرر من مظلة المركزية ولتنشئة جيل واثق من نفسه، يتولى زمام الأمور، ويتحمل مسؤولية القيادة والاعتماد على النفس، قادرا على اتخاذ القرارات، ومتمكنا من التغيير و التطوير والإبداع.
عبدالله الحجي
٢٠١٧/٨/١٧
التعليق لايتطلب كتابة الإسم ولا البريد الالكتروني. سيتم نشر التعليق بعد موافقة إدارة المدونة.