البنك العاطفي بين الرمل والصخر

قياسي
عندما صفعه صديقه على وجهه خط بإصبعه على الرمل صفعني صديقي وعندما أنقذ حياته من الغرق بحث عن صخرة ونحت عليها هذه الذكرى الجميلة . حينها وقف صديقه أمامه مستفسرا عن السر في ذلك فأجابه عندما أسأت إلي كتبت هذه الذكرى على الرمل لكي تذهب في مهب الريح ولا يبقى لها أثر في مخيلتي، وعندما أسديت إلي معروفا وأنقذت حياتي حري بي أن أنحت هذا المعروف على الصخر لكي يبقى ذكرى خالدة لا أنساها مدى الدهر .

قصة يتناقلها الأحبة والأصدقاء فيما بينهم سواء كانت حقيقية أو خيالية فلا تخلو من العبرة والأخذ منها ما يمكن اتخاذه منهجا وسلوكا أخلاقيا وتربويا لكيفية التعامل مع ما يشوب العلاقات من كدر واختلاف في وجهات النظر . في كتابه العادات السبع للناس الأكثر فاعلية تناول ستيفن كوفي موضوع البنك العاطفي الذي شبهه بالبنك المادي، فالإنسان يحرص على تحصيل المال وإيداعه في البنك لزيادة رصيده . وكذلك الحال للبنك العاطفي فالانسان يزيد من رصيده بمعاملته وسلوكه وتصرفاته مع الآخرين . زيادة الرصيد لا تتأتى بسهولة وإنما تتطلب بذل الجهد والوقت لزيادة محسوسة في الرصيد بينما تصرف وسلوك واحد غير محسوب قد يصيب هذا البنك بالإفلاس لدى البعض من البشر خلال ثوان معدودة .
هل خلق الإنسان معصوما من الزلل والخطأ، ومن منا يستطيع أن يحكم نفسه ليبلغ الكمال في تصرفاته ومعاملاته مع الآخرين ؟ فالحياة لا تخلو من الاختلاف في وجهات النظر وسوء التفاهم وقد تحتد بعض المواقف وتتأزم الأمور وتصل إلى طريق مسدود والحكيم من لا يغفل عن بنوكه العاطفية لدى الآخرين ولا يتخذ من الصخر مذكرات له .
إن ما يكبد الخسائر في البنك العاطفي هو الإخفاق في مراعاة العلاقات والمعاملات من جانب، ومن جانب آخر ما ينهجه الكثير في كيفية التعامل مع الذكريات المؤلمة . فكم هي نسبة من يكتب ذكرياته المؤلمة على حبيبات الرمل لتذهب سدى في مهب الريح في أسرع وقت ممكن ويمسحها من ذاكرته قبل أن تتعشش بين ثنايا ضلوعه وتتراكم لتولد أحقادا يصعب التخلص منها . لقد اختلط الأمر بالنسبة للإساءة والإحسان حتى طغى تدوين مواقف الإساءة على المواقف الجميلة . صحيح أن الذكريات لا تنحت على الصخر بل أن البعض ينحتها على قلبه ويتخذ كراسا ليدون فيه مواقفه وذكرياته المؤلمة ويتصيد زلات وعثرات الآخرين ليؤكد إصراره على عدم الرغبة في التغاضي والنسيان، حتى لو شاءت الأقدار نسيان ما مضى لاستعاد ذكرياته بقراءة مذكراته ، بحيث لو التقى بمن أساء إليه منذ سنوات لاستحضرها وكأنها وليدة الساعة .
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل منهم من يفيض صدره غيظا ويسعى للفضفضة عن نفسه عبر االوسائل الإعلامية ببث سموم الحقد والبغض للتشهير والتجريح والإساءة لمن يضمر له الحقد بشكل صريح ليس بقصد النصح والإصلاح والنقد البناء والتوجيه والإرشاد والتطوير وإحداث التغيير الإيجابي. إن من يسلك هذا المنحى لا يهمه سوى تشويه صورة خصمه والنيل منه والحط من قدره في المجتمع لإرضاء أغراضه وأهوائه الشيطانية العدوانية، وتحقيق مآرب دنيوية بعيدة عن المعاني السامية والأخلاق المحمدية . وما أعظم ما قال الإمام السجاد (ع): «إن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره» فهذا هو الخلق النبوي الداعي للتسامح والعفو والصفح وتحصين النفس من الغيبة والبهتان وغضب الرحمن.