دردشة مؤثرة مع طفل

قياسي
 
دردشة عابرة سريعة عند باب المسجد مع طفل في الصف الثاني الإبتدائي .. رسب في دراسته ٣ مرات!! لايحب الدراسة.. ويفكر في الدراسة في الفترة المسائية…  من المسؤول؟؟!!
 
في كل يوم يخرج الأطفال من المدرسة الإبتدائية فيتوجهون مباشرة للمسجد المجاور لأداء صلاة الجماعة قبل ذهابهم لمنازلهم … يحضر كل منهم حاملا حقيبته على ظهره ويضعها في غرفة خاصة قبل دخوله للمسجد

انتهت الصلاة ووقفت ألاحظ العدد الهائل من الحقائب وتجمهر أبنائنا وفلذات أكبادنا الطلاب -حفظهم الله- وهم يأخذون حقائبهم فخاطبتهم برجال المستقبل وفتحت الحوار مع بعضهم حول الدراسة فاستوقفت عند أحد الطلاب عندما سألته عن الصف الذي يدرس فيه فقال المفروض أنني في الصف الخامس ولكنني رسبت ٣ سنوات.
 
شعرت بالأسى لسماع هذه الكلمات من طفل صغير في قمة الأدب فوضعت له كرسيا وطلبت منه الجلوس قليلاً.
 
انصرف باقي الطلاب واستجاب هو وجلس، فسألته عن أسباب رسوبه ٣ مرات فرد بكل براءة لاأحب الدراسة ويمكن أحول للدراسة في الليل!
 
في هذه اللحظة حضر أحد المعلمين للصلاة في المسجد فسألته هل تعرف هذا الطالب فأجاب نعم وهو غير شاطر وكثير الرسوب!!
 
ذهب المعلم للصلاة وكم أزعجتني إجابته أمام الطالب الذي أطرق برأسه نحو الأرض عند سماع رد المعلم. فبادرته ببعض الرسائل الإيجابية للرفع من معنوياته وتشجيعه وواصلت (دردشتي) معه لمعرفة المزيد عن أسباب عدم رغبته في الدراسة وأسباب إخفاقه.
 
سألته ماذا تريد أن تكون عندما تكبر، فأجاب بكل بساطة أنا لاأحب الدراسة ولا أدري
 
كان بالقرب منا بعض عمال النظافة فقلت له هل تريد أن تعمل معهم عندما تكبر؟ فنظر إلي مستغرباً ولم يتردد في الإجابة لا.. لا أريد .. 
 
قلت له إذا لم تحب الدراسة ولم تتعلم ياولدي ربما لاتجد غير هذا العمل…
 
هل تريد أن تصبح دكتور،  أو مهندس،  أو معلم، أو ممرض أو ميكانيكي، أو ماذا؟
 
فقال بسرعة دكتور… 
 
لكي تصبح دكتور لابد أن تحب الدراسة وتذاكر وتجتهد وتنجح وتكون من المتميزين المتفوقين… فما رأيك؟
 
قال سأذاكر لكي أنجح وأكون دكتور… ثم توجه إلى بسؤال وأنت ماذا تعمل؟
 
قلت له مهندس… فقال أنا أريد أن أكون دكتور أو مهندس،.. 
 
واقعا يكفيني سماع هذه الكلمات منه فهو طفل مؤدب وخلوق وهادئ وأتمنى أن يتحرر من هذه الأفكار السلبية التي تسيطر عليه في هذا العمر ويستبدلها بأفكار أكثر إيجابية وتفاؤلاً.
 
شعرت بأنه كانت له رغبة بالجلوس لمدة أطول للدردشة ولكنه خشي أن يتأخر فاستأذن للانصراف.
 
قبل أن يذهب مد يده للمصافحة قائلاً هذه أول مرة أراك هنا… أشوفك يوم الأحد
 
قلت له عملي خارج المنطقة وتواجدي فقط يومي الخميس و الجمعة.. 
 
