لوتكاشفتم لما تدافنتم!

قياسي

لوتكاشفتم لما تدافنتم

عجبا لمن ينزه نفسه ويزكيها ويجعلها فوق برج عال ويحيطها بهالة من القداسة والكمال والعصمة، ويسلط منظاره السلبي على الآخرين يفتش عن أخطائهم  ويتتبع عوراتهم وزلاتهم. ولا يتورع في أن يكونوا فاكهة مجلسه، ويستمتع بفضحهم وغيبتهم وبهتانهم.

من منا نال مرتبة الكمال والعصمة وأصبحت صحائفه بيضاء ناصعة بلا خطأ ولاذنب لكي ينسى نفسه ويبدأ في كشف عورات الآخرين بما فيهم وماليس فيهم، بمجرد تخمين وسوء ظن أو كلمة وردت إلى مسامعه من فاسد ولم يتحقق منها. فإن لم نكن قد بلغنا هذه المرتبة ولن نبلغها، فمالنا وعورات الآخرين وقد ستر الله عليهم وأمرنا الله بالستر. هب وأن الإنسان قد أذنب وأخطأ وزلت قدمه فالله لايخفى عليه ذلك بل يمنحه الفرصة تلو الفرصة بعد كل ذنب ليتوب ويعتذر فيعفو ويصفح عنه وكأنه لم يذنب.

مايضيرنا لو سترنا على إخواننا ماانكشف لنا من عوراتهم فلعلها كانت زلة أو هفوة تولى هو أمرها مع من لايخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ ألا نحب آن يستر الله علينا في الدنيا والآخرة؟

وكيف سيكون الوضع لو انتهج كل منا هذه المنهجية ليكشف المستور وينشره على الملأ، وينكشف ماتكنه القلوب من الأمراض المستورة مثل الغل والحقد والحسد تجاه الآخر؟ حتما ستكون النتيجة سلبية وآثارها وخيمة كما قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام): “لو تكاشفتم لما تدافنتم”. حينها لن تجد أحد بريء منزه من العيوب والمعاصي وسينفر كل شخص من الآخر ويعزف حتى عن دفنه بعد موته. وذلك مايجعلنا نردد في الصلاة على الميت “اللهم إنا لانعلم من ظاهره إلا خيرا، وأنت أعلم بسريرته منا، اللهم إن كان محسنا فزد اللهم في حسناته وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته”.

وما أعظم ماورد عن الإمام الحسين (عليه السلام) في دعاء عرفة العظيم: “يا من سترني من الآباء والأمهات أن يزجروني ، ومن العشائر والإخوان أن يعيروني ، ومن السلاطين أن يعاقبوني ، ولو اطلعوا يا مولاي على ما اطلعت عليه مني إذا ما أنظروني ، ولرفضوني وقطعوني”

أعاننا الله على أنفسنا لنضع مااقترفنا بين أيدينا، ونصب أعيننا قبل أن نفكر بتشريح غيرنا والتنقيب عن أخطائهم وعيوبهم والنيل منهم؟، فلنا ولهم إله يتولى أمرنا، ولا نغفل عن أنه كما تدين تدان.

عبدالله عباس الحجي

٢٠١٧/٢/٦

9 رأي حول “لوتكاشفتم لما تدافنتم!

  1. علي العلي - بوحسن

    أحسنت بومحمد على هذا الموضوع الهادف والذي فعلاً يتجسد في الكثير من أفراد مجتمعنا وهو من أحد أسباب تدهور العلاقات بين الأفراد. النقد الإيجابي شيء جيد إذا يصب في مصلحة المجتمع لكن مع الأسف الكثير جعل من نفسه الحكم بحيث يقيم تصرفات الآخرين على حسب رؤيته ويبدأ بعدها بالتشهير بالآخرين ناسياً بأن الله هو ستار العيوب وأمر بستر عيوب الآخرين. وصفة ستر العيوب تحتاج إلى تربية وثقافة ووعي وأنه ليس كل ما يعرف يقال

  2. بوأحمد

    حرسكم الله بومحمد
    ولو عرف عاقبة كشف ما لم الله يكشفه على عبده
    لتحسر وندم

  3. علي بو خضر

    أحسنتم
    جاء عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ” أعرف الناس بالله أعذرهم لعباد الله وإن لم يجد لهم عذراً ”
    فبدل من معذرة الآخرين والستر عليهم لينفتح لهم باب التوبة نمارس فضحهم !!
    الإنسان بطبعه يُخطئ ويميل إلى غير الصواب ومن اتقى الله يعود .
    قال رسول الله ” أكرهوا أنفسكم على الفضائل فإن الرذائل مطبوع عليها كل أحد “

  4. عبدالله الحرز (بومحمد)

    احسنتم أبا محمد

    كثيرا مايتعرض البعض لنقل الكلام بلسانه وهو غائب ولايعلم ، فيجد من يتحدث بلسانه ومن يصدق الحديث للاسف

    فالصحيح هو التواصل مع المعني والتأكد من صدور الحديث منه شخصيا ، اذ وضع في المنتصف لمأرب اخرى

    موضوع في الصميم اخي بومحمد وفقكم الله لمزيدا من الابداع 🌹

    لذلك يأمرنا الشارع بالتحري والدقة

    فكثيرا من الكلام نقل عن مشائخ او رجال ليس بصحيح 🌹

  5. عبدالله الحرز

    لوتكاشفتم لما تدافنتم

    اللهم استر على المؤمنين والمؤمنات

    العنوان بحد ذاتة مهيب

    لا اجد كلمات تعطيك حقك فيما تنثر من دروس ورؤى نحو الارتقاء

  6. علاء الموسوي

    أحسنتم النشر والتذكير والتشبيه أخي الغالي أبو محمد. نحن بأمَس الحاجة لمعرفة أنفسنا أولاً ونقيّمها حتى نميّز من يحاول أن يتزلف او يتقرب لنا لنيل مبتغاه وكما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله”رحم اللّه من عَرِفَ قَدْرَ نفسه”
    كل التوفيق ولمزيد من المواضيع الهادفة

التعليقات مغلقة.