ولد بلا رجلين ولا يدين و عانى الكثير من الناحية النفسية والجسدية وحاول الانتحار ولكنه لم يستسلم ويسمح لإعاقته بأن يكون مسلوب الهوية والإرادة عاجزا عن تحيق أحلامه، بل اتخذ قرارا غيّر مسرى حياته و أصبح أحد الملهمين والمحفزين لغيره من الأسوياء الذين عبروا عن خجلهم لاحتقارهم لأنفسهم واستصغار قدرهم. لم يتوقف عند ذلك بل واصل دراسته وتخرج من الجامعة وتزوج ورزق بطفل ولا يزال يتمتع بنفسية عالية وصحة جيدة ويمارس بعض أنواع الرياضة والبسمة لاتفارق شفتيه. إنه الأسترالي نيك فيوتتش الذي ولد عام ١٩٨٢ كما يبدو في الفيديو المرفق لمن لم يشاهده من قبل.
إعاقته ليست في الرجلين فقط أو اليدين بل لم يملك أياً منهما وقد استطاع نيكولاس تحقيق حلمه وهو بهذه الحالة بصراعه وكفاحه ومثابرته. فما الذي يمنع من يملك جميع اطرافه وليس به عاهة او إعاقة ويتمتع بصحة جيدة ان يستثمر في نفسه؟
فما حققه الآخرون لم يأتي من فراغ بل هي أحلام عاشوها وجعلوها أهدافا لهم وبذلوا كل مابوسعهم لتحقيقها. الحياة مليئة بالمصاعب والمتاعب وتريد من يملك العزيمة والإرادة، تريد من يملك الإصرار، تريد من لايعرف للفشل والاستسلام طريقا، تريد من يتحرر من السلبية ويتقلد الايجابية، تريد من يتحرر من السلاسل والأغلال التي تكبله فيقبع في مكانه متقوقعاً يندب حظه ويشكوا حاله وينتظر من يأخذ بيده ليرسم له السعادة والنجاح. الحياة جميلة لمن أرادها أن تكون جميلةً، وتعيسة لمن أرادها أن تكون تعيسة فالخيار لي ولك كيف نريدها أن تكون وماذا نريد أن نكون…
لقد أودع الله في الإنسان قدرات خفية وطاقات يمكن أن يستثمرها في أي مجال يميل إليه ليتحرر من أي قيود ويرسم طريقه بما يتناسب مع رغباته وطموحاته. بلوغ الأمر المطلوب لايكون بالجلوس والتمني والمصباح السحري بل يحتاج للتحلي بالصبر والتضحية والإصرار والعزيمة مع مستوى عال من الإيجابية و الثقة بالنفس والقدرات والإمكانات. يقول المتنبي:
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ
ويقول أحمد شوقي
وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
وَما استَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُمْ رِكابا
لا تقلل من قيمتك لنفسك فماحققه العظماء في نظرك تستطيع تحقيقه أنت لتكون عظيما مثلهم كل في مجاله ورغباته. لامجال لهدر الوقت فيما لايجدي نفعا ولوم الذات بعدم بلوغ المراد فالأمر يعتمد عليك كيف ترغب في تصميم وتخطيط حياتك، وما مدى جديتك في الاستثمار في نفسك وعقلك فالحياة كلها فرص ولكنها ليست للخاملين العاجزين الذين ينتظرون التغذية بملعقة من ذهب. نعم كلنا بحاجة أن نجلس بين الفينة والأخرى لنحاسب أنفسنا ونقيم أداءنا وننفض الغبار عن عقولنا لكي لايتراكم عليها ونكون في ركب العقول الدفينة.
الاستسلام في بداية الطريق يعد احتقارا للذات البشرية والقدرات والامكانات التي أودعها الله في الإنسان. فكل إنسان يملك طاقات لامحدودة بداخله ويمكنه تحقيق كل شيء يريده إذا ما أيقظها من سباتها وسعى في تنمية مهاراته وهواياته. وممن كتب في هذا المجال أنتوني روبنز صاحب الكتاب المشهور “أيقظ العملاق بداخلك” والذي يستعرض فيه أن الإنسان بحاجة لاتخاذ القرارات الحازمة الملزمة في كل مجال من مجالات حياته ويسعى مباشرة بخطوات عملية للتنفيذ لكي يتجسد مايريده على أرض الواقع. ويقول “إذا كنت دائما تعمل ماكنت تعمله، ستحصل دائما على ماكنت تحصل عليه.”
عبدالله الحجي
٢٠١٥/٣/٦