الهنــد هــي مــن تجــارب الحيــاة العمليــة التــي لايمكــن نســيانها. فقبــل الســفر إليهــا في مهمــة عمــل تلقيــت تغذيــة رجعيــة ســلبية للغايــة ممــن قامـوا بزيارتهـا ممـا شـكل صـورة سـوداوية في مخيلتـي، ولكـن لـم أعرهـا اهتمامـا كبيـرا ورجعـت لـدرس مهـم في البرمجـة اللغويـة العصبيـة وهـو أن الخارطــة ليســت هــي الواقــع ولا ينبغــي أن أحكــم علــى المــكان قبــل تجميــع أكبــر قــدر مــن المعلومــات و رؤيــة المــكان.
ذهبــت لمــدة اســبوعن، وشــاهدت ماشــاهدت ولاأريــد الخــوض في التفاصيــل التــي دونتهــا في مذكراتــي الخاصــة. في اخـر يـوم قبـل مغـادرة الهنـد التقيـت بمديـر الفنـدق ووجـه إلـي سـؤالا “كيــف وجــدت الهنــد؟” صمــت قليــلا افكــر كيــف اجيبــه ثــم أجبتــه بــأن الفنـدق علـى قمـة مـن النظافـة والخدمـات متميـزة جـدا ولكـن يبـدو أنـه لايوجــد تناغــم بــن وجــود مثــل هــذا الفنــدق مــن فئــة الخمــس نجــوم والبيئـة المحيطـة. ثـم انطلقـت بسـرد انطباعـي قائـلا الهنـد غيـر الأماكـن التــي زرتهــا في حياتي،ازعــاج، تلــوث، شــوارع ضيقــة، ازدحــام، فوضــى، لانظـام، لانظافـة ويحتـاج للكثيـر الكثيـر مـن العمـل للنهضـة بـه وإخراجـه مـن الوضـع المأسـاوي الـذي يمـر بـه. فجــأة رأيــت ألوانــه قــد تغيــرت فشــعرت بأنــه لــم يكــن يتوقــع مثــل هــذه الإجابـة الصريحـة منـي،. التفـت إلـي وكان في غايـة اللطـف وقـال: لاتركـز فقـط علـى الجانـب السـلبي فبلادنـا عانـت كثيـرا مـن الاسـتعمار وشـهدت نهضـة كبيـرة علـى مـدى السـنوات الماضيـة بالرغـم مـن كثـرة عـدد السـكان حيـث أنهـا تقـع في المرتبـة الثانيـة بعـد الصين. وأسـرد قائـلا يوجـد لدينـا مصانــع للســيارات العالميــة تشــغل بكفــاءات هنديــة ولدينــا التكنولوجيــا المعلوماتيـة ونخبـة مـن افضـل الأطبـاء وغيـره.
حينهـا اسـتدركت الوضـع وشـعرت بأننـي كنـت قاسـيا عليـه بعـض الشـيء بصراحتـي، ثـم أعطيتـه جرعــة ايجابيــة وقلــت لــه نعــم بالرغــم مــن كثــرة النمــو الســكاني وحالــة الفقـر التـي يعانـي منهـا الكثيـر إلا أننـي أعجبـت بمسـتوى التعليـم لديكـم والكفـاءات التـي قابلتهـا في ورشـة العمـل خـلال الاسـبوعن وطموحاتهـم وإصرارهــم علــى مواصلــة التعليــم والحصــول علــى الشــهادات العليــا بـدون إغفـال الجانـب العملـي لكسـب الخبـرة التـي تتطلـع اليهـا المنظمـات وســوق العمــل.
بعــد مغــادرة الهنــد مــن بــاب الفضــول وحــب الاســتطلاع قمــت بالبحــث في الشــبكة العنكبوتيــة لمعرفــة المزيــد عــن أهــم المنتجــات الصناعيـة في الهنـد وانصدمـت بالكـم الهائـل مـن المنتجـات التـي تصنـع في الهنـد والتـي تعـد بـالآلاف حينهـا قمـت بإعـادة صيغـة السـؤال ليكـون “ماهــي الأشــياءالتــي لاتَصنعهــاالهنــد؟”يوجــد في الهنــد تقريبا ٥٦ جامعــة في مختلــف التخصصــات وتشــتهر الهنــد بصناعــة الســيارات والكمبيوتـرات والمعـدات الصناعيـة والصلـب ومعـدات النقـل والمنسـوجات والمجوهــرات وغيرهــا مــن المنتوجــات و تحتــل الموقــع الثانــي عالمًيــا في صناعــة الــدواء والســياحة العلاجيــة وهــي ســادس أكبــر قــوة نوويــة في العالـم وقـد قامـت مؤخـراً بإطـلاق صـاروخ نـووي مـن صناعتهـا.
نعـم مـن أراد التقـدم والنجـاح والرقـي فـلا يقـف اي عائـق في طريقـه لا الفقــر، ولا البيئــة المحيطــة، ولا المدرســة ولا المدرســن اذا مــاكان لديــه الطمـوح والإرادة والعزيمـة والإصـرار علـى تحـدي المصاعـب والتحديـات، وكان لديــه رؤيــة مســتقبلية وأهــداف واضحــة. مــن خــلال هــذه الرحلــة انصــح نفســي أولا وأبنائــي وإخوانــي للاســتفادة مــن هــذه التجربــة لكــي نكون اكثر مبادرة وتحملا للمسـئولية فنجاحنا أو إخفاقنا هو مسـؤوليتنا في الدرجـة الأولـى ونحـن مـن نرسـم طريقنـا فـلا ينبغـي أن نلقـي باللـوم والعتـاب علـى الغيـر او البيئـة والظـروف المحيطـة بنـا، ونستسـلم للفقـر أو أي عائــق يعتــرض طريقنــا. وعلينــا أن نكــون عناصــر منتجــة ومبتكــرة لا مسـتخدة ومسـتهلكة فقـط، فكـم هـي الـدول التـي تتمتـع بثـروات وخيـرات جســام ولكــن أيــن وكــم هــي عــدد منتجاتهــا المصنعــة التــي تســتخدمها محليـا وتصدرهـا لأنحـاء العالـم؟؟!!