في زيارتي لليابان استفربت من وجود مجسم لأحد الكلاب كأحد المعالم السياحية في طوكيو يزوره الكثير من السواح مما أثار فضولي للقراءة والبحث عنه لمعرفة السبب الذي جعله يستحق هذه المكانة عندهم. إنه الكلب “هاتشيكو”الذي عرف برمز الوفاء في اليابان وانتشرت قصته وأصبحت المدارس تتخذه قدوة لتعليم الأبناء على الوفاء والإخلاص.
اعتاد هذا الكلب إنتظار صاحبه يونو البروفوسور في جامعة طوكيو كل يوم عند محطة القطار شيبويا بعد خروجه من العمل. ولكن في أحد الأيام توفي صاحبه في الجامعة وبقي الكلب ينتظره ويذهب كل يوم ينظر إلى بوابة المحطة عله يطل عليه، ولكن طال انتظاره ليس لأيام وشهوربل مايقارب العشر سنوات حتى أعياه المرض وتوفي في عام ١٩٣٥.
انتظار عشر سنوات ليس أمراً سهلاً ولكن الكلاب اشتهرت بالوفاء والإخلاص وقد وردت قصص كثيرة تتحدث عن صور مختلفة من الوفاء لكل من أحسن إليها. وهاهو الشاعر علي بن الجهم الذي قدم من بيئة صحراوية متأثرا بها يمدح الخليفة المتوكل ويشبهه بالكلب قائلا:
أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قرع الخطوب
أنت كالدلو لا عدمناك دلواً من كبار الدلا كثير الذنوب
قال الغزالي إن الوفاء هو : ” الثبات على الحب وإدامته إلى الموت معه، وبعد المـوت مـع أولاده وأصدقائه.”
لن أقارن بين وفاء بني البشر مع وفاء الكلاب فذلك يتفاوت من شخص إلى آخر وأترك الأمر لكل شخص ليقيم نفسه في جميع الأدوار التي يشغلها في حال الصحة والسقم، والحياة والممات، بين الإبن ووالديه… بين الزوج وزوجه… بين الصديق وصديقه… بين المرؤوس ورئيسه، مع الوطن… الخ.
البعض من البشر يتصف بالغدر والخيانة ونكران الجميل فينقلب رأسا على عقب وينسى العشرة وماقدمه له الطرف الآخر من حب وود وإيثار وتضحية وتنمحي كلمة الوفاء من قاموسه فيتخلى عنه بكل سهولة، وينفصل عنه عندما يكون في أمس الحاجة إليه. والبعض منهم تكون علاقته علاقة مصالح شخصية، و البعض يغتر بالدنيا وزينتها ويتغير بمجرد الحصول على سلطة أو جاه أو منصب أو ثروة.
وشريحة أخرى من البشر قد ضربت أعلى القيم فأصبحت نماذج مشرفة في الوفاء والإخلاص مع من أحسن إليها ليس مع صاحب الشأن فقط بل مع أحبابه وأصدقائه. فهاهو سيد الأنبياء والمرسلين صاحب الخلق العظيم يكرم إحدى النساء وفاء لزوجته (عليها السلام) كما روى الطبراني.. أكرم سيدنا النبي صلى الله عليه وآله عجوزاً جاءت إليه ، وقال : ( إنها كانت تغشانا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان ).
ومن صورالوفاء أيضا الوفاء للعظماء أصحاب الفضل الذين خدموا البشرية وتركوا بصمة في حياتهم وبعد رحيلهم وعلى رأسهم نبي هذه الأمة (صلى الله عليه وآله) الذي ضحى وتحمل الأذى لنشر الدين حتى قال الله تعالى في كتابه: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا”. لقد تحمل الكثير لإنقاذ البشرية من الجهل والضلال وإخراجها من الظلمات إلى النور ولم يطلب أجرا مقابل ذلك. وأقل مايمكن تقديمه له من الوفاء هو المحافظة على هذا الدين وتعاليمه والثبات على محبته ومحبة أهل بيته كما أوصانا. قال الله جل وعلا:” قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ “.
فكيف هو وفاؤنا لنبي الرحمة (صلى الله عليه وآله)؟
عبدالله الحجي
٢٠١٥/١٠/٢٥