الحج السياحي

قياسي
نشرت جريدة( اليوم) قبل أيام موضوعا عن حج الخمس نجوم وما تقدمه بعض حملات الحج من خدمات لوجستية فارهة بتكلفة باهظة تصل إلى 100 ألف ريال. وقبل عام استطلعَت العربية.نت في استفتاء عن الحج السياحي فأظهرت النتائج بأن 53% من المشاركين يرون ذلك منافيا لفلسفة الصبر في الحج، و 38% يرون أنها ممارسات شرعية، و9% يرون بأن ذلك مطلوب لتشجيع الأغنياء على الحج.
مع غلاء المعيشة ارتفعت تكلفة الحج لهذا العام وتراوحت بين 3000 – 15000 ريال في الوسط العام بحيث يختار الحاج الحملة التي تتناسب مع دخله ووضعه الاقتصادي والبعض ينظر لوضعه الاجتماعي وما توفره الحملة من خدمات مميزة في المأكل والمسكن والمواصلات والتعليم والإرشاد.
 
شريحة من ذوي الدخل المحدود تضررت من هذا الارتفاع وأصبحت تصنف نفسها من الطبقة غير المستطيعة من الناحية المادية على أداء فريضة الحج بعد أن كانت تعقد الآمال للحج بسقف أعلى لا يتجاوز 1500 ريال في السنوات الماضية. وفئة أخرى من المقتدرين ارتأت بأن هذه التكلفة مبالغ فيها لأيام معدودة، في حين أنها لا تتوانى أبدا عن دفع أضعاف هذا المبلغ للسفر في رحلة سياحية إلى أوربا أو أي جهة أخرى يفتقد فيها المسافر ما يتحصل عليه الحاج من النفحات الإلهية والرجوع للوطن كما ولدته أمه.
 
لقد ورد بأن كثرةالإنفاق تستحب في الحج ولكن هل يصل الأمر إلى أن يتحول إلى نزهة سياحية ورحلة استجمام تتنافى مع فلسفة الحج وأبعاده التي شرعها الخالق. فكما ورد في المصدرين السابقين فإن بعض الشركات توفر أجنحة فندقية ومخيمات متميزة وخدمات (جوكوزي) ومساج وشاشات انترنت وتقدم حصى رمي الجمرات على صوان فاخرة وتقدم مالذ وطاب من الأطعمة في أطباق فارهة وغيرها من المميزات.
 
إن مظاهر الترف والتباهي والسعي خلف الملهيات الدنيوية في فريضة الحج لا تجعل الحاج يستشعر المعنى الحقيقي للعبودية المحضة والروحانية والانقطاع التام إلى الله جل وعلا في المشاعر المقدسة. وإن لم يكسر كبرياء وغطرسة وتباهي هذه النفس الأمارة بالسوء وهو يلبس ثوب الإحرام الذي يذكر بكفن الموت فكيف يسمح لجسده بملاصقة جسد الفقير ويختلط عرقه بعرقه أثناء الطواف والسعي وأداء المناسك الأخرى؟ أم أنه سيؤدي مناسكه بمفرده بمعزل عن الآخرين حينما يخف الازدحام؟ أو أنه سيكون له جناح خاص لتأدية هذه المناسك؟ فإذا كان الغني يبحث عن غناه والوجيه عن وجاهته في الحج فأين مبدأ المساواة التي هي من أبرز أهداف هذه الفريضة، وأين معيار التقوى للتفاضل بين المسلمين، وهل سيكونون في عداد الذين يتباهى الله بهم؟ كما ورد في الحديث الشريف: « يقول الله لملائكته: انظروا إلى زوار بيتي قد جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق».

الحج السياحي – صحيفة اليوم