هل يسعى أو يفكر الآباء في تعاسة أبنائهم؟ إنه أمر بديهي بأن تكون الإجابة بالنفي للشخص السوي الواعي فكل منهما لا يألو جهدا في توفير الجو الملائم والتربية الصالحة التي تضمن سعادة وصلاح ونجاح ابنه بل يطمح إلى ماهو أكثر من ذلك بأن يراه في وضع أحسن من وضعه.
وكم يتأثر الوالد عندما يرى ابنه يتعثر في حياته ويخفق في تحقيق النجاح الذي يصبو إليه ويشعر بالدونية والحقارة وضيق الأفق وتنعدم لديه الثقة بالنفس والاعتماد عليها ويفتقد الذكاء الاجتماعي ويعاني من الأمراض النفسية حينها يكيل إليه باللوم والعتاب وكأنه لا دخل له بما أصاب ابنه. إننا كآباء نسهم بشكل كبير جدا في تشكيل حياة أبنائنا وقد نجني عليهم بسبب عدم الإلمام بمبادئ التربية الصحيحة أو الاهتمام والحرص المفرط الذي يولد حالة من القلق ونفاد الصبر والانفلات مما يؤدي أحيانا إلى التلفظ بكلمات وعبارات نابية قاسية مثل «أنت فاشل»، «أنت غبي»، « أنت مهمل»، «أنت أبله»، «أنت مغفل»، «أنت جبان».. أنت .. أنت .. وغيرها من الكلمات والرسائل السلبية الخطيرة التي نبثها مرارا وتكرارا منذ الطفولة حتى تترسخ في عقله الباطن ويتبرمج عليها ويتصرف على ضوئها. إنها عبارات قصيرة عابرة ولكنها سموم قاتلة للعقل الباطن (اللاواعي) الذي لا يميز بين الصح والخطأ و يصدق كل مايسمعه ويتكرر عليه. ويشتد الأمر سوءا عندما يتكرر سماع مثل هذه الرسائل السلبية ليس فقط من الأسرة بل من المدرسة ومن البيئة المحيطة التي يعيش المرء في أكنافها وأحيانا يسهم الشخص نفسه في برمجة عقله بالتفكير السلبي و تكرار مثل هذه الرسائل بينه وبين ذاته.
ومهما حصل من برمجة سلبية للعقل الباطن فالأمر يمكن تداركه من قبل الوالدين والشخص نفسه إذا ما وجدت الرغبة الصادقة للتغيير ووضع حد لاستقبال مثل هذه الرسائل السلبية المدمرة والإهانات وذلك بإعادة برمجة العقل الباطن كما تناولها المختصون في البرمجة اللغوية العصبية وعلماء النفس لتنقيته من تلك السموم بدلا من الوقوف وقفة المتفرج والكيل باللوم والعتاب على هذا الطرف أو ذاك وانتظار مالا يحمد عقباه. ولا بد من وضع حائط منيع لا يسمح للهواجس والأفكار والرسائل السلبية أن تتغلغل في العقل الباطن و تثبط من عزم المرء وتحط من قدره، فكما قيل: «ما أنت إلا ما تعتقده عن نفسك».
إن العقل الباطن كنز مجهول و مهمش لايعيره الكثير من الناس أهمية وعناية فقد وصفه الدكتور جوزيف ميرفي في كتابه (قوة عقلك الباطن) بأنه «منجم ذهب موجود في باطنك لديه قوة عجيبة تحقق المعجزات تستطيع من خلاله استخلاص كل شيء ترغب فيه لتحيا حياة تتسم بالبهجة والمرح والوفرة» . إن العقل الباطن مصدر للطاقة والقوة وقد ذهب بعض المختصين إلى أنه يمكن الاستفادة منه في تحقيق العديد من الأمور مثل النجاح والصحة والثروة وتحسين الذاكرة ومعالجة الكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية والصحية وعليه فالإنسان بحاجة إلى التحدث مع ذاته الداخلية من حين إلى آخر لتوجيه الرسائل الايجابية بطريقة يضمن تحرر العقل الباطن من قيود العقل الواعي ليكون أكثر استجابة وفعالية. فمن كتاب ميرفي وكتاب لأحد تلاميذه إرهاد فريتاج بعنوان (العقل الباطن نبع الطاقة التي لا حدود لها) ورد عدة نماذج للكثير من الحالات وكيف تم التعامل معها. فمن التقنيات المتبعة هو أن تتخذ مكانا هادئا مريحا وتتنفس بعمق عن طريق الأنف وإخراج الزفير بهدوء عن طريق الفم لعدة مرات ثم تكون في حالة استرخاء وتردد ماتريده من عبارات ايحائية ايجابية على عقلك الباطن فإن ذلك كفيل بأن يعيد برمجته. ولكي تتحصل على نتائج أفضل ينصح المختصون بضرورة الاقتناع بما تفعله وبدون تشكيك وأن تلتزم بالصبر فقد يستغرق الأمر أشهرا، وتكرار العبارات الايحائية من 2-3 مرات يوميا لبضع دقائق. وينبغي أن تكون الإيحاءات قوية ومحددة ومصاغة في الزمن المضارع ولاتخص أحدا سواك ولا تكون في صيغة النفي والنهي، فعندما تقول لا تفكر في الخوف فإن العقل يحذف «لا» ويأخذ بالتفكير في الخوف.
وينبغي تخيل الرغبة واستحضار الصورة الذهنية فالصورة تعدل ألف كلمة. ولابد أن تتجنب انتقادك لنفسك أو أن تسمح لأحد بتوجيه النقد الجارح والإهانات وعليك أن تعكس كل رسالة سلبية تستقبلها برسالة ايجابية كأمثال «أنا واثق من نفسي» ، «أنا ناجح» و»إنني أتمتع بصحة جيدة» وغيره من الرسائل التي يمكن أن تدون في المفكرة الخاصة أو حفظها وتكرارها على العقل الباطن لإعادة شحنه وبرمجته بما يريده هو لنفسه.
مرتبط