إنجاز الكثير بالقليل (مبدأ باريتو)

قياسي
يبـذل البعـض مجهـودا كبيـرا ويسـتهلك كل مـا يملـك مـن طاقـات في سـبيل تحقيـق وإنجـاز مـا ينـاط إليـه مـن مسـؤوليات أو مايرسـمه هـو لنفسـه مـن أهـداف ولكـن يتفاجـأ بالمحصلـة النهائيـة المخيبـة للآمـال والتـي لا ترقـى إلـى مسـتوى طموحاتـه ولا تتناسـب مـع الجهـد الـذي يبذلــه ولا الوقــت الــذي يســتغرقه. فأيــن تكمــن العلــة وكيــف يكــون الانسـان أكثـر فاعليـة وينجـز الكثيـر بالقليـل؟ مــن ينهــج هــذا الطريــق يعتقــد بأنــه عندمــا يبــذل ٥٠٪ مــن الجهــد يحصــل علــى ٥٠٪ مــن النتائــج وعندمــا يبــذل ٥٠٪ مــن الوقــت يحصــل علــى ٥٠٪ مــن النتائــج أو الفائــدة.
 غيــر أن هــذا الإعتقــاد بمبـدأ ٥٠/٥٠ غيـر صحيـح ولا يجـر لصاحبـه غيـر التعـب والانهـاك والإنتاجيـة القليلـة. لقـد لاحـظ باريتـو في عـام ١٩٠٦ م أن ٨٠٪ مـن الأرض في ايطاليــا يملكهــا ٢٠٪ مــن الســكان وكثــف بحثــه واكتشــف بـأن ذلـك ينطبـق علـى بلـدان أخـرى ووضـع مايعـرف إلـى يومنـا هـذا بمبـدأ أو قاعـدة باريتـو ٨٠/٢٠ والـذي أثبـت جـدواه في الكثيـر مـن مياديـن الحيـاة الشـخصية والمهنيـة. 
 
لقـد تطـور اسـتخدام هـذا المبـدأ وتم اســتخدامه في العديــد مــن مجــالات الحيــاة وترجمــت نتائجــه الفاعلـة في التسـويق والجـودة والاقتصـاد والنظـم المعلوماتيـة وإدارة المشـاريع واتخـاذ القـرارات والمفاوضـات وغيرهـا. فقـد تبـن لاحقـا أن ٨٠٪ مـن ثـروة العالـم يملكهـا ٢٥٪ مـن النـاس ٨٠٪ مـن الطاقـة يسـتهلكها ١٥٪ مـن سـكان العالـم. مبــدأ باريتــو يؤكــد أن ٨٠٪ مــن النتائــج يمكــن تحقيقهــا بواســطة ٪٢٠ مــن الجهــد أو الوقــت أو المــوارد. فعلــى ســبيل المثــال عندمــا نبحــث عــن الأسـباب المؤديـة للوفيـات جـراء الحـوادث المروريـة في السـعودية نجدهـا كثيـرة مثـل السـرعة وقطـع إشـارة المـرور واسـتخدام الجـوال أثنـاء القيـادة وعـدم الالتـزام بربـط حـزام الأمـان وغيـره مـن الأسـباب الكثيـرة. فعـلا مثـل هـذه المشـكلة بشـكل فاعـل لا يترتـب علـى معالجـة كل الأسـباب في وقـت واحـد بـل يتطلـب دراسـة أكثـر الأسـباب المؤديـة للحـوادث والتركيـز علــى ٢٠٪ منهــا وقــد يكــون ذلــك مقتصــرا علــى ثلاثــة أو أربعــة فقــط ووضــع الخطــط والإجــراءات للحــد منهــا فذلــك بــدوره ســيحد مــن ٪٨٠ مـن الحـوادث. ومثـال آخـر يتمثـل في النظـرة إلـى زيـادة المـوارد البشـرية لزيـادة الانتاجيـة او تسـريع انجـاز مهمـة مـا، فزيـادة العـدد ربمـا يكـون لـه مـردود سـلبي ولايسـهم في زيـادة الانتـاج. بتطبيـق نفـس المبـدأ فـإن ٪٢٠ مـن المـوارد البشـرية تسـهم في انتـاج ٨٠٪ ولربمـا تختلـف هـذه النسـبة الى ٧٥/٢٥ او ٧٠/٣٠ فعليـه ينبغـي التركيـز علـى المـوارد البشـرية والبحـث في كيفيـة زيـادة فاعليتهـا مـن حيـث الاسـتثمار في تدريبهـا وتطويرهـا لتكـون أكثـر فاعليـة وإنتاجيـة ولربمـا بعـض المؤسسـات والشـركات تنحـى منحـى الاسـتبدال بطاقـات أكثـر إنتاجيـة فتبحـث عـن الخبـرة والكفـاءة، والبعـض منها تقـوم بتوظيـف الوسـائل التكنولوجيـة والإبداعية. وفي مجال المشـاريع الكبيــرة التــي تحتــاج إلــى أيــادي عاملــة كبيــرة تقــدر بــالآلاف قــد يتجــه بعـض المقاولـن لزيـادة العـدد بـأي طريقـة مـن أجـل تلبيـة العـدد المطلـوب في الجــدول بــأي طريقــة ممكنــة ممــا يشــكل عبئــا كبيــرا في تدريبهــم وتوفيـر طاقـم إداري كبيـر لمتابعتهـم وإدارتهـم ميدانيـا باسـتمرار مـن أجـل ضمــان الإنتاجيــة المخطــط لهــا بجــودة عاليــة في زمــن قياســي. 
 
وعلــى المجـال الشـخصي تتفـاوت الأولويـات لـكل فـرد وقـد يلقـي البعـض باللـوم علــى عــدم وجــود الوقــت الــكافي لتحقيــق أهدافــه وإنجــاز مهامــه وذلــك ممــا لاشــك فيــه بســبب ســوء التحكــم في إدارة الوقــت وأيضــاً لفقــدان عامــل التخطيــط و التركيــز علــى الأولويــات المهمــة وبــذل الوقــت بشــكل عشــوائي. وهنــا تكمــن الاســتفادة مــن قاعــدة باريتــو بتركيــز ٢٠٪ مــن الجهــود والمســببات لإنجــاز ٨٠٪ ممــا يصبــوا إليــه بالتركيــز والتخطيــط بشــكل جيــد والبعــد عــن التشــتت والاهتمــام بصغائــر الأمــور في بدايــة الأمــر وهــدر الطاقــات والعيــش في بيئــة غيــر صحيــة تحــت ضغــوط نفســية ســلبية تــؤدي إلــى حصيلــة إنتاجيــة ضعيفــة تشــعره بالإحبــاط وخيبــة الأمــل وعــدم الرضــا النفســي عــن أدائــه وفاعليتــه وتقصيــره في الاهتمــام بالتــوازن في مجــالات حياتــه المختلفــة.