يحرص كل شخص يطمح ويخطط للنجاح على تخصيص جزء من وقته مع إطلالة كل عام ليراجع حساباته ويسأل نفسه عن أهم الإنجازات التي حققها خلال العام المنصرم لذاته في مختلف الأصعدة الروحانية والتعليمية والمهنية والمادية والصحية وغيرها، ولايغفل أيضا نصيب أبنائه وعائلته ومجتمعه ووطنه من هذه الإنجازات.
قبل أيام انصرم العام الميلادي وتلاه العام الهجري، وأيا كان التعامل مع التاريخ الهجري أو الميلادي أو أحيانا كليهما فالإنسان الذي لم يكترث منذ بداية العام بالتخطيط لحياته ورسم أهدافه فقد أهدر 365 يوما من عمره بشكل عشوائي وسيعض أنامل الندم بسبب تقصيره وعدم حصوله على نتائج مرضية تحقق له ولعائلته ولمجتمعه السعادة الدنيوية والأخروية. فهذه الفئة من الناس طموحاتها محدودة وهي تخطط لفشلها وتدني مستوياتها من حيث لاتشعر فكما قيل: «من لم يخطط لنجاحه فقد خطط لفشله» . وهي تعيش وكأنها في وسط البحر تتلاطمها الأمواج كيفما تشاء يمينا وشمالا ولاتعلم إلى أين سيكون مصيرها. فعندما تجلس في نهاية كل عام أمام الشاشة الكبيرة لتستعرض شريط الانجازات التي حققتها لاتستغرق أكثر من بضع دقائق معدودة تشاهد خلالها عرضا مشوشا أجوف خاليا من المتعة والانجاز.
بينما الإنسان الذي خطط منذ بداية العام سيستمتع بعرض شيق حافل بالإنجازات المشرفة لذاته ومن يعول ومن يعيش بينهم من أبناء مجتمعه وكله فخر واعتزاز وهو يحصد مازرعه منذ بداية العام. هذه الفئة لم تكتف بالتمني وحصر أحلامها فقط في أذهانها بل سطرت رسالتها الشخصية ورؤيتها في الحياة ودونت أهدافها المختلفة على المستوى القصير، والمستوى المتوسط، والمستوى البعيد. فبعض الأهداف يمكن تحقيقها خلال أسابيع أو أشهر والبعض خلال سنة والبعض الآخر يستغرق خمس سنوات فأكثر ومالم تدون هذه الأهداف بشكل دقيق مع الخطط الاستراتيجية والتكتيكية لن يتم تحقيقها بنجاح خلال الفترة الزمنية المحددة.
لقد أصبح وضع الأهداف فنا إداريا يحتاجه كل فرد وقد تناوله الكثير ومنهم ستيفن كوفي في كتابه المشهور العادات السبع للناس الأكثر فعالية. ففي المرحلة الأولى لتحقيق النصر الذاتي تناول ستيفن ثلاث عادات يحتاجها الفرد لينتقل من حالة الاعتماد على الآخرين إلى الاعتماد على الذات. وهذه العادات الثلاث هى أن يكون الفرد مبادرا، ويبدأ والمنال في ذهنه، ويبدأ بالأهم قبل المهم. فالإنسان لابد أن يتحرر من القيود التي تكبل يديه ويترك اللغة السلبية واللوم وايعاز أسباب فشله إلى الآخرين والبيئة المحيطة به. فعندما يبلغ الإنسان مرتبة الاعتماد على النفس ويتمكن من صياغة رسالته ورسم أهدافه ويبذل قصارى جهده لتحقيقها بحيث لا يتساوى يوماه ولاشهراه ولاعاماه فلن يصبح من الخائبين الخاسرين. فقد ورد عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) « من تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان أمسه خيرا من يومه فهو ملعون، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقيصة، ومن كان في نقيصة فالموت خير له من الحياة).
ونوعية الأهداف تعتمد على دور كل شخص في هذه الحياة بحيث تكون متوازنة في مختلف الميادين الروحانية والصحية والشخصية والعائلية والمهنية والمادية والاجتماعية وغيرها. وينبغي أن تكون كما يعرف بالأهداف الذكية (SMART) أي محددة، ويمكن قياسها، ويمكن تحقيقها، وواقعية، وذات أطار زمني محدد. هذه المواصفات ستمكن الشخص من متابعة أهدافه باستمرار وتقييم أدائه قبل نهاية الاطار الزمني المحدد لاتخاذ الإجراءات المناسبة كلما اقتضت الحاجة لضمان تحقيقها في الوقت المحدد. ولكي تكون الأهداف شاملة ناجعة لايمكن وضعها خلال دقائق معدودة بل تحتاج إلى تخصيص الوقت الكافي ليتمكن الشخص من اختيار الأهداف المناسبة ليس فقط لذاته بل لأهله وأبنائه. فماذا أعددت لهم من برامج ودورات تدريبية و تثقيفية في مختلف الميادين لتنمية مواهبهم ومهاراتهم واستحثاث عقولهم على الإبداع والابتكار وكيف سيستثمرون أوقات فراغهم بما يعود عليهم بالمنفعة. وأيضا من منطلق «من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم» فماهي الأهداف التي حملتها في حقيبتك في هذا العام لخدمة أبناء مجتمعك ووطنك مسخرا ما وهبه الله فيك من طاقات ومهارات وقدرات في مجال تخصصك أوأي مجال آخر يمكنك الإفادة فيه.
من تساوى عاماه فهو مغبون – صحيفة اليوم
من تساوى عاماه فهو مغبون – صحيفة اليوم