مع بداية أيام خدمتي في الشركة، شاهدت في إحدى الدورات التدريبية فيديو بعنوان “مدير الدقيقة الواحدة” وقد أثار إعجاب الحضور، وأيضا صدر كتاب بنفس العنوان في عام ١٩٨٣ م وأخذ ينتشر بشكل رهيب بطباعة الملايين من النسخ ويترجم لأكثر من ٢٥ لغة. في هذه المقالة سأقوم بتلخيص ماورد في الكتاب لتعم الفائدة فالبعض ربما لم يحصل له فرصة الإطلاع عليه، ومن ثم سأضيف بعض التعليقات والملاحظات.
مدير الدقيقة الواحدة يقضي وقتا قليلا مع موظفيه لتحقيق نتائج كبيرة باتباع ثلاثة أسرار. السر الأول والأساس هو وضع أهداف الدقيقة الواحدة بأن يقضي مدة دقيقة تقريبا مع الموظف مع بداية كل مهمة أو مسؤولية جديدة لوضع تلك الأهداف. وتكمن أهمية ذلك في التوافق بين الموظف ومديره بالمهام التي ينبغي القيام بها لتفادي الاختلاف وسوء الفهم. ويتم ذلك بالاجتماع وتسجيل كل هدف على ورقة واحدة بما لايزيد على ٢٥٠ كلمة، ويحتفظ هو بنسخة والموظف بنسخة أخرى لقياس التقدم والأداء لاحقاً. مدير الدقيقة الواحدة يعمل بقاعدة ٨٠-٢٠ التي تقول بأن ٨٠% من النتائج المهمة تأتي من ٢٠% من الأهداف وعليه فالأهداف التي يركز عليها هي بنحو ٢٠%. ويقوم المدير بتوضيح معايير الأداء ويطلع موظفيه على مايتوقعه منهم.
والسر الثاني هو “مديح الدقيقة الواحدة”. وفيه يحاول المدير ضبط العاملين معه متلبسين بفعل أمر صائب تحت شعار “ساعد الناس على الوصول لأقصى إمكاناتهم، واضبطهم متلبسين بأمر صائب.”
وذلك خلاف ما يفعله البعض من عدم الثقة والبحث قدر الإمكان لضبط الموظفين وهم يقترفون أموراً خاطئة. في هذا المقام يتم التركيز على الجانب الايجابي بحيث يعطيك المدير مديح الدقيقة الواحدة بأن يدنو منك ويتواصل معك، وهذا يعني وضع يده على كتفك أو المصافحة أو النظر مباشرة للعينين وإخبارك بشكل محددعن الأمر الصائب الذي فعلته ثم يطلعك عن مدى سعادته بمافعلت. من الأمور المهمة أن يكون المديح لأمر محدد وليس بشكل عام وأيضا تقديمه مباشرة بعد القيام بالأمر الصائب، ولاينتظر تقييم الأداء السنوي.
والسر الثالث هو “تأنيب الدقيقة الواحدة” إذا فعل الموظف خطأ فادحاً. بمجرد أن يعلم المدير بالخطأ يأتي للموظف ويقوم باقرار الحقائق أولا. ثم يضع يده على كتفه و ينظر إلى عينيه مباشرة ويخبره بالخطأ بشكل محدد. وبعد ذلك يطلعه على مشاعره تجاه الأمر سواء كان غاضبا او متضايقا أو محبطا. وبعدها يتركه يستوعب خلال ثوان معدودة من الصمت ثم ينظر مباشرة في عينيه ويمدحه ويعلمه أنه ماهر ويظهر بعض محاسنه. من الأمور المهمة انه لايهاجم الشخص بل ينتقد السلوك بحيث لايكون الموظف في موقف دفاعي ولايلقي باللوم على غيره.
لقد أطرى وأثنى الكثير على هذا المفهوم في طريقة الإدارة ولكني لم أجد ولم أسمع عن أي من المدراء يطبق كل مافيه خلال هذه الحقبة الزمنية على مدى ٣٢ عاماً بنفس المنهجية، ولربما يوجد من يطبق جزء من المفاهيم المتناولة وبطريقة مختلفة. عند الحديث عن الدقيقة الواحدة فلايعني ذلك الإقتصار على دقيقة واحدة بالضبط وإنما هو مجازي يدل على قصر الوقت وعدم تضييعه في التكرار و فيما لاينفع. وضع الأهداف أمر ضروري لتحقيق التوافق بين القائد ومتابعيه ومعرفة كل شخص بمسؤولياته. وماذكر أعلاه يطبق عادة على الموظفين الجدد في أغلب الأحيان باعتبار الموظفين ذوي الخبرة يملكون قدراً كبيراً من التحفيز وتحمل المسؤولية. أما موضوع اللمس فيختلف من ثقافة مجتمع إلى آخر فبعض المجتمعات قد لاتفضل اللمس ولذلك لايعمل به. كما أن بعض القادة يفضل تقديم المديح أولا ثم يأتي بالتأنيب والنقد البناء بأسلوب حضاري من أجل التطوير والإرتقاء بالأداء.
من المواقف الإدارية يذكر أحد الموظفين بأنه جلس مع مديره في نهاية العام عندما حصل على تقدير جيد وهو غير راضٍ فسأله عن الأسباب؟ فأخرج المدير ورقة وقرأ عليه بعض الأععمال التي رآه مقصراً فيها منذ بداية العام.. حينها تفاجأ الموظف وقال له لم احتفظت بكل ذلك لمدة عام ولم تقدم لي التغذية الراجعة أولا بأول لكل أطور من أدائي وأتفادى مثل هذه الأمور التي لاترتضيها قبل موعد التقييم النهائي؟ فكان الرد منه مع الأسف مخيباً للآمال عندما قال له إذا أنا أخبرتك بما يجب أن تعمله للحصول على تقدير امتياز وأخبرت كل موظف فسأكون في موقف محرج في نهاية العام حيث أني لن أتمكن من تقييم الجميع بامتياز فالنظام لايسمح بذلك ولابد أن يحصل تقريباً ٦٠٪ من الموظفين على تقدير جيد والباقي على تقدير جيد جداً وممتاز!!
يقال بأن المدراء الأكفاء هم من يديرون أنفسهم والأشخاص العاملين معهم من أجل أن تربح المؤسسة ويربح الموظفون من وجودهم. وإذا استثمرت في الموظفين استثماراً صحيحاً مقدراً قيمتهم فلا تحمل هم الإنتاجية والأرباح فإنهم سيكونون أحرص منك لتحقيق ذلك.
عبدالله الحجي
٢٠١٥/١/١٨