قراءة في هلال العيد ٢٠٠٩

قياسي
قراءة في هلال العيد
المهندس عبدالله عباس الحجي * – 23 / 9 / 2009م – 1:15 ص
استغرَب عندما رأى ابنه بثيابه الجديدة الناصعة بزينته يهديه قبلة على الرأس ويهنئه بالعيد بينما هو لايزال يعد ماتبقى له من ساعات على موعد الإفطار. مايجعل الأمر غريبا هو توافق جميع الأسباب التي قد تكون مدعاة للإختلاف بينهما فكلاهما يعود إلى نفس المرجع في الأخذ بالمسائل الفقهية من حيث اتحاد الأفق من عدمه ويقيم في نفس المنزل ويحرز كل منها الاطمئنان بمن يطمئن له الآخر. لقد تولد هذا الاختلاف فقط باختلاف المصادر التي رجع إليها كل منهما.

جميل بأن تتحد كلمتنا ونتوحد معا ونشكل مجلسا لرؤية الهلال ويكون عيدنا في يوم واحد ولكن يبدو أن ذلك من المستحيلات. يختلف الفقهاء في المسائل المتعلقة بالهلال فمنهم من يرى الرؤية بالعين المجردة ومنهم الاكتفاء بالعين المسلحة ومنهم بالرؤية الفلكية ومن يرى اتحاد الأفق ومنهم من لايرى ذلك ومنهم من يختلف بعدد الشهود وغيره من اختلافات مفصلة في الرسائل العملية. ياترى هل أن جميع هذه الأمور مأخوذة بعين الإعتبار عند التصدي لهذه المهمة ويصدر البيان النهائي مفصلا أم أنه يخرج بصيغة واحدة بالعيد أو الصيام للجميع، وماهي فاعلية التواصل مع المناطق المجاورة التي تتحد في الأفق وتكون فيها الرؤية ممكنة ويعتد بها على رأي بعض المراجع.
نحن نعيش في زمن تتجلى فيه القدرات والتقنيات والحسابات الفلكية في استحالة رؤية الهلال في أماكن معينة وإمكانية رؤيته بوضوح وسهولة في بقاع عدة تتحد معنا في الأفق كما حدث هذا العام في جنوب أفريقيا وأمريكا الجنوبية وغيرها. بالنسبة لسائر الناس يصعب عليهم معرفة من يوثق بهم في تلك الدول والاطمئنان لقولهم للإستفادة من هذه الفتوى التي تسهل علينا وتجنبنا الكثير من العناء وهنا يتجلى دور تواصل رجال الدين والحوزات العلمية مع بعضها البعض وإخراج الصيغة النهائية للبيان بالتفاصيل التي تتماشى مع مختلف الآراء والفتاوى الفقهية للمراجع العظام حفظهم الله لتفادي اللبس والقيل والقال وزعزعة الثقة بالمجلس المتصدي.
تفاجأ عدد كبير من مقلدي أحد المراجع بمن يرون اتحاد الأفق بمن يستنكرعليهم صيام يوم العيد وما كان منهم إلا تكرار المقولة المشهورة “قلدها عالم واطلع منها سالم”! لقد كان صيامهم عن بينة وصلتهم من المجلس المتصدي لرؤية الهلال قبل منتصف الليل بينما اتضحت أمور أخرى لاحقا لجهات دينية قد تكون من ضمن المجلس أحرزت منها شيئا من الاطمئنان برؤية الهلال في مناطق أخرى من تلك التي يمكن رؤيته فيها بوضوح فأخذت بالاحتياط ووجهت بقطع المسافة الشرعية والإفطار.
كما أحرزت جهات دينية أخرى الاطمئنان في وقت متأخر من الليل فوجهت بالافطار حتى بدون الحاجة لقطع المسافة لمن يرى اتحاد الأفق ولكن من باب الوحدة ولم الشمل وجمع الكلمة اقتصر نقل الخبر على فئة قليلة محدودة فقط.
هل هذا هو التكليف الشرعي بأن يحتفظ العالم بمثل هذه الأخبار لنفسه ولثلة معدودة من المقربين، أو أن يبتعد عن الساحة ويجلس في داره متخفيا عن الأنظار، أو تحويل جواله إلى وضع الإغلاق والصمت، أو أن يسافر في يوم الشك هربا، أو أن يقطع مسافة ويفطر احتياطا متخفيا بمفرده والمؤمنون الذين يصلون خلفه صائمون، أم أن عليه أن يكون أكثر شفافية ووضوحا ويبين موقفه الشخصي وماتوصل إليه من بينة حققت عنده الاطمئنان لايخشى في الله لومة لائم كما حدث من قبل بعض المشائخ الكرام.
وما الضير في التواصل مع المجلس المتصدي حتى وإن لزم الأمر التراجع والاستدراك وإصدار بيان آخر توضيحي حتى لو كان في وقت متأخرعلى أن تؤمن وسيلة تواصل فاعلة يصل الخبرعن طريقها لأكبر شريحة من المؤمنين في المنطقة.
نسأل الله أن يحفظ مراجعنا العظام ومشائخنا العاملين ويسدد خطاهم ويوفقهم لخدمة الدين.
http://www.rasid.com/artc.php?id=32264