وبالوالدين إحسانا

قياسي
في أحد الأيام كنت راكبا القطار في لندن وإذا بسيدة كبيرة في السن جلست أمامي، وما أن علمت بأني مسلم حتى أخذت تبث شكواها من تصرفات إبنها الذي اعتنق الإسلام وتزوج إمرأة مسلمة. تقول بحرقة قلب لم يعد ابني الذي كنت أعرفه بسبب جفائه وسلوكه وخلقه الفظ وعدم السماح لأبنائه لزيارتي ورؤيتي. فتساءَلَت بتعجب أهكذا هي تعاليم دينكم اتجاه الوالدين؟!

فأجبتها كلا… إن من تعاليم ديننا الحنيف الإحسان والرحمة والرفق وطاعة الوالدين وإن كانا غير مسلمين مالم يدعوان للشرك بالله تعالى. وأخذْت أوضح لها بعض تعاليم شريعتنا السمحاء في حق الوالدين وعدم السماح بالتلفظ بكلمة “أف” المكونة من حرفين يخرجان بسهولة وبدون جهد من بين الشفتين تعبيرا عن التضجر والتذمر. وأن مايصدر من إبنك هو اجتهاد شخصي بعيد كل البعد عن الخلق النبوي الرفيع الذي اكتسبناه من سيد الأنبياء والمرسلين وخاتمهم محمد (ص) الذي كان على خلق عظيم وقدوة في التعامل مع المسلمين وغيرهم حتى مع جاره اليهودي الذي كان يؤذيه.

لقد رسم لنا الله جل وعلا منهاج التعامل مع الوالدين والبر بهما والإحسان إليهما في كتابه المجيد في أكثر من آية كما في قوله تعالى: “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا”

وقال تعالى: ” وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا”

وقال في آية أخرى ” وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”.

لقد حرم الإسلام عقوق الوالدين وقرن رضاه برضاهما وأوجب النار لمن عقهما. وقد حث على الجلوس معهما لإدخال الأنس والسرور عليهما، وعدم الخروج حتى إلى الجهاد بالرغم من مكانة الجهاد العظيمة إذا كان ذلك يؤذيهما، فقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص) عندما جاءه رجل وقال: يا رسول الله، إنّ لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: « فقرَّ مع والديك، فوالذي نفسي بيده لأنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة ».

إنها نعمة من الله أن يكون للإنسان والدان في داره يهتم بشؤونهما ويبرهما ويستبشر الخير الكثير بالنظر إلى وجهيهما، وقد ورد في السنة الشريفة إن الله يرضى عنه ويرزقه طول العمر والسعة في الرزق والبر به من قبل أبنائه مجازاة له في الدنيا قبل الآخرة. البعض يوفق للبر بوالديه وهما يتمتعان بالصحة والعافية، ويوليهما جلّ اهتمامه ويحرص أن تكون خدمتهما وتأدية حقوقهما في أعلى قائمة أولوياته. والإمتحان الأصعب الذي لايتجاوزه إلا القليل هو عندما يبلغا مرحلة الشيخوخة والعجز ولايستطيعا الحركة بدون الاعتماد على الغير. هنا يتطلب الأمر التضحية والتحمل والصبر وأعلى مراتب الرضى بعيدا عن وساوس الشيطان بتمني الموت لهما. أدام الله نعم الصحة على والدينا وهنيئا لمن وفق لهذا الخير والبر بوالديه ولم يتبرأ ولم يتضجر منهما، ولم يشكو حاله إلى الناس، ولم يشعرهما بأنهما عالة عليه ويرغب في التخلص منهما. حتما إنه – والزوجة الصالحة التي تقف إلى جانبه و تعينه على البر بوالديه وتشاطره تحمل الأذى – بين يدي رب رؤوف رحيم كريم لا يضيع أجرعمل عامل عنده. فانظر كيف تريد أن يتعامل معك أبناؤك في حياتك، أثناء صحتك وسقمك فالأمر بين يديك لتختار ماتشاء لنفسك، كما أكد سيد المرسلين (ص): “كما تدين تدان”. 

٢٠١٤/٢/١٢

وبالوالدين إحسانا – الأحساء خبركم