مع إشراقة شمس العيد وتغريد الطيور، يخرج لؤي لصلاة العيد بصحبة والده لابساً ثيابه الناصعة، يتهلل وجهه فرحا، يشبك بأنامله الرقيقة كف والده، يتزود حنانا و يشعر بالأمان بجانبه..
عند باب المسجد يتبادل والده تهاني العيد مع أهل الحارة، كلما انتهى من شخص أقحم لؤي نفسه ومد يمينه للسلام وتطاول ومد عنقه رافعا يده اليسرى مشيرا لطوال القامة بالانحناء ليبصم قبلة العيد على خدهم، ويهمس في آذانهم «كل عام وأنتم بخير» يتبع لؤي والده إلى داخل المسجد، يستمر في التهاني بالعيد محاكيا والده في حركاته وسكناته. المسجد مزدحم بالمصلين، كل طفل تحرسه العناية الإلهية في كنف والده، يحاكيه، تغمره السعادة . يلمح لؤي زميله أحمد في إحدى زوايا المسجد، يسحب يد والده، يطلب منه الذهاب لزميله، يزف إليه تهنئة العيد، يسأل والد لؤي أحمد عن والده! أحمد يجيب بحرقة قلب وحسرة، بدمعة اتخذت مجراها من العين ..
قبل عام كان والدي يصطحبني معه إلى المسجد في يوم العيد، يصنع معي كما تصنع اليوم مع لؤي، يتهلل وجهه فرحا وسرورا وهو يقدمني لأصحابه
اليوم أصبح مغيبا في التراب، رحل وأخذ ثوب العيد وفرحته، وسلب الابتسامة من ثغري، فغدوت تائها طريقي، منسيا لا يعبأ أحد بالانتباه إلى صغر جرمي وتهنئتي بالعيد. بعد رحيل والدي لم أشعر بالانكسار والذل والحرمان كثيرا. كان أخي بقربي، يضمني إلى صدره ويرعاني بعينه يعوضني حنان وعطف من غيبه الزمن. كان عمي بجانبي يكنفني بحبه، لم يجعلني أشعر بفقد أبي، يزورني دوما ويصطحبني بسيارته مع أبنائه أينما ذهب ويغدق علي بالهدايا.. لا يفرق بيني وبين أبنائه. ما هي إلا أشهر حتى انقطع أخي وأصبحت لا أراه إلا مرة في الشهر خصوصا بعدما رزق بطفله الأول بعد طول انتظار، وأصبح مشغوفا بحبه.. مستبعدا أخاه من ذاكرته. قلت السلوة بعمي.. لكن لم تدم عنايته طويلا بعد غياب أخي، قلت زيارته تدريجيا إلى أن اضمحل نور حنانه وانقطع دلاله. صحتُ أماه أين أخي.. أين عمي؟ لم تهتد لإجابة تشفي غليلي.. فناديت لا أريد مالا، لا أريد هدايا.. يكفيني كلمة حب ونظرة عطف وهمسة شوق لتطفئ حرارة الفراق. انقطع الأمل وأصبحت أمي هي كل شيء في حياتي، هي أبي وأمي وأخي وعمي، تسهر ليلها حزينة تستعيد الذكريات الجميلة، تفكر في أمري وتربيتي، تقاسي الويلات لتوفير لقمة عيشي، وتبذل كل نفيس لتنير دربي بالتعليم. حملت هم كسوة العيد وما هان عليها أن ترى قلبي منكسرا، فهب أهل الخير والإحسان بصنوف الطعام وكسوة العيد وهداياه. يتألم والد لؤي من كلام أحمد، يضمه إلى صدره.. يقبله.. يمسح على رأسه رأفة بحاله، ويقدم له هدية العيد.
يتأثر لؤي، يقبل زميله أحمد، تخنقه العبرة بكلمات متكسرة في حنجرته لا يعرف كيف يسليه.
يقف مندهشا أمام والده، تبلل الدموع ثوبه، يتساءل بصوت خافت «هل سيؤول مصيري إلى ما آل إليه مصير أحمد بعد فقدك يا أبتاه؟»
٢٠٠٨/١٢/١٩