قال أراك يوم الخميس وسأذاكر وأجتهد لأنجح وأصير دكتور أو مهندس
 
من المسؤول عن ذلك؟
 
طفل بهذه البراءة، صفحة بيضاء ناصعة نسطر عليها مانشاء، عجينة مرنة نشكلها كيفما نشاء.
إنها مسؤولية مشتركة بين بيئة المنزل والمدرسة..
 
الوالد منشغل بعمله حتى أوقات متأخرة وإذا تبعها سهرات وجلسات يومية خارج المنزل حرمته الإلتفات إلى أبنائه والجلوس والحوار معهم والإهتمام بهم وتعليمهم. وإذا كان العمل في مناطق نائية أو بعيدة عن منزله فالأمر أكثر سوءا خصوصا في مراحل الطفولة والمراهقة.
 
في هذه الحالات تنصب المسئولية الكبرى على الأمهات -كان الله في عونهن- وكما قيل الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق. فإذا صلحت الأم وكانت مدرسة قائمة بدورها ومكملة بما تستطيع عليه من دور الأب ساهمت في تلاشي بعض هذه الأمور. أما إذا كانت الأم أيضا غير مهتمة أو منشغلة عنهم فمن سيكون لهم لينير لهم الطريق ويزرع الأمل في نفوسهم ويساعدهم في رسم طريق النجاح والمستقبل المشرق؟؟ 
 
وأين دور المدرسة في إحتواء مثل هذه الحالات ودراستها ومساعدتها وزرع الأمل في نفوسها لتخطي العقبات التي تواجهها؟ إنها إدارة التربية والتعليم فالتربية مقدمة على التعليم ولكن ماذا يرتجى من معلم يبث الرسائل السلبية فتتبرمج عليها عقول غضة طرية وتصدقها وتسير بمقتضاها … “أنت ثور”، “أنت أبله” “أنت كسلان” “أنت راسب” “أنت لاتفهم”، وغيرها. الأمر ليس مجرد حشوا لهذه العقول الصغيرة لتحفظ وتخزن المعلومات سواء استوعبتها أم لا. وأين دور المرشد الطلابي في كل مدرسة لإرشاد وتوجيه الطلاب وانتشال مثل هذه الحالات من وحل الجهل والضياع والدمار لتخريج أجيال أكفاء ليكونوا أكثر إسهاماً في نهضة وازدهار وطنهم الغالي. 
إنها مسئولية مشتركة ضحيتها أبناؤنا جميعاً مع تقصيرنا وعدم قيام كل منا بدوره المنوط به على أكمل وجه.

عبدالله الحجي
٢٠١٥/١١/١٩
ملاحظة: تم التجاوز عن النحو الغير مخل في الدردشة

6 رأي حول “دردشة مؤثرة مع طفل

  1. مقال رائع ومؤثر، يستحق القراءه

    شكرا شكرا باش مهندس على المقال الرائع، اتمنى ان يترجم إلى خطوات عمليه من قبل جميع من خاطبهم المقال

  2. تعليق أحد الإخوة بعد الإستئذان منه في النشر لتعم الفائدة من واقع تجربته:

    /////
    مقال أكثر من رائع ومثل هذه الحوار البسيط قد يغير مستقبل شخص .

    مثال على ذالك : بعد ماتزوج أبوي المرأة الثانية كنت في بداية المرحلة المتوسطة وقد كان يدور في ذهني أن أبي قد أستغنى عنا … وبدأ مستوى تعليمي ينحدر .

    لكن في يوم من الأيام أستوقني جار وقال لي يازكي أنت الآن المسؤول عن نفسك وعن والدتك واذا أبوك تزوج يجب أن يكون هذا حافز بالنسبة لك لتعتمد على نفسك وتكون السند لوالدتك وأخذ يردد علي بعض الكلمات التحفيزية.
    يمكن فعلاً هو نسى انه تحدث لي في يوم من الأيام لكن فعلاً كلماته غيرت من مجرى حياتي كلياً وانا بالفعل ممتن لكلماته ولشخصه الكريم

التعليقات مغلقة.