للظلم أوجه كثيرة ليس أولها المحسوبية

قياسي
نقدر لـ(اليوم )دورها الكبير عبر مقالات الكتاب والتحقيقات في اضاءة سلبيات المجتمع الى جانب الايجابيات ..وانطلاقا من هذا الدور اسمحوا لي ان احييكم وان اطرح رؤيتي حول قضية المحسوبية قائلا:

 
مسكين ابن آدم مكتوم الأجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تؤلمه البقّة، وتقتله الشّرقة، و تنتنه العرقة. عبارات رائعة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) تصف مسكنة ابن آدم وتبين مدى ضعفه وقلة حيلته وكيف يتألم من أضعف الحيوانات ويموت بأتفه الأسباب بشرقة ماء بغتة لايعلم أجله، وكيف تكون رائحته نتنة بسبب قطرات من العرق. ويا عجبا ممن يتقلد منصبا قياديا أو إداريا وينسى نفسه ويتصرف بغطرسة وتكبر ويتباهى ويتمادى في الظلم والعدوان في غفلة لما قد يؤول إليه مصيره في الدنيا قبل الآخرة. ففي شرق الأرض وغربها يتغنى بعض القادة بالنزاهة والعدل والإنصاف ولكن العدل لايحتاج إلى من يثبته لنفسه بالكلام بل يتجسد جليا في سلوكه وتصرفاته العملية على أرض الواقع. فمنهم من يحمل شعار العدل والإنصاف ويحذر من مغبة الظلم بينما يخلع ثوب العدل في تعاملاته مع من يخضع تحت إدارته وسلطته، فعندما يقيّم أداءهم يحمل في باطنه معايير واعتبارات خاصة لا تعتمد أحيانا على أداء الشخص ومهارته وكفاءته وإنجازاته بل على المحسوبية ومن يكون الشخص وقد يصبح الأمر من المسلمات بعدم المساس بتقييم بعض الأفراد على مدى سنوات حتى مع وجود من هم أكفأ وأحق منهم. وفي مجال الترقيات ليس الوضع بأحسن حالا فمنهم من يحصل على الترقية تلو الترقية خلال فترة زمنية وجيزة ومنهم من يمكث أضعاف المدة أو أكثر للحصول على ترقية. وفي المناصب لا تنفع الخبرة والكفاءة والمهارة فقد يُحال شخص لمهمة خاصة أو يُرسل في انتداب تحت شعار التطوير والتدريب والواقع شيء آخر هو من أجل التخلص منه أو إحالته للتقاعد المبكر وهو على رأس العمل وتنصيب غيره مكانه. وليس الظلم مقتصرا بمجال معين دون غيره بل وردت قصص كثيرة مؤثرة في شتى أمور الحياة لا يسع المقام لسردها تبين الآثار السلبية والعواقب الوخيمة للظلم الذي يقع على الأبناء والوالدين والأزواج والموظفين والإخوان والخدم وبين أفراد المجتمع، وكيف أن العقوبة كانت تقع في الدنيا قبل الآخرة. فكم من ظالم فقد حياته ومنهم من أُصيب بمرض لا يُرجى برؤه وأصبح جليس الدار ومنهم من فُجع في أهله وولده ومنهم من خسر ماله وغيره. وإن لم يصبه شيء في الدنيا فلا يسعد كثيرا فالله تعالى يُمهل ولايُهمل وهو بالمرصاد لكل ظالم فقد توعد في محكم كتابه المجيد بقوله: « وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ». أجارنا الله وإياكم من الظلم ومن دعوة المظلوم التي حذرنا منها سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديثه:» اتقِ دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب «. .وقد أجاد من قال:
لاتظلمن إذا ماكنت مقتدرا *** فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم