الولع بالأرقام المميزة

قياسي
رقم لوحة مميز بـ 6.5 مليون ريال … رقم جوال مميز بنصف مليون ريال!!! جميل أن يحصل المرء على رقم مميز يسهل حفظه وعلى حروف تشكل كلمات ذات معنى ولكن يقف الفكر متحيرا أمام هذه المبالغ الخيالية التي تدفع من أجل اقتناء رقم مميز وثمة علامات استفهام تطرح نفسها تبحث عن إجابات شافية مقنعة تبرر هذا البذخ والتبذير. هل بلغ من يدفع هذا المبلغ السقف الأعلى للتميز في المجالات العلمية والعملية الأخرى ولم يبق سوى طرق باب الأرقام بحثا عن التميز؟ ما الدوافع التي تجعله يسعى متلهفا ويدفع هذه المبالغ؟ من المستفيد من هذه الملايين؟ ما نصيب الجمعيات الخيرية وما ترعاه من مئات الأيتام والفقراء والمحتاجين؟ وأسئلة أخرى وأخرى تتردد على الأذهان…
ظاهرة البحث عن الأرقام المميزة ليست مقتصرة على شعب دون آخر فهي منتشرة في دول الخليج وكثير من الدول الأوربية وإن اختلفت قيمة الرقم المميز من دولة إلى أخرى. فقد بلغت قيمة أحد أرقام اللوحات في الإمارات 25 مليون درهم ولكن لماذا كل هذا الولع؟ البعض يبحث عن التميز بين رفاقه برقم لوحة سيارته أو جواله ولكي يعرف به، والبعض يسعى ليصبح من قائمة الأشخاص المهمين (VIP) ليتباهى ويري الناس انه من الأثرياء الذين لا يبالون ببذل الملايين من أجل الحصول على رقم مميز. وآخرون لهم أسبابهم الخاصة قد تكون بسبب تميزهم وبلوغهم أعلى درجات التميز في مختلف الميادين العلمية والعملية وبلغوا أعلى مراتب الإبداع والاكتشافات العلمية وأخذوا يبحثون عن أبواب أخرى لم تطرق بعد للتميز فيها.

أين هذه الملايين عن أطفال العالم الذين يموتون من شدة الجوع وقساوة البرد؟ أين هي عن أطفال ونساء وكهول التصقت جلودهم بعظامهم فأصبحوا هياكل عظمية تمشي على البسيطة؟ أين هي عن تلك الجمعيات الخيرية التي تؤوي الكثير من الأيتام والفقراء والمحتاجين وتعاني من قلة الإيرادات التي تعيقها عن تقديم ما تصبو إليه من مشاريع و خدمات جليلة للنهوض بهذه الفئة؟ معاناة شبه يومية تنشر في الصحف عن أحوال الفقراء ومعاناتهم والتماسهم العون من إخوتهم فضلا عن الحالات الأخرى المتعففة. إنني لست بصدد سرد قصص المعاناة التي لا تخفى على الكثير منا فذاك لا يجد دارا تؤويه وآخر إن وجد لايجد من يتكفل بايجارها وآخر يعيش مع أفراد عائلته الخمسة أو الأكثر في غرفة واحدة صغيرة المساحة وآخر لايملك بابا ليستر من يدخل دورة المياه لقضاء حاجته ويكتفي بستار من القماش وآخر وآخر … تشتد معاناتهم في الأوقات الراهنة والظروف الحانكة من الغلاء وارتفاع الأسعار التي يعانيها الأغنياء قبل الفقراء.

لقد شدني وأنا أكتب هذا المقال خبر قرأته عن شاب إماراتي ألغى حفل زفافه وتبرع بقيمته التي تقدر بـ 150 ألف درهم لدعم الحملة الخيرية التي تهدف لتوفير التعليم لمليون طفل فقير في العالم. إنها تضحية كبيرة بليلة العمر التي يحلم بها الزوج وزوجته وأهلهما وتستحق الإشادة بها. فأين من يدفع الملايين عن هذه البادرة النبيلة الفريدة من نوعها في سبيل النزول عن الرغبة في الحصول على رقم مميز.

مع احترامي وتقديري لإخواني وليس القصد التهكم والتعدي بل التواصي بالخير لنشكر هذه النعمة التي سوف نسأل عنها كما ورد في الحديث الشريف لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع … ومنها عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه. وأيضا لترشيد هذه المبالغ وتوجيهها لمن هم بأشد الحاجة إليها للنهوض بهم وإدخال السرور عليهم ورفع مستواهم المعيشي، وإن كان كلا ولابد ولايمكن التنازل عن هذه الرغبة في الحصول على الرقم المميز مهما بلغت القيمة فإنها دعوة لإعادة النظر لتوجيه هذه المبالغ الباهظة لتدفع بعنوان آخر للأعمال الخيرية تلبية للدعوة الإلهية في قوله تعالى: «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله اجر كريم»، وقوله: «مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم».

وكما قال القائل:

وحسبك داءً أن تبيت ببطنة … وحولك أكباد تحن إلى القد.