يحكى أنه كان لأحد الملوك وزير حكيم كان دائماً يقول له “الخير فيما وقع” كلما أصابه شيء يكرهه، وذات يوم قطع أصبع الملك فقال له الوزير نفس العبارة فغضب الحاكم وأمر برميه في السجن فقال الوزير أيضاً الخير فيما وقع. لبث الوزير في السجن طويلا وذات يوم خرج الملك للصيد وابتعد عن حراسه متعقبا فريسته، فمر بقوم يعبدون صنما فقبضوا عليه ليقدموه قربانا للصنم ولكن بعد فحصه تبين لهم أنه لايصلح بسبب إصبعه المبتور فأطلقوا سراحه. فرح الملك وعاد إلى مقره وأحضر الوزير واعتذر منه وأخبره بأنه أدرك الحكمة من قطع الإصبع وأنه حقاً كان فيه خيرا في حفظ حياته ولكن ماهو الخير في سجنه. التفت إليه الوزير وقال نعم الخير فيما وقع في سجني لأنه لو كنت معك في الصيد لأخذني القوم قربانا بدلا منك.
سواء كانت الحكاية حقيقة أم لا فالعبرة هي أن الإنسان في هذه الدنيا معرَّض لشتى أنواع البلاء والإمتحان من الله عز وجل في نفسه وولده وعائلته وماله وغيره كما ورد في قوله تعالى:” وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ”
وعليه أن يتعامل مع هذا البلاء بحكمة ومنهجية ذات أبعاد روحانية تكون بلسما له حتى وإن لم تتجلى له الأسرار الخفية مما يحل به وعليه أن يتقبل البلاء بجميع صوره إن كان خيرا وإن كان شرا “وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ”، وأن لايفرح عند حصوله على ما يريد ويصاب بالانتكاسة والخسران لابتلائه بما يكره “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ”
وقال تعالى: “فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ”
من الضروري أن يعمق الإنسان ثقته بالله تعالى بأن الخير فيما وقع وكتبه الله له ولربما تكون الحكمة غير واضحة له اليوم ولربما تكون على المدى البعيد أو لا تظهر في دار الدنيا وتدخر له في دار الآخرة لينال بها الخير الكثير ورضوان رب العالمين وجنات النعيم. قال تعالى: “قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ”،
وقال تعالى:” وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”
وورد عن الإمام الباقر: عليه السلام “ما أبالي أصبحت فقيرا أو مريضا أوغنيا لأن آللّـّه يقول: لا أفعل بالمؤمن إلا ماهو خير له”
و عليه التحلي بالصبر وتكرار قول -إنا لله وإنا إليه راجعون كما أمرنا الله في قوله: ” وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”
وقال تعالى:” وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِين”،
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” فاصبر فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا “
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ” لا يعدم الصبر الظفر وإن طال به الزمان “
وهنا تكمن الحاجة للتفاؤل والإكثار من الحمد والشكر والنظرة الإيجابية إلى مايصيبه من بلاء وتحديات في حياته وتحويلها إلى فرص مثمرة في شتى الميادين المتاحة مقويا ثقته بالله جل وعلا، فهو بنظرته القاصرة قد يرى الخير والمصلحة في أمر ما ولكن الله يرى له غير ذلك فيصرفه لمافيه خير ومنفعة له سواء على المدى القصير أو البعيد.
عبدالله الحجي
٢٠١٥/١١/٢