فاجعة الدالوة انطلاقة الوحدة الوطنية؟

قياسي
ترددت بين وضع وحذف علامة الاستفهام في العنوان .. أهو تساؤل أم إثبات وإخبار؟ الوحدة أمنية وطموح كل مواطن مخلص ولكن بقراءة موضوعية للوضع الراهن وجدت البعض متفائلا بلاقيود وبعضهم مشككا والبعض الآخر متفائلا بحذر..  فتركتها في هذا الوقت مع حرارة المصيبة ولوعة الفراق ليقرر لها الزمن أتبقى قابعة في مكانها أم تكون إرادة الشعب أقوى من كل التحديات فيأتيها العفو لتغادر موقعها وتنطلق مستمتعة بكامل حريتها..



لقد أظهرت هذه الفاجعة لحمة ووحدة أبناء الوطن بمختلف مذاهبهم بوقفتهم وحضورهم في مراسم التشييع والتعزية والمواساة في قرية الدالوة الصغيرة بمساحتها، الكبيرة بأخلاق وطيبة وتواضع أهلها وسمو مبادئهم وقيمهم. كل من عاش الحدث وتفاعل مع مجرياته يطرح استفهاما “ثم ماذا؟”


القلوب حرى بفقد الشهداء ولكن ثمة مواقف مشرفة لاشك في أنها هوّنت المصاب وضمّدت بعض الجراح ومنها وقفة حكومتنا الرشيدة متمثلة بزيارات وزير الداخلية وأمير المنطقة الشرقية ونائبه ومحافظ الأحساء ونائبه لتعزية ومواساة أهالي العزاء والاطمئنان على صحة المصابين. ومن المواقف أيضا التعميم الذي صدر لأئمة المساجد لتناول هذه الحادثة في خطب يوم الجمعة والذي التزم بها الغالبية العظمى من الأئمة إلا من شذ منهم.


تجسدت الوحدة واللحمة الوطنية في الكثير من المواقف أثناء التشييع متمثلة في الكلمات والخطابات التي سبقت الصلاة على جثامين الشهداء والتي دعت إلى ضبط النفس ونبذ العنف والتحلي بالوحدة الوطنية، وكذلك الشعارات التي رُفعت والتي تصب في هذا الهدف لعدم الانجرار نحو الفتنة والتناحر، ولا تغيب عن الأذهان تلك الصور التي رُفعت لشهداء الواجب بجانب شهداء الدالوة يرفرف عليها علم الوطن الذي كان أيضا يلف جثامين الشهداء بعبارة الوحدة الإسلامية “لاإله إلا الله محمد رسول الله”.


ومن المظاهر المشرفة شجب واستنكار هذه الجريمة النكراء من قبل الكثير من المشايخ والفضلاء والوجهاء والمثقفين وغيرهم من المواطنين النبلاء عبر قنوات التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية المنصفة المعتدلة. وأيضا الحضور المشرف للمشاركين في مراسم التشييع والذي قدر بـ ٢٥٠٠٠٠ مشاركا من مختلف المذاهب قدموا من كل حدب وصوب من داخل وخارج المملكة يقف إلى جانبهم رجال الأمن البواسل. ولم ينتهي الأمر بمواراة الثرى لجثامين الشهداء الطاهرة بل تبعه الحضور المكثف المتواصل خلال أيام العزاء من الداخل والخارج، وبيانات المواساة والاستنكار.


لقد كانت هذه القرية الصغيرة منبعا لوحدة وطنية غير مسبوقة وجسدت أعلى مراتب التلاحم والتآخي والمواساة بين مختلف شرائح المجتمع ومذاهبهم. أصبحت الدالوة إنطلاقة للوحدة الوطنية التي عجز عن تحقيقها الكثير من اللقاءات والاجتماعات والمحاولات التي باءت بالتعثر والفشل. ماحدث كان خلافا لحسابات الحاقدين ومخططاتهم الشيطانية في النيل من الوطن وتمزيق وحدة أبنائه وإشعال الفتنة بينهم، ولن يهدأ لهم بال حتى يشعلوا شرارة الفتنة التي تمزق أبناء الوطن ليتناحروا كما يجري من حولنا في الدول الأخرى، فينبغي أخذ الحيطة والحذر لتفويت هذه الفرصة عليهم. جميل أن يعيش الإنسان بنظرة إيجابية متفائلا بكل خيرولكن لابد من مراعاة بعض الأمور وأخذها بعين الإعتبار لكي لايكون الوضع مجرد ردة فعل وتفاعل مع حرارة المصيبة وعظم الفاجعة يخبو ويندثر بعد أيام أو أشهر من الحدث.


لِتدوم هذه المواقف النبيلة لابد من إتخاذ خطوات عملية لتقييم الوضع الحالي بموضوعية وتحديد السلبيات والمسببات الحقيقية التي تنخر في الوحدة الوطنية من أجل اجتثاثها من جذورها، وتأسيس قاعدة متينة يصعب اختراقها لتبقى هذه الوحدة راسخة لاتتزعزع بأي أصوات نشاز ناعقة من هنا وهناك، ولا تتأثر بأي تحديات وتيارات معاكسة من أي جهة أو طرف همه الوحيد تأجيج الفتنة والعداوة وطمس معاني الكرامة والإنسانية. ولا بد من التصرف بحكمة وحزم لتطهير البلد من كل فكر ضال لتفويت الفرصة على أصحاب النفوس المريضة المتجردة من مشاعر الإنسانية. وأيضا لابد من الاستفادة مما حصل وجعله نقطة انطلاق لمستقبل مشرق أكثر نضجا ووعيا ونزاهة وتماسكا واستقرارا يسوده الحب والتعايش بسلام واحترام، نابذين كل الخلافات التي لا ينبغي أن تكون عائقا أمام الوحدة الوطنية والأهداف السامية التي تصب في خدمة الوطن وأبنائه.


نسأل الله أن يتغمد جميع الشهداء بواسع رحمته ومغفرته، وأن يحفظ وطننا الغالي من كل سوء، ويديم علينا نعمة الأمن والأمان.



٢٠١٤/١١/١١