الأكثرية لاتعني دوماً الأفضلية

قياسي

الأكثرية لاتعني دوماً الأفضلية

في رحلة سياحية مع العائلة إلى ألمانيا بعد أن انتهينا من مشاهدة أحد المعالم السياحية قلنا ربما يوجد معلم سياحي آخر بالجوار فلنذهب لمشاهدته فرأينا السواح كل يذهب إلى جهة معينة، ومن بينهم مجموعة كبيرة معهم مرشد سياحي اتجهت لإحدى الجهات فتبعناهم. بدأنا بالمشي خلفهم تاركين مسافة معقولة لكي لايشعروا بشيء مريب، مشينا مسافة غير قصيرة ولم نشاهد شيئا فترددنا بين المواصلة والتوقف فقررنا المواصلة، ولكن في نهاية المشوار كانت الصدمة المخيبة للآمال. لقد كانت الحافلات تنتظرهم فبدأو بالركوب واحد تلو الآخر. شعرنا بالحرج ولم نتمالك أنفسنا من الضحك، عكسنا الإتجاه مباشرة ورجعنا من حيث أثينا وواصلنا رحلتنا حسب البرنامج المعد مسبقا ولم ينفعنا اتباع الأكثرية.

لو حضرت إلى محفل اجتماعي وأمامك مجموعتان وطلب منك الإنضمام إلى أحدهما. من أول نظرة رأيت عدد الأشخاص غير متكافئ بشكل كبير في المجموعتين بحيث يتضاعف العدد في إحداهما على الأخرى. فأي مجموعة ستختار؟

البعض ربما يقول أن الأمر بديهي ولايحتاج له تفكير وينضم بسرعة للمجموعة التي تحوي عددا كبيرا من الأشخاص مبررا بأنها إن لم تكن الأفضل لما التحق بها كل ذلك العدد الكبير الذي يفوق بأضعاف المجموعة الأخرى.

والبعض الآخر ربما لايكترث بالكثرة والعدد بل يبحث عن معايير ومقاييس أخرى مثل الجودة والنوعية لأفراد تلك المجموعة وأهدافها وبرامجها ويلتحق بها حتى وان كان العدد قليلاً.

فماهو معيارك للإختيار؟ هل ستنضم للأكثرية أم الأقلية؟

في التأمل في كتاب الله المجيد كثير من الآيات لاتمتدح الأكثرية وأنها ليست شرطاً بأن تكون هي المنهج أو الاستراتيجية أو الأفضل أو الأحق للإختيار. فعندما نقرأ هذه الآيات نجدها تتحدث عن أن أكثر الناس لايعلمون، لايشكرون، لايؤمنون، لايعقلون، فاسقون، غافلون، ….

قال تعالى:

– قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ. الروم ٤٢
– وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. الأعراف ١٨٧
– وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ. البقرة ٢٤٣
– فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا. الفرقان ٥٠
– بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ. العنكبوت ٦٣
– وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ. هود ١٧
– وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ. الأعراف ١٠٢
– وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ. يونس ٩٢
– وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله. الأنعام ١١٦

وفي الجهة المقابلة يوجد آيات تمتدح الأقلية كمافي قوله جل وعلا:

– وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ. سبأ ١٣
– ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ. البقرة ٨٣
– بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ. البقرة ٨٨
– فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ. البقرة ٢٤٦
– كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ. البقرة ٢٤٩

الآيات الواردة في كتاب الله كثيرة جداً تدعو الإنسان للتفكر والتدبر فكثرة العدد ليست دائما مبررا للتفاخر والتباهي والغرور والإعتقاد بالصواب والحق، كما أن قلة العدد لاتعني الاستنقاص والاستضعاف والتقليل من القدر والشأن والبعد عن الحق والصواب، بل يخضع الأمر للنظر في مختلف المقاييس والمعايير والعوامل التي تحكمه، والترجيح بين الجودة والكمية نحو المحصلة والوجهة النهائية.

عبدالله الحجي

13 رأي حول “الأكثرية لاتعني دوماً الأفضلية

  1. علي مطر

    موضوع جميل جدا وخصوصا استشهادك بالآيات الكريمة واللتي أعطت المدونة بعدا اكثر تألقا .. رعاك الله اخي بومحمد

  2. ع س ن

    اذا وجدت نفسك مع الأكثرية فعلم انك فقدت التميز والابداع وأنك تخليت عن القيادة لتكون تابع
    واخترت ان تكون في الظل خوفا
    تحمل المسؤولية

    مجرد رأي

  3. سمير خليل

    كما العادة انت مبدع بو محمد. نجد في بداية المقالة قصة و في منتصفها عظة و في نهايتها عبرة.

  4. س ع م

    لا يتواضع إلاّ من كان واثقاً بنفسهِ ولا يتكبَّر إلا من كان عالماً بنقصهِ.

    فأنت تزرع دَاخِل الجَميع شَيئاً جميلاَ.
    فإن ْ لم يكُن حُبَّا ً فَهو إحتِرامَاً.
    وهذا هو أنت يا أبو محمد☀
    إشتاقت النفس لكم ياطيّب

  5. السيد عدنان الحسن

    ماشاء الله عليك حبيبي الغالي بومحمد دائما مبدع الله يوفقك يارب ويجعلك في كل خطوة سلامه ويرزقك ربي الخير الكثير إنشاء الله تعالى

  6. علي الخليفه

    كلام جميل من انسان مبدع بارك الله فيك وكثر الله من أمثالك اخي العزيز ابو محمد

  7. ابوفاضل

    لقد سخر الكاتب القصة لصالح الفكرة فأجاد.
    فخاطب الكثير ممن لاينصتون للموعضة والحكمة.
    الابالتجربة الواضحة والحقيقة الدامغة.
    شكرا طرح موفق.

التعليقات مغلقة.