مستقبلي في قارورة الماء التي أبيعها!!

قياسي

مستقبلي في قارورة الماء التي أبيعها!!

كان ذلك على لسان حال أحد الأطفال الأبرياء الذين يبيعون الماء عند أحد إشارات المرور.. كيف ولماذا ومن أين أتى ومن المسؤول؟

بعد انتهاء الدوام وأنا في طريقي إلى المنزل توقفت عند أول إشارة في مدخل المدينة

لازلنا في فصل الصيف مع شدة الحر وارتفاع نسبة الرطوبة.. الكل جالس في سيارته وبرودة المكيف قد لاتفي بالغرض… 

فجأة لمحت طفلا دون الثانية عشر يتجول من سيارة إلى أخرى يتوقف عند سيارة ويتجاوز السيارتين وأكثر فظننته أحد المتسولين.

إقترب مني ولكن هيأته لاتوحي بأنه من المتسولينكان يحمل قوارير الماء البارد في كلتي يديه ليبيعها..

نظرت إليه وهو يتصبب عرقا محمر الوجه فتأثرت لحاله وهو يتخطى السيارات التي كان يأمل أن يحصل منها على ريال مقابل قارورة  الماء أو التكرم عليه ولو بإنزال النافذة ليحصل على نسمة هواء بارد تخفف شيئا من حرارة الجو!!

تغير لون الإشارة ومضيت في طريقي ولكن لازال فكري مشغولا بهذا الطفلمن أين أتى؟ وماالذي جعله يقف في هذا الوقت الحرج ويتعرض لحرارة الشمس؟ وأسئلة أخرى لم تسنح الفرصة لتجد لها إجابة...

خلال إجازة نهاية الأسبوع صادف بأن كنت مدعوا لحضور زفاف أحد الأصدقاء فمررت بنفس الإشارة فرأيت طفلا آخر يتجول بالماء

فجأة وإذا بنفس الطفل يمر بقربي ولم يكن لديه ماء وكأن الأقدار ساقته لي للإجابة على مادار في رأسي من استفسارات وليقول اكتب عن حقيقتي ومايجري لغيري من الأطفال الأبرياءدعوته وفي دردشة عاجلة

سألته من أنت؟ ومن أين أتيت؟ ولماذا أنت هنا؟

فأجاب أنا من سوريا أتيت لأبيع الماء وأساعد عائلتي؟

متى أتيت للسعودية؟ هل تدرس؟

أتيت قبل سنتين وأنا لاأدرس

لماذا لاتدرس؟ هل فكرت في مستقبلك عندما تكبر؟ هل ستستمر ببيع الماء؟

حينها دمعت عيناه ورفع يده ليمسح دمعته قبل أن تنزل على خده .. وقال بصوت منكسر ماني عارف، سأسأل بابا!!

هل أبوك موجود؟ 

نعم وهو الذي يحضرني إلى هنا كل يوم ويأتي ويأخذني نهاية اليوم… 

أسئلة كثيرة لازالت حائرة في الذهن ولكن هذا ماسمحت به الإشارة المرورية ليتغير لونها آذنة بالإنصراف..

من الذي يتحمل مسؤولية هذا الطفل وغيره ممن سلكوا هذا الطريق، طريق الضياع؟ من المسؤول عن تشريد الآلاف من الأطفال وتضييع مستقبلهم في الكثير من بقاع الأرض؟…. الحرب طاحنة نهايتها مروعة وأطفال أبرياء تحت الأنقاض مهشمة رؤوسهم، مرضوضة صدورهم، مقطعة أوصالهم، ملطخة أجسادهم بالدماء ولن ينسى العالم صورة عمران الذي كتب الله له الحياة وأخرج من تحت الأنقاض وغيره من الأطفال الأبرياء الذين غيبتهم الأنقاض وفارقوا الحياة أمام أعين آبائهم. ومن لم تكن نهايته تحت أنقاض الحجارة فلن يسلم من أنقاض الجهل والذل والفساد والضياع عندما يشرد من وطنه ويحرم من نعمة العلم والمعرفة والنعم الأخرى التي هو في أمس الحاجة إليها في طفولتهنعم لايعرف قدر النعم إلا من فقدها..

