«لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد».. هذا مثل صيني رائع يتردد كثيرا على الألسن وفيه الكثير من الدروس والعبر في مجال التربية والتعليم. كم من طالب تحصل على إجابة لمسألة من معلمه كلقمة سائغة بدون أن يجهد ذهنه بالتفكير بكيفية الحل؟ وكم من متدرب قام مدربه بانجاز عمل ما له وسطر عليه اسمه ففرح وشعر بالفخر؟ وكم من ابن قام والداه باتخاذ قرار خاص له فارتسمت البسمة على ثغره وحصل على ما يريد بكل يسر وسهولة؟.. إنها بسمة وفرحة لحظية تكفي ليوم واحد كما هو الحال مع السمكة، ولكن كيف سيكون المصير إذا تم التوقف عن هذه العادة السلبية ليتخذ من يطلب العلم والتدريب قرارا صارما ويطلب تعلم الطريقة السليمة لاصطياد السمك ليستمر معهم التلذذ بطعمه مادامت حياتهم على وجه البسيطة؟
كيف سيتصرف الطالب عندما يكون في قاعة الامتحان بعيدا عن معلمه؟ وكيف سيدبر المتدرب والابن أمورهما عند غياب أو رحيل من يدربهما ويعالج المشكلات ويتخذ القرارات لهما؟
عندما يوكل مدرب عملا للمتدرب الذي معه يتوقع منه أن يوجهه ويرشده لكيفية إنجاز تلك المهمة ويعطيه الوقت الكافي للتفكير والاعتماد على نفسه في دراسة وتقييم عدة خيارات واختيار الأنسب منها حسب المعايير التي تتوافق مع استراتيجية وسياسة جهة العمل، وبذلك تتحقق عدة فوائد وأهداف، من ضمنها تدريب الأفراد بشكل صحيح بحيث يجعلهم ممن يعتمد عليهم بانجاز أي مهمة مشابهة مستقبلا وأيضا سيشعر المدرب بالراحة حيث سيفوض المتدرب بانجاز المهمة بأقل جهد و توجيه منه. قد يتخاذل المدرب أحيانا في التدريب لعدة أسباب منها انشغاله وعدم تخصيص الوقت الكافي للمتدرب، أو رغبته في انجاز المهمة بأسرع وقت ممكن، ويرى أن المتدرب سوف يعيقه عن تحقيق ذلك بكثرة أسئلته واستفساراته، أو شعوره بخطورة المهمة ويتحاشى تعريض المتدرب للخطر، أو عدم إخلاصه وخوفه على وظيفته ومنصبه من أن يتولاه من يقوم بتدريبه، أو انه لا يملك الأسلوب في فن التعامل والتدريب أو انعدام الحوافز والدوافع أو غيرها من الأسباب.
في المقابل فالطرف الآخر أيضا يمكن أن يكون هو السبب في البقاء في دوامة مغلقة بدون تدريب وتطوير، وذلك عندما يفضل حياة الركود والخمول والاكتفاء بالقليل ويعتمد على شخص موجود يقوم بانجاز كل مهمة وتواجده دائما أمامه ليلجأ إليه كلما استعصى عليه أمر عسير واطمئنانه بأنه سيبقى معه ولن يغادره. عندما تتفشى هذه الظاهرة غير الصحية حتما سينتج عنها عواقب وخيمة تعود على جهة العمل بالآثار السلبية فمن ناحية المدرب سيستمر بالمعاناة ولن يشعر بالراحة لأنه فضل أن يقوم بكل مهمة بمفرده وسيستمر على هذا المنوال هذا إذا لم «يسلمه صاحب العمل الباب» إذا ما تبين بأنه هو السبب الرئيسي في عدم تدريب كفاءات يعتمد عليهم.
أما بالنسبة للمتدرب الذي يكتفي بأكل السمكة ولا يكترث بالمطالبة بتعلم الاصطياد، فعلى مستقبله السلام ليستمر عالة على غيره بدون شخصية فاقدا للثقة والمقدرة على الإبداع والانجاز واتخاذ القرارات الصائبة ومعالجة أسهل المشكلات، وسوف تؤول حياته إلى الضياع والفشل نظرا لاعتماده على غيره والسكون لحياة الأخذ بيسر وسهولة. وما ينطبق على المتدرب ينطبق على الابن وغيره، فالابن الذي يعتمد اعتمادا كليا على والديه لاتخاذ قراراته ومعالجة مشاكله والتدخل في كل صغيرة وكبيرة في اختيار طريقة حياته وتعطيل عقله حتما سوف يؤول مصيره إلى مالا تحمد عقباه..