حسن الظن وراحة القلب
إتصل بأحد زملائه وكان جواله مغلقا، وفي اليوم الثاني اتخذ موقفا ضده وخاصمه لعدم رد الإتصال. آخر اتخذ موقفا من صديقه لعدم حضوره مجلس عزاء والده. وآخر سمع كلمة أو رأى تصرفا من أخيه فكان تفسيره سلبيا بمبررات تجلب على نفسه الهم والغم وتلبسه ثوب الحزن والكدر.
كثيرة هي المواقف التي نمر بها فنتخذ على ضوئها مواقف سلبية من أول وهلة متهمين الطرف المقابل بالتقصير والاهمال وعدم الاكتراث والسبب هو سوء الظن وعدم التماس الأعذار الايجابية التي تجعل الطرف الثاني في صورة مثالية حتى تتجلى الأمور. فعلى سبيل المثال في المثال الأول كان يعتقد بأن زميله لديه خدمة (موجود) ورأى إتصاله ولكنه تجاهله ولم يتصل عليه، بينما زميله قد لا تكون هذه الخدمة موجودة لديه ولايعرف من اتصل به والجوال مغلقا، أو أنه لم يرى المكالمات المفقودة، أو أن جواله كان مفقودا أو غيره. وفي مثال العزاء ربما لم يعلم بالعزاء أو أنه شغله شاغل أو قد نسي أو غيره من الأعذار التي يمكن معرفتها من صاحب الشأن نفسه بكل شفافية. وفي مثال الكلمة والتصرف فما أكثر الخلافات التي تنشب منها والاتهامات النابعة من الهوى والترسبات التي تحملها الأذهان من مواقف سابقة تبقى عالقة على مر السنين.
مثل هذه المواقف من سوء الظن تجعل الإنسان يعيش في حالة توتر مستمر وقلق واضطراب لايشعر براحة القلب ودائما ينظر لماحوله بنظرة سوداوية. سوء الظن بالآخرين مرض يفتك بصاحبه قبل أن يفتك بالعلاقات الأسرية والاجتماعية فيكون الشخص منبوذا من أعز أقربائه وأصدقائه بسبب عدم التماس الأعذار لهم وكثرة عتابهم واتهامهم بالنوايا السيئة بدلا من التريث، وحملها على محمل الخير حتى تتضح الأسباب الحقيقية.
نظرا لأهمية حسن الظن لبناء العلاقات الانسانية وتعزيز الثقة بين الناس وراحة القلب واكتساب مهارة فن التعامل في مثل هذه المواقف فقد وجهتنا الشريعة السمحاء للمنهجية السليمة. قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ). وأول مايتبادر إلى الذهن من السنة الشريفة عند الحديث عن حسن الظن مايُروى عن النبي (صلى الله عليه وآله) (احمل أخاك على سبعين محمل من الخير) ولكني لم أجد لها مصدرا في كتب الحديث، وأكتفي بهتين الروايتين. عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، و لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء و أنت تجد لها في الخير محتملا (أو محملا)). وعن جعفر الصادق (عليه السلام): (إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا.. فإن أصبته، وإلا قل: لعل له عذرًا لا أعرفه).
إنها مهارة تحتاج إلى التحلي بالصبر والحلم والعفو والتسامح والتدريب والممارسة لقلب الكفة من سوء الظن إلى حسن الظن. ولكن يحتاج المرء أن يكون على وعي ويقظة وحذر ولايكون فريسة سائغة لمن يحاول استغفاله واستغلال طيبته وحسن ظنه بالآخرين، فالمؤمن كَيّس فَطن كما ورد في الحديث عن المصطفى (صلى الله عليه وآله).
عبدالله الحجي
٢٠١٧/٧/٢٢
كلنا نقول “إحمل أخاك على سبعين محمل” وفي ساعة الجد وهذا أخانا ونبحث عن سبعين سبب للنيل منه……نسأل العلي القدير أن ننتفع من هذا التذكير بضرورة حسن ظننا في إخواننا و دمتم ذخراً لنا……
كم نحن محتاجون لمثل هذا الثقافة في التعامل