هذه هي نتيجة الحروب وانعدام الأمن والأمان وانعدام الإنسانية إلى درجة أن يكون دم الحيوان هو أطهر وأشرف وأزكى وأغلى من دم الإنسان. نسأل الله أن يفرج عن المكروبين ويحفظ أرواح الأبرياء المسلمين المسالمين وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان وأن يحفظ وطننا الغالي وأهله من كل شر

 عبدالله الحجي

2016/9/4

236782_0 sdfs-1-jpg-98315479467271276

15 رأي حول “مستقبلي في قارورة الماء التي أبيعها!!

  1. غير معروف

    بالنسبه لحالت هذا الطفل خاصة
    من اشعل الحرب
    اما غيره من المواطنين والمقيمين
    فمسؤلية اقربائه والمجتمع والجمعيات المدنييه

  2. س ي

    مقدمه ممتازة وصرخت في وجهه الطغاة أحسنت بومحمد والله الموضوع أدمى قلبي وخاصه صورة الطفل احساسك بالآخرين رفع لشعار السلام والأمن ونصر للضعفاء احسنت من صميم قلبي

  3. ابومحمد س م ع

    الناس بس بطريقة شرعيه
    وقد تكون استدراج النفوس الضعيفه الى اشياء لا يحمد عقباها
    وقد نحسن الظن ونقول الحاجه

  4. حسين علي النمر

    علينا جيدا ان نتذكر وصايا أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام الله الله في آليتاما لايضيعو بحضزتكم الله الله في الفقرا الله الله في المساكين
    علينا قرأة هذه الوصايا لتيفيز منها أنفسنا لتسوقنا للخيرات
    شكرًا أباً محمد على نفس بين جنبيك ابيه قائدها حب الخير والصلاح للناس وهذا من خير أوسمة أهل الصلاح

  5. أ ص

    وصفك للحدث و اختلاجاتك النفسية تعكس صفاءروحك و انسانيتك و نبلك … مع الاسف اضاعت التراشقات و الاصطفافات المشاعر الانسانية لدى البعض … نضم صوتنا بالدعاء للفرج للانسانية المعذبة من طواحين الحروب و اسأل الله ان يتعظ الناس من ما ال اليه الخراب بالدول المجاورة … لايجب ان يقتل مشاعرنا الانسانية الفطرية … شكرا لك م عبدالله ..

  6. بوماجد

    اخي الباش مهندس عبدالله الحجي
    هذا موضوع يحتاج الى براعة خاصه قدلاحظت ضيقك اثناء الكتابه
    ادركت مايشغلك وانه لايمكن ان يكون هذا الشاغل غير موضوع كهذا الموضوع
    هل بقي شيئا ايضا في معركة الشكليات
    اقرأ مقالتك وانا اشعر بحرارة الألم ويبدو ان افكارنا التقت عند هذه النقطه
    ان الطفل يريد من يرعاه ويتعهده الى ان يبلغ مبلغ الشباب يريد صدر يضمه ويحظنه وقبلة على خديه لادموع تسيل عليها
    فوالله ماغاب عن ذهني ان ادع تدبير ذلك لله سبحانه وتعالى ولكن الموضوع وصلني بشكل لم اكن اتوقعه ولم اعتاد عليه
    ابا محمد قدفعلت خيرا ان شاء الله
    غدا تشرق شمس ويعم نور وما نلبث ان نرى اختفاء مثل هذه الظواهر في مجتمعنا
    رسمت صوره تقريريه بلفظ المعبر هيئاتها للمتلقي بواسطة مدلول الكلمات التي نهضت برسم هذا النوع بالأسلوب البياني الذي تقربه للآخرين وتجريه في اذهانهم ليستقر في هذه الأذهان كذكرى خاصة لواقع مؤلم
    لك مني جزيل الشكر والتحيه
    اخوك/عباس اليوسف بوماجد

  7. قريب من التقاعد المبكر

    موضوع ممتاز بارك الله فيك وجزاك خيرا بإحساسك بمعاناة الاخرين ونقلها الى القرّاء لعل وعسى ان نضع أيدينا مع بعض لنخفف من معاناة الأبرياء
    الا لعنة الله على من تسبب في محنتهم و نسال الله المنتقم الجبار ان يُرينا فيهم قدرته في الدنيا والاخره

  8. ش ف خ

    تعودنا العمالة تقف لتبيع الورد
    اما منظر الاطفال يبيعون الماء فهذا منظر لم نألفه ولذلك ساعة قرأت مقالك انه سوري وجئ به الى هنا ليتسول
    فلنتنتشر هذه المقالة التي كتبتموها على مستوى اكبر ليعلم فداحة الامر
    وحتى لاينجر اطفالنا الى مثل هذا الحال

التعليقات مغلقة.