ماالذي يجعل بعض الطلاب يتطلعون للإجازة تلو الإجازة وما أن تحدث تغيرات جوية طفيفة تراهم أمام شاشات التلفاز ومتابعين للتويتر ينتظرون الإعلان بأن يوم غد إجازة رسمية وكأنهم يترقبون هلال العيد؟ وماالذي يجعل بعض الموظفين يتثاقلون كل صباح للذهاب إلى عملهم وخصوصا أول يوم في الأسبوع الذي ماأن يأتي حتى تشرئب الأعناق بانتظار عطلة نهاية الاسبوع؟ وما الذي يجعل بعض المتطوعين في الأنشطة الخيرية يقبلون عليها بكل رغبة وشغف لاينتابهم حالات التقاعس والتثاقل؟
التحفيز هو أحد الأسباب التي تلعب دوراً كبيراً في خلق هذه الحالات. فالطالب والموظف إذا لم يجد مايحفزه ويرغبه ويجذبه للذهاب إلى المدرسة والعمل فذلك يولد لديه شعوراً بعدم الرغبة والحماس للذهاب، والعكس مع المتطوع في الأنشطة الخيرية الذي يشعر بوجود قوة وجاذبية تجذبه للعمل والإخلاص والتفاني بالرغم من عدم حصوله على مردود مادي مقابل مايقوم به. فماهو التحفيز وماالذي يحرك ويحفز الإنسان؟ وهل هو ذاتي أم تتدخل فيه عوامل خارجية؟ وأيهما أكثر تأثيرا الحوافز المادية أو المعنوية؟
يعرف برلسون وستاينر التحفيز بأنه “شعور داخلي لدى الفرد يوّلد فيه الرغبة لاتخاذ نشاط أو سلوك معين يهدف منه الوصول إلى تحقيق أهداف معينة”.
وقد انتشرت عدة نظريات عن التحفيز منها نظرية الاحتياجات المتسلسلة (الهرمية) لماسلو (Maslow) الذي حدد خمسة أنواع من الاحتياجات التي يبحث عنها الإنسان بالترتيب ابتداء من: أولاً: الإحتياجات الفسيولوجية مثل المأكل والمشرب والمسكن والملبس، وثانياً: احتياجات الأمان ليشعر بالأمان والاستقرار في العمل وخارجه، وثالثاً: احتياجات اجتماعية ليعيش ويشارك مع المجتمع ويستمتع بقضاء وقت كاف مع أسرته، ورابعاً: احتياجات الإحترام والتقدير لجهوده وانجازاته سواء بكلمة شكراً أو التقييم السنوي أو الترقيات، وخامساً: تحقيق الذات بحيث يبدأ الإنسان في البحث عن تحقيق الذات بتقديم أفضل مايمكنه ويستغل كل طاقاته وامكاناته ويشعر بقمة السعادة مع كل إنجاز وتقدم يحققه.
ومن النظريات الأخرى نظرية إي آر جي (ERG) التي تشبه نظرية ماسلو ولكنها لاتركز على الترتيب و حاولت إعادة تصنيف الاحتياجات إلى ثلاثة أنواع فقط كالتالي: أولاً: احتياجات البقاء (الفسيولوجية والأمان)، ثانياً: احتياجات الارتباط (الإجتماعي) وثالثاً: احتياجات النمو (التقدير وتحقيق الذات). ويوجد نظرية هيرزبرج (Herzberg) التي تعتمد على عاملين أحدهما العوامل الصحية (الأساسية) التي لاتحفز الشخص بل تجعله راضياً والعامل الثاني يتضمن الحوافز مثل العمل المثير والتقدير وفرص النمو والإنجازات وتحمل المسؤوليات.
بكل تأكيد تختلف الحوافز من شخص إلى آخر فالبعض تحفزهم المادة أكثر من أي شيء آخر ودائماً يتطلعون إلى الراتب ومقدار الزيادات السنوية. والبعض الآخر يتطلعون للحوافز المعنوية والتقدير والإحترام. ومنهم من يحتاجون مزيجا من الحوافز المادية والمعنوية. فالموظف على سبيل المثال الذي يتثاقل في الذهاب إلى عمله قد يكون بسبب عدم توفر البيئة الملائمة التي تجذبه وتشوقه للعمل، أو عدم وجود الحوافز المادية المشجعة، أو عدم وجود المسؤول الذي يحببه ويرغبه في العمل، أو عدم وجود الأمان والاستقرار، أو عدم وجود الإحترام والتقدير، أو ابتعاده عن الأسرة والمجتمع، أو عدم وجود التحديات الكافية التي تشجعه على الإنجاز وتحقيق الرضا الذاتي.
يختلف الأشخاص في كيفية التحفيز فنسبة كبيرة منهم يحتاجون للتحفيز الخارجي ليدفعهم ويشجعهم ويعطيهم شحنة للتقدم والإنجاز. ولكن مع الأسف هذه الشحنات من التحفيز الخارجي مفعولها قصير المدى لفترة محدودة وبعدها يعود الشخص إلى مكانه في حالة من الخمول والكسل والفتور. هذه الشريحة تحتاج دائما للتحفيز المتواصل لدفعها للإنتاج وهي غير مبادرة وكثيراً ماتلقي باللوم على البيئة المحيطة والأشخاص الآخرين. يقول زيج زجلر: “يقول الناس غالباً أن التحفيز لا يدوم طويلاً. حسناً، كذلك الاستحمام، ينصح به بشكل يومي.”
والشريحة الأخرى هي التي تتميز بالتحفيز الذاتي ولاتنتظر مايحفزها من الخارج. فهؤلاء الأشخاص لديهم رؤية واضحة ورسالة وأهداف سامية يصبون لتحقيقها في حياتهم على مختلف الأصعدة الشخصية والأسرية والإجتماعية سواء كانت روحية أو صحية أو مالية أو مهنية أوغيرها. هذه الشريحة لاتحتاج لتوجيه كثير ولالمتابعة مستمرة بل تملك طاقة عالية ورؤية واضحة تجذبها وتدفعها للإنجازوالتقدم والأخذ بزمام الأمور والحرص على التميز في الأداء. يقول ستيف جوبز:”أعمل ماتعتقد بأنه عمل عظيم، الطريقة الوحيدة في أنك تعمل عملاً عظيماً هي أن تحب ماتعمل”.
التحفيز مهارة يحتاجها القادة والآباء والمربون وغيرهم، ولتحقيق أفضل النتائج يتطلب الأمر دراسة وتحليل كل شخصية بمفردها لمعرفة أنجع الطرق وأكثرها فاعلية لتحفيز كل شخص ورفع معنوياته وتحقيق الأهداف المرجوة.
عبدالله الحجي
٢٠١٥/٣/٢٥