جواد الفهيد.. رمز التفاني والإخلاص
لسنا وحدنا من فقدناك ** وأفجعنا فقدك وبكيناك
لك في بيت الله ذكرى ** وكل ركن منه لن ينساك
بعد إجازة نقاهة واستجمام وانقطاع تام عن وسائل التواصل الاجتماعي فتحت الوتساب متصفحا الرسائل القديمة فإذا بحزمة من الأخبار السعيدة، وأخرى من الأخبار الحزينة المؤلمة بفقد الأحبة، وأهم تلك الأحداث المفجعة كان خبر فقد أخينا وحبيبنا خادم بيت الله جواد بن محمد الفهيد. قرأت الخبر في قروب المسجد ولم أصدق عيناي لما كان يتمتع به من نشاط وصحة جيدة، فقرأته مرة أخرى بتمعن وذهبت أنظر إلى الصور التي أكدت الخبر فتبعها لاشعوريا سيل من الدموع لمكانته الكبيرة في قلوب خدام بيت الله والمصلين.
من يعرف الأخ جواد عن قرب يحبه لا إراديا ولا يُلام لو بكته عينُه وأصاب قلبُه لوعة الحزن والأسى بفقده. الأخ جواد له خدمات تطوعية عديدة كما تم تناقلها ولكنني سأقف على الجانب الذي تشرفت بمعرفته فيه وهو خدماته الجليلة في مسجد السبطين (ع) بالهفوف. إنه انموذج فخر، وشمعة مضيئة، وشعلة وقادة، ونحلة تغدق برحيقها أينما حلت، نفس طيبة، بساطة بلا تكلف، خلق و بشاشة، ذوبان في الخدمة ليس له في الشهرة والسمعة والوجاهة الدنيوية.
عادة ينال الأشخاص البارزين المعروفين زخما إعلاميا ورثاء يسطر إنجازاتهم ومساهماتهم وخدماتهم التطوعية الجليلة للمجتمع وماعداهم قد يكون نسيا منسيا. ولكنني وفاء وعرفانا لهذه الشخصية المتميزة التي نذرت نفسها لخدمة المجتمع أبت القريحة إلا أن يكون لها وقفة فخر لتسطير ولو جزء يسير مما قدمَته ليبقى ذكرها مدويا ببصماتها التي انطبعت في قلوبنا وفي كل ركن من أركان المسجد. شخصية خدومة تعمل بإخلاص وتفان بنفس طيبة بلا ملل ولا كلل، ولا تبحث عن سمعة ولاشهرة ولا فلاشات، ولا وجاهة دنيوية. خدماته في المسجد ليست محصورة في لجنة واحدة أو مكان معين كما هو الحال مع الكثير من الأعضاء بل كان يبذل قصارى جهده أينما استدعت الحاجة والإبتسامة لاتفارق شفتيه، يجول يمينا وشمالا بخلقه الرفيع وتواضعه وإحسانه إلى كل من أساء إليه.
جواد، اسم على مسمى بجوده وكرم نفسه وعزتها وخدماته الجليلة التي تركت بصمات في مختلف اللجان. فعندما تصل إلى المسجد تراه في لجنة الحماة للمشاركة في حماية المصلين مع إخوانه ليصلوا بأمن وأمان، وعندما تبحث عن كوادر في لجنة الخدمات تراه من أوائل المتطوعين ففي كل جمعة يقف عند طاولته المعهودة مستقبلا المصلين ومقدما لهم الترب والمسابيح، ولا يألوا جهدا في وضع السجاد وتهيئة المكان للمصلين حسب الحاجة ورفعه بعد الانتهاء. وفي ليالي القدر والمناسبات له صولات وجولات لخدمة المصلين. وفي شهر رمضان له دور بارز في إعداد وترتيب الإفطار مع زملائه ولا يغادر المسجد إلا بعد المصلين بساعة على الأقل بعد المشاركة في تنظيف المسجد وترتيبه مع خادم المسجد. وفي مأدبة كريم أهل البيت (عليه السلام) كيف لنا أن ننسى صوته المدوي الداعي للمشاركة في هذه المأدبة السنوية التي لايقل ضيوفها عن ٨٠٠ شخص، وكذلك جهوده المتضافرة مع ثلة من الأعضاء للتجهيز والتنسيق والمكث لوقت متأخر للتنظيف. وفي كل رحلة لأبنائنا الأعزاء لايتوانى عن الخدمة حتى وإن كان يعاني من تعب ونصب العمل في سبيل إدخال البهجة والسرور على نفوس الأبناء. وفي جانب الصيانة لايتردد عن تقديم العون كلما سنحت له الفرصة، وفي الضيافة لمناسبات أهل البيت (عليهم السلام) لا يغيب شخصه، وما أجمل دلة القهوة بيده وهو يستأنس بخدمة المؤمنين.
لله دره من شخصية نذرت نفسها لخدمة المؤمنين ببساطة وبدون تكلف. إنه بحق مدرسة وانموذج يستحق أن يُحتذى به للعمل بإخلاص تقربا إلى الله تعالى. اتصف بالمبادرة و سمو الخلق والتواضع والهدوء والعمل بصمت. هنيئا له شرف هذه الخدمة، وهنيئا له تلك البصمات التي تركها من بعده، وهنيئا له الذكر الجميل على ألسنة المؤمنين.
أبا محمد.. لقد فقدناك جسدا لكننا لن ننساك شاخصا أمامنا في كل ركن من أركان المسجد، وستبقى صورتك خالدة في أذهاننا، وستبقى طاولتك في المسجد تحن إليك في كل جمعة وليالي القدر، وسنبقى نعيش ذكراك بسماع صوتك وتخيل ابتسامة ثغرك..
تغمدك الله بواسع رحمته وأسكنك فسيح جناته وأعظم الله الأجر لأهلك ومحبيك وألهمهم الصبر والسلوان، ولا نقول إلا إنا لله وإنا إليه راجعون.
عبدالله الحجي
تاريخ الوفاة/ يوم الثلاثاء
١٤٤٠/١٢/١٩ هـ
٢٠١٩/٨/٢٠ م